شعار قسم ميدان

في أعماق البحار.. محاضرات تستكشف عجائب المحيطات

midan - البحار

حياة المحيطات مليئة بالتناقضات المبهرة، إذ تجمع بين الجمال الخالص وبين الذعر والرعب غير المحدود، لذا نحاول تسليط الضوء ولو قليلا على هذا العالم عبر مجموعة من أفضل محاضرات "تيد" (TED) التي ألقاها علماء البحار وعلماء الكيمياء البحرية والباحثون في المجالات ذات الصلة، حيث يستعرضون خلالها أسرار وعجائب المحيطات مع التطّرق إلى الحياة السرية للكائنات البحرية.

      

لورا روبنسون.. الأسرار التي أجدها في قعر المحيط الغامض
في الماضي السحيق وبالتحديد قبل 20 ألف سنة من الآن كانت الأرض مختلفة تماما عما هي عليه الآن. كانت درجة الحرارة أقل مما هي عليها اليوم بحوالي خمس درجات على الأقل، وكانت الجبال الجليدية أكبر بكثير وتُغطي مساحات شاسعة من القارة القطبية الجنوبية، كما كان مستوى سطح البحر أكثر انخفاضا مما عليه الآن بحوالي 120 مترا، فضلا عن مستويات ثاني أكسيد الكربون التي كانت أقل بكثير مما هي عليه اليوم. لكن كيف انتقلنا من تلك الظروف المناخية الباردة إلى هذه الظروف المناخية الدافئة التي نستمتع بها اليوم، وما علاقة هذا كله بالمحيط والحياة البحرية بشكل عام؟
    

   

هذا ما تحاول الدكتورة لورا روبنسون، عالمة المحيطات والكيمياء البحرية استكشافه خلال هذه المحاضرة القصيرة ذات الدقائق العشر التي ألقتها على مسرح مؤتمر تيد في بروكسل في ديسمبر/كانون الأول عام 2014. تناقش روبنسون كيف استطاعت هي وفريقها البحثي الذهاب إلى أعماق المحيط الأطلسي لاكتشاف الحياة الغامضة والتعرف على ما يحدث في الأعماق البعيدة للمحيط عبر استخدام قارب بحثي ومركبة مصممة خصيصا للبحوث البحرية، تحتوي على كاميرات عالية الدقة وأذرع يتم التحكّم بها عن بعُد.

    

تستعرض روبنسون، خلال هذه المحاضرة المهمة التي تخطت حاجز مليون ونصف مشاهدة، ما وجدته في أعماق المحيط من أجناس جديدة من الشعّاب المرجانية وأصناف أخرى من النجوم البحرية التي تنمو على تلك الشعاب، إضافة إلى إسفنجات الأعماق وخيار البحر العائم ذي الألوان الجميلة جنبا إلى جنب مع حيوانات بخاخ البحر الاستعماري ومرجانات الأعماق التي يبلغ عمرها 4 آلاف سنة، فضلا عن القروش والإسفنجات العملاقة والشعاب المرجانية المتحجرة التي ترجع لعشرات الآلاف من السنين والكثير من الكائنات البحرية الأخرى.

     

روبرت بالارد.. العالم الخفي المدهش للمحيطات

   

"لماذا نتجاهل المحيطات؟ لو قارنا الميزانية السنوية لوكالة "ناسا" لاستكشاف الفضاء في سنة واحدة سنجدها تساوى ميزانية اكتشاف المحيطات لمدة 1600 سنة. إذا لماذا ننظر للأعلى، هل لأن الجنة هناك والجحيم في الأسفل على الأرض أم هي قضية ثقافية؟ لماذا يخاف الناس من المحيط؟ هل يظنون أن المحيطات سوداء وكئيبة، وكأنه ليس لديها ما تقدمه؟"

    

بهذه التساؤلات المنطقية يحاول الجيوفيزيائي ومستكشف المحيطات روبرت بالارد التعبير عن مدى استيائه من إهمال استكشاف المحيطات وتولية كافة الجهود حول استكشاف الفضاء خلال هذه المحاضرة التي القاها في مؤتمر تيد في فبراير/شباط عام 2008. يناقش بالارد رحلاته المميزة التي بلغت 121 بعثة استكشافية إلى أعماق المحيطات، ويوضح لماذا يُعد اكتشاف المحيطات ذات المساحات الشاسعة أهم بكثير من استكشاف الفضاء الخارجي والبحث عن كوكب جديد نعيش عليه.

    

يصطحب بالارد الجمهور، خلال هذه المحاضرة التي شارفت الوصول إلى مليون ونصف مشاهدة، في رحلة استكشافية تغطي 72% من الكرة الأرضية خلال 16 دقيقة فقط. تتضمن هذه الرحلة الاستكشافية المميزة البعثات التي قام بها هو وفريق من الباحثين إلى مجموعة من الجبال الضخمة يصل العمق فيها إلى أكثر من 2700 متر، وتلعب دورا جوهريا في تكوين الطبقة الخارجية للأرض، كما يُطلق عليها وادي الشقوق نظرا لأنها تمثل محور حيود منتصف المحيط، حيث تتوسع الطبقات الضخمة من القشرة الأرضية. إضافة إلى العديد من البعثات الشيقّة التي تستكشف الكائنات الحية التي تعيش في أعماق تلك المحيطات.

       

مي نيو.. الحياة السرية الساحرة للمحارات العملاقة

    

عندما نتحدث عن المحيطات والحياة البحرية في الأعماق البعيدة منها، يذهب تفكيرنا تلقائيا إلى الشعّاب المرجانية ذات الألوان الزاهية غاية الروعة والجمال جنبا إلى جنب مع الأسماك الملونة مختلفة الحجم بداية من الأسماك الصغيرة جدا حتى الأسماك الكبيرة وأسماك التونة الضخمة، فضلا عن الحيتان العملاقة والقروش والسرطانات (السلطعونات) وخيار البحر وما إلى ذلك، أما عالمة الأحياء البحرية مي لين نيو فإن تفكيرها يذهب إلى غير ذلك، إذ يذهب إلى المحارات العملاقة.

      

تصحب عالمة الأحياء البحرية مي نيو الجمهور، خلال هذه المحاضرة الرائعة التي ألقتها في مؤتمر تيد في أبريل/نيسان الماضي وكسرت حاجز المليون مشاهدة، في رحلة للتعرف على الحياة السرية للمحارات العملاقة. المحارات العملاقة هي كائنات بحرية ضخمة ذات صدفات ملونة، وتعتبر الأكبر في فصيلتها إذ إن أكبر محار مُسجل يصل طوله إلى 4 أقدام ونصف ويزن حوالي 550 باوند أي ما يعادل وزن ثلاثة أفيال صغار تقريبا.

    

تستكمل مي حديثها نافية الأساطير القديمة التي كانت تروج بأن المحّارات العملاقة آكلات للبشر تقبع في قاع المحيطات منتظرة الغواصين الذين لا يدركون خطرها للانقضاض عليهم، حيث غامرت بنفسها ووضعت يدها بحذر داخل فم إحدى المحارات العملاقة وانتظرت لكن المحار لم يقم بأي رد فعل عنيف بل فضّل الانسحاب وحماية جسده الطري. تناقش مي أيضا حقيقة أن البشر هم التهديد الأكبر للمحار العملاق، حيث يقوم الناس في غرب المحيط الهادي والمحيط الهندي باصطياد المحار العملاق خصيصا بسبب لحمه الشهي، فضلا عن صدفات المحار شائعة الاستخدام في تجارة الزخارف والمجوهرات. 

    

توضح مي في نهاية محاضرتها القصيرة دور المحارات العملاقة في الحياة البحرية بداية من بناء الشعاب المرجانية وصنع الطعام، مرورا بكونها ملاجئ للقريدس وسرطانات البحر، وليس انتهاء بتصفية المياه، كما تستعرض المصير المؤلم الذي ستؤول إليه الحياة البحرية في حالة انقراض المحارات العملاقة التي يُعد أكثر من 50% منها مُعرض للانقراض.

       

بريان سكيري.. مجد المحيط والرعب

    

في هذه المحاضرة التي تجمع بين السحر والجمال من جهة والرعب والذعر من جهة أخرى، يحاول بريان سكيري مصور الحياة البحرية في مجلة ناشيونال جيوغرافيك مشاطرة الجمهور بحكم شغفه بالبحر وعمله في التصوير تحت الماء لأكثر من 30 عاما، بعض الحكايات والقصص عن جميع الأشياء المدهشة التي شاهدها عن الحياة البحرية في المحيطات وسلوكيات واهتمامات الكائنات البحرية التي لا حصر لها.

    

ألقى بريان سكيري هذه المحاضرة، التي قاربت على المليون ونصف مشاهدة في مؤتمر تيد في أبريل/نيسان عام 2010، ويحاول خلالها سرد بعض القصص التي أنتجها لناشيونال جيوغرافيك والتي توضح طبيعة الحياة البحرية بما فيها من روعة وجمال من ناحية وصعوبات ورعب لأقصى حد من ناحية أخرى. كما يناقش الطريقة المثلى التي توصل إليها لكيفية إنتاج قصص تؤثر في المشاهدين لأقصى درجة وتدفعهم إلى تقدير ثروة المحيطات والمحافظة عليها بدلا من إهدارها.

    

يستعرض سكيري، كذلك، العديد من القصص المميزة التي تصور سلالات متعددة من الشعّاب المرجانية والكائنات البحرية والأسماك شديدة التنوع بداية من الفصائل الأولية حتى أسماك القرش، إضافة إلى العديد من الكائنات البحرية المعرضة للانقراض وكيف يمكن أن نحافظ عليها. يختتم سكيري محاضرته مع قصة مليئة بالأمل أدت في النهاية إلى وقف الصيد الجائر للأسماك والكائنات البحرية في المحميات البحرية.

       

إيديث ويدر.. العالم الغريب والمثير.. عالم الضوء الحيوي

   

في الأعماق السحيقة للمحيطات تتواجد المخلوقات العجيبة ذات الخصائص الفريدة والتي من بينها الكائنات المضيئة التي تولد ضوءا يسمى بالضوء الحيوي. الضوء الحيوي عبارة عن ظاهرة تصبح فيها مياه البحر أو المحيط متلألئة مضيئة في الظلام بسبب انبعاث الضوء من الطحالب والعوالق النباتية والكائنات البحرية الدقيقة الأخرى مثل نجم البحر وخيار البحر وغيرها.

    

تحدث هذه الظاهرة نتيجة لتفاعل كيميائي طبيعي يعرف باسم التلألؤ الحيوي "bioluminescence " يحدث فيه تحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة ضوئية بعد اتحادها مع الأكسجين، ويعتبر وسيلة دفاعية تحمي بها الطحالب والكائنات البحرية الدقيقة نفسها من الأسماك والكائنات البحرية المُفترسة.

   

تحاول إيديث ويدر، عالمة البحار والباحثة في الابتكار التكنولوجي، خلال هذه المحاضرة التي ألقتها في مؤتمر تيد في مارس/آذار عام 2011 ، اصطحاب الجمهور في رحلة بصرية استكشافية مثيرة الى عالم الكائنات الغريبة بأعماق المحيطات، وتستعرض ظاهرة الضوء الحيوي عبر فيلم قصير صور في أعماق البحار بواسطة كاميرا لها حساسية مثل حساسية العين البشرية في المناطق المظلمة، كما توضح كيفية حدوث هذه الظاهرة المميزة وأهميتها.

      

توماس بيشاك.. مصوّر فوتوغرافيا للمحيط

   

"عندما كنت طفلا صغيرا، كنت أحلم بالمحيط دائما. لقد كان ذلك المكان المليء بالألوان والحياة، موطنا لتلك الكائنات الغريبة الخيالية. لقد صورت أسماك القرش الكبيرة المهيمنة على السلسلة الغذائية ورأيت سلاحف البحر الرشيقة ترقص حول الشعاب المرجانية."

    

بهذا الوصف الدقيق بدأ توماس بيشاك، المصور المختص بعلم الأحياء البحرية محاضرته التي ألقاها في مؤتمر تيد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015. يشارك بيشاك الجمهور رحلاته المثيرة التي قام بها في أعماق المحيطات لاستكشاف الحياة البحرية، ويستعرض الصور الفوتوغرافية المميزة التي التقطها للحياة البحرية المعقدة بداية من أسماك القرش الضخمة والحيتان الحدباء في كندا والسلاحف البحرية الخضراء في مضيق موزمبيق وليس انتهاء بأسماك شياطين البحر المنقلبة والدلافين المنطلقة والأسماك المحتشدة.

   

يستعرض بيشاك كذلك صورا للمزيد من الكائنات العجيبة وسلوكها المميز في أعماق المحيطات في مئات المواقع البحرية المختلفة التي زارها بداية من سواحل جنوب إفريقيا حتى المحيط الهندي الشاسع وجزر المالديف. كما يناقش في نهاية المحاضرة، التي لم تتجاوز الدقائق العشر، كيف يتأثر كل شخص بالمحيطات وكيف تؤثر هذه المحيطات فينا، ويختتم حديثه بنشر الأمل بأنه لم يفت الوقت لحماية المحيطات.

        

كريستين مارهافر.. كيف ننمي صغار المرجان؟

     

الكثير منا لا يدرك أهمية الشعّاب المرجانية المتواجدة في أعماق البحار والمحيطات بل يرى الكثيرون أن هذه الشعاب ليست سوى زينة للمحيطات وأساس للجذب السياحي، وهو أمر خاطئ تماما. لذا تحاول كريستين مارهافر عالمة الأحياء البحرية والشعّاب المرجانية خلال هذه المحاضرة التي ألقتها في مؤتمر تيد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015 إلقاء الضوء على الأهمية البالغة للشعاب المرجانية.

    

فالشعاب المرجانية مثلما المزارعين تقوم بتأمين الغذاء والدخل الاقتصادي لمئات الملايين من الأشخاص حول العالم. ومثلما الحراس حيث تعمل الهياكل التي تشكلها على حماية الشواطئ من الأمواج العاتية أثناء العواصف. تحتوي الشعاب المرجانية، كذلك، على نظم حيوية تعمل على تنقية المياه وجعلها أكثر أمانا لنا أثناء السباحة أو الغوص، كما تحتوي على جزيئات ومواد كيميائية غاية في الأهمية تستخدم في البحث عن المضادات الحيوية والأدوية الجديدة لعلاج عشرات الأمراض الخطيرة.

   

توضح مارهافر، خلال هذه المحاضرة، كيف نقوم بتدمير الشعّاب المرجانية واستنزافها عبر استنزاف الأسماك ورمي الأسمدة والزيوت والملوثات في المحيطات رغم الأهمية البالغة لهذه الشعاب المرجانية. بعد ذلك تناقش فكرتها عن كيفية الحفاظ على الشعاب المرجانية وإعادة تأهيلها إلى الحياة عبر تنمية المرجان، وهو مخلوق صغير الحجم ينمو ببطء على مدار مئات السنين يُفضل الاختباء في ثنايا الشعاب المرجانية، مما يعمل على تقويتها وتثبيتها بشكل أفضل.

       

إيديث ويدر.. كيف وجدنا الحبار العملاق؟

   

الحّبار العملاق (الكراكٍن) عبارة عن وحش ضخم جدا مرعب كثرت حوله الأساطير القديمة، وقيل إنه قد افترس العديد من الرجال والسفن والحيتان. لذا تحاول إيديث ويدر، عالمة البحار والباحثة في الابتكار التكنولوجي، التي تتبنى العديد من الطرق الحديثة لاكتشاف المحيط وجذب الحيوانات بدلا من تخويفها وإبعادها في هذه المحاضرة التي ألقتها في مؤتمر تيد في فبراير/شباط عام 2013، توضيح مدى حقيقة هذه الأساطير.

    

تناقش ويدر، خلال المحاضرة التي شارفت الوصول إلى 4 ملايين مشاهدة رغم قصر وقتها، بعض الحقائق حول الحبار العملاق وبعض الأساطير التي أشيعت عنه، ثم تستعرض رحلتها كواحدة ضمن ثلاثة باحثين خاضوا الرحلة الاستكشافية التي تمت في صيف عام 2013 بالقرب من اليابان بغرض صيد الحبار العملاق الموجود في عمق البحار.

    

توضح ويدر كيف قامت هي وفريق الباحثين بصيد الحبار الموجود في عمق المحيط عبر استخدام إغراء بصري مثبت بقاعدة الكاميرا دون دافعات ولا محركات، فقط عبر كاميرا تعمل بالطاقة وإضاءة وحيدة بالضوء الأحمر، كما تستعرض العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي يظهر فيها الحبار العملاق وكيفية اصطياده.

المصدر : الجزيرة