شعار قسم ميدان

أكبرها "سوق".. أبرز الصفقات الريادية العربية لعام 2017

midan - souq.com
عند إلقاء نظرة بانورامية شاملة على واقع العالم الريادي في المنطقة العربية على مدار عام 2017 يبدو الانقسـام في الآراء إلى فريقين واضحا، فمع الصفقات المهمة التي شهدتها المنطقة، والإستراتيجيات الجديدة للشركات العربية في دعم الشركات الناشئة كجزء من خطتها التوسعية، وغيـرها من الأحداث الريادية، حيث يرى فريق من المراقبين أن كل هذه الأحداث تدخل في نطاق "التطور الطبيعي" للبيئة الريادية العـربية.

 

أما الفريق الآخر، يرى أن المنطقة على أعتاب تغيّـر مفصلي حقيقي في عالم ريادة الأعمال قد يساهم في نمو البيئة الريادية العربية بوتيرة متسارعة لا يمكن مقارنتها بأي وقت مضى. فإلى جانب التوسّع في حاضنـات الأعمال العربية، وميل الشركات في التوسّع إلى تنويع محافظها الاستثمـارية باحتواء مشروعات ناشئة، سـاهم انخفاض أسعار النفط مؤخرا في توجيـه المستثمرين الإقليميين نحو مجالات جديدة تدرّ أرباحا بديلة، من بينها الاستثمـار بشكل أكبر في المشروعات الريادية الناشئة.

 

لذلك، يمكن القول بناء على تحليلات مراقبين وروّاد أعمال إن المنطقة ككـل تتجه نحو حقبة ما بعد النفط والعقارات والبيع بالتجزئة، وهي حقبة تزداد فيها الثقة بلاعبي ريادة الأعمال وأسواق التكنولوجيا والشركات الناشئة، فضلا عن أن هذا الاتجـاه بات ضروريا للشركات التقليدية لتجنب التدنّي الحتمي للطلب المستقبلي على خدمـاتها بسبب الاتجاه العالمي إلى الأسواق الريادية، وبالتالي يعتبر الاستثمـار في هذا المجال -مبكـرا- أمرا حتميا، إما لإيجاد مصادر إيرادات إضافية من ورائها، وإما لحجز قدم في أسواق الغد. (1)

 

هنا، نلقي نظـرة علوية شاملة على أهم الأحداث التي شهدها العالم الريادي في المنطقة العربية خلال عام 2017 والذي يمكن وصفه -بلا مبالغة- بأنه من أهم الأعوام البارزة عربيا من حيث الأنشطة والصفقات والاستحواذات التي تمتلئ قيمتها بالأصفار على اليمين.

    

لا صوت يعلو فوق صفقة سوق دوت كوم
undefined
        
ربما هذا هو الحدث الأبرز في ساحة ريادة الأعمال العربية لعام 2017، حيث أُعلن في (مارس/آذار) من هذا العام عن خبـر استحواذ شركة أمازون العالميـة بالكـامل على شركة سوق دوت كوم بعد مفـاوضـات طويلة تم الإعلان عن خطـواتها على مدار عام 2016، تكلّلت الصفقة بنجـاح أخيرا بقيمـة تقدر غالبا بحوالي 650 مليون دولار على الأقل. قيمة الصفقــة لم يتم الإفصـاح عنها بشكل رسمي، ومع ذلك تظـل القيمة الأكبر على الإطـلاق على مستوى صفقات الاستحواذ العربية.

       

سوق دوت كوم شركة مقـرها الإمـارات تأسست في عام 2005 كموقع مزادات تابع لبوابة مكتـوب الرقمية، ثم تحوّلت في عام 2011 إلى منصة تجارة رقمية تخدم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "MENA"، واستطاعت في عام 2015 جمع 273 مليون دولار من مستثمـرين دوليين لتدشين خطط توسّع طموحة في المنطقة.

        

وصلت نسبة استحواذ سوق دوت كوم على سوق التجارة الإلكترونية العربية إلى نسبة تقارب 80%، ما جعلها بوابة التسوق الإلكتروني الأكبر في المنطقة، حيث أصبحت تقدم أكثر من 8 ملايين منتج في كافة المجالات، وتستقطب أكثر من 45 مليون زائر شهريا تتعـامل معهم عبـر مقراتها الرئيسة في الإمارات والسعـودية ومصر، ومراكز للتطوير التقني في الهند والأردن.

        

شهـدت المرحلة الأخيرة من المفاوضات بين أمازون وسوق دوت كوم دخول شركة إعمار الإماراتية كطرف ثالث ظهر فجأة مقدما عرض بقيمة 800 مليون دولار للاستحواذ على سوق دوت كوم، لكن الصفقـة انتهت أخيرا بانضمـام سوق دوت كوم إلى أمـازون، حيث تم الإعـلان عن اكتمـال اندماج سوق دوت كوم إلى أمازون في (يوليو/تموز) من نفس العام بعد مرور 3 أشهر من توقيـع الصفقة، وأصبح بإمكـان المستخدمين ولوج كلا الموقعين بنفس بيانات التسجيل. (2، 3، 4)

         

إعمار تركز على التجارة الإلكترونية
undefined
           
في (مايو/أيار) من عام 2017 أعلنت مجموعة إعمـار مولز الإمـارتية عن شراء حصـة الأغلبية في متجر "نمشي" (Namshi) الإلكتروني المتخصص في مجال الأزياء ومنتجات الأناقة والموضة والذي يعتبر من أبرز مواقع التسوق الإلكترونية العربية في السنوات الأخيرة. الصفقـة قُدّرت بـ 151 مليون دولار نقدا، تقوم على إثـرها إعمـار بشراء 51% من أسهـم الشركة (حصـة الأغلبية)، بينما تظـل الـ 49% الأخرى مملوكة بواسطة "جلوبال فاشون جروب" (Global Fashion Group) التي تملكها شركة روكيت إنترنت الألمـانية.

     

تأسست شركة "نمشي" في عام 2011 كمتجر رقمي متخصص في التسوق للأزياء والموضة، وكان التأسيس على يد كل من حسام عرب وهشام زرقا وفراز خالد. في نفس عام إطـلاقه استطاع "نمشي" اقتناص جولة تمويلية كبيرة بقيمة 10 ملايين يورو بواسطة شركة روكيت إنترنت الألمانية الرائدة في دعم مشروعات التسوق الرقمي، وفي عام 2012 حصدت الشركة تمويلا آخر بقيمة 13 مليون يورو من عدة شركات عالمية، ثم استثمـار ثالث بقيمة 5 ملايين يورو في عام 2014.

    

وصل عدد المتسوقين عبر متجر "نمشي" إلى حوالي مليون عميـل في تلك الفترة، معظمهم من الخليج ولبنان، واستطاع أن يحقق في عام 2014 مبيعات ضخمة قُدّرت بـ 170 مليون درهم، ارتفعت في عام 2015 لتصل إلى 440 مليون درهم، ثم أكثر من 550 مليون درهم في عام 2016 (أي أكثر من صافي إيرادات يُقدّر بـ 150 مليون دولار)، فضـلا عن تحقيق معدل نمو سنوي بقيمة 150% في أعداد الزبائن، ونمو سنوي بمعدل 200% في نسبة الإيرادات.

       

      

كانت هذه الأرقام والنمو الكبير الذي تحققه "نمشي" دافعا أساسيا في خطوة إقدام "إعمـار" على الاستحواذ على حصة الأغلبية للشركة، مع خططها المعلنـة في التوسّع بشكل كبير في مجال التجارة الرقمية، حيث جاءت هذه الصفقة فقط بعد مرور شهـرين من استحواذ أمازون على سوق دوت كوم، والذي حاولت شركة إعمـار اقتنـاصها بعرض يقدر بـ 800 مليون دولار، لكنها فشلت في الاستحواذ عليها. 

     

تأتي هذه الصفقـة كجزء من خطـة إعمـار في التوسع في استثمـاراتها في هذا المجال، حيث أعلنت أيضا عن الاستحواذ على منصة البيع بالتجزئـة "جادو بادو" (JadoPado) بصفقــة لم يتم الإعـلان عن قيمتها، إلى جـانب إطـلاقها لمتجر "نون" الضخم الذي ينافس على الاستحواذ على حصة كبيـرة من مستقبل التجارة الرقمية في المنطقة، ويمتلك فيه صندوق الاستثمارات العامة السعـودية نسبة 50%. تم الإعلان عن بدء إطـلاق المتجر في أواخر عام 2016، وأعلن عن بدء تشغيله رسميـا في نهاية عام 2017، على أن يبدأ تشغيله لمواطني دولة الإمارات المتحدة ليمتد ليشمل بقية المنطقة العـربية في عام 2018. (5، 6، 7، 8، 9، 10)

         

كريم تدخل نادي أحادي القرن
undefined
           
شهد العام الحالي أيضا واحدة من أكبر وأهم جولات التمويل للشركات العربية الناشئة، عندما استطاعت شركة "كريم" (Careem) المتخصصة في النقل الذكي للركاب جمـع جولة تمويلية ضخمة قدرت بـ 500 مليون دولار من طرف عدد من المستثمـرين، الأمر الذي رفع قيمتها السـوقية إلى مليـار دولار، وأدخلها نادي الشركات الناشئة المليـارية أحادية القـرن "Unicorn" (مصطلح يُطلق على الشركات الناشئة التي تصل قيمتها إلى المليار دولار).

   

شركة "كريم" (Careem) التي تأسست في عام 2012، ويقع مقرها الرئيس في دبي، خاضت جولتها التمويلية الخامسة في (ديسمبر/كانون الأول) من عام 2016، واستطاعت جمع تمويل قدره 350 مليون دولار بواسطة كل من شركة الاتصالات السعـودية "STC"، وشركة راكوتين اليابانية التي يعتبر أول دعم استثمـاري عملاق تقدمه إلى شركة في منطقة الشرق الأوسط، ارتفع لاحقـا في عام 2017 إلى نصف مليـار دولار، بعد مشاركة "المملكة القابضة" السعـودية بتمويل قدره 62 مليون دولار، إلى جانب مشاركة شركة دايملر إي جي الألمـانية وحزمة شركات أخرى في إغلاق الجولة التمويلية كواحدة من أكبر صفقـات التمويل في المنطقة على الإطلاق.

    

شركة "كريم" أصبحت مؤخرا لاعبا فاعلا في النقل الذكي في المنطقة العربية، حيث تحقق نموا شهريا بمعدل 30%، واستطاعت أن تتوسع خلال خمس سنوات منذ تأسيسها لتشمل 80 مدينة عبر 13 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "MENA"، إلى جانب التوسّع أيضا في تركيـا وباكستان، مما يجعل الشركة منافسا إقليميا بارزا في مواجهـة شركة أوبر المتصدرة عالميا.

          

الشركة التي تضم حاليا أكثر من 250 ألف سائق، وملايين المستخدمين المسجّلين في التطبيق، قامت أيضا في (أغسطس/آب) من عام 2017 بتوقيع شراكة مع شركة ديدي شوكينغ الصينية لحلول النقل، التي تعتبر إحدى أهم وأكبر شركات حلول النقل الذكي عالميا، والتي استحوذت على فرع أوبـر في الصين في عام 2016 بصفقة تقدر بـ 35 مليار دولار. وتهدف الشراكة إلى التوسّع في تحسين عمليات "كريم"، والاعتماد على تقنيـات الذكاء الاصطناعي الذي تطوّره الشركة الصينية. (11، 12، 13، 14، 15)

     

بعيدا عن الكبار.. شركات ناشئة تقود الثورة الصناعية الرابعة
undefined
     
بعد أن فرغنا من الصفقـات الكبيـرة في عالم ريادة الأعمال العربي خلال عام 2017، نأتي هنـا إلى الشركات الناشئة الصغيـرة التي تعتبر قاطرة العرب إلى عالم الثورة الصنـاعية الرابعة. أصبح مصطلح "الثـورة الصنـاعية الرابعة" من أكثر المصطلحات ترددا في أروقة المؤسسات والأبحاث التي تُعنى بمراقبـة الموجة التالية من الصناعات والأعمال والشركات التي نشهد إرهاصاتها حاليا. هذا المصطلح ببساطة يُطلق على نمط عصـري من الشركات والأعمال التجارية التي ترتبط بالتقنية والحوسبة والذكـاء الاصطنـاعي وعلم البيانات الكبيرة، وترتبط جميعها بشبكة الإنترنت في أوجهها المختلف، سواء عبر الأجهزة أو الهواتف أو التطبيقات.

 

أما سبب اعتبارها ثورة "رابعة" فلأن المـراقبين يعتبـرون أنها جاءت بعد ثلاث مراحل: طاقة المياه والبخار، الكهـرباء وخطوط تجميع المصـانع، ثم الحوسبة. يمكن القول إن هذه الثـورة تحمل في مجملها سمة العصـر الحالي في "أتمتة الصنـاعات" بكل تفاصيلها من حيث السرعة والبيانات الضخمة والاعتماد على سرعة التواصل العالمي، وكفاءة العمليات، واستخدام التكنولوجيا الفائقة لمجاراة الأحداث المتقلبة يوميا، وهو ما يجعلها مرحلة مختلفة تماما عن كل ما يسبقها، سواء في مميزاتها أو عيـوبها على السواء. (16، 17)

 

في (مايو/أيار) من عام 2017، وأثناء انعقـاد المؤتمر الاقتصادي العالمي في البحر الميت بالأردن تم الإعـلان عن قائمة لأهم 100 شركة عربية ناشئة تعمل على قيادة الثـورة الصنـاعية الرابعة خلال المستقبل القريب. القائمة تم إعدادها بواسطة مجموعة من أهم المؤسسات الريادية في المنطقة، إلى جانب مجموعة من أهم حاضنات الأعمال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونخبة من روّاد الأعمال.

 

ضمت القائمة 100 شركة عربية ناشئة، تم التركيز بشكل كامل على مجالاتها وإنجازاتها ومستوى توافقها مع معايير الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد بشكل كامل على السرعة والأتمتة والاعتماد على البيانات الكبيرة والعنصر الآلي والاتصال بالإنترنت. وهو ما أعطى الفرصة لبعض الشركات الصغيرة التي ما زالت في بداية مشوارها الريادي لتتبوأ مكانة في هذه القائمة بسبب أهمية مجـالها في هذا القطاع، مثل مجالات الذكاء الصناعي وتقنيات الاتصال، وتسهيل عمليات الدفع، ووسائل النقل الذكي واستخدام التكنولوجيا في الخدمات والمنتجات المختلفة.

      undefined

          

القائمة ضمت 100 شركة موزّعة على 17 دولة عربية، حازت الإمـارات والأردن ولبنان ومصر والسعودية أغلب المراكز، بينما ظهرت دول المغرب العربي بشكل متراجع نسبيا بإجمـالي 10 شركات من القائمة تغطي دول ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، مجتمعة. (18)

    

الفوربس 2017.. شركات ناشئة عــربية واعدة
في (أكتوبر/تشرين الأول) من عام 2017 أزاحت فوربس الشرق الأوسط الستار عن مجموعة من القوائم تضم عددا كبيرا من الشركات العربية الناشئة التي حققت إنجازات كبيـرة خلال السنوات الأخيرة في كافة المجالات. قوائم فوربس لهذا العام ركزت على ثلاثة تصنيفات: أفضل الشركات العربية من حيث التمويل، وأفضل الشركات الناشئة الواعدة التي لم تحصل على تمويل كافٍ بعد، وأبرز المؤسسات وصناديق الاستثمـار الريادية التي لعبت دورا في تمويل المشروعات العربية واحتضانها خلال السنـوات الأخيرة.

 

احتلت الإمارات مقدمة القوائم باستضافتها لأكبر عدد من الشركات العربية الناشئة من جنسيـات عربية مختلفة، كما جاءت كل من لبنان ومصر والأردن والسعـودية وفلسطين في مرتبة متقدمة أيضا من ناحية عدد الشركات التي تلقّت تمويلا كبيرا في السنوات الأخيرة، وأيضا من ناحية المؤسسات الاستثمـارية التي ساهمت في احتضان هذه المشروعات، بينمـا بدا واضحا الغياب شبه الكامل لدول المغرب العربي، باستثناء المغـرب بعدد ضئيل من الشركات في هذا العام. (19)

     

undefined         

أخيرا، يمكن القول إن عام 2017 شهد طفـرة حقيقية في عالم ريادة الأعمال من حيث التنوع الاستثماري وحجم الصفقات، وإن هناك اتجـاها رياديا عربيا ملحوظا في اتجاه التجارة الرقمية خصوصا. هل سيشهد عام 2018 المزيد من التحولات الجذرية في عالم ريادة الأعمال كامتداد للأحداث الجوهرية التي حدثت خلال العام المُنقضي؟ بلغة الســوق وتطوّراته، الإجابة الوحيدة عن هذا السؤال ستكون: بالتأكيــد.

المصدر : الجزيرة