شعار قسم ميدان

علماء عرب هاجروا فحققوا إنجازات عالمية.. تعرف عليهم

لربما كان "العلم" تحديدا واحدا من أبرز التناقضـات التي تهيمن على العقلية العربية، ففي الوقت الذي يتغنّى الكثيرون بالأمجاد التي حققها العلمـاء العرب والمسلمون في القـرون الوسطى والتي اعتبرت العرّاب الحقيقي لعجلة العلوم التجريبية والنظرية الحديثة، لكن في المقابل يشيع في عصرنا الحالي التصّـور بالفراغ الكبيـر للعرب في هذا المجال مقارنة بأعراق وأجناس أخرى حققت انطلاقات هائلة في المجال العلمي والتقني في العقود الأخيرة.

الواقع أنه، وبعيدا عن النماذج العربية الأشهر في المجال العلمي على غرار العالم المصري أحمد زويل ومجدي يعقـوب وغيرهما، تزخر المؤسسات العلمية والتقنيـة العالمية بالكثير من العلماء العرب في مجالات مختلفة، الذين ساهموا بإنجازات علمية إبداعية جعلتهم ينالون أرفع المناصب ويحصلون على أعلى درجات التكريم في هذه البلاد، تاركين وراءهم إشـارة واضحة أن العقـول العربية ما زالت تساهم بقوة في هذا المجال، فقط إذا وجدت البيئة الصحية الحاضنة لذلك.

منير نايفة.. الفيزياء بكل الشغف!

"النجـاح هو أن تدرس وتعمل ما تحب، وأن تضع غايتك الوصول إليه وتحقيقه. ليس عيبا على الإطلاق أن يدرس الإنسان أي موضوع، ولكن العيب ألا يبدع فيه"

-(برفسـور منير نايفة)

عندما وصل منير نايفـة إلى جامعة ستانفــورد -أعرق الجامعات الأميـركية- طلبا للعلم في مطلع السبعينيات قادما من فلسطين، كان يشعر بالرهبة من اسم ومكانة الجامعة. زاد الأمر تعقيدا عندما وجد مشرفه على رسالته للدكتـوراه هو العالم الفيزيائي آرثر شاولو الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء، وهو ما كان يعتبر التحدي الأول والأهم له في مسيرته العلمية في تلك الجامعة، أن ينال قناعة شاولو حتى يواصل تقديم رسالته للدكتـوراه. كانت النتيجة أن مشرفه أعجب به بشدة، وتعاون معه حتى قدم نايفة رسالته للدكتوراه التي اعتبرت واحدة من أهم أبحاث الفيزياء في أميـركا خلال قرن كامل!

ولد نايفة في قرية الشويكة بمحافظة طولكـرم لعائلة عاشقة للعلوم، بعد حصوله على الدكتوراه في ستانفورد في مجال الفيزياء الذرية وعلوم الليزر استطـاع أن يحقق إنجازا كبيرا أثناء عمـله في مفاعل أوكريج النووي، الأمر الذي قاده إلى التدريس والعمل في جامعـة إلينـوي. وعلى الرغم من أنها الجامعة التي احتضنت أهم أعماله لفتـرة طويلة لاحقا، فإنه في لحظة وصوله إليها كانت مختبراتها شبه فارغة من المعدات المطلوبة.

على الرغم من تخصصه في الفيزياء الذرية، استطـاع نايفـة أن يتوغل بحثيا في تكنولوجيا النانو، حيث قام بتأسيس شركة متخصصة لتركيز اهتمامه على كيفية تصنيع جزيئات نانو عالية الجودة وتطويعها في العديد من التطبيقـات، لا تبدأ بمجالات الطاقة والمياه ولا تنتهي بعلاج أمراض السرطانات المختلفة بآليـات أفضل بكثير من العلاج الكيميائي، وهو ما جعله -بحسب طلابه وزملائه- عالما استثنائيا يتنقّل ما بين الفيزياء الأساسية إلى التطبيقيـة واستطـاع تحقيق إنجازات وأبحاث مميزة في القطاعين.

ولم تخلُ حياة العالم الفلسطيني من مواقف مؤثرة شكّلت شخصيته بالكامل، أحدها رفض والده الاستماع لنصائح الآخرين بأن يُخرج ابنه من المدرسة لمعاونته في العمل. والموقف الآخر أن والدته كانت أمّية، لكنه على مدار سنوات طويلة من حياته لم يكن يعرف أنها أمّية بسبب جديتها الواضحة في طلب دفاتـره اليومية أثناء دراسته، حيث كانت تتفحص دفاتره وأوراقه يوميا موهمة ولدها أنها تراقب تحصيله المدرسي على الرغم أنها لا تقـرأ، اهتماما منها بأن يصبح متفوقا.

ساهم نايفة في تكوين شبكة "الصحوة" التي انعكست بالتأثير على العلماء العرب في الجامعات العالمية والعربية، أثمرت عن جمع العلماء والتقنيين العرب في مختلف الجامعات، وأنتجت عدة براءات اختراع دولية ونشرات علمية بين الجامعات العالمية والعربية.

مصطفى السيد.. جوهرة الكيمياء العربية

في الأساس كان حلم البروفسور المصري مصطفى السيد أن يلتحق بكلية الطب، ولكن دراسته قادته إلى كليـة العلوم التي حقق فيها تميزا أكاديميا مستحقا قاده بدوره إلى الحصول على منحة دراسيـة في جامعة فلوريدا غادر على إثرها مصر في منتصف الخمسينيات إلى أميـركا. ربما لم يكن يتصوّر وقتها أن هذه الرحلة ستقوده في النهاية إلى أن يصبح واحدا من أهم العلمـاء العرب في أميـركا، ويحصل على أعلى وسام أميـركي في العلوم (قلادة العلوم الوطنية) كأول عالم عربي يحصل على هذه الجائزة.

من مواليد مدينة زفتى محافظة الغربية بمصـر، لرب أسرة كان يعمل مدرسا للرياضيـات. انطلاقا من هذه البداية استطـاع مصطفى السيد أن يتبوأ أرفع الدرجات الأكاديمية، حيث استمر نحو ثلاثين عاما في البحث في كيفيات تفاعل الضوء مع المواد المختلفة ومحاولة فهم نتائجها والتحكم فيها.

وعندما جاء الوقت الذي بدأ فيه السيد التفكيـر بالتقاعد، كانت تقنيـة النانو تحقق اختراقات كبيـرة في تطويراتها وتطبيقـاتها، وهو ما جعله يهتم بالدخول في هذا المجال. لاحقا أصيبت زوجته الأميـركية المحببة له بسرطـان الثدي وتوفيت بسببه، الأمر الذي جعل دخـوله في هذا المجال حتميـا، ليس فقط لدوافع علمية بحتة، وإنمـا لمحاولة علاج زوجته في معركتها ضد السـرطان باستخدام تقنيـات النانو.

في عام 2002، بدأ كل من مصطفى السيد وابنه المتخصص في أمراض السرطان أبحاثهما التي تستخدم التقنية النانوية في علاجه، وهو ما أفضى إلى نشـر أول بحث لهما عام 2005 قادهما إلى الحصول على تمويل لإجراء التجارب على الحيوانات مبدؤها حقن الأوردة الدموية بدقائق نانوية من الذهب تستهدف الجزء المسرطن من الخلايا تحديدا. كانت النتائج إيجابية وفعّالة للغاية، حيث تم التخلص من السرطان في بعض الحيوانات بشكل نهائي خلال أسبوعين اثنين وبدون أي أعراض جانبية، وهو ما اعتبـر طفـرة كبـرى في مجالات استخدام تقنية النانو في علاج السرطان تحديدا.

   

شادية حبال.. الفيزياء صباحا والموسيقى مساء

عندما كانت فتاة دمشقية في الثانية عشرة من عمـرها وقع في يدها سيـرة حياة العالمـة الفيزيائية الأشهر ماري كـوري التي اكتشفت الراديوم وحازت على جائزتي نوبل. منذ تلك اللحظـة، أُسرت الفتــاة بهذا النموذج وقررت أن طريقها في الحياة سيكون قطعا هو طريق كـوري، وأنها ستسير في هذا الاتجاه دون غيـره.

شادية حبـال، عالمة الفيزياء السـورية الأميـركية، ولدت وعاشت في دمشق حتى حصولها على درجة البكالوريوس في علوم الفيزياء والرياضيـات في جامعة دمشق. الواقع أنها كانت في طريقها إلى دراسة الطب تحديدا، ولكنها غادرت هذا التخصص فورا بسبب اضطـرارها إلى تشريح الضفادع في سنوات الدراسة الأولى، وهو الأمر الذي لم تحتمله، فأدركت أن طريقها إلى العلم سيكون أفضل من بوابة الفيزياء.

بعد انتهائها من درجة البكالوريوس انتقلت إلى بيروت لتحصل على درجة الماجستير في الفيزياء في الجامعـة الأميـركية، وكانت على وشك استكمال الدكتوراه لولا الاضطـرابات السياسية في لبنان، وهو الأمر الذي اضطـرها وزوجها الذهاب إلى جامعة سينسيناتي في ولاية أوهايو الأميـركية لتبدأ مسيـرتها العمليـة الأكاديمية في الولايات المتحدة التي لم تكن سهلة. وجدت شادية حبال نفسها الوحيدة التي تدرس الفيزياء في مجتمع علمي منغلق مليء بالرجال، ونجحت في إثبات نفسها بأفضل شكل ممكن.

على مدار سنوات من البحث الأكاديمي المتخصص، أظهرت شادية حبال أداء استثنائيا في أبحاث الرياح الشمسية وكسوف الشمس، حيث قامت بمعاونة فريقها في مراقبة 14 كسوفا شمسيا بهدف البحث في خصائص الرياح الشمسية من جزيئات كالحديد والكروم والأكسجين، باعتبار أن لكل منها طيفه الخاص به. هذه الأبحاث جعلتها تتبوأ العديد من المناصب الأكاديمية المهمة في جامعات مثل هارفارد وهاوي وويلز البريطانيـة، كما شاركت في فرق علمية لدراسة الرياح والهالة الشمسية لسنوات عديدة في وكالة ناسا.

ومع كل هذه المسيرة الأكاديمية الواسعة، برعت شادية الحبال في عزف التشيلو بشكل استثنائي، حتى إنه يمكن تلخيص حياتها ما بين الفيزياء والفلك والتشيلو.

رشيد اليزمي.. رحلة من أجل الكيمياء

منذ طفولته أظهـر الكيميائي والمهندس المغـربي رشيد اليزمي اهتماما استثنائيا بالكيمياء، حيث كان حريصا على اقتناء كتب تتحدث عن الأعشاب، وصنع مختبرا صغيرا في منزله كان يستخدمه في خلط المواد ببعضها البعض لمعرفة النواتج. تلقّى تعليمه النظـامي الثانوي التقليدي في مدينة فاس المغربية، وتخرج فيها منتقلا إلى كلية العلوم في العاصمة الرباط.

بعد عام واحد من التحاقه بالكلية أرسل طلبا إلى معهد غرونوبل للتقنية في فرنسـا للدراسة فيه، وتم تلبية طلبه أخيرا عندما التحق بالمعهد عام 1978 واستطـاع الانتهاء من درجة الماجستير في ثلاث سنوات، ليتبعها بمنحة لدراسة درجة الدكتـوراه التي ركّـز أبحاثه فيها على بطاريات الليثيـوم غير القابلة للشحن، واستطاع أن يحوّلها إلى بطاريات مشحـونة، ثم انتقل للعمـل بالمركز الوطني في فرنسا.

في نهاية التسعينيات، ترقّى اليزمي إلى منصب مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، فضلا عن عمله كأستاذ زائر في جامعة طوكيو اليابانية. بقدوم عام 2000 تلقى اليزمي عروضا للعمل في وكالة ناسا وجامعة كالتيك، فاختار العمل في الثانية بسبب اتساع مساحات البحث العلمي فيها أكثر من ناسا. خلال 10 سنوات، استطاع اليزمي إنجاز أكثر من 60 بحثا علميا و50 براءة اختراع، كما تعاون مع وكالة ناسا في مشروع إنتاج روبوت لاستكشاف المريخ، وكان هذا الروبوت هو أول روبوت في العالم يعمل ببطارية الليثيـوم، وأُطلق عام 2005.

بدءا من عام 2010، خاض اليزمي رحلة علمية جديدة في أقصى الشرق هذه المرة، حيث انتقل إلى سنغافورة كمدير لأبحاث الطاقة المتجددة بجامعة التقنية، واستطاع خلال سبع سنوات الحصول على أكثر من 40 براءة اختراع، أي ما يعادل اختراعا جديدا كل شهرين!

مع هذه الإنجازات الكبـرى في المجال العلمي والأكاديمي، فاز اليزمي بالعديد من الجوائز خصوصا حول أعماله في مجال تطوير البطاريات التي يعود لها الفضل في إحداث طفـرة كبرى في مجال الإلكترونيات المحمولة. كما حصل على الوسام الملكي للكفاءة الفكـرية من ملك المغرب، وحصل على وسام جوقة الشرف الفرنسي عام 2015.

شريف الصفتي.. في حب النانو

كانت بداية الدكتور شريف الصفتي عادية تماما مثله مثل غيره من آلاف الشباب الذين تخرجوا في كلية العلوم في مصر. سار هو أيضا على المسار نفسه، تخرج في كلية العلوم جامعة طنطا، وعُيّن معيدا فمدرسا مساعدا، ثم حصل على منحة دراسية بجامعة ساوثهامبتـون البريطانية أهّلته لأن يعود إلى جامعته ليصبح أستاذا في الكلية بقسم الكيمياء.

إلى هنا تبدو القصة عادية، ولكن غير العادي بدأ عام 2001. في هذا العام، انتقال الصفتي إلى اليابان بعد حصوله على منحة جعلته يتدرج في المناصب بشكل سريع إلى أن أصبح مديرا بمركز علوم المواد في اليابان، بعد أبحاث وتجارب متميزة تمخّض عنها أكثر من 24 براءة اختراع في مجالات متعددة شملت البيئة والتعدين والطاقة، بينها 3 براءات اختراع في عملية انتزاع المواد المشعة من المياه.

وعلى الرغم من تحقيقه للعديد من الإنجازات في الحقل العلمي أثناء وجوده في اليابان، فإن أهم ما قدمه هو إسهامه المفتاحي في إنقاذ المياه والأتربة من المواد المشعة التي تسبب فيها التسريب الإشعاعي الخطير الذي حدث لمحطة فوكوشيما النووية عقب الزلزال الذي ضرب اليابان عام 2011، وهو الإنجاز الذي جعله محل احتفاء وتقدير كبير في اليابان والعالم.

undefined

وعلى الرغم من عدم شهـرته الكبيرة في الأوساط العربية مثل العالمية، فإنه استطاع مساعدة مجموعة من الطلبة العرب الذين ابتعثوا إلى اليابان بهدف نقل خبـراته وأبحاثه إلى العالم العربي الذي يرى أنه ما زال على مسافة طويلة جدا بما يتم تحقيقه وإنجازه على المستوى البحثي العالمي، خصوصا تقنية النانو وتطبيقـاتها الباهرة التي من الممكن أن تساعد كافة الدول العربية في تنقيـة المياه، خصوصا في مصر موطنه الأصلي.

المصدر : الجزيرة