شعار قسم ميدان

أساسيات يجب معرفتها قبل إطلاق مشروعك الخاص

MIDAN - PLAN
قرار الدخـول لعالم ريادة الأعمال وتأسيس الشركات الناشئة ليس قراراً سهلاً.. رغم الاستقلالية والحرية التي يشعر بها روّاد الأعمال؛ إلا أن هذا المجال يظـل يحمل في طيّـاته تحديات مقلقة، تواجه الشاب العـربي من تحمّل مغامرات مالية، وتهديدات بفشل المشروع، والتعرّض لخسائر فادحة؛ خصوصاً في الوضع الاقتصادي المتقلب عربياً خلال هذه الفترة.

 

ومع ذلك؛ تبدو -أيضاً- ريادة الأعمال كأنها طريق النجــاة الوحيـد من شبح البطالة وانهيار الوظائف النظـامية، والمشكلات الاقتصاديـة العامة. هنـا؛ نستعرض بعض الأساسيات التي يجب أن يعرفها رائد الأعمال المبتدئ، وهو لا يزال على الشاطئ، يستعد لنزول بحر الأعمال والمشروعات بكل ما يحمله من مفاجآت سارّة وغير سارّة..

 

 أساسيات يجب أن تكون مُلمّـاً بها بشكـل كافٍ، وتعتبرها منطلقات مهمــة في رحلتك؛ طالمـا قررت أن تدخل هذا العالم، وتستفيد من مزاياه من ناحية.. وتتحمّل مخاطرة من ناحية أخرى.

 

الأساس الأول: من بنى الأهرامات: الفـراعنة.. أم المهندسون؟
 

undefined

هذا السؤال طرحه رجل الأعمال الراحل "فيلكس دينيس" (الناشر العالمي ومؤسس مجلة The Week، وواحد من أثرى أثرياء بريطانيا) عندما خصّص فصلاً كاملاً في كتابه ذائع الصيت "How To Get Rich"، يسلّط الضوء على ضـرورة تركيز رائد الأعمال -بشكل كاسح- على الاستعانة بـ "المواهب والكفاءات" في إقامة مشروعاته..

 

من بنى الأهرامات فعلياً؛ الفـراعنة أنفسهم.. أم المُهندســون ذوو الكفاءة والمواهب؟.. لا يوجـد فرعون قام ببناء هرمه، أو حتى أشرف عليه. هو -فقط- قام بتوظيـف الموهوبين وأوكل لهم مهام البناء.. ثم لاحقاً.. نال هو المجد كــله! بمعنى أكثر وضوحاً: اختيــار المواهب؛ هو الذي خلّــد أسمــاء هؤلاء الفــراعنة طوال التاريخ!

 

كقاعدة:

شركة ناشئة بلا أشخاص موهـوبين يعملون على وضع أساسياتها؛ هي -في الواقع- شركة ستكون محظوظة إذا استمرت في الوجود أصلاً، وانهيارها -أمام أول مشكلة بسيطة- هو شيء حتمي.. في أي مشروع، أو نظـام عمل.. دائماً الاستعانة بالمواهب هي المفتاح المختصر لتحقيق نمو سريع في زمن قياسي، وبناء علامة تجارية، والظهـور في السوق بشكل أسرع..

 

لذلك؛ فالدور الأساسي لرائد الأعمال المؤسس لشركة -مهما كان مجالها- هو أن يركز بشكـل أساسي على البحث عن المواهب، ويبذل أقصى ما في وسعه؛ إما لتوظيفهم لحساب المشـروع، أو -حتى- لاستشارتهم بشكل مستمـر في حال لم يكن متاحاً ضمّهم إلى المشروع.. بمعنى آخر؛ تطبيـق القاعدة الرياديـة الشهيـرة:

إنه من الحكمـة أن تقوم بتوظيـف من هم أكثـر ذكـاءً منك..

 

الأساس الثاني: الدخـان أهم من النـار أحياناً
 

يمكن القول إن السبب الأساسي لنجاح أي منتج أو خدمة هو "التسويق المميز".. والسبب الأساسي لفشل أي منتج أو خدمة، هو "التسويق الفاشل".. في نهاية التسعينيـات، كان العالم كله يتحدث عن فيلم الرعب (مشروع الساحرة بلير Blair Witch Project)، والذي حقق أرباحاً هائلة؛ رغم أنه تم تصويره بأدوات شديدة البساطة والتواضع؛ إذا قورنت بأفلام الرعب الأخرى.!

 

التسويق أهم شيء في الموضوع كله.. أو كما يقول بعضهم: نجــاح التســويق هو الشيء الوحيد القادر على أن يجعلك تبيــع التراب باعتبــاره ذهبا
التسويق أهم شيء في الموضوع كله.. أو كما يقول بعضهم: نجــاح التســويق هو الشيء الوحيد القادر على أن يجعلك تبيــع التراب باعتبــاره ذهبا
 

السبب كان في التسويق المدهش لهذا الفيلم رغم تواضع إمكـانيات إنتاجه؛ حيث قام فريق التسويق قبل أسابيع من صدوره بتوزيع ملصقات في كل مكان، تتحدث عن اختفاء مجموعة من الشباب في الغابات في ظروف مرعبة، وأنه سوف يصدر فيلم سينمائي -قريباً- يستعرض آخر المشاهد التي قاموا بتوثيقها قبل اختفائهم..

 

النتيجة؟ إقبال هائل من الجمهور بمجرد صدور الفيلم، لدرجة أنه حقق أرباحاً تصل الى 248 مليون دولار؛ رغم أن ميزانيته كانت 50 ألف دولار فقط! التسويق هو كل شيء.. لا يمكن أن نتصوّر بداية مشـروع ما -مهما كان- دون خطـة تسويق ناجحة ومميزة؛ مبنية على رصد جيد للسوق، واحتياجات العملاء، وقدرات المنافسين. إذا لم تكن الخطة التسويقية جاهزة؛ فالواجب هو تعطيل المشروع كله، وتأجيل إطلاقه إلى وقت لاحق.

 

يقـال إن الدخان يلفت نظـر الناس أكثر من الحريق نفسه.. والدخان هنا يعني منهجية تسويقية ودعائية مميزة، حتى لو كانت النار التي أشعلتها بسيطة جداً. المهم أن يتم لفت انتبـاه عدد أكبر من العملاء المستهدفين.. ومن ثم؛ ومع إقبالهم على المشـروع، ستتحسّن جودته تلقائياً لتلبيــة متطلبـات العملاء.

 

التسويق أهم شيء في الموضوع كله.. أو كما يقول بعضهم: نجــاح التســويق هو الشيء الوحيد القادر على أن يجعلك تبيــع التراب باعتبــاره ذهبا.. وفشل التســويق؛ هو الذي سيجعلك تبيــع الذهـــب باعتبــاره حفنــة من التراب!

 

الأساس الثالث: عن البدايات المتواضـعــة
 

يرى البعض أنه لكي يبدأ في إطـلاق مشروع خاص؛ يجب أن يجهز مقراً مريحاً فخماً مزوّداً بأدوات ثمينة ومكاتب مريحة، إلخ.. بداعي أنه من المهم أن تظهـر الشركة الناشئة بشكـل جيّد يكسب ثقة العملاء.

 

هذا التصوّر خاطئ تماماً؛ حتى لو كان لديك رأس مال جيّد تصرفه على هذه الأدوات؛ لأنه من الأجدر أن تضخ هذا المال في العمليـات Processes الرئيسة للمشروع؛ والتي تأتي من ورائها الأرباح؛ بدلاً من ضخها في الكماليات. خصوصاً -مرة أخرى- في لحظات انطلاق المشروع.

 

أكبر شركات العالم الآن؛ لم يكن لها مقرّات بالمعنى المألوف في البدايات؛ بل إن أشهـرهم بدأ في "كراجات". جوجل بدأت في كراج سيارات، وشركة HP التي تضم الآن أكثر من 100 ألف موظف بدأت -أيضاً- في كراج في كاليفورنيا.

 

"والت ديزني"، مؤسس إمبراطورية ديزني الضخمة، بدأ -أيضاً- من كراج لا تتسع مساحته لأكثر من سيارة واحدة! (مواقع التواصل الإجتماعي)

حتى أيقونة ريادة الأعمال "ستيف جوبز" بدأ تفاحته المقضومة في كراج منزل أبيه بالتبنّي في لوس أنجلوس. "والت ديزني"، مؤسس إمبراطورية ديزني الضخمة، بدأ -أيضاً- من كراج لا تتسع مساحته لأكثر من سيارة واحدة!

 

رغم أن البدايات المتواضعـة شيء طبيعي بالأساس، إلا أن الكثير من الشركات الناشئة تتعثّـر بسبب سياسة الإنفاق الموسّع على الكماليات في لحظات البداية؛ بهدف الوصول إلى شعور زائف بالتميز أو الأمان غير المستحق.

 

 من المهم جداً أن تضع في اعتبـارك -وأنت تبدأ مشروعك الخاص- أن تضخ مقدار المال المناسب لتلك المرحلة، وتعتمد سياسة الترشيد في الإنفاق على الكماليات، والتركيز على العمليـات.

 

الأساس الرابع: تجارب الآخرين
 

من أهم الامور الأساسية التي يجب أن تفهمها قبل أن تبدأ مشروعك الخاص؛ هو أنك لا تخترع العجلة، وأنك تبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن اطّـلاعك على تجارب المشـروعات الأخرى -سواء كانت محلية أو عالمية- هو أمر حتمي يساهم في تحقيق النتائج الإيجابية، وتقليل الآثار السلبية.

 

كتاب (Five Faces of Genius) ذكـر أن هذا هو ما فعله "ميــلارد دريكسلر" المدير التنفيذي لسلسلة متاجر GAP العالمية الشهيرة للملابس، عندما حدثت فترة ركود هائلة في بيع الملابس في التسعينيات.

 undefined

وقع في يد "ميلارد" تقـرير شركة Coca Cola السنوي؛ من باب اهتمامه بمطالعة كافة أنواع الأسواق، فلفتت نظـره العبارة الأساسية في التقرير: "استراتيجية الديمـومة لتصدّر كوكاكولا للمبيعات؛ هي أن تكون متاحة في كل مكـان يُتوقّع أن يوجد فيه شخص عطشان.." تمت دراسة هذه الاستراتيجية من طرف "ميلارد" بعد تحويرها لتلائم صناعة الملابس، ومن ثمّ تبنّيـها.. فكان شعاره لتنشيط المبيعات هو: استراتيجية الديمومة في تصدّر الســوق؛ هي أن تكون GAP في كــل مكان يكثــر فيه الشباب والمراهقون الذين يفضلون ارتداء ملابس مميزة!

 

النتيجة؟.. نجحت هذه الاستراتيجية المتخذة من نموذج لشـركة أخرى في تنشيط المبيعات بشكل كبير انتشل الشركة من أزمتها.

 

من المهم جداً أن يضع رائد الأعمال نصب عينيه نموذجاً عالميا أو إقليمياً؛ أو محلّيا؛ يسير على خطـاه.. ليس تقليداً له؛ ولكن -على الأقل- السير بنفس العقلية والمنهجية التي جعلته يحقق النجاح، في الوقت الذي يتم فيه تجنب العثرات التي سقط فيها المشـروع النموذج مسبقاً..

 

"نمذجة" مشـروعك؛ ستجعلك تبدأ من حيث انتهى الآخرون.. ستسلك الطرق الصحيحة المجرّبة، وستتجاوز الأساليب الخاطئة التي وقع فيها النموذج الذي تسير عليه، واتخذ بعدها إجراءً تصحيحياً..

 

الأساس الخامس: قبل الصيد، اختر المحيط الصحيح
 

"استراتيجية المُحيط الأزرق".. كتـاب عالمي شهير، حقق مبيـعات كبيرة على مستوى العالم، وتُرجم إلى لغات عديدة، ويعتبر دراسة كاشفة بخصوص الأسواق المستقبلية وكيفية تنظيمها والتعامل معها.

 

من ضمن ما ذكـره الكتاب، أنه قام بتصنيف الأسواق إلى نوعين: 

النوع الأول؛ الأسواق المليئة بالمنافسيـن، وهي التى يُمكن الإصطـلاح عليها بأنها "المحيط الأحمر".. محيط مُلطّخ بالدماء، وملييء بالضربات المتبادلة، والمنافسة الدموية بين المشروعات والشركات.

 

النوع الثاني؛ الأسواق الهادئة.. محيطـات زرقاء واسعة، تنتظـر من يبحـث في أعماقها عن الكنـوز المخبأة، والأسماك الكبيـرة، ويضع فيها أفكـاره التى تُقنع الزبـون وتنـال اهتمـامه، وتستـرعي انتبـاهه وشغفه..

جاءت فكـرة الفيسبوك فى محيط أزرق هادئ، تحت مُسمى
جاءت فكـرة الفيسبوك فى محيط أزرق هادئ، تحت مُسمى "الميديا الاجتماعية"، والتى لم تكن سوقاً حقيقياً من قبل
 
قوانين اللعب فى المحيط الأزرق أبسط وأسهـل؛ ولكنهـا تحتاج إلى بعض الوقت.. إلى صبـر، وتخطيط، وعيـن خبيــرة؛ تـرى تحت المحيط الأزرق الصافي مايبدو أنه كنـوز حقيقيــة يجب الغـوص إليها واستخراجها.

هكذا نجح "الفيسبوك" مثلاً.. بعـد أن امتلأ المحيط الأحمر (الميديا التقليدية) بالمتصارعين، والمنافسة الدموية، جاءت فكـرة الفيسبوك فى محيط أزرق هادئ، تحت مُسمى "الميديا الاجتماعية"، والتى لم تكن سوقاً حقيقياً من قبل.. وهكذا نجح "تويتر".. وهكذا نجحـت "أبـل" الأمريكية، بعد تدشين نظام تشغيـل وهاتف جديد كليـاً، وخارج المنافسة..

 

المحيطـات الزرقـاء شاسعة وواسعـة وفارغة؛ إلا من معتادي ارتياد أعالي البحار. من المهم أن تعرف المحيط الصحيح الذي تبدأ رحلتك بالتنقيب فيـه..

 

الأساس السادس: حقوق الملكيــة
 

من أهم الامور الجوهـرية التي يجب أن يهتم بها رائد الأعمال قبل إطـلاق المشروع؛ هو أن يقوم بالتحديد الواضح لمفهومي "الملكيـة" و"الشراكة" في هذا المشروع، قطعاً؛ من الأفضـل لرائد الأعمال أن يملك المشروع كاملاً.. ملكية المشروع تعني مرونة أكبر في اتخاذ القرارات، والجرأة في طرق الأبواب، والسعي الدائم للتطوير.. في حالة كان رائد الأعمال بالفعل مخضرماً في مجاله..

 

ولكن؛ في نفس الوقت، فتح شراكات مع الآخرين ضرورة بالنسبة للبعض.. بل؛ يعتبر واجباً للبعض الآخر. خصوصاً إذا كانت تنقصهم المهارات الفنيّــة التي تتطلب وجود عدد من الشركاء لاتخاذ القرارات السليمة..

 

بـل إنشـاء أي مشروع، من الضروري لرائد الأعمال أن يحدد -بدقة- حصته في المشـروع، والسُلطة التي تمنحها له هذه الحصـة، ونوعية الشراكة.
بـل إنشـاء أي مشروع، من الضروري لرائد الأعمال أن يحدد -بدقة- حصته في المشـروع، والسُلطة التي تمنحها له هذه الحصـة، ونوعية الشراكة.
 

في جميع الأحوال؛ قبـل إنشـاء أي مشروع، من الضروري لرائد الأعمال أن يحدد -بدقة- حصته في المشـروع، والسُلطة التي تمنحها له هذه الحصـة، ونوعية الشراكة.. والأهم: كيفيــة فض الشـراكة في أي وقت.. كيفية إنهاء اللعبة قبل البدء فيها..

 

بشكل عام؛ يتناسى بعض الشباب المتحمّسين أن الشراكة مع الآخرين في مجال الأعمال ليست نشاطاً اجتماعياً يقوم على الثقة المتبادلة، وإنما هي -ببساطة- لقاء مصالح مشتركة.. وعندما تلتقي المصالح؛ فمن البديهي أن تعرف حقوقك وواجباتك، والكيفيـة التي تقرر من خلالها الانفصال لاحقا؛ تحت أي سبب…!

 

أخيراً: يجب أن يكون لدى رائد الأعمال المبتدئ الوعي الكامل أن لحظات البداية هي الأكثر صعوبة، وأن لحظة إقلاع الطائرة تحتـاج إلى أكبر قدر من التركيز والثبات والإجراءات الطارئة؛ حتى يتم تجاوزها والاستقرار في الهواء وإكمال الرحلـة..

 

أما مراحل الصعود والهبوط، بعد انطلاق المشروع واستقراره نسبيـاً؛ فهي مرحلة مختلفة كليـاً عن البدايات، ولها معاييـرها الخاصة.. وغالباً ما تكون هذه المعايير أكثر سهولة وأقل توتراً إذا كـانت "البدايات" تراعي ما تم ذكــره أعلاه!

 

رحلة موفّقـة..

المصدر : الجزيرة