شعار قسم ميدان

الموت من أجل الراتب.. ما الذي يحدث عندما تعمل في وظيفة تكرهها؟

شدة التوتر

من الصعب أن تترك مشكلات العمل وإحباطاته على مكتبك في نهاية يوم العمل، لكنك تصطحبها معك للأسف فيصاحبك الشعور بانعدام الرضا الوظيفي في ليلك ونهارك. هذا الشعور بالغضب وعدم الرضا لا يمر عليك مرور الكرام، لكنه يؤثر على جميع جوانب حياتك بطرق لم تكن لتتوقعها. طبقا للبحث الذي أجراه البروفيسور جيفري بيفر أستاذ السلوك التنظيمي في جامعة ستانفورد صاحب كتاب "الموت من أجل الراتب" فإن سوء الإدارة في الشركات الأميركية ارتبط بنحو مئة وعشرين ألف حالة وفاة إضافية في العام وذلك كنتيجة للتعرض لعوامل الضغط التالية: البطالة وعدم وجود تأمين صحي، ونوبات العمل المتغيرة، وساعات العمل الطويلة، والشعور بعدم الأمان الوظيفي، والتعارض بين العمل والوظيفة، وانخفاض مستوى السيطرة على العمل، وارتفاع متطلبات العمل، وانخفاض الدعم الاجتماعي في العمل، وانخفاض العدالة التنظيمية.(1)

  

كيف تعرف أن هذه الوظيفة سامة؟

كلنا نمر بأوقات صعبة في وظائفنا، أوقات لا نتمكن فيها من التكيف، ننظر فيها إلى مكاتبنا باعتبارها سجنا نود أن نهرب منه دون عودة. قد يستمر الأمر لأيام عديدة، لكن عليك أن تنتبه لكي لا يتحول الأمر إلى حالة دائمة مؤذية. هناك بعض العلامات التحذيرية التي ينبغي الانتباه إليها، ومن بينها:

     undefined

     

* أن تشعر أنك تعمل طوال ساعات اليوم، سواء كانت الأعباء الوظيفية تطاردك عبر الرسائل النصية والبريد الإلكتروني مطالبة إياك بالمزيد من المهام حتى بعد انتهاء ساعات العمل الرسمية، أو كنت أنت من تقضي وقتك في اجترار ما حدث في العمل والتفكير فيه دون توقف.

  

* ألا تجد الوقت أو الطاقة لممارسة هواياتك أو اهتماماتك البعيدة عن العمل ولقاء الأصدقاء.

* إذا لم تحصل على علاوة منذ فترة طويلة، رغم زيادة المهام المطلوبة منك. فالنقود من أهم الأسباب التي تدفع الإنسان للعمل كما أنها تُشعره بالتقدير. وفي ظل التضخم فإذا لم تحصل على علاوات دورية فهذا يعني أن ما تحصل عليه الآن أقل مما كنت تحصل عليه منذ عدة سنوات.

  

* الشعور بضعف القدرة على التركيز نتيجة لانعدام الشغف بما تقوم به من عمل وأيضا بسبب استنزاف الطاقة.

* الشكوى المستمرة من العمل، كلنا نشكو أحيانا من بعض مهام الوظيفة، لكن إذا تحولت الشكوى لنمط مستمر.

   

* لم تعد جيدا في وظيفتك كما اعتدت، فلم تعد تعمل بالكفاءة نفسها أو صرت ترتكب أخطاء غير معتادة منك.

* عدم الشعور بالحماس لوظيفتك، نحن نعمل لعدد من الأسباب من بينها الشعور بالأمان المادي، واستغلال مهاراتنا ومواهبنا أو مساعدة الآخرين أو تحقيق الذات. وإذا فقدنا الشعور بالحماس والإثارة تجاه العمل فهذا يعني أن هناك أمرا ما خطأ.(2)

  

صدق جسدك دائما.. فهو يعرف أكثر

استمع لجسمك، فجسمك يستطيع إخبارك الكثير، من خلال الأعراض الجسدية التي يتعرض لها، وتعد ضغوط العمل أحد العوامل التي تؤدي إلى حدوث العديد من المشكلات الجسدية، من بينها:

     undefined

  

اضطرابات النوم: يعد الأرق واضطرابات النوم واحدة من أوائل العلامات التى تدل على أنك تعمل بوظيفة سامة. إذا وجدت أنك تستيقظ في منتصف الليل للتفكير في مهامك، أو أن عقلك يظل مشغولا بالعمل حتى خلال النوم وهو ما يؤثر على جودة النوم، وخاصة إذا تحولت اضطرابات النوم إلى نمط مستمر.(3)

       

الصداع: عندما يتعرض الجسم للضغوط والإجهاد تتوتر العضلات أيضا كرد فعل لا إرادي للتعرض للضغوط والإجهاد، وكأنها تعمل على حماية الجسم. ويؤدي الإجهاد المزمن وتوتر العضلات الناتج عنه لفترات طويلة إلى حدوث أعراض أخرى مثل الصداع والصداع النصفي كنتيجة لتوتر عضلات الكتفين والرقبة والرأس بشكل مستمر.(4)

   

اضطرابات الشهية: يؤدي التوتر على المدى القصير إلى تقليل الشهية، حيث يرسل الجهاز العصبي رسائل إلى الغدد الكظرية فوق الكلوية لضخ هرمون الأدرينالين والذي يحفز "استجابة الكر والفر" (fight-or-flight response) وهي استجابة طبيعية للجسم في حالات الطوارئ تشمل تحفيزا مكثفا للجهاز العصبي السيمبثاوي والغدة الكظرية وتؤدي إلى مجموعة من التغيرات الفسيولوجية من بينها الشهية للطعام حيث يؤدي إلى تقليلها. أما إذا استمر التوتر وتحوّل إلى توتر مزمن فإن الغدد الكظرية تفرز هرمون الكورتيزول الذي يحفز الشهية والرغبة في تناول الطعام والشعور بالجوع. كما وجد عدد من الدراسات أن الضغوط النفسية والجسدية قد تؤثر أيضا على تفضيلات الطعام، وتزيد من تناول السكريات والدهون، كنتيجة لزيادة مستويات كل من هرموني الإنسولين والكورتيزول، وقد يكون هرمون الجريلين (هرمون الجوع).(5)

     

يؤدي التعرض للضغوط والإجهاد بشكل مستمر إلى التأثير على الجهاز المناعي بشكل سلبي مما يؤدي إلى ظهور الأمراض
يؤدي التعرض للضغوط والإجهاد بشكل مستمر إلى التأثير على الجهاز المناعي بشكل سلبي مما يؤدي إلى ظهور الأمراض
   

مشاكل الهضم: تحتوي القناة الهضمية على مئات الملايين من الخلايا العصبية التي تتواصل بشكل دائم مع الدماغ، وقد يؤدي التعرض للتوتر والضغوط المزمنة المصاحبة لبيئة العمل السامة إلى التأثير على العلاقة بين الدماغ والقناة الهضمية، وهو ما يمكن أن يسبب آلام الأمعاء وعسر الهضم، والإمساك، والانتفاخ الذي يمكن أن يكون مرتبطا بالإجهاد، لأن الإجهاد يؤثر على هضم الأمعاء ويمكنه أيضا تغيير بكتيريا الأمعاء، والتي بدورها تؤثر على مزاجنا. كما يؤثر التوتر والإجهاد بشكل خاص على الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأمعاء المزمنة مثل أمراض التهاب الأمعاء أو متلازمة الأمعاء العصبية. نظرا لزيادة حساسية أعصاب الأمعاء عند هؤلاء الأفراد فقد يؤدي التعرض للتوتر المزمن إلى حدوث تغييرات في الجراثيم الدقيقة في الأمعاء، وتغيرات في سرعة حركة الطعام في الأمعاء، وتغيرات في الاستجابة المناعية للأمعاء.(6)

    

فقدان الاهتمام بالعلاقة الجنسية: تنعكس الطريقة التي تقضي بها وقتك على حياتك الجنسية، لاحظت جمعية علم النفس الأميركية أن محاولات النساء للوصول إلى توافق بين جوانب الحياة المختلفة الشخصية والعائلية والمادية وبين الجانب المهني وضغوطه، ومع عوامل مثل الضغوط والتوتر والتشتيت والإجهاد فإن الرغبة الجنسية للنساء قد تنخفض، وخاصة إذا كانت المرأة تعتني بأطفال أو بأحد أفراد العائلة المرضى. أما إذا كانت المرأة تعاني من صعوبات العلاقة أو التعرض للإيذاء فإن هذا عامل آخر. (7)

    undefined

  

فعند الرجال ينتج الجهاز العصبي الذاتي أو الجهاز العصبي المستقل (autonomic nervous system) التستوستيرون وينشط الجهاز العصبي السمبثاوي المسؤول عن الإثارة. يؤدي التوتر والضغوط إلى زيادة إفراز هرمون الكورتيزول الذي تنتجه الغدة الكظرية. يلعب هرمون الكورتيزول دورا مهما في تنظيم ضغط الدم والأداء الطبيعي للعديد من أنظمة الجسم بما في ذلك عمل القلب والأوعية الدموية والدورة الدموية وعملية التناسل. لكن كميات زائدة من الكورتيزول قد تؤثر على طبيعة عمل الكيمياء الحيوية للجهاز التناسلي الذكري. كما قد يؤدي التوتر المزمن إلى تقليل إنتاج هرمون التستوستيرون أو ضعف الانتصاب والعجز الجنسي.(8)

   

زيادة معدل الإصابة بالأمراض: هناك ارتباط وثيق بين الإجهاد والجهاز المناعي، فقد وجد أن التعرض للإجهاد والضغوط قصيرة المدى قد يعزز المناعة، بينما يؤدي التعرض للضغوط والإجهاد بشكل مستمر إلى التأثير على الجهاز المناعي بشكل سلبي مما يؤدي إلى ظهور الأمراض. إذ يؤدي إلى رفع مستوى الكاتيكولامين وتثبيط عمل الخلايا التائية مما يثبط عمل الجهاز المناعي ويزيد فرص الإصابة بالأمراض الفيروسية. يؤدي التوتر والإجهاد أيضا إلى إفراز الهيستامين وهو ما يؤدي إلى إصابة مرضى الربو بانقباضات حادة في الشعب الهوائية. تؤدي الضغوط النفسية أيضا إلى تغير احتياجات الإنسولين في الجسم وهو ما يزيد من احتمالية الإصابة بمرض السكري، كما يمكن أن تؤثر على الجهاز الهضمي وتؤدي إلى الإصابة بقرحة المعدة والتهاب القولون التقرحي. كما قد يقود التوتر المزمن إلى الإصابة بتصلب الشرايين.

   

وعلى الرغم من عدم وجود دليل علمي على وجود علاقة سببية مباشرة بين التغيرات التي تحدث في نظام المناعة والإصابة بالسرطان فإن الدراسات الحديثة وجدت صلة بين التوتر ونمو الورم وتثبيط الخلايا الفاتكة الطبيعية (Natural killer cell) والتي تلعب دورا مهما في رفض الأورام وتُشكّل مكونا أساسيا في الجهاز المناعي الفطري.(9) (10)

  

ما الذي عليك أن تفعله إذا كنت تكره وظيفتك؟

undefined

  

إذا كنت تعاني من وظيفتك فليس عليك أن تستسلم، لكن هناك بعض الإجراءات أو الخطوات التي يمكنك اتخاذها والتي قد تساعد في حل الأزمة:

* احرص على تقييم وضعك: كخطوة أساسية احرص على فهم أسباب تعاستك الوظيفية، اسأل نفسك عن السبب في وصولك للوضع الحالي، هل تكره وضعك الوظيفي أو مركزك؟ هل تكره مديرك؟ هل كنت تكره وظيفتك منذ البداية أم أنك اعتدت أن تحبها ثم تغيرت الأمور؟(11)

  

سجل كل ما يزعجك: احتفظ بنسخ من رسائل البريد التي تزعجك، سجل التعليقات التي تضايقك، اكتب ملاحظاتك عن الأمر كي تستخدمها في الخطوة التالية.(12)

  

خذ المبادرة وتحدث: بعد أن حددت ما يزعجك في وظيفتك عليك أن تبادر بالحديث عن مديرك أو رئيسك المباشر للوصول إلى التعديلات التي يمكن إجراؤها ربما تستطيع الوصول إلى تسوية مناسبة وحل لمشكلاتك.

  

حاول أن تغير وجهة نظرك: يبدو الحديث عن التعامل بإيجابية أمرا كليشيهيا مكررا، لكنه قد يفيد أحيانا، وهو واحد من مبادئ العلاج السلوكي الإدراكي أن تفكر في تغيير شعورك، فلا يمكن لنا جميعا أن نغير وظائفنا أو نتركها، لكن بإمكاننا استخدام طريقة تفكيرنا في الوظائف، فبدلا من التعامل مع أيام العمل باعتبارها أياما كريهة لا تريد منها سوى أن تمر وتنتهي، استبدل وجهة النظر السلبية بوجهة نظر أخرى، حاول أن تجد أمرا جديدا في العمل تتعلمه، أو تحديا جديدا يشغلك. (13) (14)

     

احرص على عمل شيء تحبه بعد ساعات العمل، فيمكنك قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، لكن احرصوا على الحديث عن أمر آخر غير متاعب العمل
احرص على عمل شيء تحبه بعد ساعات العمل، فيمكنك قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، لكن احرصوا على الحديث عن أمر آخر غير متاعب العمل
  

تحدث عن الأمر: لا تتحدث عما تكرهه في عملك على وسائل التواصل الاجتماعي أو مع زملاء العمل، لكن اختر صديقا مقربا تثق به للحديث معه. ربما لا يحل الحديث مشاكلك، لكنه على الأقل سيمنحك فرصة للتنفيس عن مشاعرك وهو ما يخفف عنك ويساعدك على التفكير بصفاء أكبر في حلول لمشاكلك الوظيفية.(15)

  

احرص على عمل شيء تحبه بعد ساعات العمل: بدلا من قضاء الوقت بعد العمل في التفكير في العمل احرص على قضاء بعض الوقت في أنشطة مختلفة لتنفصل نفسيا عن ضغوط العمل، بإمكانك على سبيل المثال أن تشاهد فيلما في السينما أو أن تحضر حفلا موسيقيا، أو تمارس الرياضة أو التأمل، أو حتى يمكنك قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء، لكن احرصوا على الحديث عن أمر آخر غير متاعب العمل.(16) (17)

  

* ارسم إستراتيجية الخروج: إذا أدّت الخطوات السابقة إلى تحسين مشاكلك في العمل، ففي هذه الحالة بإمكانك الاستمرار في الوظيفة نفسها، أما إذا استمر الأمر على ما هو عليه فبينما تنتظر لحظة النهاية خطط جيدا لما تفعله، لا تترك وظيفتك قبل أن تعرف خطوتك التالية، ابحث عن وظيفة أخرى تنتقل إليها أو على الأقل عن وظيفة مؤقتة انتقالية.(18)

المصدر : الجزيرة