كم عدد الأبناء الذي يجعل الآباء أكثر سعادة؟
عندما سألتُ براين كابلان، الخبير الاقتصادي والأب الذي فكر كثيرا في متعة الأبوة وأيضا ضغوطاتها، عمّا إذا كان هناك عدد مثالي للأطفال يُمكن أن يغمرنا بالرضا، أجابني بشكل بالغ العقلانية قائلا: "أجد نفسي ميالا لتقديم إجابة اقتصادية مراوغة، حسنا، يوجد رقم مثالي حسب تفضيلاتك، لو افترضنا أن لديك مستوى نموذجيا وترغب حقا في أن تكون أبوتك منسجمة مع الدلائل والاستنتاجات المهمة، عندها سأقول إن الإجابة الصحيحة هي أربعة أطفال".
يصادف أن أربعة هو عدد أطفال كابلان نفسه. لكنه يمتلك إجابة منطقية لسؤال: لماذا يمكن تطبيق هذا الرقم بصورة أعم؟ يتمثّل تعليله المستخلص من أبحاثه حول الأبوة، والذي أوضحه في كتابه المنشور عام 2011 "أسباب أنانية لإنجاب المزيد من الأطفال"، في أن الكثير من الأشياء التي تتطلب المزيد من الوقت والمال والتي يفعلها الآباء على أمل المساعدة في نجاح أبنائهم -مثل تحميلهم عبء أنشطة خارج إطار المدرسة وإلحاقهم بمدارس خاصة- لا تؤمّن مستقبلهم كثيرا في الواقع، سواء من ناحية دخلهم المادي أو سعادتهم.
بعبارة أخرى، يجعل العديد من الآباء تجربة الأبوة مروعة بلا داعٍ، لذا يقترح كابلان أنه ربما يجب عليهم إعادة النظر في طريقة تربيتهم لأبنائهم، ثم التفكير في إنجاب المزيد من الأطفال إذا كان بإمكانهم ذلك، لأن الأطفال يمكن أن يكونوا مصدرا للرضا والسعادة. وبالنسبة لرقم أربعة فلا دخل للعمليات الحسابية المعقدة في تحديده، فقد قال: "جاء الرقم بناء فقط على تقديري لمدى حب الناس الجوهري للأطفال، مقابل حجم المعاناة غير الضرورية التي يلزمون أنفسهم بها". يظن كابلان أن إنجاب أكثر من أربعة أطفال سيكون هو الخيار الأمثل بالنسبة إليه.
بالطبع لا توجد إجابة واحدة فقط صحيحة عن السؤال الذي وجّهته لكابلان. توجد جوانب عديدة -وأحيانا تكون متضاربة- لتقييم مسألة عدد الأطفال المناسبين لأيّ أسرة من وجهة نظر الآباء والأبناء والمجتمع. محاور السؤال المتنوعة تستدعي أخذ جولة في ما هو معروف، وما هو مجهول، وحول مدى تأثير حجم العائلة على حياة كل فرد فيها.
سعت مجموعة قليلة من الدراسات إلى تحديد رقم دقيق لعدد الأطفال الذي يحقق السعادة القصوى للآباء. فقد أشارت إحدى الدراسات التي أُجريت عام 2005 إلى أن إنجاب طفل ثانٍ أو ثالث لا يجعل الآباء أكثر سعادة، وأخبر مُعِدُّ هذه الدراسة مجلة "علم النفس اليوم" (Psychology Today) أنه "إذا أردت الوصول إلى الحد الأقصى من السعادة الشخصية، فيجب عليك إنجاب طفل واحد فقط". في حين وجدت دراسة أحدث أُجريت في أوروبا أن اثنين هو الرقم السحري، وأن إنجاب أكثر من ذلك لا يجلب مزيدا من البهجة للوالدين.
وفي الولايات المتحدة، اعتبر تقريبا نصف البالغين المشاركين في استطلاع أجرته مؤسسة غالوب أن إنجاب طفلين هو الخيار الأمثل، في حين احتل الرقم ثلاثة المرتبة الثانية، حيث يُفضّل 26% من المشاركين في الاستطلاع إنجاب ثلاثة أطفال. أيضا فإن إنجاب طفلين هو الخيار المفضل في جميع أنحاء أوروبا.
لاحظت أشلي لارسن غيبي، وهي طالبة دكتوراه في علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة ولاية بنسلفانيا، أن هذه الاختيارات نابعة من تنصل البعض من المسؤولية. وكتبت لي في رسالة إلكترونية موضحة أنه "في حين تُشير كثير من الأدلة إلى أن اثنين هو العدد الأمثل، ما زلت أشعر بالتردد من التصريح بهذا الرقم أو تعميمه على سكان الدول الغربية المتقدمة. فغالبا ما يحظى إنجاب هذا العدد "المعياري" من الأطفال بدعم رسمي واجتماعي متزايد. ومن ثم، ربما يكون اثنان هو العدد الأمثل في الدول التي يكون فيها هذا الرقم شائعا وبمنزلة قاعدة عامة. لكن إذا تغيرت القاعدة، فأعتقد أن الإجابة عن سؤالك ستتغير بالتبعية".
يُمثّل نموذج الطفلين ذاك تحولا كبيرا عمّا كان عليه الحال قبل نصف قرن، ففي عام 1957، لم يعتقد سوى 20% من الأميركيين فقط أن الأسرة المثالية هي الأسرة المكونة من طفلين أو طفل واحد، في حين قال 71% إن الأسرة السعيدة هي التي فيها ثلاثة أطفال أو أكثر. على ما يبدو فإن العوامل الاقتصادية كان لها دور ما في هذا التحول. يقول ستيفن مينتز، وهو مؤرخ بجامعة تكساس في أوستن ومؤلف كتاب "عوامة هوك: تاريخ طفولة أميركية"، إن العدد المثالي خلال فترة طفرة المواليد كان يقترب من ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة أطفال. مضيفا: "انخفض هذا العدد مع ارتفاع تكاليف تربية الأطفال ومع انضمام نساء كثيرات إلى صفوف القوى العاملة وإِحساسهن المتنامي بالإحباط بسبب اختزال أدوارهن إلى مجرد ماكينات تُنجب الأطفال".
لكن تكلفة تربية الطفل ليست مادية فحسب. يقول روبرت كروزنو، أستاذ علم الاجتماع والذي يحاضر أيضا بجامعة تكساس في أوستن: "بصفتي والدا يُقدّر صحته العقلية والبدنية، كان عليّ الاكتفاء بطفلين فقط، لأن نمط الأبوة المكثفة الجديد المنتشر هذه الأيام، والذي يشعر الناس أنه ينبغي لهم اتباعه؛ مرهقٌ للغاية". (وأضاف: مع ذلك، فأنا مسرور من أن أبي وأمي لم يُفكرا بتلك الطريقة، فأنا الطفل الثالث من بين ثلاثة أبناء).
في الوقت نفسه، إنجاب طفل واحد يعني أن الآباء يفوتون على أنفسهم فرصة إنجاب بنت واحدة وولد واحد على الأقل، وهو ما كان معظم الآباء يفضلونه على مدى نصف قرن، إن لم يكن أكثر. (عامة، يتوقف الأزواج في الغالب عن الإنجاب بمجرد إنجابهم طفلا واحدا من كلا الجنسين). ربما هذا سبب آخر يجعل من إنجاب طفلين هو الخيار الأكثر شعبية بين الآباء، مع هذا، فقد وجد أحد الباحثين أن إنجاب البنات فقط أو الذكور فقط لا يؤثر بجدية -على المدى الطويل- في سعادة الأمهات اللاتي يرغبن في إنجاب طفل واحد على الأقل من كلا الجنسين. (لم يأخذ هذا الباحث تفضيلات الآباء في الاعتبار).
لكن يرغب الكثير من الآباء في إنجاب أكثر من طفلين أو إنجاب طفل واحد، أي إن إنجاب طفلين فقط ليس خيارهم الأمثل. بشكل عام، اتفق الخبراء الذين استشرتُهم أن العدد الأمثل للأطفال يتوقف على رغبات كل أسرة والمعوقات الخاصة بها. يقول براد ويلكوكس، مدير مشروع الزواج الوطني التابع لجامعة فرجينيا: "عندما يشعر الزوجان أن لديهما اهتماما متزايدا بالأطفال ولديهم طاقة وقدرة كبيرة على تربيتهم وربما يحظون بالكثير من الدعم، مثل وجود الأجداد في الجوار، وأيضا دخل مادي معقول؛ فإن خيار الأسرة الكبيرة سيكون الأنسب لهم. لكن عندما تكون مصادر الزوجين أقل، سواء من الناحية العاطفية أو الاجتماعية أو المادية، وقتها سيكون من الأفضل لهم تكوين أسرة أصغر".
إذن ماذا يحدث حين تختلف رغبات الأهل عن الواقع؟ حسب المسح الاجتماعي الذي أُجري في 2018، فإن 40% من الأميركيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 43 و52 عاما قد أنجبن أطفالا أقل مما أملن. يرى ويلكوكس أن "جزءا من ذلك يرجع إلى تأخر النساء في الزواج وفي إنجاب الأطفال، مقارنة بأي وقت سابق في التاريخ الإنساني، وهو ما يُفضي إلى أن عددا لا يُستهان به من النساء يُنجبن عددا أقل من الأطفال رغم رغبتهن في المزيد، أو لا يتمكّنَّ من إنجاب الأطفال بالرغم من رغبتهن في ذلك".
وبالرغم من أن الأسباب الجذرية لهذا التباين بين المرجو والواقع قد تختلف، فإنه من الملاحظ انتشار هذه الظاهرة حول العالم، ما يؤثر بدوره على سعادة النساء سلبا بشكل واضح. أي إنه في حين يختلف حجم الأسرة المثالي ما بين شخص وآخر، فإن أفراد كل أسرة سيكونون أكثر سعادة حين يحققون مبتغاهم، أيًّا ما كان. ولعل الفارق الأكثر جوهرية لا يظهر في إنجاب طفلين مقارنة بواحد، أو ثلاثة أطفال مقارنة باثنين، بل في الانتقال من عدم وجود أطفال إلى وجود طفل، أي في الانتقال من عدم الانتماء لزمرة الأهل إلى الانضمام إليهم.
إذ تقول كاي نوماجتشي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بولنغ غرين ستيت، إن "إنجاب طفل واحد من شأنه أن يجعل عديدا من نواحي حياة البالغين؛ مثل كيفية قضاء الوقت، وإنفاق المال، واستغلال السعة النفسية والعقلية، وكيفية صنع الشبكات الاجتماعية الجديدة، أكثر تمركزا حول الطفل. إذا كنت ترغب في الاستمتاع بالحياة التى تتمركز حول نشاطات البالغين، وتحب الأنشطة الترفيهية، وتقدر العلاقات الحميمة مع شريكك، وترغبان -أنت وشريكك- في التركيز على مساراتكما المهنية، فمن شأن عدم إنجاب الأطفال أن يكون الخيار الأمثل بالنسبة لكما".
بالطبع تتأثر الأمهات أكثر من الآباء بوجود الأطفال في المنزل، إذ يعد إنجاب الأطفال أكثر ضغطا وإرهاقا للنساء منه للرجال، كما أن النساء أكثر عرضة للمعاناة على الصعيد المهني عقب إنجاب الأطفال، على عكس الآباء (تجدر الإشارة إلى أن سعادة الأبوين قد تختلف حسب سياسات الدولة بشأن الإجازة مدفوعة الأجر والعناية بالطفل). ومن ثم، فمن هذه الناحية، قد يكون عدم وجود أطفال خيارا جيدا كذلك.
حاول الكثير من العلماء الوصول للرقم المثالي لعدد الأطفال فيما فوق الصفر، وأسفرت أبحاثهم عن عدد من المتغيرات ذات الصلة التي قد تؤثر على إجابة هذا التساؤل. أشارت إحدى الأوراق البحثية المنشورة مؤخرا إلى أن إنجاب الأطفال يزيد من سعادة الأفراد بالفعل، طالما كانوا قادرين على تحمل نفقات هذا الخيار. في عام 2014، نُشرت دراسة استعرضت الأبحاث الموجودة في هذا المجال، وشكّك مؤلفوها في "الإفراط في التعميم الذي يُشير إلى سعادة معظم الأهالي أو تعاستهم"، وخلصت الدراسة إلى تحديد أنماط أخرى أكثر اتساعا؛ إذ تميل تجربة إنجاب الأطفال إلى أن تكون تجربة أقل إيجابية بالنسبة للأمهات والأشخاص حديثي السن، أو العُزَّاب أو الذين يمتلكون أطفالا صغارا. بينما تميل تجربة إنجاب الأطفال وتربيتهم إلى أن تكون أكثر إيجابية للآباء وللأشخاص المتزوجين أو الذين أصبحوا آباء وأمهات في مرحلة متأخرة من حياتهم.
ما يعني أن الخيار الأفضل يعتمد على العمر، والمرحلة الحياتية، وشكل الأسرة، أي على عوامل هي عرضة للتغيير. فعلى الرغم من أن تنشئة الأطفال الصغار قد لا تبدو تجربة معززة للسعادة، فإن الأبوة والأمومة غالبا ما ستتحول إلى تجربة أكثر إمتاعا بعد مرور بضع سنوات. وهو ما يعتقده بريان كابلان كذلك، حيث يظن كابلان أن الأشخاص الذين يفكرون في الأطفال عادة ما يميلون إلى التركيز على سنوات التنشئة الأولى، بكل ما تحتويه من إرهاق وحرمان من النوم، بينما يقللون من قيمة الحياة الأسرية التي سيتمتعون بها حين يبلغ أبناؤهم سن 25 أو حتى 50 عاما. ويوصي بريان الأشخاص الذي يظنون أنهم سيكونون تعساء إذا لم يتمتعوا بوجود أحفاد ذات يوم، قائلا: "حسنا، هناك ما يمكنك فعله اليوم لتقليل هذا الخطر؛ احصل على المزيد من الأبناء".
قد يحدد الأهل عددا معينا من الأطفال من شأنه أن يعزز سعادتهم، لكن ماذا عن سعادة الأبناء أنفسهم؟ هل هناك عدد مثالي للإخوة والأخوات؟ بشكل عام، وعلى الرغم من المشاحنات الدائمة بين الإخوة والأخوات، فعادة ما تميل العلاقات الأخوية إلى أن تكون علاقات إيجابية. في الحقيقة هناك من الأدلة ما يشير إلى أن امتلاك الأشقاء والشقيقات يحسّن من المهارات الاجتماعية للأطفال الصغار، وأن العلاقات الجيدة بين الأشقاء والشقيقات البالغين ترتبط بالصحة الجيدة. (بل إن إحدى الدراسات وجدت ارتباطا بين امتلاك الأشقاء وانخفاض احتمالية الطلاق؛ وهو ما قد يدل على أن النشأة مع أشقاء من شأنها أن تمنح الأشخاص أدوات اجتماعية يمكنهم استخدامها والاستفادة منها لاحقا).
إلا أن هناك نتيجة أخرى أقل إيجابية على الأقل: مع زيادة عدد الأشقاء، يقل التعليم الذي من المرجح أن يحصل عليه الطفل. ناقش الباحثون لأعوام طويلة دور "تخفيف الموارد" في تنشئة الأطفال، وهو المفهوم الذي يشير إلى أنه مع لجوء الأهل لتقسيم مواردهم بين المزيد من الأطفال، فإن ما يحصل عليه كل طفل على حدة يصبح أقل. ووفق هذا الإطار، فإن الانتقال من عدم وجود أشقاء إلى وجود أخ أو أخت واحدة هو الأكثر تدميرا، من منظور الطفل، إذ سيقل نصيبه من موارد المنزل والأسرة بمقدار النصف.
إلا أن هذه النظرية لا تصمد أمام التدقيق في حقيقة الأمر، وليس لأن الأطفال الذين يمتلكون أخا أو أختا عادة ما يقطعون شوطا دراسيا أكبر مقارنة بالأطفال الوحيدين فحسب. يوضح دوجلاس داوني، عالم الاجتماع بجامعة أوهايو، قائلا: "تُمثّل نظرية تخفيف الموارد خيارا جذابا لتفسير العديد من الأمور ببساطة، إذ تبدو بديهية ومادية، إلا أنها في واقع الأمر تقدم تفسيرا ضحلا".
على سبيل المثال، يمكن للأهل أن يقرأوا لطفليهما في الوقت نفسه، دون أن يسفر ذلك عن "تخفيف" وقتهم المحدود، وإذا بحثنا عن مثال أضخم، فسنجد أن الأهل عادة ما يلجأون إلى الادخار بطريقة مختلفة إذا علموا بأنهم سيدفعون مصروفات الدراسة لطفلين بدلا من واحد، عوضا عن تقسيم قدر محدد من المال ما بين الطفلين، وهو ما يوضحه داوني قائلا: "إنهم يخصصون قسطا أكبر من أموالهم لتعليم الأطفال، وقدرا أقل للإنفاق على نوادي الجولف الجديدة".
وإذا كان الأهل جزءا من مجتمع قوي يدعمهم في تنشئة أطفالهم، فعادة ما يمكنهم الاعتماد على موارد أكبر من مواردهم الخاصة. وجدت دراسة أجراها داوني وباحثان آخران في عام 2016 أن الارتباط العكسي بين "عدد الأخوة" والنتائج الدراسية كان أكبر بثلاث مرات في العائلات البروتستانتية منه في عائلات المورمون، التي عادة ما تتمتع بنهج أكثر اجتماعية في تنشئة الأطفال. وكتب داوني ورفاقه: "حين تزيد مشاركة الآخرين في تنشئة الأطفال، يقل تأثير عدد الأخوة".
ويمكن لجنس الإخوة أن يمثل عاملا مهما أيضا. إذ أشارت سارة هايفورد، إحدى زميلات داوني في جامعة أوهايو، في رسالتها الإلكترونية إلى أنه "في الأماكن التي يزيد فيها تفضيل الأبناء على البنات، هناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن البنات ذوات الشقيقات الأكبر سنا هن الأسوأ وضعا فيما يتعلق باستثمار الأهل في تعليمهن والعناية بهن طبيا بل وحتى غذائيا".
يقدم الإخوة إذن خليطا متفاوتا من الاحتمالات. ومن الحماقة أن نحاول تحديد عدد الأطفال الذين سيمنحون بعضهم بعضا أفضل حياة ممكنة. لكن كابلان لديه نظرية بسيطة حول كيفية تحقيق أكبر سعادة ممكنة للأطفال يقول فيها: "أهم شيء في حياتك هو أن والديك قررا أن ينجباك في المقام الأول. كل طفل هو شخص آخر حصل على فرصة للحياة وسيكون على الأرجح ممتنا لكونه حيا".
عادة ما يكون عدد الأطفال الأنسب لأسرة ما، أكثر ذاتية وتباينا من عدد الأطفال الأنسب للمجتمع الأوسع. وعندما يدرس الديموغرافيون الاستقرار السكاني في أحد المجتمعات على المدى البعيد، لا يطرحون رقما مجردا فحسب (متوسط 2.1 ولادة للمرأة الواحدة تقريبا)، بل لديهم كذلك مصطلح هو "خصوبة مستوى الإحلال". في بعض الأحيان يحيد المجتمع عن معدلات مستوى الإحلال بطريقة تؤرق علماء السكان. يقول ميكو ميرسكيلا، المدير التنفيذي لمعهد ماكس بلانك لبحوث السكان في روستوك بألمانيا: "لا شيء يضمن لي أن عدد الأطفال المناسب لي مناسب للمجتمع أيضا".
وكتب ميرسكيلا عبر البريد الإلكتروني قائلا: "بمرور الوقت، تخلق معدلات الخصوبة المنخفضة مجتمعا تتضاءل فيه نسبة السكان في سن العمل مقارنة بكبار السن، وهو ما قد يفرض تحديات على بعض البرامج الاجتماعية مثل نظام الضمان الاجتماعي". على سبيل المثال، أدى استمرار انخفاض عدد سكان اليابان على مدار العقد الماضي، وتزايد نسبة السكان من كبار السن واستمرار معدلات الخصوبة المنخفضة (1.43 ولادة للمرأة)، إلى شعور الحكومة بالقلق بشأن مستقبل القوى العاملة وبرامج الإعانات الاجتماعية.
يضيف ميرسكيلا قائلا: "في المقابل، تؤدي معدلات الخصوبة المرتفعة، خصوصا مع انخفاض معدل الوفيات، إلى تسارع النمو السكاني، وهو ما يفرض على الدولة التوسع في إنشاء البنية التحتية واستهلاك موارد هائلة. في نيجيريا، حاولت الحكومة خفض معدلات الخصوبة المرتفعة عبر تيسير الوصول لوسائل منع الحمل وإتاحتها والتوعية بالمنافع الاقتصادية للأسر الصغيرة".
لكن الأسر لا تحدد عدد الأطفال الذين ترغب في إنجابهم بحسب الرقم الأنسب للمجتمع. ففي العديد من دول وسط وغرب أفريقيا، مثل السنغال ومالي والكاميرون، يتراوح حجم الأسرة المرغوب بالنسبة للعديد من النساء بين 4 إلى 6 أطفال، بحسب جوهان كاسترلاين، عالم الديموغرافيا من ولاية أوهايو الذي أجرى بحثا في المنطقة. وهو الرقم الذي بقي مرتفعا حتى على الرغم من حصول الناس على مستويات أعلى من التعليم، وهو التغيير الذي عادة ما صاحبه انخفاض في حجم العائلة المرغوب، في دول آسيا وأميركا الجنوبية.
ليس من الواضح سبب عدم تغير رغبات النساء في تلك الأجزاء من العالم كغيرهن من نساء المناطق الأخرى. قد يكون أحد الأسباب بحسب كاسترلاين هو التصور السائد عن الأسرة في تلك المجتمعات. "تعد الكثير من الأشياء في الحياة بمنزلة مهام جماعية تنوء بها جماعة عضوية كبيرة ممتدة، تتشارك المهام والعمل، وبالتالي تنخفض التكلفة الشخصية لإنجاب الأطفال. وتُقسم هذه التكلفة على مجموعة كبيرة من الناس. على سبيل المثال، قد يكون أحد الأطفال حاد الذكاء، فيُقدم أقاربه على الادخار لإرساله إلى الجامعة. أي إن تنشئة الأطفال تصبح نوعا من أنواع المجهود الجماعي التعاوني" على حد وصف كاسترلاين، على أمل أن يتمكن هذا الطالب في المستقبل من الحصول على وظيفة مدنية مجدية ماديا تُمكّنه من المشاركة في دعم المجموعة.
الاحتمال الآخر بحسب كاسترلاين هو "الرغبة الدائمة في حماية النسل من الانقطاع والفناء"، مشيرا بذلك إلى احتمالية عدم نجاة الطفل حتى مرحلة البلوغ. يرى كاسترلاين أنه بالرغم من تضاؤل معدلات وفيات الأطفال في مناطق كثيرة من العالم على مدار العقود الماضية، فإنها لا تزال مرتفعة نسبيا في تلك المناطق، ومن ثم قد تُشكّل الرغبة في التغلب عليها عاملا في زيادة النسل. تصف جيني ترينيتابولي من جامعة شيكاغو هذا المنطق بقولها: "كم طفلا يجب على المرء أن يُنجب الآن، ليكون لديه ثلاثة أبناء بالغون بعد ثلاثين عاما؟ يعتمد هذا الأمر بالأساس على معدل الوفيات".
إلا أن هذه التفسيرات ليست حاسمة، إذ يبدو أن بعض التفضيلات التي يصعب تحديدها كميًّا تلعب دورا في الظاهرة. يتذكر كاسترلاين حين أجرى مسحا في مصر قبل عقد من الزمان، واستمع إلى المصريين وهم يناقشون ميزة إنجاب ثلاثة أطفال بدلا من طفلين. يقول: "لم يشعر الجميع بوجود فارق جوهري ما بين اثنين أو ثلاثة أطفال، لكن كان هناك شعور حقيقي بأن إنجاب ثلاثة أطفال بدلا من اثنين أكثر حميمية وأسرية، لأن الكثير من حياتهم الاجتماعية تتمحور حول التجمعات العائلية والأعمام والأخوال وأبناء العمومة، لذا إن كان لديك ثلاثة أطفال فستحصل على المزيد من هذه الحياة الاجتماعية".
لكن مع تغير الاقتصاد والأحوال الاجتماعية، تتغير تفضيلات الناس، وهو ما تعد الولايات المتحدة خير مثال عليه. ففي بداية القرن التاسع عشر، كانت المرأة المتزوجة العادية تنجب بين 10 إلى 7 أطفال، لكن مع بداية القرن العشرين تهاوى هذا الرقم ليصل إلى 3. لماذا؟ يجيب مؤرخ الطفولة، مينتز، قائلا إنه لم يعد الأطفال أصولا اقتصادية يمكن دفعهم للعمل.
إضافة إلى أن بعض جوانب المجتمع مصممة كذلك لتحقق الفائدة القصوى لأسر ذات حجم معين. فالسيارة التقليدية في أميركا على سبيل المثال تسع أربعة أشخاص. (يشير مينتز إلى أن سيارات السيدان في عقدي الخمسينيات والستينيات كانت تسع ستة أشخاص لأنها احتوت على مقاعد أريكية ولم يكن بها منصة وسطية). وفي الفنادق كذلك، فما إن يفوق عدد أفراد الأسرة ما يمكن أن تسعه غرفة مزدوجة، ستضطر العائلة لحجز غرفة إضافية.
إذا أخذنا في الاعتبار شكل أحد المجتمعات وشكل الأسرة داخل هذا المجتمع، فبإمكان المرء تحديد العدد الأمثل للأطفال الممكن إنجابهم. لكن هذه الاعتبارات أقل إلزاما وتأثيرا في الواقع مقارنة ببهجة الناس حين يرون طفلا يحمل أخته الرضيعة للمرة الأولى، وحين يحضرون تجمعا عائليا صاخبا، أو حين يخططون لقضاء عطلة سعيدة دون القلق بشأن من سيرعى الأطفال. هذه هي اللحظات التي تبدو مثالية بحق.
——————————————————————-
ترجمة: فريق الترجمة
هذا المقال مترجم عن The Atlantic ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.