شعار قسم ميدان

بحقيبة ظهر وبعض المال.. أفلام تحفّزك على السياحة رخيصة الثمن حول العالم

ميدان - صورة من فيلم البرية

عندما حصر الإمام الشافعي فوائد السفـر في خمس: تفريج الهموم، واكتساب المعيشة، والعلم، وتحصيل الآداب، وصحبة الأماجدِ؛ فهو قطعا كان يقصد فوائد السفر في عصره. أما في أيامنا هذه، فالأمر قطعا يتجاوز كثيرا هذه الفوائد الخمس إلى ربما عشرات الفوائد الأخرى التي يحصدها المسافر نفسيا وعقليا وإنسانيا بعد خوض تجربة الترحال إلى بلاد الله الواسعة.

 

ويظل عالم الأفلام من أكثر المواد العصرية التي تسلّط الضوء على السفر وفوائده. لدينا هنا مجموعة من الأفلام والوثائقيـات التي تركّز على مفهوم الترحال والسفـر بأبسط وسائله. نحن هنا لا نتحدث عن وسائل السفر الفارهة أو الرحلات السياحية الغالية، بل عن تجربة الترحال البسيطة التي تتطلب منك فقط حقيبة ظهـر وبعض المال في جيبك لتسديد التزاماتك الضـرورية، ومن ثمّ الذوبان في بلاد الله الواسعة، ترصد وتعيش وتتعايش وتفهم وتوسّع آفاقك وتحصد من الخبرات والمشاهدات ما لا يمكنك الحصول عليه في مدينتك.

    

لف البلاد.. سياحة في أوروبا بميزانية 2000 دولار فقط

لا شك أن تجربة السفر السياحي إلى أوروبا من أروع التجارب السياحية التي يمرّ بها أي مهتم بالترحال، ولكنها تبقى من أكثر التجارب غلاء أيضا، وبالتالي تحتاج دائما إلى إعداد ميزانيـة خاصة يمكن من خلالها المسافر أن يقضي وقتا ممتعا خلال فترة سفره. وبالطبع تختلف الأسعار بحسب اختلاف مستويات أماكن الإقامة والمدن التي يزورها فضلا عن نوعية المنتجات والخدمات التي يستخدمها خلال تلك الفترة.

   

    

لكن هل يعني هذا أن تجربة السفر والترحال داخل القارة الأوروبية مقتصـرة على الأغنياء فقط؟ حسن سليمـان، رحّالة مصـري أثبت خطأ هذه النظرية عندما قام ببدء رحلـة زار فيها أهم وأجمل المدن الأوروبية على مدار شهـر كامل بأدوات ووسائل رخيصة وبسيطة للغايـة بميزانية 2000 دولار فقط. بمعنى آخر، فإنه قضى شهرا كاملا في أوروبا وزار الكثير من المدن بميزانية متواضعة للغاية لا تكفي للإقامة السياحية بضعة أيام في عاصمة أوروبية كبيرة.

    

وثائقي "لف البلاد" هو سلسلة وثائقيـة أُذيعت على قناة الجزيرة الوثائقيـة على مدار تسع حلقات، الحلقة الواحدة مدتها 20 دقيقة، تسلط الضوء على شاب مصـري يبدأ رحلته في أوروبا مسافرا من مدينة الإسكندرية المصرية إلى مدريد الإسبانية، ليبدأ رحلته الأوروبية من أقصى غرب القارة. على مدار الحلقـات المتتابعة يتنقل الوثائقي عبر مجموعة من المدن الأوروبية بدءا من إسبانيا والبرتغال، مرورا بفرنسا وإيطاليا وشرق أوروبا، إلى أن تنتهي الرحلـة في شمال فنلندا عند القطب الشمالي بعد مرور شهر من التنقلات بميزانيـة 2000 دولار فقط.

   

الوثائقي يقدم اتجاهين شديدي الأهمية لمحبي السفر والترحال، فمن ناحيـة يقدم خبرة ممتازة لمحبي السفر والترحال الرخيص، حيث يظهـر بطل الفيلم مجموعة من الأنشطة التي يمارسها للسفـر عبر وسائل النقل الرخيصة أو المبيت لدى الأصدقاء أو حتى المبيت على شاطئ البحر توفيرا للنفقات، أبسط وسيلة للتواصل مع الخدمات في أوروبا، موتيلات المسافرين والمرتحلين، تطبيقـات حجز الغرف لمدة يوم واحد. ومن ناحيـة أخرى، يسلط الفيلم الضوء على جماليات هذه المدن وطباع شعوبها وأبرز عاداتها وتقاليدها والمشاهد الخلابة التي تحويها، فضلا عن رأي بطل الفيلم نفسه فيما يراه من مشاهد، وآرائه بخصوص طبيعة المدن وشعوبها ومقارنتها بالسلوكيات والطبائع العربية.

   

إلى البرية.. برفقة حقيبة سفر مليئة بالكتب

  

عندما يتخرّج الطالب المتفوّق "كريتسـوفر" من جامعة إيموري محمّلا بالطموح والاجتهاد، يفاجئ كل المحيطين به أنه لن يبقى معهم وأنه سيرحل. يرفض هدية والده الثري الذي اشترى له سيارة فارهة، ويقوم بالتبرع بمدخراته الجامعية التي تبلغ قيمتها 24 ألف دولار إلى إحدى الجمعيات الخيرية، ثم يحزم حقيبة ظهـر كبيرة ويملؤها بالكتب والأدوات التي يحتاج إليها للسفر، ثم يرحل.

  

يقابل كريستوفر في رحلته الطويلة الكثير من الشخصيات العفوية التي تؤثر فيه وفي حياته بشدة، ويمر بسلسلة من الأحداث والمواقف المختلفة بعضها عظيم وبعضها مخيف ومؤثر تجعل رحلته العفــوية مليئة بالمعاني. حقيبة ظهـر وبعض المال وأدوات بسيطة لسفـر على غير هدى هدفه أن يعرف أكثر ويتأمل أكثر في جوانب الحياة المحيطة به واكتساب المعاني الإنسانية العميقة بمعناها المجرّد بعيدا عن الطرح الأكاديمي -الذي تميّز فيه دراسيا- أو الطرح الحضاري للحياة النمطية المعتادة.

  

فيلم "إلى البرية" (Into the wild) أُنتج عام 2007 وهو مبني على رواية تحمل العنـوان نفسه، ويعتبر من أفضل الأفلام الدرامية لهذا العام حيث حاز مراجعات نقدية إيجابية مرتفعة للغاية من الجمهور والنقاد. الفيلم ترشح لـ 15 جائزة دولية، حصد منها 8 جوائز. وما زال حتى الآن يعتبر من أفضل أفلام "الرحلات" إن لم يكن يأتي دائما على رأس القائمة باعتباره يجمع بين روعة التجوال والمشاهدات وبين روعة المعاني والمواقف أيضا. (1، 2)

  

البريّة.. الهرب من الحيــاة بمحاذاة الساحل

  

للوهلة الأولى، يبدو التقارب واضحا بين فيلم "البرية" (Wild) الذي أُنتج في العام 2014 وبين فيلم "إلى البرية" (into the wild) في سياق القصـة والعنوان أيضا، ولكن الفرق الجوهري أن الأول كان بطله يهرب من حياة ناجحة مميزة باذخة إلى معرفة الحياة الحقيقية حول الأسوار، بينما الثاني تعيش بطلته حيـاة مأساوية تجبـرها على الرحيل بعيدا عن كافة المشاكل التي تواجهها في حياتها، والانطلاق في رحلة سفـر طويلة تعتبرها تهذيبا للنفس واجترارا للذكـريات.

 

الفيلم يجسد قصة حقيقية قائمة على مذكرات "شيريل سترايد" التي نُشرت في العام 2012، يحكي عن فتاة تعاني من حياة شخصية مضطـربة للغاية وأزمات نفسية بعد وفاة والدتها ودخولها في العديد من العلاقات الإنسانية الفاشلة وزواج فاشل انتهى بالطلاق، حتى تقرر أن تحزم حقيبة ظهـر كبيـرة وتبدأ رحلتها مشيا على الأقدام بمحاذاة الساحل الغربي لتقطع مسافة 1100 ميل كاملة في مناطق صحراوية ممتدة.

  

على مدار رحلتها تقوم تشيريل بالتخييم في الصحراء، والمرور بالكثير من المواقف السيئة والجيدة، في الوقت نفسه الذي تتذكر فيه أسوأ لحظـاتها وأكثرها صعـوبة كنوع من التطهيـر الذاتي لحيـاتها، ومراجعـة مواقفها السيئة كذلك.

  

الفيلم حصد تقييما نقديا إيجابيا انعكس على إيراداته التي تجاوزت الخمسين مليون دولار وترشح لعدد كبير من الجوائز الدولية، خصوصا الدور الذي لعبته الممثلة الأميـركية "ريس ويذرسبون" في تجسيد شخصية شيريل. ويعتبر الفيلم من أشهر الأفلام التي أُنتجت مؤخرا بخصوص حياة الرحّالة والمسافرين عبر الرحلات منخفضة التكلفة المسمّـاة "هيتش هايكينج" (Hitch hiking). (3، 4)

  

الحياة السرية لوالتر ميتي.. السفر في الواقع أفضل من السفر بالخيال

  

والتر ميتي موظف روتيني يعمل لدى مجلة "لايف" التي تعمل في مجال الطبيعة والمغامرات، وحياته المهنية عبارة عن حلقة وصل بين المجلة من ناحية ومصوّر محترف للطبيعة حول العالم من ناحية أخرى. وظيفة نمطية معتادة للغاية تجعل حياة والتر ميتي رتيبة تماما لدرجة أن يحيا بشكل كامل تقريبا في أحلام اليقظة ونسخ قصص ومغامرات في خياله من فرط روتينية الحياة التي يعيشها.

  

في منتصف هذه الحياة الروتينية يكتشف وجود صورة نيجاتيف مفقودة من المفترض أن توضع على عدد الغلاف الأخير للمجلة، وهو الأمر الذي يحتّم عليه السفـر سريعا إلى عدة أماكن حول العالم أهمها آيسلندا وجرينلاند والهيميلايا واليمن للبحث عن هذه الصورة. هذه المغامرة ستؤثر بشكل كامل في حياة والتر ميتي الروتينية وتجعله يعيش بنفسه في مغامرة حقيقية وليس مجرد مغامرات من نسج الخيال.

  

فيلم "الحياة السرية لوالتر ميتي" (The secret life of walter mitty) أُنتج عام 2013 ومن بطولة الممثل الأميركي الكوميدي الشهير "بين ستيلر". الفيلم مبني على قصة قصيرة نُشرت في العام 1939، واستطاع تحقيق إيرادات كبـرى لامست الـ 190 مليون دولار في شباك التذاكر وأيضا حاز تقييما نقديا إيجابيا مرتفعا، كما ترشح لعدد كبير من الجوائز العالمية.

  

الفيلم ينقسم إلى نصفين، النصف الأول يبرز الحياة الروتينية المملة المليئة بأحلام اليقظة التي يمرّ بها والتر ميتي، والنصف الثاني يبرز الحياة الصاخبة المليئة بالمغامرة والحركة والترحال والسفر والتجارب التي يمرّ بها الشخص نفسه عندما يخرج من "رحلاته الخيالية" إلى رحلاته الحقيقية. يعتبر الفيلم من أكثر الأفلام التي توضّح طبيعة السفر الإيجابية ويعبّر بشكل أساسي عن حال الملايين الراغبين في السفر والتنقل وليس لديهم الحماس أو الجرأة الكافية للخروج من أحلام اليقظة إلى عالم الواقع. (5، 6)

  

الطريق.. الترحال يذهب الألم

    

"أنت لا تختار الحياة، بل تعيش واحدة"

(شعار ملصق الفيلم)

  

مفعما بالألم والحزن يذهب الطبيب الأميـركي توماس إفري إلى فرنسا بعد أن يصله خبر وفاة ابنه الأكبر في كارثة طبيعية، محاولا جمع بقية جثمـان ابنه ودفنه بما يليق. وفي طريق عودته مثقلا بالألم يجد في طريقه 3 أشخاص رحّالة يقررون الذهاب إلى إسبانيـا مشيا على الأقدام دون استخدام أي وسائل مواصلات، فيقرر الذهاب معهم ومشاركتهم في هذه المغامرة العجيبة.

 

خلال رحلة العودة من فرنسا إلى إسبانيا مشيا على الأقدام يلتقي الأب المكلوم بالعديد من الأشخاص حول العالم كل لديه مشاكله وآلامه وأزمـاته التي تختلف عن الآخر، وكل يجتر هذه الآلام أثناء رحلة المشي هذه. في النهاية تتكوّن له صورة واسعة عن الحياة ومشاكلها وأحلامها وحتى أمجادها، بما يعتبر من أفضل التجارب الحياتية التي مرّ بها على الإطلاق بعد أن اعتبر أن الحياة قد انتهت بعد وفاة ابنه.

  

فيلم "الطريق" (The Way) هو فيلم إسباني أُنتج عام 2010 يعتبر من أشهر وأفضل أفلام الترحال خلال السنوات المقبلة باعتباره يقدم المزية الأساسية للسفـر وهي اجترار الأحزان والنظـر إلى حياة الآخرين وتوسيع الرؤى حتى تصبح الحياة بعد السفـر مختلفة تماما عن الحياة قبله. الفيلم حقق تقييما نقديا إيجابيا لدى الجمهور والنقاد، ومن بطولة الممثل الأميـركي مارتن شين الذي لعب دورا استثنائيا بتجسيد شخصية الطبيب توماس أفري. (7، 8)

  

رحلة أوروبية.. أوروبا في عيون المراهقين

  

ربما يعتبر هذا الفيلم واحدا من ألطف أفلام السفر على الإطلاق، كونه لا يسلط الضوء على المسافر نفسه وإنما يسلط الضوء على السلوكيات المتباينة للمجتمعات المختلفة وتأثيرها على المسافر. المسافر هذه المرة مجموعة من المراهقين الأميركيين الذين انتهوا لتوّهم من المدرسة الثانوية وقرروا السفـر إلى أوروبا. الواقع أنهم قرروا السفر أصلا بصحبة "سكوت توماس" المراهق الذي استمرّ في مراسلة صديق له من برلين يُدعى "مايكي"، ليسافر إليه ويكتشف أنها فتاة.

  

قصة الفيلم تدور حول رحلة يشرع فيها سكوت مع أصدقائه في أوروبا، تبدأ من العاصمة البريطانية لندن مرورا بأمستردام ثم ألمـانيا وإيطاليا وغيرها حتى تستمر رحلتهم عبر ثماني دول أوروبية. في هذه الرحلة يقابل الشباب العديد من المواقف الطريفة التي إما تتوافق مع انطباعاتهم السابقة بخصوص هذه البلاد وإما تخالفها تماما، بدءا من من مشجعي كرة القدم المشاغبين إلى الصفات الرقيقة للإيطاليين، فضلا عن المناظر الخلابة والمدهشة للبلاد التي يتخللها مواقف مأساوية وظروف سيئة أو مُحرجة بأقل تقدير.

 

فيلم "رحلة أوروبية" (Euro trip) أُنتج عام 2004، ويعتبر من أهم الأفلام المُرشّحة لعشاق السفر عموما ولمحبي السفـر الرخيص خصوصا. الفيلم حقق تقييما نقديا إيجابيا وحقق إيرادات بقيمة 20 مليون دولار، وهو مصنّف باعتباره فيلم مغامرة للمراهقين. الفيلم يحمل في طياته نوستالجيا رقيقـة لمواليد الثمانينيات، حيث يلعب أبطاله دور الشباب والمراهقين في بداية الألفية التي عاش فيها مواليد الثمانينيات مراهقتهم وشبابهم المبكر. (9، 10)

      undefined

     

في النهاية، العالم عبارة عن كتاب، وأولئك الذين لا يسافرون لم يقرأوا سوى ورقة واحدة منه. (11) مقولة القديس أوغطسين الشهيـرة هي مقولة دقيقة بلا شك؛ فلا يوجد نشاط مثل السفــر يوسّع المدارك والفهم والوعي من ناحية، وإعادة ترتيب الأوراق وتبديد الاكتئاب والضيق وروتينية الحياة من ناحية أخرى. فقط طالما توافر عنصـر الأمان أثناء الحِل والترحال والذوبان في أرض الله الواسعة.

المصدر : الجزيرة