شعار قسم ميدان

الاحتيال على بطنك.. هذه الأغذية يتم خداعك بصلاحيتها

ميدان - لا تصدق ما هو مكتوب على العلبة.. هكذا تتحايل علينا شركات الأغذية
اضغط للاستماع

    

قبل أن تصل المواد الغذائية إلى أيدينا لتُزيّن طاولة طعامنا بكل الألوان، وفي الرحلة التي تقطعها إلينا مرورا بمراحل الإنتاج والتجهيز والتعبئة والتخزين والنقل ثم البيع، تكون عُرضة لمخاطر متعددة قد تتسبّب في ألّا يكون الطعام الذي نتناوله آمنا مهما بدا شهيا. في كل عام يُصاب نحو 70 مليون فرد حول العالم بالأمراض جراء تناول أغذية لا تتوفر فيها شروط السلامة، وتُقدِّر منظمة الصحة العالمية عدد الوفيات الناتجة عن تناول غذاء ملوث بنحو 600 مليون فرد، ونحو 420 ألف حالة وفاة كل عام. (1)،(2)

    

يتسع مفهوم سلامة الأغذية ليشمل عددا من الجوانب اللازمة لتوفير منتجات غذائية آمنة بجودة عالية للمستهلكين، وأحد هذه الجوانب هو تفادي الاحتيال، إنه صراع متواصل من أجل ضمان أن تكون مكونات المنتج الغذائي من المادة أو النوعية نفسها المتفق عليها، كأن يُكتب عليها تاريخ الإنتاج الحقيقي والمكونات الفعلية دون إضافة أي مادة غير موجودة ضمن المكونات المكتوبة على المنتج، خاصة المكونات غير المصرح بها وتلك التي تُحدث تأثيرات جانبية على المستهلك وتؤثر على الصحة العامة. (3)

     

     

أحيانا، لا يُسبِّب الاحتيال في مجال الأغذية أي ضرر على صحتنا، لكنّ هذا ليس الحال دائما، إذ أدّى اكتشاف حالات احتيال كثيرة، في السنوات الأخيرة، لتأثيرات سلبية على قطاع الأغذية، وهزّ ثقة المستهلكين فيما يتناولونه. (4)

   

أطعمة خادعة

اللحوم الفاسدة، والروبيان المخلوط بالمبيدات الحشرية، والتونة المليئة بالمواد المضافة، كلها أمثلة بسيطة لما كان على عملاء إنتربول ويوروبول مكافحته في العام قبل الماضي ضد الاحتيال في مجال الأغذية، أما أبرز المنتجات التي يطولها الاحتيال فهي الأسماك واللحوم ومشتقاتها (باستثناء لحم الدجاج)، والدهون والزيوت، والمشروبات الكحولية والمكملات الغذائية، وفيما يلي بعض الأغذية الأكثر خداعا للمستهلكين: (5)

  

زيت الزيتون

يكون أكثر عرضة للغش بسبب صعوبة تقييم الأصل أو الجودة. وتكشف الوكالات الصحية المختلفة أن 80٪ من زيت الزيتون الإيطالي الموجود في السوق ليس نقيا أو مصنوعا من الزيتون البكر، إذ يُخلط الزيتون بمكونات أرخص مثل الفول السوداني أو البندق أو عباد الشمس، ورغم أنها لا تُشكِّل خطرا على صحتنا فإنها تؤثر على الأقل في جيوبنا، فنحن ندفع ثمنا باهظا لمنتج لا يستحقه.

  
  undefined

    

عصائر الفاكهة

العصائر المعلبة، خاصة عصائر البرتقال والتفاح والرمان، مُعرَّضة بشدة للاحتيال، فأحيانا تكون المكونات الموجودة في علاماتها متعارضة تماما مع تلك الموجودة في محتواها بالفعل، في بعض الحالات، لا تتكون العصائر من الفواكه، بل المحليات وشراب الذرة ومستخلصات الزهور أو الأصباغ المخففة بالماء.
    

التوابل

إنها أحد أقدم الأغذية التي نتعرَّض فيها للخداع، خاصة الفلفل والأوريجانو والزعفران، قبل سنوات، وتحديدا في عام 2016 بأستراليا، تم استبدال أوراق الزيتون أو السماق بنبات الأوريجانو، وفي بعض الحالات وصلت النسبة إلى 90٪.

    

القهوة

على الرغم من أن تكلفتها ليست مرتفعة، فإن المزورين يخدعوننا بشأن أصلها ليزيد سعرها، وهكذا تخدعنا الملصقات حول المكونات ونشتري القهوة ذات الجودة المتدنية والمخلوطة بالفول أحيانا بسعر أعلى.

   

الحليب

يتمثَّل الاحتيال الغذائي في تخفيف تركيزه أو خلطه بالماء، أو بمواد مثل الميلانين وقصب السكر وبروتين الحليب. (6)

   

خداع أكثر خطورة

undefined

  

تتعلّق معظم عمليات الاحتيال بما يُكتب على المنتج من مكونات، ومع ذلك فهناك مزيد من الجرائم تحدث في كل مراحل إنتاج الأغذية، وهي خدع يصعب كشفها، وتنطوي أحيانا على مخاطر جسيمة على الصحة العامة، على مدار العقد الماضي تم اكتشاف عدة "فضائح" في الصين بينها حليب الأطفال الذي يحتوي على الميلامين، ولحم الفئران الذي يُقدَّم على أنه لحم ضأن، وهكذا فإن البلد الذي يشهد أكبر إنتاج واستهلاك للغذاء في العالم أصبح أيضا مرتعا للأغذية الفاسدة والمزيفة والملوثة.

   

يقول ميتشل وينبرج، مؤسس شركة "Inscatech" التي تعمل في التحقيقات المتعلقة بالاحتيال في مجال الأغذية، إن الشركة تكشف احتيالا في نحو 70% من الحالات، لكن النسبة في الصين تكاد تصل إلى 100%، وهو يؤكد أن الخداع منتشر جدا في كل ما يمكن تخيله هناك، وأن الصين لا تزال تُمثِّل مجال نمو رئيسيا للمحتالين، ولمن يطورون التقنيات لمواجهة الاحتيال في المقابل. (7)

    undefined

  

يقول خافيير رويز سانتايلا، محلل الاستخبارات في شبكة الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتيال في مجال الأغذية، إن عدد الإخطارات يتزايد كل عام. إذ سجلت طلبات التحقيق في عام 2018 نسبة أعلى بمقدار 30٪ عن العام السابق، وأضاف أن التحقيقات التي أجرتها الشرطة الأوروبية في أعقاب فضيحة لحوم الخيول (التي قُدِّمت على أنها من لحوم البقر) في عام 2013 انتهت بمصادرة أكثر من 3600 طن من الأطعمة والمشروبات المزيفة، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي (EU) هو المنطقة التي تتمتع بأفضل مستوى من التحكم وسلامة الأغذية في جميع أنحاء العالم. (8)،(9)

  

أبرز الخدع هي وضع وصف غير صحيح للمكونات، واستبدال أو تخفيف أو إضافة أو إزالة بعض المكونات، أو معالجتها بطرق غير مصرح بها، وغالبا ما يؤدي ذلك إلى وضع معلومات مضللة عن محتويات المنتج أو خصائصه أو فوائده على الملصقات التي توضع أساسا بهدف حماية صحة المستهلك ومصالحه، وتجنُّب مشكلات مثل الحساسية وغيرها. طبقا لشركة "Bioser" المتخصصة في تقديم الاستشارات والتحليلات بشأن سلامة الأغذية، فإن الممارسات الخادعة التي كشفها نظام المساعدة والتعاون الإداري (CAA) بالاتحاد الأوروبي، تتوزع طبقا للرسم التالي: (10)

      

undefined

      

أرباح مغرية لكل الأطراف

تُقدَّر التكلفة المرتبطة بهذه الممارسات الخادعة بمبلغ يتراوح بين 25000 و35000 مليون يورو سنويا، وهي ممارسات تؤثر في كل الأطراف، بداية بالمستهلك الذي يشعر بعدم الثقة، ومرورا بالسلطات التي يجب أن تزيد من الضوابط، والصناعة نفسها التي تنفق مبالغ ضخمة لتُغيِّر صورة المنتج. (11)

   

وفقا لشركة "برايس ووترهاوس كوبرز" (PwC) تُكلِّف هذه الخدع الصناعة العالمية ما بين 30،000 و40،000 مليون دولار كل عام بخلاف الأضرار التي تُسبِّبها في ثقة المستهلك وسمعة قطاع الأغذية. (12) ووجدت دراسة لمركز "بيو" للأبحاث عام 2016 أن 40% من الصينيين يعتبرون سلامة الأغذية "مشكلة كبيرة للغاية"، مقارنة بـ 12% فقط منهم في عام 2008، وقد عزَّزت الصين قانون سلامة الغذاء في عام 2015 إزاء ظهور مجموعة من "الفضائح"، والآن يواجه المزورون عقوبات أكثر صرامة، لكن هذا كلّف البلاد أكثر من 800 مليون دولار لتوظيف المزيد من موظفي سلامة الأغذية وتعزيز المراقبة، وفقا لتقرير صدر في أبريل/نيسان عام 2017 من معهد بولسون، وهو مركز أبحاث في واشنطن.

   

الاحتيال في مجال الأغذية مربح للغاية ويُغري منظمات إجرامية كبيرة بوضع مخالبها فيه. في إيطاليا يوجد مرصد للجريمة في الزراعة، وهناك حديث عن وجود "Agromafia". ووفقا للرابطة الرئيسية للمنتجين الزراعيين في المنطقة، فقد زاد هذا النشاط غير القانوني من مبيعاتها في العام الماضي بأكثر من 12٪، ما يعني نحو 24.5 مليون يورو. ويقول رويث سانتايلا: "لا يزال هناك الكثير من الأبحاث الملموسة التي لا يمكنني أن أُجريها، لكن ما نراه هو مجرد قمة جبل الجليد". (13)

   

طرق المراقبة

undefined

  

يعتبر التحدي الأساسي للأمن الغذائي هو تطوير أساليب تحليلية تسمح باكتشاف المواد غير المصرح بها التي قد يتم إضافتها لخفض تكلفة الطعام أو تحسين خصائصه، وتبادل المعلومات حول الاحتيال في المنتجات الغذائية واتخاذ إجراءات حيالها باشتراك عدة دول في مواجهتها. (14)

   

إزاء التزايد في الاحتيال فإن الخدمات التي تُقدِّمها بعض الشركات للتخفيف من مخاطر السمعة السيئة التي يُسبِّبها الاحتيال في مجال الغذاء هي "منطقة نمو كبيرة"، وفقا لشون راين العضو المنتدب لمجموعة "China Market Research Group" فهي "فرصة تجارية رائعة"، ويُضيف: "إنه أمر مهم ليس فقط في الصين، بل في العالم، فشركات الأغذية الصينية أصبحت جزءا من سلسلة التوريد العالمية بأسرها". (15)

   

الذكاء الاصطناعي يعرف القصة

مؤخرا دخلت تكنولوجيا "سلسلة الكتل" (blockchain) والذكاء الاصطناعي في تتبع عملية إنتاج المواد الغذائية، للتقليل من مخاطرها وإحاطة المستهلك النهائي بما تضمّه طاولة طعامه في الحقيقة. (16)

  

   

وتتجه بعض شركات المواد الغذائية الكبرى لاستخدام هذه التقنيات المتقدمة في اكتشاف الاحتيال، يقول فرانك ياناس، نائب رئيس وول مارت لسلامة الأغذية، إن الوقت المستغرق لتتبُّع سلسلة التوريد الخاصة باللحوم تم تقليصه من 26 ساعة إلى ثوانٍ معدودة باستخدام تقنية "سلسلة الكتل" (blockchain)، وتم توسيع نطاق المشروع ليشمل منتجات أخرى، وهي تقنية تستخدمها أيضا شركة تشونغ آن لخدمات المعلومات والتكنولوجيا في شانغهاي منذ يونيو/حزيران 2017 لتتبُّع الدجاج من الحظيرة إلى منشأة المعالجة ومن ثم إلى السوق. (17)

   

تقوم شركة "BlockBear" في الأوروجواي مثلا باستخدام تقنية "سلسلة الكتل" (Blockchain) لتتبُّع المنتجات الخالية من الجلوتين لمساعدة المصابين بالاضطرابات الهضمية في تحديد هذه المنتجات وعرض معلومات تفصيلية عن المنتج لتوفير حياة خالية من الجلوتين حتى لا تضر بصحتهم.

     undefined

  

وفي الإكوادور تتعاون عدة شركات لإنتاج الروبيان في توفير إمكانية تتبُّعه من المزرعة إلى المائدة، وتُتيح للمستهلكين بمجرد مسح الرمز المربع، اكتشاف المزرعة التي أنتجت الروبيان والتعرف على المؤشرات الرئيسية الخاصة بسلامة الأغذية، وتراهن أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بشكل عام على مزايا تقنية "سلسلة الكتل" (blockchain) من أجل شفافية أسواق الأغذية الدولية. (18)

       

ما ستُغيّره تقنية "سلسلة الكتل" (blockchain) هو قدرة المستهلكين بمجرد مسح رمز الاستجابة السريعة المطبوع على ملصق زجاجة من زيت الزيتون مثلا من هواتفهم الذكية على الوصول إلى التسلسل الزمني لزجاجة الزيت، بداية من صور الزيتون في الحقول ومرورا بمراحل الإنتاج المختلفة، وهي التقنية التي تطور عدة شركات حول العالم الاعتماد عليها لتوفر ثقة أكبر للمستهلكين. (19)

المصدر : الجزيرة