شعار قسم ميدان

من الفراعنة للرومان.. لماذا استخدم الرجال المكياج في الحضارات القديمة؟

ميدان - الميكياج للرجال

يشكو بعض الرجال من الوقت الذي تستغرقه زوجاتهم في التزين والاستعداد للخروج، وبينما يستعد زوجان لقضاء أمسية قصيرة، ففي الغالب يستغرق الرجل وقتا قليلا لارتداء ملابسه وتصفيف شعره، بينما قد تقضي زوجته أضعاف هذا الوقت في ارتداء ملابسها وتصفيف شعرها، وأخيرا المهمة التي قد تستغرق الكثير من الوقت: وضع المكياج!

 

تجلس المرأة أمام منضدة الزينة، كواحدة من آلهة الأوليمب، محاطة بعشرات القوارير والعلب التي ربما لا يفهم أغلب الرجال محتواها، ما بين كريمات الأساس وظلال الجفون والماسكرا والكونتور وغيرها من المستحضرات. فلماذا تمنح النساء هذا الاهتمام للمكياج ولا يهتم به الرجال بالقدر نفسه؟ هل يعني هذا أن الرجال أجمل من النساء، وعليه تنتفي حاجتهم إلى استخدام المكياج؟

  

تاريخ الرجال والمكياج

على الرغم من اعتبار استخدام المكياج شأنا أنثويا مقتصرا على النساء لأجيال طويلة، فإن الأمر لم يكن دائما على هذا النحو، فقد استخدم الفراعنة رجالا ونساء الكحل لرسم عيونهم بخطوط قوية وواضحة، كما استخدموا ظلال الجفون باللون الأخضر المرمري، وقد اعتقدوا في قدرتها على استحضار الآلهة حورس ورع لحمايتهم من الأمراض، وهو ما لم يكن بعيدا تماما عن الحقيقة، إذ وجد العلماء أن بعض المواد المستخدمة في صناعة الكحل كان لها القدرة على حماية العين من الإصابة بالعدوى.(1) (2)

     undefined

  

في القرن الأول الميلادي، عرف الرومان استخدام الطلاء الأحمر لوجناتهم، وتفتيح بشرتهم بمساحيق التجميل، وطلاء أظافرهم بمواد مستخلصة من دهن ودم الخنزير، كما صبغ الرجال الأماكن الصلعاء في رؤوسهم لتغطيتها. وخلال فترة حكم الملكة إليزابيث الأولى لإنجلترا والتي امتدت من عام 1558 وحتى وفاتها في عام 1603، كان استخدام المكياج شائعا بين الرجال والنساء، وسادت وقتها موضة المظهر الفاتح والشاحب جدا للبشرة، فاستُخدم نوع من الطلاء عُرف بالإسبيداج يستخدم في صنعه الرصاص وقد ثبتت فيما بعد أضراره الصحية، وتسبب في حدوث العديد من الوفيات.(3)

  

أما في القرن الثامن عشر بفرنسا، فقد عُرف عن الملك لويس السادس عشر الإسراف في استخدام المكياج والشعر المستعار حيث أصيب بالصلع في عمر الثالثة والعشرين. وقد انتشر استخدام المكياج والكعوب العالية والشعر المستعار بين رجال البلاط في هذه الفترة.(4) وقد استمر هذا الوضع حتى منتصف القرن التاسع عشر، حيث اعتبرت الملكة فيكتوريا الأولى المكياج أمرا مبتذلا وهي وجهة النظر نفسها التي تبنتها كنيسة إنجلترا، فاتفق كل من التاج ورجال الدين على توجيه العداء لمستحضرات الزينة واعتبار المكياج سلاحا من أسلحة الشيطان باعتباره وسيلة من وسائل الخداع وإخفاء الحقيقة.(5)

   

تراجع استخدام المكياج للجنسين، حتى عاود الظهور مجددا بعد تحديث صناعة المكياج وحظر استخدام الرصاص والزئبق مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كما اقترح المجلس التشريعي لولاية كنساس الأميركية عام 1915 قانونا يقضي بأن المرأة التي تستخدم المكياج تحت عمر 44 تكون قد ارتكبت جنحة تزييف شكلها!(6) بمرور الوقت، وفي ظل التحولات الكبرى في السياقات الثقافية والاجتماعية والتي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى والثورة الصناعية، انتشر استخدام المكياج بين النساء، وظهرت أسماء مثل ماكس فاكتور ومايبلين.(7)

  

الرجال والمكياج حديثا

undefined

  

مع رواج سينما هوليوود انتشر استخدام المكياج بشدة، إلا أنه أصبح متوجها للنساء بشكل حصري، وصار هناك وصم شائع إلى حد كبير يربط بين استخدام الرجل للمكياج وبين المثلية الجنسية أو الخنوثة، وإن تسامح المجتمع مع استخدامه من قِبل الفنانين والممثلين. على سبيل المثال، يمكنك تأمل وجه وسيم مثل كلارك جيبل لتلاحظ الكثير من مستحضرات التجميل.

   

كما استخدم بعض نجوم الروك آند رول المشاهير مثل ديفيد باوي وبوي جورج المكياج بجرأة، وإن كان انتماؤهم لثقافة مضادة قد منحهم مساحة آمنة للتعبير عن أنفسهم دون قلق من الوصم المجتمعي.(8) (9) وبعيدا عن عوالم مشاهير الفن والسياسة فقد ظهرت الكثير من الدعوات لكسر التنميط الجندري للمكياج، في سياق حركة أكبر تدعو للتحرر من الأعراف والقواعد الجندرية.(10)

   

وأطلقت العديد من شركات التجميل مستحضرات مكياج مخصصة للرجال مثل توم فورد التي أطلقت كونسيلر وجيل حواجب مخصصين للرجال، وشانيل التي أطلقت كريم أساس ومرطب شفاه مطفيا وأربع درجات من أقلام الحواجب في خط مخصص للرجال تحت اسم "Boy De Chanel". أما ماركة "cover girl" فقد اختارت رجلا وليس فتاة وجها جديدا لعلامتها وهو جيمس تشارلز. لكن على الرغم من تنامي هذه الاتجاهات فإن المكياج المخصص للرجال ما زال يُشكّل أقل من 1% من سوق صناعة التجميل العالمي.(11)

      


سيكولوجية المكياج.. لماذا تستخدمه النساء؟

تضع النساء المكياج طبقا لبعض الدراسات لغرضين أساسيين، وهما:

التغطية والإخفاء: فعند شعور النساء بالقلق أو عدم الأمان يملن لاستخدام المكياج للتخفي، نرى انعكاس ذلك في استخدامهن للكونسيلر (خافي العيوب) ﻹخفاء التصبغات وعلامات الإرهاق تحت أعينهن. بقليل من اللمسات تستطيع المرأة إخفاء ليالي الأرق الطويلة، وعلامات الإجهاد، وبعض آثار الزمن.

  

التحسين: قد ترغب النساء في الظهور بمظهر أكثر جاذبية، فيستخدمن المكياج للظهور بمظهر أكثر ثقة. لمسات من الإضاءة على الوجنتين وقوس كيوبيد أعلى الشفاه قد يمنحانها مظهرا متألقا، لمسات من الماسكارا على الرموش تبرزها وتزيد كثافتها. 44% من الأميركيات لا يغادرن منازلهن دون وضع المكياج، وتعتقد هؤلاء النساء أنهن لن يكن قادرات على تحقيق هذين الغرضين كما يعتقدن أن تعامل الآخرين معهن يتأثر بمظهرهن وبالطريقة اللاتي يستخدمن من خلالها المكياج.

  

   

هل تظن أنه مجرد اعتقاد خاطئ؟ في الواقع يستند هذا الاعتقاد إلى أساس نفسي، ففي هذه الدراسة قام فريق من الباحثين من جامعة ستيرلينج بإجراء تجربتين طُبّقت فيها كميات قياسية من مستحضرات التجميل على وجوه نسائية باستخدام برامج الكمبيوتر، ثم عُرضت على مجموعة من النساء والرجال لتقييمها من حيث الجاذبية والمكانة والسيطرة. اتفق أغلب المشاركين من الرجال والنساء حول ما يخص الجاذبية، لكن بينما رأى الرجال أن النساء اللاتي يضعن المكياج هن الأعلى مكانة والأكثر أناقة، رأت النساء أنهن أكثر سيطرة أو قويات الشخصية. وأُجريت تجربة لاحقة أظهرت أن لاعتقاد النساء علاقة بشعور داخلي بالغيرة أو التهديد من قِبل النساء اللاتي يستخدمن المكياج.

   

وتضع نتائج هذه الدراسة الحكم على شخصية المرأة قيد المساءلة. ويظهر هذا بوضوح في مقابلات التوظيف على سبيل المثال، والتي قد تتأثر نتائجها بالمظهر الشكلي في حين يفترض أن يكون تقييم المتقدمين قائما على اعتبارات تتعلق بالخبرة والكفاءة.(12)( 13)

       

  

كيف يؤثر المكياج على شكل المرأة؟

نشر ريتشارد راسل الأستاذ بقسم علم النفس بكلية جيتيسبرغ في مجلة علم النفس البريطانية عام 2018 دراسة أُجريت بالتعاون مع باحثين من مركز أبحاث وابتكارات شانيل للعطور والتجميل وشملت 32 امرأة من أربع مراحل عمرية مختلفة، تم التقاط صور فوتوغرافية لهن بدون مكياج ثم زُيّنوا من قِبل فنان مكياج محترف والتقطت لهن الصور مرة أخرى مع مراعاة تماثل ظروف التصوير والإضاءة، ثم عُرضت الصور على مجموعة من المشاركين وطُلب منهم تقدير أعمار النساء وجاذبيتهن.

   

وجدت الدراسة أن تطبيق المكياج كان له أثر كبير على تقدير المشاركين لعمر المرأة، ففي حالات النساء من عمر 20 إلى 30 أعطى المكياج انطباعا بأنهن أكبر عمرا، أما في حالات النساء الأكبر من عمر 30 فقد منح انطباعا بأنهن أصغر وأكثر شبابا، وهو ما يرتبط في اللاوعي بالخصوبة ويؤثر بالتالي على انجذاب الطرف الآخر لهن. وفي دراسة أخرى كان راسل قد أجراها عام 2009 وجد أن هناك سمات معينة للجمال سواء في الرجال أو النساء، وتشمل:

   undefined

  

* مدى تباين الألوان على الشفتين والعينين: تتميز النساء اللاتي يحظين بتباين ملحوظ في بشرة الشفاه وحول العينين، فالشفاه الأكثر حُمرة ترتبط بكون المرأة تحظى بدورة دموية أفضل، وهو ما يعني أنها أكثر شبابا وأنوثة أيضا. 

  

* سيمترية الوجه: ينجذب كلٌّ من الرجال والنساء إلى الوجوه السيمترية حتى لو لم نكن قادرين على تمييز هذه السيمترية. أغلب الوجوه لا تتمتع بهذه السيمترية بشكل كامل، فعادة ما توجد فروق طفيفة بين نصفي الوجه. يساعد المكياج في تعزيز هذه السيمترية وبالتالي تعزيز الجاذبية والجمال.(14)

  

* المظهر الصحي: مستحضرات مثل الكونسيلر وكريم الأساس تساعد على منح المرأة مظهرا صحيا، فالكونسيلر يساعدها على إخفاء الهالات السوداء التي تدل على الإرهاق، وكريم الأساس يمنح البشرة مظهرا صحيا ولونا متوازنا، أما حُمرة الخدود فتضفي حمرة صحية على البشرة الشاحبة.(15)

  

ريتشارد نيكسون وجون كينيدي (مواقع التواصل)
ريتشارد نيكسون وجون كينيدي (مواقع التواصل)

     

ويبدو أن هذا التأثير لا يقتصر على النساء فقط وعلى عملية الانجذاب بين الجنسين، ففي المناظرة الرئاسية الأميركية الأشهر بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون، بدا كينيدي متأنقا بلمسات بسيطة من المكياج التي أضفت عليه مظهرا متألقا وصحيا، بينما رفض نيكسون الذي كان يمر بمرحلة نقاهة وضع المكياج فبدا شاحبا. وقد ذكرت الصحافة وقتها أن مشاهدي المناظرة على شاشات التلفاز مالوا لفوز كينيدي، أما من استمعوا لها عبر الراديو فقد اعتقدوا أن نيكسون سيفوز أو أنهما متعادلان.(16)

  

قديما مدح الشعراء الجمال الطبيعي، فقال المتنبي: 

"أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا، مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ"

 

يختلف الأمر من شخص إلى آخر ومن امرأة لأخرى، فوضع المكياج في النهاية خيار فردي ينبغي أن يكون نابعا من قرار واعٍ لا مجرد انسياق خلف تأثيرات المجتمع ووسائل الإعلام.

المصدر : الجزيرة