شعار قسم ميدان

العلاقات السامة.. علامات تخبرك بأنه قد حان وقت المغادرة

ميدان - علامات الخطر.. كيف تعرف أنك في علاقة مسممة؟
اضغط للاستماع

   

"لا أُريدُ منَ الْحُبِّ غَيْرَ الْبدَايَةِ"

(محمود درويش)

 

البدايات دائما أجمل، مع فورة المشاعر، والشغف بالمحبوب، ورفرفة الفراشات في المعدة كما يقول التعبير الإنجليزي، وكل ما يجعلنا نرى العالم عبر منظار "الحب الوردي" الذي يجعل العالم صافيا بلا مشاكل. مشاعر تطغى للحد الذي يعمينا عن تلك الأمور الصغيرة التي تسمم العلاقة وتجعلها في حد ذاتها مصدرا للإيذاء. تتطور العلاقات مع مرور الوقت، تنضج وتتغير كنتاج لتطور وتغير شخصيات أطرافها، وكنتيجة للتقارب بينهما مع مرور الوقت، فتظهر صفات ربما لم ينتبها لها في البداية، وهو ما قد يؤدي أحيانا إلى تآكل العلاقة، وتسممها، فيأكلها العطن من الداخل بينما تبدو مثالية من الخارج، ومن الخارج فقط.

  

تقوم العلاقات الإنسانية الصحية على أسس من الاحترام والإعجاب المتبادل، والرعاية المشتركة، والقدرة على مشاركة القرارات، فهي باختصار رغبة مشتركة في السعادة. وهي علاقة آمنة يمكننا فيها أن نكون على طبيعتنا بلا خوف، وأن نشعر بالراحة والأمان، بينما تتميز العلاقات السامة بانعدام الشعور بالأمان، والتمركز حول الذات، ومحاولات السيطرة والهيمنة لطرف على الآخر.(1) وبينما يمكنك بوضوح تمييز علامات الإيذاء الجسدي أو العاطفي أو اللفظي، حيث يمكنك تمييز الكذب، والخيانة، والحرمان العاطفي، فإنه في بعض الأحيان يصعب تمييز العلاقة السامة.

  

ما العلاقة السامة وكيف تنشأ؟

undefined

 

تتميز العلاقات السامة بوجود نمط متكرر ومؤذٍ من السلوك بين الطرفين، قد يشمل هذا النمط الغيرة القاتلة أو الاستغلال، الرغبة في الهيمنة، الأنانية، الرفض. وبينما تساهم العلاقة الصحية بدور فعال في دعم ثقة الفرد بذاته، وتعزيز طاقته العاطفية، فالعلاقات السامة على العكس، فإنها تدمر ثقة الفرد بذاته وتمتص طاقته.(2) وبينما تتضمن أي علاقة صراعا على السيطرة، خاصة في بدايات الارتباط، فكلنا نخطئ ونتشاجر، حيث لا توجد علاقة يمكن وصفها بـ "المثالية". في هذا السياق، ولتفصيل أكثر دقة، فإن العلاقة السامة يمكن أن تُعرف وتُميَّز بالتكرارية والاستمرارية، بحيث يصبح السلوك المسمم للعلاقة نمطا سائدا، وليس استثناء. كما تتميز العلاقات السامة بوجود طرف واحد يسعى لفرض سيطرته المطلقة، سيطرة تتجلى عبر أساليب واضحة تارة، أو بصيغ رمزية غير واضحة للطرف الثاني.(3)

 

تعد ضعف الثقة بالنفس إحدى الركائز الأساسية التي تنتج صيغا متعددة من العلاقات السامة، ولا يقتصر الأمر هنا على طرف دون الآخر، حيث كثيرا ما يتبادر إلى أذهاننا افتراض يستند إلى أن الطرف الذي يسعى للسيطرة هو الطرف النرجسي المتمتع بالثقة، لكن هذه النرجسية في الحقيقة قد تُخفي مستوى أعمق من اهتزاز الثقة وانعدام الشعور بالأمان، وهو ما قد يدفع الكثيرين لمحاولة تعويض هذا النقص بالسيطرة على الشريك.(4) الأمر المهم هنا، والذي يحتاج إلى كثير نظر، أن عددا من الأفراد ينجذبون بأنفسهم لحيازة أو الدخول في هكذا نمط من العلاقات السامة، خصوصا إذا ما كانت نشأتهم قد تكوّنت في بيئة سامة مليئة بالأذى والعنف والمشاعر السلبية، مما يفقدهم القدرة على تمييز العنف والإيذاء، وليتحوّلوا بشكل غير واعٍ لأفراد يمارسون أنماطا من السلوكيات السامة التي اعتادوا عليها ولم يعرفوا غيرها.(5)

  

لماذا لا نغادر العلاقات السامة بسهولة؟

undefined

 

في مثل هذه العلاقات ينشأ ما أطلق عليه روبرت فايرستون أستاذ علم النفس "الرابطة الخيالية" لوصف وهم التواصل الناشئ بين شخصين، والذي يساعد على التخفيف من مخاوفهم الفردية عبر تشكيل إحساس زائف بالارتباط. هذا النوع من الارتباط يتحول إلى حالة مسمّمة بكُليّتها، حيث يستبدل الشعور بالحب والدعم بالرغبة في دمج وصهر الهويات، وفقدان الشعور بالاستقلال، حيث يبحث كل منهما عن الأمان في وهم الاندماج، أو ممارسة أحد الطرفين لدور الأب أو الأم في العلاقة من خلال وهم توفير الحماية والرعاية. إن قدرة الأفراد في مثل هذا النوع من العلاقات على خداع ذواتهم تُمكّنهم من الاحتفاظ بوهم القرب والحميمية، ليغلقوا أعينهم بذلك عن حقيقة افتقاد العلاقة للالتزام العاطفي الحقيقي والرفقة الحقيقية.(6)

  

أشهر أنماط العلاقات السامة

فيما يلي بعض أنماط السلوك السام الأكثر انتشارا، مع الأخذ في الاعتبار أن وجود أحدها لا ينفي وجود الآخر، فغالبا ما توجد هذه الأنماط متداخلة ومتجاورة:

  

undefined

  

1- السخرية والاستهانة والحط من شأن الطرف الآخر

في هذا النمط، يتعمد أحد الأطراف السخرية من الطرف الآخر بشكل مستمر والتقليل منه ومن آرائه وأفكاره، والحط من قدره وإحراجه أمام الآخرين. وإذا طلبت منه أن يتوقف عن هذا ففي الغالب سيخبرك أنه يمزح وسيتهمك بأنك لا تملك حس الدعابة. إذا استمر هذا السلوك لفترة طويلة، فقد يبدأ الإحساس بانعدام الثقة في قراراتك وآرائك بالتسرب إليك، حتى تصدق ما يقول.(7)،(8)

 

2- سرعة الغضب والانفعال وردود الأفعال غير المتوقعة

بعض الأشخاص لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يشعل غضبهم، تشعر معهم بأنك تسير فوق قشر البيض، حيث لا يمكنك أن تكون على طبيعتك، ويصبح تمرير كل ما تقوله أو تفعله محاطا برقابة صارمة خوفا من أن يغضب الطرف الآخر، وهو ما يؤثر على صحتك العاطفية والجسدية ويجعلك تتجنب التعبير عن مشاعرك وأفكارك خوفا من غضبه وانفعاله. وإذا وجهت له اللوم على انفعالاته فغالبا سيتهمك بأنك السبب في غضبه وانفعاله، ونادرا ما يظهر هذا الوجه العصبي سريع الانفعال للعالم الخارجي، فغالبا ما يظهر هذا الشخص أمام الآخرين بمظهر لطيف وخلوق يحبه الجميع.(9)،(10)

  

3- بث الشعور بالذنب

يعمل هذا الشخص على السيطرة على قرارات الطرف الآخر من خلال إشعاره بالذنب والتقصير رغم دعمه الزائف الظاهري لهذه القرارات. على سبيل المثال تقرر الزوجة العودة للعمل، ليدعمها الزوج ظاهريا ويشجعها على العودة لعملها، لكنه لا يكف عن إلقاء إشارات حول تقصيرها في واجباتها تجاهه أو تجاه المنزل والأبناء. يجيد هذا الشخص لعبة تصيد الأخطاء، كلنا نخطئ لكن ما يسمم العلاقة أن يتصيد أحد أطرافها أخطاء الطرف الآخر واستغلالها ﻹشعاره بالذنب، فتشعر معه بأنك تسير في غابة مليئة بالفخاخ التي تتصيد أخطاءك وتنسج منها شبكة عنكبوتية تلفها حولك وتحاصرك.

 

4- المبالغة في ردود الأفعال/ أو اللوم المعاكس

وهما نمطان متداخلان، يبالغ النمط الأول في ردود أفعاله عند توجيه اللوم له ويغرق في الغضب أو الحزن والإحباط، فيجد الطرف الآخر نفسه يهدئه بدلا من مناقشة المشكلة الرئيسية. أما النمط الثاني فسيقلب المنضدة ويقلب الأوراق، فإذا واجهته بمشكلة ما أو بشيء يغضبك ستجده قد قلب الأمور لينتهي بك الأمر وأنت تحاول مصالحته والاعتذار له. كلا النمطين لا يسمحان لك بالتعبير عن نفسك، بل وقد ينتهي بك الأمر وأنت تشعر بأنك مخطئ في حق الطرف الآخر، وبالتأكيد تتوه المشكلة الرئيسية التي أردت مناقشتها في المقام الأول.

 

5- الشريك الاعتمادي

إذا كان أحد أطراف العلاقة يعتمد على الطرف الآخر في اتخاذ جميع القرارات فقد تكون هذه إحدى وسائل السيطرة الخفية، فهذا النوع من الشركاء يحملك مسؤولية جميع القرارات، بداية من المطعم الذي ستتناولان فيه طعام العشاء ونهاية بجميع القرارات المصيرية. لكنه في المقابل سيتعامل بعدوانية إذا اتخذت قرارا "خاطئا" من وجهة نظره أو لا يناسبه. مثل هذه العلاقات تخلق شعورا مستمرا بالقلق والتوتر نتيجة قلقك من اتخاذ القرارات الخاطئة بالإضافة إلى الشعور بالاستنزاف والإرهاق نظرا لقيامك باتخاذ جميع الإجراءات.

   undefined

  

6- المستقل (غير الملتزم)

الاستقلال ليس صفة سلبية بالتأكيد، لكن هذا الشخص يرفع استقلاله دائما كذريعة لعدم التزامه، وهو شخص لا يمكنك التنبؤ بأفعاله، يعدك ولا يفي بالتزاماته أو وعوده، وعندما تعاتبه سيرفع شعار "أنا لن أسمح لك بالتحكم في حياتي، أنا شخص حر ومستقل". هذا النوع من العلاقات يجعل الطرف الآخر في حالة دائمة من انعدام الأمان والاستقرار، نظرا لعدم قدرته على التنبؤ بتصرفات الشريك أو بمدى التزامه العاطفي تجاهه. وهو ما سيؤثر بقوة على صحتك النفسية والعاطفية بل والجسدية أيضا.

  

7- المستغل

هذا الشخص لطيف طالما يأخذ منك ما يريده، والعلاقة معه علاقة في اتجاه واحد، يبذل فيها طرف واحد الوقت والجهد، والمال أحيانا، مع إشعاره بأن ما يبذله ليس بكاف. إذا فعل هذا الشخص شيئا من أجلك فغالبا سيستخدمه ضدك فيما بعد إذا رفضت فعل شيء يطلبه لكي يشعرك بالذنب.(11)

 

8- المتملك/ المرتاب

يحاصر هذا الشريك الطرف الآخر بغيرة جنونية، قد يستمتع البعض بشعور الغيرة ويعتبره دليلا على الحب، لكن للغيرة الطبيعية حدود إذا تخطتها ستسمم حياتك. هذا الشخص يمنح نفسه الحق في محاصرتك وتفتيش أشيائك الشخصية وحساباتك الإلكترونية، يحاصرك بالشكوك والأسئلة، ويعمل على عزلك عن الأصدقاء وبعض أفراد العائلة. يملي عليك ما تفعله وما لا تفعله، وهو ما يقضي على التوازن في العلاقة ويحرمها من الاحترام المتبادل.(12)

 

9- الكذب والخيانة

للكذب والخيانة قدرة على إذابة الثقة، تتراكم الكذبات كذبة وراء أخرى وكل كذبة تضرب ضربتها في حائط الثقة الذي يحمي العلاقة، ومرة بعد أخرى تفاجأ بتحطم الجدار وانهياره، احرص عندما تأتي هذه اللحظة ألا ينهار الجدار على رأسك.(13)

  undefined

  

وماذا بعد؟ هل هناك أمل؟

يعد التعرف على علامات العلاقة السامة خطوة حيوية وأساسية، سواء قررت الرحيل والتخلص من العلاقة أو كان الأمر صعبا ولا يمكنك التخلص منها، لكن مجرد الوعي بوجودها سيساعدك على التعامل معها وعدم استنزاف طاقتك. لا بد من الانتباه أن بعض هذه العلامات قد تظهر في جميع العلاقات من وقت لآخر، لكن هذا لا يجعل العلاقة سامة، ما يجعلها سامة هو الاستمرارية والثبات والكثافة والضرر الواقعين. أي علاقة صحية تتضمن بذل الجهد، والانضباط، والدافع، والنية، والرغبة. فإذا كانت العلاقة قد شهدت مناخا صحيا من قبل قد يكون من الممكن إصلاحها مع بذل بعض الجهد. هناك عدد من الأسئلة ينبغي أن تطرحها على نفسك:

  

هل ستتحمل ما تتضمنه العلاقة من إيذاء وسلبية؟ هل تستطيع تحمل القلق والتوتر والضغط والمشكلات التي تبتلع العلاقة؟ ما الذي تجنيه من هذه العلاقة؟ كيف يمكنك استعادة علاقة صحية وسعيدة؟ وما الذي ستضطر للتضحية به؟ هل ستضطر للتضحية بأمانك وسلامتك؟ ما مدى تأثير هذا على من حولك، أبنائك أو شريكك أو الآخرين من حولك؟ هل لديك استعداد لبذل الوقت والجهد والصبر اللازمين لإصلاح العلاقة؟ وهل لدى شريكك الاستعداد للبذل في المقابل؟

  

من الجدير بالذكر أنه إذا كانت العلاقة سامة من البداية ولم تشهد أي مناخ صحي فمع الأسف قد تكون فرصة إنجاحها ضئيلة للغاية. سيكون عليك أن تتعلم كيف تتخلى عن الطرف الآخر وتنجو بنفسك دون أي شعور بالذنب أو الأسى.(14) ربما لا تستطيع أن تغير شريكك، لكنك تستطيع تغيير الطريقة التي تتعامل بها مع سلوكياته، وردود أفعالك عليها، تستطيع أن تواجه الشريك بالسلوك السام الذي يزعجك، وأن تطلب منه التوقف عنه وتعلن أن هذا السلوك لم يعد مقبولا لديك. من المهم أن تدرك داخلك أنك تستحق الاحترام والمحبة والثقة، وأنك تستحق علاقة صحية، وأنك لست ضحية بل بإمكانك النجاة.

المصدر : الجزيرة