حين تحدَّث عالم الرياضيات سيمورود بابيرت، أهم مبدعي لغة البرمجة "Logo"، في ستينيات القرن الماضي، عن مستقبل يستخدم فيه الأطفال أجهزة الحاسوب أدواتٍ للتعلُّم كان الأمر أشبه بضرب من الخيال، حيث لم يكن أحد حينها ليُصدِّق أن نبوءة استبدال الحاسوب بالورق والأقلام سوف تصبح حقيقة واقعية يوما ما، لكن ما ضحك منه الناس قبل نصف قرن أصبح حقيقة لا مراء فيها في عالمنا اليوم.

 

فوفقا للتقارير التي نشرها المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018، فإن 65% من الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية اليوم سيعملون في وظائف ليست موجودة بعد، وسيحتاجون بالتالي إلى مهارات جديدة لكي يكون لهم مكان في أنظمة العمل الجديدة، فكيف سيكون مستقبل أطفال اليوم؟ وكيف ينصح العلماء بالاستعداد له؟ (1)

 

كان بابيرت يرى أن هناك دورا رئيسيا للألعاب التي تستخدم التروس في تطوير التفكير لدى الأطفال، وكانت هذه القناعة هي أساس النظرية البنائية التي ترى أن ألعاب البناء أو الإبداعات الافتراضية تساعد الأطفال في التعلُّم العميق وتُزوِّدهم بالأدوات اللازمة لحل المشكلات، وكان من بين عقول لامعة أخرى وضعوا الأساس لاتجاه تعليمي قائم على الدمج بين مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات يُعرف باسم "STEM"، اختصارا للحروف الأولى في هذه المجالات (Science, Technology, Engineering, Maths)، وأُضيف إليها الفن (ART) لتصبح "STEAM"، وهو اتجاه يرى المتخصصون أنه بات مهما وفعالا في تعليم صغار اليوم وإعدادهم للمستقبل.

يُعرَّف نظام "STEAM" بأنه برنامج تعليمي ممتد للأطفال يُركِّز على تعزيز العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات في المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، ومُؤسَّس على النظرية البنائية التي ترتكز على أن التعلُّم عملية بنّاءة ومُنفتحة، وأن التفاعل الاجتماعي أمر أساسي للتنمية المعرفية (2). وعليه فإن المناهج والنشاطات التدريسية المبنية على نظام "STEAM" تُصمَّم بطريقة علمية مبتكرة لتساعد الطفل في فهم وإدراك مفاتيح العلوم المختلفة بطريقة مُبسَّطة وبأسلوب تفاعلي مُنفتح على البيئة يدعم الطفل بمهارات يمتد أثرها في حياته اليومية.

يُعَدُّ الهدف الأساسي من هذا النظام هو الجمع بين عقل العالِم وإبداع الفنان، وتعزيز الابتكار الحقيقي وتطوير مهارات التفكير النقدي، والاستفادة من هذه المقاربة الشاملة بين العلوم في تنشيط فصَّيْ الدماغ لدى الأطفال طوال عملية التعلُّم (3).

يمكن أن يكون "STEAM" حلا لمشكلات تعليم العلوم إذن، ووسيلة لتطوير الكفاءات وتشجيع دراسة المهن العلمية والتكنولوجية، لكنّ تطبيقه في المؤسسات التعليمية يتطلَّب دعما من المؤسسات الدولية، وأدوات تكنولوجية، وتدريبا للمعلمين، وبالتالي فإن تعميمه في النظم التعليمية سيستغرق بعض الوقت (9).

لا يزال تعليم "STEAM" في بداياته في الدول العربية، ويقتصر في مصر على عدد محدود من مدارس المتفوقين، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك عجز في أعداد المتخصصين في هذا المجال، وعموما هناك دعوات لمشاركة الأُسَر في التعليم لما تلعبه من دور حاسم في النجاح الأكاديمي للطفل، بصرف النظر عن دخل الأسرة أو خلفيتها الاجتماعية والاقتصادية ( 10).

 

لكن عدم وجود العدد الكافي من المتخصصين في النظام لا يعني أن طفلك سيُحرم بالكامل من فوائد نظام "STEAM". لا يتطلَّب الأمر أن تكون عالِما أو مُعلِّما، حيث يؤكد المتخصصون ضرورة قيام الآباء بتشجيع السؤال واحتضان الفضول داخل الطفل، وحين لا يكون لديك إجابة يمكنك البحث معه عنها وإكسابه مهارة إضافية هي البحث، في هذا النظام يتعلَّم الأطفال طرح الأسئلة والعمل في جماعة والتفكير الإبداعي وحل المشكلات، ويمكن تشجيعهم في سن مبكرة ببعض الأنشطة البسيطة في المنزل، وفيما يلي بعض أمثلتها: (11)

 

• في المطبخ دع طفلك يشم ويتذوق المكونات المختلفة (الآمنة منها) ويخبرك عن الفرق بينها ويُجرِّب لمسها ويراقب كيف تتغير بتسخينها، وعلِّمه الفروق بين الخفيف والثقيل والحار والبارد.

 

• في الحمام يمكن تجربة متابعة فقاعات الهواء وتجربة أجسام مختلفة كيف يطفو بعضها ويغوص الآخر.

 

• في المطر دع طفلك يراقب كيف تتصرَّف الحيوانات المختلفة، وكيف يبدو شكل السماء وتتشكَّل السحب، وادعه لاستنشاق الرائحة واسأله عنها، ودعه يراقب كيف يُحدث المطر أصواتا مختلفة حين يسقط على أسطح البنايات أو السيارات مثلا.

• في الحديقة مثلا يمكن استخدام أدوات المطبخ القديمة مع الطفل ليحفر في الطين والرمل ويرى كيف يجف الماء حين يرشه على الأرض، ثم جرِّب معه استخدام البذور في الزراعة ومراقبة نموها في الأسبوع الأول، ويمكن تجربة زراعة أكثر من بذرة في ظروف مختلفة (الظل والشمس) ليرى الفرق بينهما (12).

 

• الطبيعة مصدر ثري للتعليم، فهي مليئة بكل ما يُثير فضول الطفل ويمنحنا الفرصة لتعليمه، مثل مراقبة الحشرات والطيور والحيوانات، وتأمل كيف يُحرِّك الهواء الأوراق والفروع، وكيف يُغيِّر ضوء الشمس شكلها، ووصف وعدّ السحب في السماء، وعدّ البذور في الزهور.

 

• في عمر أكبر قليلا يمكن تنفيذ أنشطة أخرى مثل متاهة الكرات، وهي نشاط عبارة عن متاهة تُصمَّم بطريقة بسيطة من خلال صندوق وبعض المصاصات، وهو يُحفِّز مهارات البناء والتصميم وحل المشكلات.

 

• الأضواء: وهو نشاط يقوم على العمل الفني المشترك بين الآباء والأطفال، باستخدام مصباح "LED 3V" وبطارية لإنارة علب الزبادي أو زجاجات الصودا أو حتى أشكال الأوريغامي المصنوعة من الورق لعمل مصباح غير تقليدي.

 

• هناك لغات برمجة تستهدف الأطفال مثل سكراتش، ويمكن تعليم الطفل لغات البرمجة المختلفة تدريجيا وفقا لعمره (13) (14).

لا تقتصر الأمثلة على ذلك، فهناك الكثير من الأنشطة التي تستخدم اتجاه "STEAM" ويمكننا أن نستخدمها مع الأطفال من عمر مبكر، مثل أعمال التركيب ومزج الألوان للحصول على درجات مختلفة، واستخدام كل المواد التي من شأنها أن تدعم الاستكشاف وحل المشكلات. منذ عامه الأول، حين يختبر الطفل سقوط ألعابه على الأرض يبدأ تعرُّضه لمفهوم الجاذبية، وتتولَّد شرارة الاهتمام الأولى، ويكون دورنا مواصلة تعريض الأطفال للتجارب بأشكال مختلفة، والسماح لهم بمتابعة ما يُثير فضولهم، وتحقيق التوازن بين ترك الحرية للطفل ليبحث ويستكشف ويحل المشكلات بنفسه، وبين التدخُّل لمساعدته ودعم تجربته والإضافة إليها (15).

——————————————————————

المصادر:

1. Qué es la educación STEAM: 5 ideas para transmitir a los niños
2. تعليم ستيم STEM – STEAM توجه مستقبلي في تعليم العلوم و الرياضيات
3. STEAM Education: A 21st Century Approach to Learning
4. تعليم ستيم STEM – STEAM توجه مستقبلي في تعليم العلوم و الرياضيات
5. Educación STEAM: desafíos y oportunidades
6. Aprendizaje STEM: qué es y cómo aplicarlo en el aula con LEGO Education
7. STEAM: modelo educativo para aprender creando
8. Qué es la educación STEAM: 5 ideas para transmitir a los niños
9. Educación STEAM: desafíos y oportunidades
10. Encouraging Youth Participation in Stem Starts at Home
11. EXPLORING STEM AT HOME
12. المصدر السابق
13. Understanding STEAM and how children use it
14. Qué es la educación STEAM: 5 ideas para transmitir a los niños
15. Understanding STEAM and how children use it