شعار قسم ميدان

التسويق خارج الصندوق.. كلمة السر لنجاح المشروعات الناشئة

midan - marketing cover
فيلم "شكراً لك على التدخين Thank You For Smoking" والذي تم إنتاجه عام 2005 ، أعتبره واحداً من أهم الأفلام المصنوعة بعناية لمخاطبة المسوّقين تحديداً. الفيلم -إلى جانب قيمته الدرامية والكوميدية-، يعج بالكثير من القواعد التسويقية التي سوف تفيد أي شخص لديه أدنى اهتمام بعالم الأعمال.


في أحد المشاهد المميزة من الفيلم يجتمع أعضاء مجلس إدارة إحدى شركات السجائر العالمية لبحث الأزمة التي تواجههم بسبب إعلان أحد أعضاء مجلس الشيوخ الحرب على التدخين، وضرورة إجبار شركات التبغ بوضع ملصقات تحذيرية مخيفة للزبائن، حتماً ستعمل على صرف نظرهم تدريجياً عن التدخين.
 

كان هذا الوضع مُقلقاً للشركة لأنه سيؤدي إلى المزيد من تراجع الطلب على السجائر، وبالتالي انهيار المبيعات. يصمت جميع أعضاء الشركة أثناء الاجتماع، ويشعرون أن أياما عصيبة سوف تواجههم قريباً. حتى يرفع (مسؤول التسويق) يده، طالباً الكلمة أثناء الاجتماع. كان يملك الحل.


توجّهت له جميع الأنظار في لهفة، فنهض واقفاً ووجّه الكلام للجميع: "في العام 1910 كان إنتاج الولايات المتحدة من السجائر يوازي 10 مليارات سيجارة. بقدوم العام 1930 كان إنتاج الولايات المتحدة 110 مليار سيجارة. هل تعرفون ما الجديد الذي حدث في تلك الفترة؟ 3 أمور.. الحرب العالمية الأولى، الأنظمة الغذائية.. والأفلام الناطقة!

في الأفلام الناطقة وجد المخرجون ضرورة أن يمارس الممثلون نشاطاً ما وهم يتحدثون، فاستعانوا بالسجائر. وبالتالي أصبح كل من يشاهد الأفلام يتأثر بالممثل الذي يدخن، فارتفعت نسبة تدخين السجائر بشكل قياسي.

هذا ما سوف نفعله لمواجهة الحمـلة ضد التدخين. سنتواصل مع الممثلين المشاهير، وندفعهم للتدخين في الأفلام. وقتئذ، لا يمكن لأي حملة أن تردعنا أو تقلل من مبيعاتنا في الأسواق. بل ربما تزداد في هذه الحالة.."

وأنهى مسؤول التسويق حديثه وعلى وجهه ابتسامة واسعة. طبعاً لم يكن هذا التفكير بريئاً ولا يمت للأخلاق بصلة، ولكنه كان حلاً " خارج الصندوق " لمواجهة أزمة وجودية مُحدِقة بالشركة التي يعمل بها. ربما هذه القصة تحديداً تفسّر لك أسباب وجود الكثير من الشركات من حولك والتي يُفترض بأنها تُحارب طوال الوقت، ومع ذلك تظل قائمة.

كيف تسوّق فيلماً بدون ميزانيّة؟

undefined

كأي مُنتج آخر، نجاح أو فشل أي فيلم سينمائي قائم على أمور عديدة، من أهمها طريقة التسويق له. لذلك، تضع كل شركات الأفلام السينمائية مبالغاً طائلة في العروض الترويجية والدعاية للأفلام، لأنها المفتاح الرئيسي للأرباح. عندما تجد نفسك أمام فيلم ناجح حقق إيرادات هائلة، يجب أن تعرف بأن الترويج لهذا الفيلم – في المقام الأول – كان ممتازاً. حتى قبل أن يكون المحتوى نفسه جيداً.


شركة "أرتيسان للترفيه" (Artisan Entertainment) الأمريكية قامت في عام 1999 بإنتاج فيلم رعب لا بأس به، بإمكانيات ضئيلة للغاية، حيث لم تتجاوز ميزانية عمل الفيلم 50 ألف دولار. وهو رقم عبثي للغاية إذا قورن بالملايين التي يتم صرفها على أي أفلام أخرى. ومع ميزانية متهالكة كتلك، كان من المستحيل أن يتم الترويج للفيلم وعمل دعاية كبيرة له بنفس طريقة الأفلام المعتادة. فلم يكن هناك حل آخر، إما (التسويق خارج الصندوق) أو الفشل الحتمي.

هنا أطلقت الشركة واحدة من أفضل المشروعات التسويقية في عالم السينما على الإطلاق. بدأت مُلصقات غريبة تنتشر بشكل فيروسي سريع بين أوساط الشباب الأمريكي، تحمل اسم "مشروع الساحرة بلير (Blair Witch Project)، يتم توزيعه في كل مكان. يحمل الملصق قصة اختفاء 3 شباب خرجوا إلى الغابة بحثاً عن ساحرة ولم يعودوا. وفي نهاية الملصق، تم وضع عنوان موقع الإنترنت للمزيد من المعلومات. وهو الأمر الذي جعل ملايين الزيارات تنهال على الموقع، لمحاولة معرفة المزيد من التفاصيل، ليكتشفوا أن هناك فيلماً تسجيلياً تركه هؤلاء الشباب المختفين، وهو ما سوف يُعرض في السينما قريباً يحتوي على آخر ما تم تسجيله قبل اختفائهم.

وطبعاً تم إدراج لقطة من الفيلم التسجيلي، تظهر مقطعاً مُرعباً مُصوّراً بكاميرا عادية ويبدو خالياً من أي مؤثرات سينمائية، يجسِّد الشباب وهم يركضون في رعب وسط الغابة. وأيضاً عرض لصورهم الشخصية، وبعض التقارير الأمنية عن اختفائهم. في نفس الوقت، شددت الشركة المنتجة للفيلم على اختفاء الأبطال الثلاثة عن الأنظار، وعدم التحدث حتى مع ذويهم لحين إطلاق الفيلم في دور السينما. واستمرت في ضخ حملة التسويق عبر ملصقات دعائية عادية، دون أن يظهر أي ترويج للفيلم في أي صحيفة أو قناة تلفزيونية واحدة. فقط مجموعة ملصقات، وموقع إلكتروني.

أخيراً، تم طرح الفيلم في السينما، فحقق إقبالاً جماهيرياً غير مسبوق، جعله يحصد إيرادات تجاوزت الـ 248 مليون دولار (ربع مليار دولار). وهو الذي تم إنتاجه بميزانية 50 ألف دولار فقط! فكرة تسويقية مُبدعة، استطاعت ان تحقق مئات الملايين لفيلم متواضع الميزانية. واستطاعت أن تقود الفيلم لدخول موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأول فيلم تسجيلي يحقق هذه الأرباح في تاريخ السينما. (1،2)


البحث عن الضجيج
كان الموقع يستهدف بيع المنتجات والأدوات المستعملة في السوق الأمريكي، مقابل مبالغ ثابتة يضعها البائع ولا تقبل المزايدة أو النقصان (مواقع التواصل)
كان الموقع يستهدف بيع المنتجات والأدوات المستعملة في السوق الأمريكي، مقابل مبالغ ثابتة يضعها البائع ولا تقبل المزايدة أو النقصان (مواقع التواصل)


في أواخر التسعينات، ومع ظهور الإنترنت في العالم بشكل موسّع، تم إطلاق موقع باسم هالف.كوم (
Half.com) بإمكانيات شديدة التواضع. كان الموقع يستهدف بيع المنتجات والأدوات المستعملة في السوق الأمريكي، مقابل مبالغ ثابتة يضعها البائع ولا تقبل المزايدة أو النقصان. ويقتطع الموقع نسبة بسيطة من الربح لكل عملية شراء.

فكرة بسيطة ومتداولة ومعروفة جداً الآن. إلا أنها في نهاية التسعينات لم تكن شهيرة إلى هذا الحد، وكانت فكرة مميزة بالفعل. فقط المشكلة أن الموقع لم يكن يحقق أي زيارات مشجعة تقريباً. حاول أصحاب الموقع ممارسة كل وسائل وأساليب التسويق المتاحة أمامهم، ولكن لم يبدُ أن هناك أي تغيير فعلي. لا أحد يولي الموقع أي اهتمام كافٍ. فقط بعض المعاملات البسيطة التي تحدث من حين لآخر.

كان لابد من قفزة كبيرة تجعل الكل يعرف اسم الموقع ويتحدث عنه. كان لابد من ضربة قوية – وغير تقليدية – تلفت أنظار الجميع. كان لابد من بعض الضجيج الذي يجبر الجميع على الالتفات والنظر الى الموقع.

في أحد الأيام، وصلت معلومة الى نائب مدير التسويق للموقع أن هناك بلدة صغيـرة في ولاية أوريغون الامريكية (في الغرب الأمريكي) تحمل اسم هاف واي (Half Way). بلدة بسيطة صغيرة للغاية، أشبه بقـرية في منتصف الطريق بالفعل كما يشير اسمها. وتعداد سكانها لا يتجاوز عدة مئات فقط. هنا لمعت فكـرة تسويقية مميزة في عقل المسؤول عن التسويق، قرر أن يضع فيها رهاناته.

undefined

ذهب مسؤول التسويق للالتقاء مع أهالي البلدة، وعرض عليهم عرضاً لا يمكن رفضه حتى مع غرابته. العرض هو أن يتم تغيير اسم البلدة لمدة عام واحد فقط، من اسم (هاف واي)، الى اسم الموقع نفسه هاف دوت كوم. ومقابل ذلك، سيتم دفع 100 ألف دولار للأهالي، والتبرع بـ 20 جهاز كمبيوتر حديث للمدرسة الابتدائية الصغيرة في القرية. ومع غرابة العرض ودهشة السكان، إلا أنه لم يكن عرضاً سيئاً. فوافق سكان البلدة على هذه الصفقة، بتغيير الاسم الى (هاف دوت كوم) لمدة عام واحد.

كانت هذه هي الضربة الترويجية الكبرى التي كان يسعى وراءها مسوّقو الموقع؛ لأنه بمجرد أن تم إعلان الصفقة، تناولتها وسائل الاعلام الأمريكية بشكل مكثف باعتبارها خبرا طريفا يحمل في طياته ذكاءً تسويقيا إبداعيا، وأصبح خبر الصفقة منتشراً بشكل واسع لعدة أيام في مختلف القطاعات الصحفية وقتئذ.

باختصار، كان الجميع يتحدث عن هاف دوت كوم، حيث تعرفوا على قصة ذلك الموقع الصغير، وأصبحوا يترددون على الموقع بدافع الفضول من ناحية، والإعجاب بالصفقة التي أجراها من ناحية أخرى.

بعد إتمام هذه الصفقة بـ 3 أسابيع فقط، وبعد أن سُلِّطَت كافة الأضواء على الموقع الصغير. تقدّم موقع إي باي (eBay) العملاق للاستحواذ على الموقع بمبلغ (350 مليون دولار أمريكي)، الأمر الذي جعلها واحدة من أهم الصفقات في نهاية التسعينات. وأصبح الموقع يسمى هالف.إي باي. كوم (Half.ebay.com).

صحيح أن الموقع في حد ذاته كان يحمل فرصاً كبيرة للتسوق الإلكتروني في الولايات المتحدة – ما جعل سعره مرتفعاً بهذا الشكل – إلا أن حملته التسويقية المميزة التي كلفته (100 ألف دولار)، بالتأكيد ساعدت على ارتفاع اسهمه في السوق، وشراءه بـ 350 مليون دولار. (3)

من فضلك.. اشتر المجلّة

undefined

بالعودة إلى فترة الستّينات من القرن الماضي، حيث كانت الصحافة الورقيـة هي أهم المنتجات الاعلامية على الإطلاق تقريباً. ظهرت مجلة تسمى "رولينغ ستون" (Rolling Stone) في العام 1967 مع بداية ظهـور موجة جديدة من الأخبار العالمية المرتبطة بحدوث تغييرات جذرية في صناعة الموسيقى.

لم تكن بداية المجلة مبشّرة، حيث قام مؤسسها بإطلاقها بمبلغ 7500 دولار فقط، وهو مبلغ جيد لا بأس به إلا أنه لم يكن ليضمن انتشاراً واسعاً لمجلة من هذا النوع، الأمر الذي جعله يُصدر 4 أعداد فقط من المجلة في تلك السنة. وبالتالي كانت المبيعات متدنّية، وبدأ شبح الإغلاق يلوح في الأفق.

هنا، انتهج قسم التسويق في المجلة منهجاً مختلفاً، حيث بدأ المحررون في كتابة رسالة قصيرة مطبوعة في نسخ المجلة، تطالب – بمنتهى الصراحة – المشتـركين بضرورة تجديد اشتراكاتهم السنوية في المجلة، لأن هذه المجلة هي مصدر عملهم الوحيد، وإذا تم إغلاقها فسوف يتم طردهم! وفي المقابل، وعد محررو المجلة أن يتم تطوير الموضوعات من طرفهم وضمان الترفيـه لقرائها.

المدهش أن هذه الرسالة كان لها أثرٌ كبيرٌ لدى القراء الذين بدأوا بالفعل في تجديد اشتراكاتهم، وتعاملوا مع هذه الرسالة بإيجابية باعتبارها رسالة طريفة تتواصل من خلالها المجلة مع قرّائها بشكل لطيف ومختلف، الأمر الذي جعلها فيما بعد واحدة من أشهر المجلات النيـويوركيّة التي تتناول الموسيقى بشكل أساسي إلى جانب موضوعات مختلفة شاملة للثقافة والسياسة و"اللايف ستايل." (4)

خلاصة القول

في أي مجال من مجالات الحياة، هناك حقائق قاطعة لا يمكن دحضها. وهناك فرضيات ونظريات قابلة للتجديد والتطوير طوال الوقت. بالنسبة لعالم الأعمال، التسـويق هو "حقيقة" غير قابلة للدحض بخصوص نجاح أو فشل أي مشروع.

التسويق التقليدي سيمنحك نتائج تقليدية. التسويق الضعيف سيمنحك نتائج ضعيفة. التسويق المتميز سيمنحك نتائج متميزة. أما التسويق الإبداعي باستحضار أفكـارٍ من خارج الصندوق؛ فهو المسار الذي سيمنحك نتائجاً غير متوقّعة!

المصدر : الجزيرة