بيئة العمل السبب.. ليس كل زميل يضايقك مريض نفسي
نص التقرير
أصبحت أماكن العمل بيئات أكثر صعوبة وإيذاء بشكل متزايد، ولذلك ظهرت الكثير من المقالات والكتب التي تتحدث عن كيفية التعامل مع "المضطربين نفسيا" من زملائك في العمل. إلا أن الاضطراب النفسي في حد ذاته محط خلاف كبير إذا ما اعتبرناه فئة تشخيصية، كما أن وصف أحد زملاء العمل بالمعتل نفسيا، يبين لنا كيف أن أماكن عملنا تشجع السلوك السيء.
بداية من ثقافة العمل "الدائمة"، وصولا إلى ممارسات العمل المصممة بشكل سيء، هناك الكثير من الأسباب التي تدفع زميل العمل إلى التصرف بشكل سيء، وهو ما يُعد سببا جزئيا أيضا لمنع الأطباء من تشخيص حالة شخص ما عن بعد فربما يكون هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر في سلوك الشخص.
يرتكز البحث في مجال الاضطراب النفسي الجنائي على آلاف الحالات، ويتضمن تنبؤا إحصائيا لأفعال مستقبلية استنادا إلى تلك الحالات. أما تلك المقالات التي تُحدد لك طريقة معرفة ما إن كان رئيسك في العمل مريضا نفسيا أم لا؛ لا تحتوي ببساطة على نفس قاعدة الأدلة، فمن بين 20 معيارا يُستخدم في تقييم الاضطراب النفسي الجنائي، الكثير منها لا تنعكس على أرض الواقع في أماكن العمل، كما أن المعايير الأخرى لم تُختبر في بيئات العمل أيضا.
إن شخصيات الناس ليست ثابتة، مما يعني أن بعض أدوات الموارد البشرية؛ مثل اختبار "الذكاء العاطفي" والمعروف إختصارا باسم (EQ) ربما يحفز الناس بالفعل لأن يصبحوا أكثر مهارة في التلاعب بمشاعر الآخرين. فإذا ما عُين شخص ما، أو تلقى ترقية في عمله لأنه جيد جدا في التأثير في تصورات الآخرين عن صورته الشخصية وإدارة الانطباع، فعلى الأرجح يكون هؤلاء الأشخاص مؤثرين جدا في جعل رؤسائهم في العمل يعتقدون أنهم يؤدون عملا رائعا، بينما يتنمرون في نفس الوقت على زملائهم ومرؤوسيهم.
كما يمكن أيضا أن تؤدي أماكن العمل المصممة بشكلٍ سيء، بما فيها من طلبات مبالغ فيها، وبيئة مادية رديئة، وممارسات غير منصفة، وضحالة في الدعم الاجتماعي، إلى توليد ضغط على الموظفين، على سبيل المثال يمكن أن تؤدي عمليات الموارد البشرية غير المصممة بعناية، والتي تشمل إدارة الأداء؛ إلى تقويض العلاقات الاجتماعية. ونتيجةً لذلك، تطغى استراتيجيات المسايرة بين زملاء العمل بما يتضمنه ذلك من تغيير طريقة تفكيرنا في المواقف المختلفة، أو استخدام الدعابة، أو التركيز على حل المشاكل. وهو ما يتركهم أقل قدرة على مواجهة ضغوطات العمل اليومية العادية، وتنظيم سلوكياتهم الاجتماعية بشكل فعال.
بعبارة أخرى، يُمكن أن يرتبط السلوك السيء في أماكن العمل بالإرهاق، وليس بأحد جوانب شخصية الفرد، كما قد يؤدي الاستياء الناتج عن السياقات الاجتماعية العصيبة إلى "الشعور بالانفصال والنأي بالنفس"، والذي يُعد آلية حماية ذاتية تُمكن الناس من فصل أنفسهم عن شعورهم بالضيق والألم، إلا أن الآخرين قد يرون ذلك فتورا أو عدم تعاطف. فبدلا من الخطأ في تصنيف هؤلاء الأشخاص البائسين بالمرضى النفسيين، ينبغي علينا فهم وإدراك تلك المؤشرات المبكرة لردود الأفعال التي تحتاج إلى الاهتمام بشكل أفضل.
من أجل استخدام مصطلح "مريض نفسيا" بشكل دقيقٍ في أماكن العمل، سيتطلب ذلك جمع بيانات لآلاف الحالات من الموظفين، واختبار المُتغيرات التي تتنبأ بها، والتي تتضمن على سبيل المثال: التنمر والتحرش والاحتيال، وغيرها من سلوكيات العمل التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية. مثل هذه الأبحاث موجودة بالفعل، لكنها لاتزال في مراحلها الأولى، وتحتاج إلى تكرارها باستخدام عينات أوسع نطاقا.
ولكن إذا فكرنا بشكل أعمق؛ فإن ذلك يصرف انتباهنا عما يجب علينا فعله، وهو السعي إلى أن تكون أماكن عملنا أفضل الأماكن. وهذا لن يتأتى إلا من خلال الاهتمام الدقيق بالطريقة التي تغذي بها تنظيمات وممارسات العمل الظلم والإجحاف، وتبرز أسوأ ما فينا. فبدلا من تطوير أساليب جديدة لإلقاء اللوم، ووصف بعضنا البعض بمفاهيم نفسية مختلفة، ينبغي علينا خلق بيئات تهتم بحاجتنا إلى الانتماء، وأن نحصل على التقدير المناسب لإسهاماتنا.
وفي النهاية، إذا كنت تعتزم وصم زميل لك بأنه مريض نفسي، فربما ينبغي عليك أن تسأل نفسك هذا السؤال: "هل أنا كذلك أيضًا؟" فهناك دليل نفسي قوي يُشير إلى أن إصدار الأحكام على أفعال الآخرين، يكون عادة أكثر قسوة من أحكامنا على أفعالنا الشخصية حتى وإن كانت نفس الأفعال. إن وصف شخص ما بالمريض النفسي، يجعل الأمر يتعلق بالفرد فحسب؛ بدلا من التركيز على العوامل التنظيمية التي تسهم في ظهور هذا السلوك.
____________________________________________________
مترجم عن: (ذا كونفرزيشن)