شعار قسم ميدان

تجنب الأملاح والأطعمة الدسمة.. هكذا تقلل مخاطر موجة الحر أثناء صيامك

ميدان - موجة الحر

"شعرت بجبهتي تتورم تحت الشمس، وخيل إلي أن كل هذه الحرارة تتكئ عليّ وتعترض طريقي. وكنت كلما ازداد لفح الحرارة قسوة أصر أسناني وأحكم إغلاق قبضتي في جيب بنطلوني. وشددت جسمي كله كي أنتصر على الشمس وعلى الدوار الشديد الذي تصبه فوق رأسي. وحين تنبثق كل لمعة ضوء من الرمل كأنها السيف، أو حينما أشاهد أصدافا بيضاء أو بقايا زجاجة مهشمة، كانت عظام فكي تتقلص. وظللت أسير فترة طويلة على هذا الحال"

(رواية الغريب، ألبير كامو)

   

إذا كنت قد قرأت رواية "الغريب" لألبير كامو فربما تتذكر هذا المشهد الممتد في وصف حرارة الشمس القاسية والذي يأتي إلى الذهن مع الموجة الحارة التي تشهدها المنطقة لتشمل عدة دول، حيث بدأت الحرارة في الارتفاع يوم الثلاثاء الموافق 21 مايو/أيار 2019 في مصر وليبيا والجزائر، وستمتد نحو الشمال الشرقي لتشمل فلسطين والعراق وسوريا ولبنان والأردن وتمتد حتى الجزء الجنوبي من تركيا، ومن المتوقع أن تستمر لتبدأ في الانحسار يومي الجمعة والسبت. ووفقا لتعريف المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تتميز الموجة الحارة بارتفاع درجة الحرارة في نطاق جغرافي واسع وتمتد من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، ومن أبرز أسبابها الاحتباس الحراري. لا تقتصر آثار موجة الحر على الإنسان فقط، لكنها تمتد لتؤثر على الثروات الحيوانية والنباتية أيضا.(1)

    

ومع تزامن موجة الحر هذا العام مع شهر رمضان، يظهر القلق من خطر الإصابة بالجفاف أو الإنهاك الحراري وضربة الشمس نتيجة التعرض للحرارة المرتفعة مع الصيام ونقص السوائل. طبقا لتقرير مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها فإن موجات الحرارة المرتفعة تتسبب في نحو 688 حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة وحدها.

       undefined

  

ويشرح مايك ماجين مدير برنامج المخاطر البيئية والآثار الصحية في المركز الأمر: "…عندما يتعرض الإنسان لدرجات حرارة مرتفعة لفترة طويلة فإن عملية تنظيم حرارة الجسم ترتبك، وبعد التعرق الغزير تتوقف عملية التعرق والتي تلعب دورا مهما في تنظيم درجة حرارة الجسم ويصبح الإنسان معرضا للإصابة بالإنهاك الحراري أو الأخطر بضربة شمس، يشبه الأمر ما يحدث لسيارتك عندما ترتفع درجة حرارة محركها ويضيء مؤشر الحرارة. إذا أوقفت السيارة وتركتها لتبرد ستتمكن من إعادة تشغيلها، أما إذا استمررت في القيادة فستتجاوز المشكلة نظام التبريد إلى المحرك نفسه".(2)

   

"يفتح الجو الحار جمجمة المدينة، ويكشف دماغها الأبيض، وقلبها المكون من أعصاب تنبعث كأسلاك داخل مصباح كهربائي. وهناك تنضح رائحة إنسانية طاغية ولاذعة، تجعل كل حجر يبدو وكأنه كائن حي ونابض"

(ترومان كابوتي.. عبور الصيف)

  

undefined

         

المخاطر الصحية الناتجة عن التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة

طفح الحرارة أو الحرارة الشائكة: عبارة عن طفح جلدي مؤلم يحدث بسبب التعرق الزائد أثناء ارتفاع درجة الحرارة المتزامن مع الرطوبة، فتظهر بثور حمراء صغيرة مؤلمة خاصة على الرقبة أو أعلى الصدر وفي ثنايا الفخذين وتحت الثديين، وأكثر من يتعرضون لها هم الأطفال والرضع. يمكن تخفيف الأعراض عن طريق إبقاء الجسم جافا وباردا واستخدام المحلول المخصص المتوافر بالصيدليات.

 

الجفاف: يتعرض الجسم للجفاف حينما لا يحصل على كفايته من الماء والسوائل اللازمة للقيام بوظائفه الحيوية، تظهر الأعراض في شكل الدوار والشعور بالإرهاق، ولون البول الداكن والإغماء. عند التعرض للجفاف اشرب الكثير من المياه أو العصائر الطبيعية، حاول أن تنتقل لمكان بارد مكيف، وبرد الجسم باستخدام المياه، وتناول محلول مقاومة الجفاف إن أمكن. إذا لم تتحسن الأعراض سيكون عليك اللجوء للطبيب.

 

التشنجات الحرارية: عادة ما يصاب بها الأشخاص الذين يتعرقون كثيرا أثناء ممارسة نشاط بدني شاق مما يؤدي إلى فقد الجسم للكثير من المياه والأملاح، وأعراضها: آلام في العضلات أو تشنجات، كما يمكن أن تكون التشنجات الحرارية عرضا مبكرا من أعراض الإنهاك الحراري. توقف عن ممارسة النشاط البدني واستلقِ في مكان بارد أو مكيف مع رفع الساقين قليل، وتناول المياه والسوائل وحاول الحصول على حمام بارد أو ترطيب جسمك، وجرب تدليك الأطراف مع استخدام كمادات باردة لتخفيف التشنجات. إذا استمرت التشنجات لأكثر من ساعة عليك اللجوء للطبيب.

     undefined      

الإنهاك الحراري: يحدث نتيجة لتعرض الجسم لدرجة حرارة مرتفعة مع فقد كميات كبيرة من الماء والأملاح في العرق، وتشمل أعراض الإنهاك الحراري: الصداع والدوخة، والغثيان أو القيء، وضعف العضلات أو التشنج العضلي، وشحوب البشرة، وتسارع النبض. إذا تعرضت للإنهاك الحراري تحرك إلى مكان بارد وحاول تهدئة درجة حرارة الجسم عن طريق تبريده بالمياه، ونزع الملابس الزائدة، والاستحمام أو استخدام قطعة قماش أو إسفنج مبللة لترطيب الجسم، كما يمكن استخدام كمادات باردة تحت الإبطين أوعلى الفخذ أو الجزء الخلفي من الرقبة. تناول الماء والسوائل برشفات صغيرة. إذا استمرت الأعراض أكثر من ساعة أو صحبها وجود قيء فالجأ للطبيب.

    

ضربة الشمس: تحدث ضربة الشمس عندما لا يتمكن الجسم من السيطرة على درجة حرارته فترتفع لأكثر من 104 فهرنهايت (40 درجة مئوية)، وهو من أخطر الأمراض المرتبطة بالحرارة ويدخل تحت بند الحالات الحرجة المهددة للحياة، حيث قد تتسبب في تلف الأعضاء الداخلية للجسم. والأعراض: ارتفاع مفاجئ لدرجة حرارة الجسم، واحمرار الجلد وجفافه بسبب توقف التعرق، جفاف اللسان وتورمه والشعور بالعطش الشديد، الصداع، النبض السريع، ضيق التنفس والتنفس السريع، الغثيان والقيء، الدوخة، الارتباك وعدم وضوح الكلام والسيطرة على التوافق العضلي، السلوك العدواني، فقدان الوعي.

   

اطلب المساعدة الطبية على الفور، وحتى تحصل عليها عليك إبقاء المصاب في منطقة باردة مظللة، انزع الملابس الزائدة، شرب الماء برشفات صغيرة إذا كان الشخص ما زال واعيا وقادرا على الشرب، تقليل درجة حرارة الجسم بأي طريقة، عن طريق رشه بالماء أو تبليل الملابس، أو استخدام الكمادات الباردة تحت الإبطين وعلى باطن الفخذين وخلف الرقبة، أو الاستحمام إذا أمكن. تجنب تناول الأسبرين أو الباراسيتامول. وفي حالة فقدان الشخص للوعي احرص على أن يكون مستلقيا على جانبه مع التحقق من تنفسه حتى تصل المساعدة الطبية.(3) (4)

    

   

كيف تنجو أثناء الصيام؟

على الرغم من التأثيرات الخطيرة للتعرض لدرجات الحرارة المرتفعة فإنه بإمكانك تجاوز هذه الأيام الصعبة وأداء فريضة الصوم باتخاذ بعض التدابير الاحترازية:

 

تجنب التعرض للحر الشديد: خطط ليومك بحيث تتجنب الخروج والتعرض للحر الشديد. حاول أن تتجنب التعرض للشمس في الفترة من الحادية عشرة صباحا وحتى الثالثة عصرا قدر الإمكان، وإذا أمكن، أجّل مشاويرك في هذا اليوم أو خذ إجازة من عملك. أما إذا كنت مضطرا للخروج فاحرص على ارتداء ملابس قطنية خفيفة فضفاضة وقبعة لحماية رأسك ووضع واقي الشمس لحماية الجلد من الحروق، واحرص على البقاء في الظل قدر الإمكان. كذلك تجنب ممارسة أي أنشطة بدنية وحاول تبريد وجهك ورأسك وجسدك بالمياه كلما أمكن.(5)

   

أبقِ جسدك باردا داخل المنزل: احرص على البقاء في الغرف الباردة في المنزل، تجنب الغرف ذات الحرارة المرتفعة (القبلية)، وأغلق ستائر النوافذ لتجنب دخول كميات كبيرة من الشمس. استحم عدة مرات خلال اليوم لترطيب جسدك، أو على الأقل احرص على تبريد جسمك ورأسك بالمياه.(6) وعلى الرغم من كثرة الولائم في شهر رمضان، يُنصح بتجنب الوقوف لفترات طويلة أمام الفرن أو الموقد المشتعل، ويفضل طهو طعام وجبة الإفطار وتجهيزها في المساء السابق بحيث تكتفي بإعادة تسخينها قبل الإفطار.

  

من الإفطار وحتى السحور:

  1. احرص على شرب المياه والعصائر الطبيعية بكميات وافية بعد الإفطار وحتى السحور لتعويض فقد السوائل ومواجهة اليوم التالي.
  2.  تناول المياه الباردة "غير المثلجة"، ونظم عملية شرب المياه بحيث تتناولها على مدار الساعات من المغرب إلى الفجر، ولا تتناول كميات كبيرة مرة واحدة كي لا يتخلص منها الجسم.
  3. تجنب تناول المشروبات المحتوية على الكافيين، مثل الشاي والقهوة، فهي تعمل على زيادة إدرار البول وبالتالي زيادة احتمالية إصابتك بالجفاف.
  4. احرص أيضا على تقليل استخدام الملح في الطعام قدر الإمكان وتجنب الأطعمة الحارة فهي تزيد من الشعور بالعطش.
  5. قلل من تناول الحلويات قدر الإمكان، أو على الأقل تناولها عقب الإفطار مباشرة وتجنبها في وقت السحور لأنها تزيد الشعور بالعطش.
  6.  تجنب تناول الأطعمة الدسمة سواء في وجبة الإفطار أو السحور، واحرص على أن يحتوي طعامك على كميات أكبر من الخضراوات.
  7.  تناول الفواكه المحتوية على نسبة كبيرة من المياه مثل البطيخ والخوخ والدراق والبرتقال، وتناول الموز في السحور فهو يساعد على تقليل الشعور بالعطش لاحتوائه على كميات كبيرة من البوتاسيوم.(7)

     undefined

    

رعاية الأطفال:

حاول أن تتجنب خروج الأطفال قدر الإمكان، وتأكد من تذكيرهم بتناول المياه والسوائل، وإذا كنت مضطرا لاصطحاب أطفالك في الخارج فتأكد من ارتدائهم للملابس المناسبة، وعدم قيامهم بمجهود جسدي قوي. وإذا كان الأطفال يتدربون على الصوم فعليك أن تقطع التدريب في هذه الفترة الحارة، وتذكر أن الطفل غير مكلف بالصوم حتى يصبح بالغا. لا تترك الأطفال أبدا في السيارة وحدهم ولو لدقائق قليلة، يموت نحو 37 طفلا سنويا في الولايات المتحدة بسبب تركهم في السيارة. تختلف استجابة جسم الطفل للحرارة، إذ ترتفع درجة حرارته بمعدل من 3 إلى 5 مرات أسرع من البالغ، كما أن درجة حرارة السيارة من الممكن أن تقفز 20 درجة في عشر دقائق فقط لا غير.(8)

     

كبار السن والحوامل والمرضى:

يحتاج كبار السن والحوامل والمرضى إلى رعاية خاصة في هذه الفترات، خاصة من يعيشون بمفردهم. عليك التأكد من وجودهم في أماكن باردة جيدة التهوية، وتناول كميات كافية من السوائل والمياه وترطيب الجسم بانتظام. يُفضّل الاتصال بالطبيب والتأكد إذا كانت الحالة الصحية تسمح بالصوم أو أن بإمكانهم الحصول على رخصة الفطر، وبشكل خاص مرضى الكبد والكلى والقلب والسكر والحوامل، ويجب التأكد من سهولة الوصول للطبيب أو شخص يمكنه المساعدة في حالات الطوارئ.

المصدر : الجزيرة