شعار قسم ميدان

لماذا تنتظر عشرة أيام للقيام بأمر يستغرق عشر دقائق؟

midan - رئيسية تأخير

إنني أحاول بناء شخصية بديلة لنفسي أكون فيها شخصا مرتبا، لكنني لا أُبلي حسنا بذلك. أخذ النفايات  لإعادة التدوير مثلا يستغرقُني شهرا من الزمن عوض دقيقتين. أكره النظر إلى الصناديق المطوية والعلب الفارغة في شقتي، لكن الدراسات تقول إن البشر سيئون في تحديد أهدافهم طويلة المدى أولوية على أهداف الإشباع الفوري، ويبدو أنني أجد أي شيء آخر أقوم به أكثر إشباعا.

    

لا يتطلب الأمر عالِما لتفسير سبب تأجيل بعض الأمور في حياتي مثل غسل الصحون. تلك المهمة المزعجة التي تقتصر مكافأة إتمامها على القدرة في استخدام هذه الصحون مرة أخرى في المستقبل لا أكثر. ومع ذلك، عند مرحلة معينة، فإنَّ القلق الناجم عن عدم القيام بهذه المهام يفوق شعور الانزعاج من القيام بها في المقام الأول. هي دارّة يمكن التنبؤ بها تماما، حيث يفكر الكثير من الأشخاص المنتجين عندما يتعلق الأمر بأعمال منزلية بسيطة كالتالي: هذا عمل رتيب يمكنني الشعور بالراحة عند إكماله خلال عشر دقائق بدلا من أن يوتّرني عدم القيام به لأيام أو أسابيع.

 

قد يصعب فهم سبب انتشار هذا السلوك. هذا الموضوع مغرٍ لمن يسمّون أنفسهم معلمين روحيين والذين يلجأون إلى التفاهات التحفيزية الفارغة، لكن السبب الأساسي وراء سلوك المماطلة والتسويف لأبسط المهام لَمعقّدٌ، إنه مزيج غريب من الديناميكيات العاطفية والنفسية، تتآمر جميعها للسماح ببقاء أغطية سريري متسخة لأسبوع آخر.

 

تشعر بالإرهاق بسبب عزوفك عن العمل المنزلي، ولكن ذلك لا يكفي كمؤشر على وجود مشكلة مزمنة
تشعر بالإرهاق بسبب عزوفك عن العمل المنزلي، ولكن ذلك لا يكفي كمؤشر على وجود مشكلة مزمنة
  

وفقا لأستاذ علم النفس بجامعة ديبول جوزيف فيراري، فهناك نوعان متمايزان من الأشخاص الذين لديهم مشكلة في إتمام الأعمال المنزلية في الوقت المناسب: مؤجلو المهام، والمسوّفون المزمنون. ما زال التمييز بينهما من الناحية العلمية ضبابيا، لكنّ الأمر يعتمد على مدى التغلغل. قد تشعر بالإرهاق بسبب عزوفك عن العمل المنزلي، ولكن ذلك لا يكفي كمؤشر على وجود مشكلة مزمنة. إن جميع الناس يميلون في بعض الأحيان إلى التسويف المزمن أو المماطلة المزمنة، بحسب فيراري، ولكن ذلك يحدث في جميع مجالات الحياة وله تأثير سلبي على صحة الشخص وعلاقاته. إنه "نمط حياة قائم على التهرب" بحسب قوله.

 

بحث فيراري يجد أن الوصف يطابق نحو 20% من الأشخاص. إن مؤجلي المهام البسيطة أكثر شيوعا، إنمَّا عادة ما يسهل عليهم بناء عادات أفضل مقارنة بنظرائهم المسوّفين المزمنين. وهذه أخبار سارّة لأولئك الذين تكمن مشكلتهم الأساسية في تسويف العمل الروتيني. لسنا بتلك الفظاعة.

 

أحد أسباب رضوخ مؤجلي المهام لعاداتهم السيئة في المقام الأول قد يرجع إلى الوقت الذي غالبا ما تتم فيه هذه الأعمال الروتينية. "إن القيام بهذه المهام يتطلب شيئا من ضبط النفس، وإذا كنت قد قمت بالكثير من المهام بالفعل في ذلك اليوم بعد اتخاذ العديد من القرارات، فمن الصعب ممارسة ضبط النفس عندئذ"، بحسب عالم النفس الاجتماعي، وأستاذ جامعة فلوريدا، روي باوميستر. باوميستر يقصد نظرية متناقضة نوعا ما تسمى "ملل القرار"، والتي تنص على أن الإجهاد يصيب أدمغة الناس بسبب ضرورة ممارستهم ضبط النفس والحسم تحديدا في العمل. إذا كنت تستطيع الجلوس في مكتبك ولعب كاندي كراش على هاتفك الذكي طوال اليوم كما يحلو لك، فإنَّ غسل بعض الأطباق عند عودتك إلى المنزل لن يبدو مرهقا.

 

كما يعرف أي مسوِّف للأعمال الرتيبة، لا تتوقف هذه الدراما ببساطة بأخذ قرار القيام بأمر ما في وقت لاحق. تشير غلوريا فريزر العاملة في مجال الرعاية بولاية ماساشوستس إلى أن التسويف يبدأ بمهمة بسيطة لينتهي بجموعة من المهام المسوَّفة. تعتبر غلوريا نفسها شخصا سريعا وفعالا في حياته المهنية، لكن تراكمات الأعمال المنزلية تجعل القيام بهذه الأعمال أكثر صعوبة. وتقول: "ثمة صوت سلبي يصدح في رأسي ويقول إنه كان يُفترض أن أقوم بأمر ما، فلماذا انتظرت حتى أصبح الأمر بهذا السوء؟ لذلك تتراكم المهام، وبدلا من القيام بها، أواصل التفكير في كل الأوقات التي كان يجب فيها أن أقوم بالأمور. هكذا، انتهى بي الأمر مسمّرة في مكاني نتيجة عدم القيام بالمهام بدل القيام بالمهام".

  

يرى فيراري أن:
يرى فيراري أن: "المشكلة الكبيرة التي يواجهها الناس هي أنهم يهاجمون أنفسهم وليس سلوكهم"
   

يمكن للشعور بالذنب والعار أن يكون جزءا كبيرا من التسويف إذا بدأ المسوِّف في استيعاب الرغبة في التملص من رؤية الأطباق القذرة كدليل على معاناته من إخفاقات أخلاقية أكبر. يقول ليز سومنر، وهو مدرب حياة يساعد النساء الأكبر سنا على كسر عاداتهن السيئة: "إننا نفكر بأشياء أخرى إلى جانب المهمة نفسها، ونخبر أنفسنا بقصص حول ما نصبح عليه لو استسلمنا وفعلنا ذلك". يوصي سومنر بتفصيل المهام إلى خطوات صغيرة يمكن التحكم فيها، لكن هذه الجهود تكون قابلة للإحباط عندما يقلق الناس من أنهم لا يتغيّرون أو يتقدمون بسرعة كافية.

 

"المشكلة الكبيرة التي يواجهها الناس هي أنهم يهاجمون أنفسهم وليس سلوكهم"، بحسب فيراري. وفي اعتقاده أنه إذا كان بإمكان مؤجلي المهام أن يتوقفوا عن إلقاء اللوم على أنفسهم بسبب عزوفهم عن القيام بمهمة بسيطة، فيمكنهم أن يكونوا أكثر قدرة على تقييم هذه المهام بعقلانية، ويتجنبوا بذلك دورة الخزي التي يمكن أن تحوّل السلوكيات السلبية إلى عادات سيئة.

 

إذا كان فهم المشكلة ممكنا، فلربما أمكن إصلاحها. تحولت بيستي بورو إلى باحثة في علم الأعصاب بعد أن كانت مديرة تنفيذية في وادي السيليكون حيث كانت تعاني من صعوبة في الحفاظ على نظافة وترتيب منزلها الذي كان بحسب وصفها: "كارثيا طوال الوقت. لكنني لاحظت لاحقا أنني إن استقبلت أشخاصا في المنزل، فلن أقوم بتنظيف المكان فحسب، وإنمّا سأستمتع بتنظيفه". وكان الحل الذي جاءت به هو بدء صالون محادثة شهريا في الدور العلوي من منزلها في سان فرانسيسكو، واستمر صالون القراءة لأكثر من اثني عشر عاما. بدء سلسلة خاصّة بك من المناسبات قد يبدو أمرا مبالغا به بالنسبة لمعظم الأشخاص، لكن يمكنك تطبيق فكرة معرفة ما لا يعجبك وإعادة وضع السياق الخاص به كعنصر في أمر إيجابي على معظم الأعمال المنزلية.

   

undefined

  

يبدو أن إدراكك لعاداتك له تأثير على التسويف، لكن بطرق أكثر تعقيدا مما كنت لتفترضه في البداية. عام 2011، نشرت كارول دويك الباحثة في جامعة ستانفورد نتائج تشير إلى أن "ملل القرار" يؤثر بشكل أكثر سلبية على الأشخاص الذين يتوقعون بالفعل أن تكون قوة إرادتهم منخفضة. وبعبارة أخرى، غالبا ما يفشل الأشخاص الذين يتوقعون الفشل. ربما من الممكن أن يكون جميع مؤجلي المهام أفضل في القيام بمهامهم المنزلية لو توقفوا ببساطة عن وضع فرضية مفادها أنهم مبتلون بالفشل. يجب الإشارة إلى أن الباحثين في موضوع التسويف والمماطلة يجيبون عن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم في الوقت المناسب.

 

ومع ذلك، قد تكون درجة ما من التأخير مجرد جزء لا مفر منه في الدماغ البشري، وخاصة عندما تكون المهمة صعبة. عندما سألت فيراري عن النقطة الفاصلة بين مؤجلي المهام والمسوِّفين المزمنين، أجابني بأن ذلك سؤال معقد. وعلل ذلك قائلا: "يجتمع الباحثون في موضوع التسويف والمماطلة كل سنتين في اجتماع دولي. نجتمع منذ عشرين عاما. بعد كل اجتماع، نخرج قائلين إننا يجب أن نوعّي الناس بالفرق بين التأخير والتسويف".

————————————————————

ترجمة (آلاء أبو رميلة)

هذا التقرير مترجم عن: The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان

المصدر : الجزيرة