شعار قسم ميدان

لعبة خطرة.. كيف تقرض أصدقاءك دون أن يفسد المال العلاقة؟

ميدان - إقراض الأصدقاء

"إن أضمن طريقة لتدمير رجل لا يُجيد التعامل مع المال هي إعطاؤه بعض المال!"

(جورج برنارد شو)

   

الزواج؛ مؤسسة تنجح لأسباب كثيرة وتفشل لأسباب لا يقل عددها أيضا، وأحد الإشكالات التي بإمكانها أن تُرهق العلاقة الزوجية هي الفروق المادية أو الدخل الذي يتشاركه الشريكان. ومع تغير الأدوار والمسؤوليات في الآونة الأخيرة، أصبح هناك العديد من الأُسر ذات الدخلين بحيث يتم تقاسم النفقات وتخفيف الحمل مناصفة بين الشريكين، علّ التقسيم يسُد ثغرات الالتزامات المادية. في مسح أجرته "SunTrust Bank" على أكثر من 2000 شخص بالغ، وُجد أن المال هو السبب الرئيسي للتوتر في العلاقة (1)، واعترف 35% أن الوضع المادي هو نقطة الاضطراب الرئيسية مع الشريك، بحيث إنه كلما زادت فجوة التكافؤ المادي بين الشريكين، كان هذا سببا يُهدد استقرار العلاقة الزوجية ويُعرضها -في بعض الحالات- للانفصال. (2)(3)

    

حسنا، المال الذي يُهدد أكثر أشكال العلاقات استقرارا وثباتا -الزواج- من شأنه أيضا أن يُهدد باقي أشكال العلاقات البشرية، ومثلما تتطلب العلاقة الزوجية الكثير من المراعاة، والتنازل، والمنح، ومد يد العون، فهذه أمور أيضا يستند إليها حجر أساس الصداقات المتينة وطويلة الأمد. كلٌّ منا بحاجة إلى صديق يُفرج عنه ضيقه النفسي والمادي -في أحيان-، أن يكون الملجأ الآمن الذي لا تخجل من كشف حاجتك أمامه. ونحن أيضا مطلوب منا في المقابل أن نكون هذا الصديق، ولكن نرى بعض التهاون من بعض الأصدقاء، حيث يستدين لحاجة أو لغير حاجة، وتضيق بنا أكثر إن كان الصديق يستدين لشراء كماليات ويطوق نفسه بالدين الذي يأمن صاحبه. فهل مطلوب منك أن تكون يد العون المالية لصديقك الذي تخجل أن تقول له لا؟

       

     

فكر، فكر، ثُم فكر!

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى فَاكْتُبُوهُ﴾

[البقرة: 282]

   

لا شك أن إقراض المال ليس بالأمر الهيّن، ولكن، لنكن أكثر واقعية، فاحتمالات أن يُطرق بابك، أو أن تُنَغّم نغمة هاتفك ليكون صديقك على الجانب الآخر من المكالمة يطلب منك المساعدة المالية الفورية، هي احتمالات كبيرة تتطلب منك التفكير السريع والإجابة الفورية بنعم أو لا. الجميع يمر بضغوط مادية لا تُعد ولا تُحصى، ويحاول أحدنا أن يجد مَنفَذا لتنفس بعض الأكسجين في محيط مُطوّق باستقرار مادي -حتى ولو كان لحظيا-. ولكن من المهم أيضا أن لا يتم استغفالنا أو استغلالنا لكوننا الأصدقاء الأكفاء الموجودين دوما لسد فراغ مادي أغفله صديقنا! فما الذي ينبغي أن تُفكر به قبل الإجابة بنعم أو لا؟

     undefined

  

* تذكر بأنك غير مُلزم: تنتهي الكثير من الصداقات بسبب عدم سد الديون التي كانت بين الصديقين، تضطرب العلاقة في اللحظة التي يتهاون بها الصديق باعتماده على جيب صديقه، وكلما تكررت الحاجة إلى أن تُقرض صديقك؛ كبُر المبلغ بينكما، وكانت علاقتكما أكثر عُرضة للانهيار. لذا؛ يجب التفكير مرة ومرتين وأكثر إن كنت مُستعدا فعلا لإقراض صديقك المال أم لا.(4)

     

أنت أعلم بأصدقائك: أحيانا، لا نملك الكثير من المواصفات المثالية التي يختبئ خلفها أعز أصدقائنا، فليس من الغريب أن يكون صديقك المقرب سيئا في التعامل مع المال، أو يواجه مشاكل في الادخار، ولكنه ليس ذنبك! فإن كنت تعلم أن صديقك الذي يطلب منك مالك غير مسؤول في التعامل مع المال، فربما عليك أن تفكر أكثر في إقراضه. تقدير الصداقة شيء، وإقراض المال شيء آخر.(5)

    

لا للكماليات: لنقُل أن صديقك احتاج إلى مبلغ ما لسد إيجار الشقة التي يسكن وعائلته بها، وبسبب فصله من وظيفته وسوء وضعه المادي احتاج إلى مساعدتك وأنت تعلم بأنه سيبذل قصارى جهده لسده، فلا بأس. أما إن كان يطلب منك المال لهدف السفر والاستجمام في المالديف، قل: لا! حتى ولو بذل قصارى جهده لسدادك.(6)

     

   

هل ستتأثر إذا لم يتم سداده؟ عليك أن تكون واضحا في إجابتك عن هذا السؤال. ضع احتمالا -واردا- بأن المبلغ الذي ستمنحه للشخص لن يُرد -أبدا-. لذلك، قبل أن تقرر إقراضهم، فكر في كيفية تأثير ذلك عليك إذا لم تسترد مبالغك. فإن كان صديقك محل ثقة يستحقها، فإقراضه مبلغا صغيرا لن يؤذيك إذا فشل في تسديده، أما إقراض الصديق نفسه -الموثوق- مبلغا كبيرا يفشل في سداده قد يؤثر عليك وعلى استقرارك المادي. تذكر بأن تُقرض ما لا يتعارض مع التزاماتك أو ما لا يضعك في خانة الحاجة إذا لم يتم سداده. (7)

   

* من حقك أن تعرف الغرض من الدين: كُن واضحا وأخبر صديقك أنك لا تود أن يكون المال الحاجز الذي يُدمر العلاقة وينقلها لمرحلة الحساسية وتجنب الالتقاء. ناقش معه الغرض من القرض -خاصة إذا كان مبلغا كبيرا-، ومن المهم أن تكون صادقا في نقاشك. ومن حقك أن تأخذ وقتك في التفكير في قبولك بإقراضه المال أو امتناعك عن هذه الخطوة بعد معرفتك بغرض الدّين أساسا، وأكّد ضرورة ترك خطوط التواصل مفتوحة ومُتاحة في حال مواجهة أي مشكلة بدلا من تجنبك. (8)

  

لا تخجل من قول "لا": في بعض الحالات قد لا تكون قادرا، أو لا تُحب المجازفة بمبالغ لا تدري متى سيحين موعد استرجاعها. أيا كان السبب، قل "لا" إذا كنت بحاجة إلى ذلك. (9)

   

كتابة الدّين: إذا كُنت تُقرض مبلغا كبيرا -كبيرا هو ما تعتقد أنت بأنه كبير حسب ميزانيتك-، من الأهمية بمكان أن تقوم بإنشاء مستند يحدد شروط القرض. الغرض من هذه الوثيقة هو إيضاح الأمور بينك وبين الصديق. كما أن كتابة الدين مُستحبة في الدين الإسلامي، وكذلك الإشهاد على هذه الكتابة مُستحب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ… ﴾ [البقرة: 282]. وكلُّ ذلك حتى لا يختلفوا عند القضاء بسبب الجحود أو النسيان ونحوهما. (10)

   

   

* مالك هو حقك.. لا تنس ذلك: إن تأخر صديقك بالسداد ذكر نفسك أنه لا مشكلة من تذكيره أنه تخطى موعد السداد المتفق عليه. من المهم محادثته ومناقشته وفهم سبب تأخره أو فشله بالالتزام بالخطة. ولا تنس بأنك أنت من جنى هذه الأموال، وكان لهم الحق في سؤالك وطلب مساعدتك، فلك الحق أنت أيضا أن تطلب منهم السداد. وحاول أن تكون مُتفهما إن كان صديقا تثق به ويملك أسبابا منطقية تشرح تأخره، فامنحه مساحة يستحقها. أما إن كان لا يُبدي أهمية لتأخره، أو يتذمر منك لأنك تطلب مالك -المتفق على موعد سداده سابقا- فليس عليك تفهم ذلك! (11)

    undefined

        

القُرب يُولّد الخمول..

"قوام الحرب ثلاث: المال والمال والمال"

(نابليون بونابرت)

   

يُقال إذا كنت تملك صديقا صادقا يفرح لفرحك، ويحزن لحزنك فأنت أثرى الناس. في مسرحية هاملت لشكسبير، يقدم بولونيوس بعض النصائح الأبوية لابنه ليرتيس ويقول له: "إن إقراض المال لصديق قد يؤدي إلى خسارة كلٍّ من الصديق والمال أيضا". إن ما يدفعك لبذل كل ما بوسعك لمد يد العون لصديقك ينبع من أخلاقك الحسنة ونيّاتك الطيبة، فنحن نشعر بالالتزام تجاه من نحب، وتجاه أصدقائنا المقربين. ولكن هُنا المُعضلة، فكلما كانت المسافة أقرب، شعر المَدين أن باستطاعته التأخر عن السداد، حيث لا توجد رسوم على التأخير، ولا يوجد معدل فائدة وما إلى ذلك. هذا يجعل الناس أكثر خمولا لأنه لا يوجد خطر يهدم السقف فوق رؤوسهم على عكس قرض منتظم يؤخذ من أحد البنوك، فهذا كفيل بأن يهدم سقفه بين ليلة وضحاها.(12)

     

   

كل تعامل تحت سقف أي علاقة يملك جانبه الذي يعكس الفضيلة، والجانب الآخر الذي يعكس العيوب. والوعي بعيوب أي تعامل مع طرف تخشى خسارته كفيل بأن يمنحك الوقت الكافي لأن تضع الأمور في ميزان بكل موضوعية وبعناية تُجنبك خسارة من تحب. تأكد -دوما- من منح الأولوية إما لكرمك، أو الحفاظ على علاقتك سليمة، أو الاعتراف بالحاجة الحقيقية، وتأكد -بالمقام الأول- من أنك لا تُهدد وضعك المالي. إذا قررت عدم إقراض المال، فاعلم أن قرارك لا يعني أنك بارد أو غير راغب في المساعدة، هذا يعني أنك حريص على تجنب السير في طريق يمكن أن يغير ديناميكية علاقاتك أو يضعك في وضع مالي سلبي. كن حازما وواثقا من قراراتك؛ وسيتمكّن أصدقاؤك من تفهمك.

المصدر : الجزيرة