شعار قسم ميدان

هل تذهب إلى صالة التمرين كثيرا؟.. ربما أنت معرض لخطر الإدمان!

ميدان - رياضة تمارين تدريب جيم

تحكي كاثرين شريبر، ذات الثمانية والعشرين عاما، كيف بدأت قصتها مع الرياضة في سن المراهقة سعيا نحو جسم مثالي، الأمر الذي تطور معها حتى وصلت للحد الذي تذهب فيه للتمرين مرتين، ثم ثلاث مرات يوميا. في تلك الأثناء، لم تعرف أسرتها كيفية التعامل مع كاثرين، وهو الهوس الذي لازمها حتى بعد تخرجها والتحاقها بالعمل. كان يومها يبدأ بالصيغة التالية: تتمرن قبل التوجه إلى المكتب، ثم مرة أخرى أثناء استراحة الغداء، ومرة ثالثة بعد الانتهاء من العمل، الأمر الذي ترتب عليه انخفاض شديد في الوزن، ما دفعها للانعزال عن محيطها الاجتماعي، وما صاحب هذا الانخفاض الحاد في الوزن من مشكلات صحية متكررة، كان من بينها كسور في القدمين، وفتق في العمود الفقري، ولتضطر في نهاية المطاف إلى التوقف عن ممارسة الرياضة ثم الخضوع للعلاج من هذا الإدمان.(1)

  

لا يدخل إدمان الرياضة ضمن الاضطرابات التي يذكرها الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) الذي تنشره الجمعية الأميركية للطب النفسي، لكنّ متخصصين مثل سيمون ريغو، كبير الأطباء النفسيين في مركز مونتيفيوري الطبي في نيويورك، وغيره يؤكدون أن هذا لا يعني عدم حاجة من يدمنون ممارسة الرياضة إلى المساعدة.(2)

     undefined

    

كيف تتحوّل الرياضة إلى إدمان؟

يفرز الجسم عند ممارسة الرياضة في كثير من الأحيان هرمون السعادة -مثل الدوبامين والإندورفين- والذي يؤثر بدوره بصورة إيجابية على المزاج، وهو ما قد يؤدي إلى ارتباط السعادة بالسلوك لدى عدد من ممارسي الرياضة، وهي آثار تشبه تلك التي تُحدثها المخدرات والكحول، ولهذا تصبح ممارسة الرياضة عادة لدى البعض، وتتجاوز ذلك لدى البعض فتتحوّل إلى إدمان.

   

بالرغم من عدم شيوع هذه الحالة بصورة واسعة، فإن مدمني الرياضة يشتركون مع غيرهم من المدمنين في عديد من الأعراض؛ إذ يُمكنهم إيذاء أجسادهم، فلا يمنحونها فرصة للتعافي من التدريبات المتتابعة والشديدة التي يمارسونها، لتتحوّل الرياضة إلى هاجس، حتى إنهم لا يتوقفون مثلا لعلاج الإصابات التي يتعرضون لها، مما يزيد من نسبة الإصابة بالأزمات القلبية، وهشاشة العظام، نتيجة المستويات العالية من الجهد.(3)

   

النقطة المهمّة هنا أن الكثيرين لا يأخذون "إدمان الرياضة" على محمل الجد، ربما لاعتبارات تتصل أن هناك الكثير من الأمور الأخرى التي تفوق هذا النمط من الإدمان أهمية، لكن ما يجب التنبيه إليه هو أن إدمان الرياضة يعد أمرا خطيرا ومُضرًّا، إذ لا تتوقف أضراره عند أخطار الإصابات الجسدية، فمدمنو الرياضة يعانون من مشكلات نفسية أيضا بسبب اعتمادهم على التمارين في حصولهم على الشعور الجيد، وحياتهم بعيدا عن الرياضة تكون باهتة، وهم يزيدون مدة ممارسة التمارين باستمرار رغبة في الشعور بأعلى قدر ممكن من السعادة، وهكذا، فإنهم يحتاجون إلى المزيد والمزيد من التمارين للحصول على النتيجة نفسها من المزاج الجيد، وحين يتوقفون عن ممارسة الرياضة فإنهم يعانون آثار الانسحاب والاكتئاب والقلق.(4)

    undefined

  

كما يؤثر إدمان الرياضة على المحيطين بالمدمن، فلك أن تتخيل ما الذي يتطلبه الالتزام بممارسة الرياضة لمدة 20-30 ساعة في الأسبوع من شخص ما ومن المحيطين به، كما أن إدمان الرياضة يجعل من قيم الفرد وأولوياته مقتصرة بصورة أساسية على ذات المدمن، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على تكوين الصداقات الجيدة، وشح اهتمامه بالمحيطين حوله، فهو في معركة دائمة لتحقيق المزيد. يصعب معرفة مدى انتشار إدمان الرياضة لأنه لا يُصنّف من الأساس كاضطراب نفسي حتى اليوم، لكن دراسة استقصائية شملت أكثر من 6000 شخص في الدنمارك والمجر وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة نُشرت في مجلة "Sports Medicine Open" أشارت إلى أن انتشار أعراض إدمان الرياضة يتراوح بين 0.3 إلى 0.5% من إجمالي السكان ويتراوح بين 1.9 إلى 3.2% بين من يمارسون الرياضة بانتظام. (5)،(6)

   

أن تحب الرياضة.. وأن تدمنها

هناك فارق بين حب الرياضة وإدمانها، فالرياضيون يعرفون كيف يعتنون بأنفسهم، ويعلمون التوقيت المناسب للتوقف عند النقطة التي قد تعرضهم فيها ممارسة الرياضة للإصابة، بينما يشعر مدمنو الرياضة بأنهم مُجبرون على مواصلة ممارسة الرياضة، لأنها وحدها تعمل على تحسين حالتهم المزاجية، وبالتالي فإنه لا يمكنهم تجنب الإصابات بالتوقف أو الحد من معدل ممارسة التمرينات، باعتبار أن ذلك سينعكس على معاناتهم من أعراض الانسحاب، مثل القلق والإجهاد.

   

عند هذه النقطة، يجب ألا نخلط بين الإدمان وبين تلك المساحات التي تتطلب بذل الكثير من الجهد لتحقيق مهارات جسدية، وهو ما يدفع لاعب كرة القدم مثلا لتحمل أضرار كبيرة في سبيل ذلك للحصول في النهاية على ما ينبغي له الوصول إليه. وعليه، فالجهد هنا يعد ثمنا للتميز الذي تعيشه مثلا راقصة الباليه بعد أن دُمّرت قدماها، أو الملاكم المحترف الذي يتعرض كثيرا لتلف في الدماغ قد يصيبه إزاء إصابات اللعب، فهؤلاء في النهاية أشخاص محترفون قادرون على القيام بأعمال تفوق العادة، ومع ذلك فهم أيضا يراقبون بحرص ذلك الخط الدقيق الفاصل بين الإدمان والاحتراف، ويمكنهم تمييز النقطة التي يتجاوزون عندها المستويات العادية، ويصبح فيها التفاني الزائد طريقا لإيذاء الذات.(7)

    

 الأكثر عُرضة لإدمان الرياضة غالبا هم أولئك الذين يعانون من مشكلات في صورة الجسد وتدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس
 الأكثر عُرضة لإدمان الرياضة غالبا هم أولئك الذين يعانون من مشكلات في صورة الجسد وتدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس
    
ما الذي يدفع البعض للإدمان؟

ليس معروفا على وجه الدقة السبب الرئيس الذي يدفع شخصا ما إلى الإدمان، لكنه غالبا ما يكون مرتبطا بالسمات الشخصية لديه، ولهذا يدمن البعض الكحول أو القمار، ويدمن البعض الآخر ممارسة الرياضة.(8) يبدأ الأمر بالرغبة في تحسين مظهر الجسم، وحين يزداد معدل التمارين، يبدأ الجسم في اعتياد مستوى معين من هرمون الإندروفين الذي يواجه به ألم الشعور بالقلق والاكتئاب، ويلجأ لزيادته للشعور ببعض التحسن في المزاج.(9)

   

في دراسة أجرتها ميا بيك ليختنشتاين من جامعة جنوب الدنمارك حول إدمان الرياضة، جمعت الباحثة بيانات لـ 600 شخص تقريبا لتحديد النقطة التي يبدأ عندها ارتفاع مستوى القلق المرتبط بممارسة الرياضة بحيث تبدأ التمرينات في السيطرة على حياتهم. ومن بين المشاركين في الدراسة، أمكن تحديد نسبة 5.8% من الذين يُعتبرون مدمنين للرياضة، تقول ليختنشتاين إنهم يُصابون بأعراض انسحاب مثل الأرق والإحباط والشعور بالذنب إذا عجزوا عن ممارستها، وتلعب هذه الأعراض دورا كبيرا في حياة المدمن الاجتماعية والعملية.(10)

  

إن الأكثر عُرضة لإدمان الرياضة غالبا هم أولئك الذين يعانون من مشكلات في صورة الجسد وتدني احترام الذات وانعدام الثقة بالنفس، وترى ليختنشتاين إنه لا يوجد سبب واحد للوقوع في إدمان الرياضة؛ فقد تكون هربا من الاكتئاب، أو بسبب أزمة في علاقات الشخص، أو رغبة في الحصول على التقدير.(11)

   

كيف تعرف أنك مدمن؟

undefined

  

هناك مؤشر رئيسي يمكن الاعتماد عليه لمعرفة أن شخصا ما قد اقترب من إدمان الرياضة، هذا المؤشر يخبرنا به جون ماير المتخصص في علم النفس السريري ورئيس الرابطة الدولية للمتخصصين في الرياضة، فعندما تتجاوز الرياضة هدفها المتمثل بالعناية الصحية، يميل الشخص إلى التضحية ببعض ساعات النوم، ويفضلها على قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة ليضمن أداء التمرينات المقررة.(12) هناك بعض المؤشرات البسيطة قد تكشف عن اقترابك أو دخولك في خطر إدمان الرياضة:


* إذا كنت تمارس الرياضة يوميا وعدة مرات في اليوم أحيانا، بما يسببه ذلك من تغيير "سلبي" لنظامك الغذائي، وحين تصبح الرياضة كلمة السر في تعديل مزاجك ومواجهة مشكلاتك.(13)

* إذا كنت تعاني من اضطرابات النوم سواء كان نومك قليلا أو كثيرا، فقد تكون ممارسة الرياضة أكثر من اللازم أحد الأسباب، فالممارسة المعتدلة للتمارين تساعدك على النوم بشكل جيد ودون انقطاع.

* إذا كنت تشعر بالضيق في اليوم الذي لا تذهب فيه إلى صالة الألعاب الرياضية فهذا يعني رغبتك المستمرة في التدريب، وأيضا حين ينتابك الشعور بالذنب لعدم أداء التمارين.

* إذا شعرت أن التمرينات تزداد حدة وصعوبة رغم أنك لم تغيّر معدل التمارين فهذا قد يعني حاجتك إلى الراحة وبعض الوقت للتعافي والسماح لجسمك باستعادة قوته بين تمرين وآخر.

* إذا كنت تعاني من نزلات البرد المتكررة أو من استمرارها لفترة طويلة فالنشاط البدني المعتدل يقوّي جهاز المناعة بينما يكون التأثير بالعكس عند ممارستها بكثرة.

* إذا كان معدل ضربات القلب مرتفعا حتى في الساعات الأولى من اليوم فقد يكون السبب هو إفراطك في التمرين، وتأثيره بالسلب على قلبك بدلا من حمايته، وعموما فإن قياس النبض بشكل دوري مصدر جيد لمعرفة ما إذا كنت مدمنا للتمارين.(14)

* حين تسبب التمارين لك مشاعر كبيرة بالرضا والسعادة ممزوجة بشعور سيئ في الوقت ذاته لأنك تدرك أنك تفرط فيها ولا يمكنك التوقف في الوقت ذاته.(15)

* حين تتجاهل الآثار السلبية على جسدك مواصلا ممارسة التمارين رغم تأكدك من أن ذلك يضر بصحتك، وتعتبر أي إصابة تمنعك من ممارسة التمارين كابوسا.(16)

* حين تصبح ممارسة الرياضة أهم جانب في حياتك فيتسبب الالتزام بها في صراعات مع العائلة والأصدقاء.

      

تذكر دوما عند ممارسة الرياضة أنك إذا لم تحصل على قسط كافٍ من الراحة، ولم تحصل على الغذاء المناسب، فلن يمكن لجسمك الاستمتاع والاستفادة بالتمارين
تذكر دوما عند ممارسة الرياضة أنك إذا لم تحصل على قسط كافٍ من الراحة، ولم تحصل على الغذاء المناسب، فلن يمكن لجسمك الاستمتاع والاستفادة بالتمارين
  

وبشكل أكثر تحديدا، يتطور الإدمان في أربع مراحل، تبدأ حين يصبح التمرين بمنزلة مكافأة للشخص، وفي المرحلة الثانية تصبح التمارين صمام أمان يلجأ إليه للهرب من مشكلاته التي تسبب له التوتر، وفي المرحلة الثالثة يبدأ الشخص في وضع برنامج يومه استنادا إلى مواعيد التمارين وتصبح قيدا للجسم باستمرار، إلى أن تبدأ المرحلة الرابعة والأخيرة لتصبح التمارين هي حياة الفرد ذاتها. أما عن العلاج فيوصي الباحثون بأن يتم تحليل كل حالة للوقوف على سبب الإدمان لديها، وهنا فقط سيتم تحديد العلاج الملائم لها وتحديد ما إذا كان تدخل أخصائي نفسي ضروريا أم لا.(17)

     

هكذا إذن يمكن أن يتحول نشاط ضروري نقوم به لحماية أجسادنا إلى نشاط مضر لها، لذا تذكر دوما عند ممارسة الرياضة أنك إذا لم تحصل على قسط كافٍ من الراحة، ولم تحصل على الغذاء المناسب، فلن يمكن لجسمك الاستمتاع والاستفادة بالتمارين، إذ لن يكون لدى الجسم فرصة للتكيف الإيجابي الذي يفيد الصحة.(18)

المصدر : الجزيرة