شعار قسم ميدان

صعود أفريقيا.. محاضرات تشرح ملامح النمو بالقارة السمراء

ميدان - جنوب أفريقيا
مصطلح صعود أفريقيا (Rise of Africa) أصبح من المصطلحات الشائع استخدامها في الصحافة العالمية بشكل عام، كانعكاس لموجة التقدم المُتسارع الذي تحرزه دولُ القارةِ جنوبَ الصحراء على كافة الأصعدة، خصوصًا فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، ومعدلات التنمية السريعة التي تشهدها خلال السنوات الأخيرة.

 

وبات واضحًا أن أفريقيا تشهد تغيرات واسعة واختلافات جذرية منذ مطلع هذا القرن، تجعلها محط أنظـار الجميع في مختلف المجالات، سواءً مجالات الطاقة أو ريادة الأعمال أو التنمية الاجتماعية أو البناء الحضاري للمدن أو مجالات التصنيع المختلفة، كونها تملك كل المقوّمات البشرية والطبيعية التي تساعد في نهضتها سريعًا في زمن قياسي.

 

نختار لك هنا مجموعة مركّزة من أهم المحاضرات المترجمة بالعربية، مدتها 10 دقائق بالمتوسط، وتمنحك خلفية واقعية متينة حول التغيرات الجذرية التي تشهدها القارة السمراء

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ست دول من أسرع 10 دول نموًا في الاقتصاد كانت من أفريقيا جنوب الصحراء "موزمبيق، رواندا، أنغولا، نيجيريا، تشاد، إثيوبيا". كما وصل معدل النمو السنوي لدول القارة جنوب الصحـراء بشكل جماعي إلى متوسط 5% خلال الـ15 عامًا الأولى من هذا القـرن.

 

وتكفي الإشارة إلى أنه في العام 2000، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في أفريقيا سيئة لدرجة كتابة تقرير في مجلة "الإيكونوميست" الشهيرة بعنـوان قارة بلا أمل (Hopeless Continent)، وبعدها بـ13 عاما، في العام 2013 نشرت ملفًا بعنوان أفريقيا الصاعدة (Rising Africa)، تنبأت فيه نفس المجلة أن متوسط الاقتصاد الأفريقي سوف يتجاوز نظيره الآسيوي!

 

هذه الأرقام وغيرها، جعلت التركيز منصبَّاً على مدار سنوات طويلة في دراسة الأسباب التي تحوّل القارة البائسة إلى قارة ناهضة. ومن أهم هذه الوسائل مجموعة واسعة من المحاضرات العالمية لـ"تيد" (Ted) التي تناقش ملامح الصعود الذي تشهده أفريقيا جنوب الصحراء.

 

هنا نختار مجموعة مركّزة من أهم المحاضرات المترجمة بالعربية، مدتها 10 دقائق بالمتوسط، وتمنحك خلفية واقعية متينة حول التغيرات الجذرية التي تشهدها القارة في مجالات مختلفة.
 

انفجار أفريقيا القادم

هذه المحاضرة عنوانها الأساسي هو انفجار أفريقيا القادم (Africa’s Next Boom)، يلقيها الاقتصادي العالمي تشارلز روبرتسون، الذي يتحدث عن رؤيته من واقع الأرقام الواقعية أن أفريقيا على وشك تحقيق معدلات تنمية اقتصادية مرتفعة للغاية خلال السنوات المقبلة.

 

يركز المحاضر على عدة محاور تصب في النهاية لمصلحة التقدم الاقتصادي في القارة، مثل أعداد الشباب الهائلة، وارتفاع نسب التعليم، وتكوّن طبقة وسطى متماسكة في العديد من الدول الأفريقية، فضـلًا عن توافر رؤوس المال وتدشين مشروعات عمـلاقة تجعل القارة محل تطور اقتصادي وتقني مستمر.

 

طبعًا إلى جانب التركيز على الحالة المثيرة للتفاؤل بخصوص توافد استثمارات عالمية بشكل متزايد، ليس فقط من الصيـن "أكبر مستثمر في أفريقيا"، وإنما من دول العالم كله أيضًا. وهي محاضرة يمكن اعتبارها تمهيداً ممتازاً لأوضاع القارة الأفريقية بشكل عام، وما هو متوقّع أن تشهده خلال السنوات المقبلة من زاوية واقعية بحتة.

 

القادة الذين أفسدوا أفريقيا.. والجيل الذي يستطيع إصلاحها!

 

واحدة من أهم المحاضرات في "تيد" التي تدمج نظـرة الشباب الأفريقي إلى الماضي، وكيفية التعامل مع آثاره في المستقبل. أفريقيا جنوب الصحراء حتى نهاية القرن العشرين كانت قارة بائسة يهيمن عليها الديكتاتوريات والانقلابات العسكـرية، التي مازالت آثارها وامتداداتها حتى الآن، وإن كانت بوتيرة أقل؛ مما جعلها لفترة طويلة أبعد ما تكون عن التنمية الاقتصادية والتطور الحضاري.

 

المُحاضر "فريد سوانكير" يحكي عن هذه النظرة من زاوية شخصية ومهنية في نفس الوقت. عاش سوانكير قدرًا كبيرًا من عمره متنقلًا ما بين 4 دول أفريقية جنوب الصحراء، هي غانا وغامبيا وبوتسوانا وزيمبابوي. أدرك خلال هذه التنقلات أن دول تأثرت سلبيًا بشدة بسبب قادة سياسيين فاسدين، هي حتمًا دول تستطيع النهوض مرة أخرى فقط إذا تغيرت تلك العقليات وحلّ محلها عقليات أمينة ومنفتحة.

 

يركز المُحاضر على الأسباب التي تجعل الجيل الحالي والقادم هو أكثر جيل يستطيع أن يؤدي إلى تغيير جذري في القارة الأفريقية وإصلاح ما أفسده قادة مستبدّين، غير متعلّمين، ناقصي الأهلية!

 

البحث عن آينشتاين القادم.. في أفريقيا

 

محاضرة علمية شديدة التشويق، يلقيها العالم الفيزيائي الجنوب أفريقي "نيل توورك"، يشرح فيها خليطًا متباينًا من عمق الأزمات العلمية التي يشهدها المجتمع العلمي خصوصًا في مجال الفيزياء والأبحاث الكونية. ثم يعود مرة أخرى ليتكلم بمزيج من الأمل والحماس عن عقول أفريقيا التي يمكنها أن ترسل لنا آينشتاين الجديد الذي يحلّ هذه المشاكل.

 

يحكي توورك عن رحلاته في كينيا وتنزانيا، وكيف لاحظ الذكاء الشديد الذي يتمتع به الأطفال والمراهقين في تلك الدول واهتمامهم بحل قضايا معقدة بأدوات بسيطة وسهلة، وحماسهم الشديد للتعلم والتطبيق. وهو الأمر الذي جعله شبه واثق أنه يمكن إنتاج عباقرة حقيقيين يتسيّدون المجالات العلميـة خلال السنوات المقبلة من القارة السمراء.

 

العلميّون لا يجاملون أو يروّجون لآمال غير ممكنة. وما قاله نيل توورك بخصوص "آينشتاين أفريقي" كان في إطار من الحقائق التي رصدها، جعله يطرح هذه المحادثة باعتباره أمر قابل للحدوث، وربما قابل للتوقّع أيضًا.

 

كيف يمكن لأفريقيا أن تكمل مسيرة الصعود؟

 

الصعود الذي حققته قارة أفريقيا -جنوب الصحراء- خلال السنوات الماضية كان مُلفتا، حيث وصل متوسط النمو في المنطقة إلى 5%، وحجزت بعض الدول الأفريقية مكانًا بارزًا في قائمة الدول الأكثر نموًا من حيث الاقتصاد.

 

ولكن الصورة، مع كونها عامرة بالأمل والحماس، إلا أنها لا تخلو أيضًا من عقبات ومشاكل. هذه الأمور تستعرضها وزيرة المالية النيجيرية السابقة "إنغوزي أوكنجو آيويلا،" في محاضرة شيّقة لها، وتتناول 8 محاور أساسية قد تمثل عقبات للصعود الأفريقي المتنامي، لحسن الحظ أن جميعها قابل للسيطرة والتجاوز.

 

ميّزة المحاضرة أنها مبسّطة للغاية، وتبتعد عن التعقيدات الاقتصادية والتجارية رغم أن المُحاضِرة هي وزيرة مالية سابقة في الحكومة النيجيرية.

 

لماذا تستثمر في أفريقيا؟

 

عندما يأتي مستثمـر من خارج أفريقيا ليبدأ استثماراته بها، فهو حتمًا لا يقوم بذلك بسبب دوافع إنسـانية -إلا إذا كانت مؤسسة خيرية-. أيُّ استثمار في أي مكان في العالم لا يخضع سوى لقانون العرض والطلب والربح والخسارة، فقط لا غير.

 

أفريقيا في السنوات الأخيرة تحقق تدفقات استثمـارية كبيرة في كافة المجالات. السياحة، الطاقة، المشروعات الناشئة، الصناعة، الزراعة، والطاقة المتجددة وغيرها. ما السبب الذي يجعل المستثمـر صاحب رأس المال، يترك أوروبا أو الأميركيتين أو آسيا، ويتوجّـه إلى أفريقيا جنوب الصحراء لتدشين مشروعه؟

 

المحاضرة التي يلقيها "إيوفن نايدوو"، المتخصص في المالية البنكية، شديدة التشويق، وتعج بتفاصيل مالية واقتصادية، إلى جانب أسلوب سردي بديع. تعتبر بالفعل من أهم المداخل التي تجعـل المشاهد يتعرف على أهم الأسباب التي تجعل من أفريقيا قبلة الاستثمار المقبلة. سيود الكثير من رجال الأعمال العرب المُهتمين بأفريقيا مشاهدة هذه المحاضرة!

 

إعانات إلى أفريقيا.. لا، شكرًا!

 

هذه المحاضرة هي امتداد مباشر للمحاضرة السابقة ولكن بمنظور مختلف أكثر تأثيرًا. الصحفي "أندرو مويندا" المشتغل بالصحافة الإقليمية الأفريقية خصوصًا في نواحي التوظيف ومقاومة البطالة في دول جنوب الصحراء؛ يطرح طرحًا مختلفًا كليًا عن السائد عالميا بخصوص ضرورة تقديم الإعانات إلى القارة الأفريقية.

 

في هذه المحاضرة، يقلب الصحفي الحقائق المغروسة في رؤوس الجميع رأسًا على عقب، ويعيد تصدير الوجه الحقيقي للقارة الأفريقية باعتبارها قارة مليئة بالكنوز التي تنتظر من يكتشفها. وليس قارة مُعدمة تضطرب بالحروب الأهلية، وتنتظر بعض الإعانات من هنا أو هناك.

 

المحاضرة تلقي الضوء على مجموعة حقائق مٌذهلة عن الثروات في أفريقيا، والموارد الطبيعية، والطاقة البشرية الكبرى التي تمتلكها القارة، والأرباح التي يمكن أن تعود على مستغلي هذه الثروات من أرباح ضخمة ربما تفوق المتصوّر.

 

بنهاية المحاضرة، يبدو المعنى واضحًا بالفعل أن أفريقيا ليست هي المكان المُناسب للإعانات الدورية، وإنما المكان المناسب لحصد الثروات والاستثمار العالمي المنظّم، بما يعود بالنفع على القارة ككل.

 

كيف حوّلت نبتة قاتلة إلى بيزنس؟

 

أفريقيا قارة شرسة. صحيح أنها تعج بالموارد الطبيعية الخلابة، إلا أن بعضها -أو ربما الكثير منها- قد يكون شرسًا، وضد رغبة الإنسان في تحقيق متطلباته من الترفيه والعمل.

 

"أدجانيو أتشيفـا"، في هذه المحاضرة من "تيد" تشرح لنا عقلية ريادية أفريقية مميزة. "أدجانيو" من نيجيريا لاحظت مشكلة يعاني منها جميع أهل المنطقة التي تعيش فيها، وهي نبتــة قاتلة تسمّى "وردة النيل". هي ليست قاتلة بمعنى أنها مفترسة، هي في الواقع نبتة جميلة المنظر. ولكن المشكلة انها تنمو بشكل هائل، يجعلها تكتسح الممرات المائية وتقوم بإغلاقها فتتسبب في كوارث كبيرة اجتماعية، تصل إلى إعاقة الطرقات، وسبل النقل، وتوقيف الدراسة، وإعاقة الناس عن التحركات وممارسة أعمالهم.

 

الحل.. يوجد الكثير من الحلول لمكافحة هذه النبتة بيولوجيا. ولكن ما قامت به "أدجانيو" أنها قامت باستغلال وجود هذه النبتة في تحويلها إلى مصنوعات يدوية رائعة أدَّت إلى تأسيس تجارة مزدهرة.

 

محاضرة قصيرة ومركّزة حازت إعجابًا كبيرًا من جمهور "تيد"، وأوضحت جانبًا مشرقًا من طريقة تفكير الشباب في القارة لتجاوز الأزمات.

 

فهود أفريقيا ضد أفراس النهر.. "الشباب ضد الفساد"

 

محاضرة شيّقة مليئة بالأرقام والأحداث يلقيها الاقتصادي الغاني "جورج أيياتي"، تحمل في طيّـاتها غضب واضح بخصوص الفساد الذي يضـرب القارة الأفريقية ويستنزف ثرواتها، مبشرًا بجيل من الفهود الأفريقية "الشباب" الذين سيواجهون جيل "أفراس النهر" المتسبب في انتشار الفساد الإداري والمالي في ربوع القارة الغنيّة.

 

في المحاضرة تعريفات مباشرة وجريئة بخصوص نوعيات النخب الحاكمة للقارة -الذين أسماهم أفراس النهر-، مع ذكر عدد كبير من الحقائق المخيفة من مستوى الفساد الذي ترتّب على وجود هذه النخب. الفساد يكلف أفريقيا 140 مليار دولار سنويا. رأس المال الذي يهرب من أفريقيا يزيد عن 80 مليار دولار سنويا. 40% من الثروة الأفريقية لا تُستثمر في أفريقيا!

 

حقائق مخيفة يسردها الاقتصادي الأفريقي بلمحة غضب ومرارة وسخرية. ثم يتلوها بحقائق عن الأمل الذي يظهر في الأفق، مع جيل جديد من الشباب المتعلم الذي ظهرت بوادره في القارة، والبدء في انضباط المجتمعات وإسراعها تجاه التنمية في السنوات الأخيرة.

 

كيف يمكننا أن نعلم القادة الأفارقة؟

 

مشكلة أفريقيا في الأساس هي مشكلة قيادة، ولا شيء آخر. قارة مرّت على مدار عقود طويلة بعدد هائل من الانقلابات العسكرية والصراعات القبلية والحروب الأهلية وأمراء الحرب الذين يبذلون قصارى جهدهم لإشعال الحروب أو تخريب مقدّرات الشعوب لمصالحهم.

 

خلال هذا العقد، تنبّه الشباب الأفريقي إلى وجود أزمة قيادة تعتبر هي السبب في كل الكوارث التي تعاني منها القارة. يحكي "باتريك أوواه" في هذه المحاضرة -وهو خبير غاني متخصص، سبق له العمل في مايكروسوفت- قصة سعيه لتأسيس مركز لصناعة القادة يمكنهم تطوير المستقبل الأفريقي بما يتنامى مع طموحات الشعوب.

 

التعليم هو حجر أساس التحرك تجاه التنمية الاقتصادية والعمرانية والرفاهية الاجتماعية. ربما كل مستثمـر يسعى للقدوم إلى أفريقيا يكون مهتمًا بوجود خبراء ذوي تعليم عالٍ، وشعوب متفتحـة يمكنها استيعاب المشروعات التي يتم تأسيسها في البلاد.

 

باحثة أمراض السرطان تقدم ورقة إصلاح الفساد الحكومي

 

واحد من أشهر محاضرات "تيد" التي تستعرض جانبًا مضيئًا بخصوص التطورات الأخيرة التي تحدث في القارة الأفريقية، ونال عدد مشاهدات تجاوز النصف مليون مشاهدة. "شاريتي وايوها" باحثة كينية في مجال أمراض السرطان وطرق علاجه، تقدم ورقة بحثية في طرق استئصال الفساد الحكومي انطلاقًا من منظورها الطبي في استئصال السرطان.

الفساد الإداري الحكومي يعادل الإصابة بالسرطان بالنسبة للإنسان. لذلك، مع خبرة طويلة في التعامل مع هذا المرض الخبيث، تشرح الباحثة الكينية إمكانية استئصال الفساد -أو على الأقل محاصرته- بخطوات محددة يكون لها نفس أثر حصار الأورام الخبيثة.

الحكومة الكينية تجاوبت مع "شاريتي" وقامت بتدشين منظومة لمكافحة الفساد، الأمر الذي ساعد في التحسن الجذري للإجراءات الإدارية، وفتح طرقًا تجارية مختلفة في كينيا ساهمت في تقوية اقتصاد أحد الدول التي تعتبر ظاهرة أفريقية في النمو، الأمر الذي أدى إلى اعتراف البنك الدولي بكينيا باعتبارها من أفضل الدول في اتخاذ خطوات إصلاحية.

 

هذه المحاضرات تعتبر مدخلًا سريعًا ومركزًا للتغيرات الكبرى التي تشهدها أفريقيا، وإشارة أن القارة يحدث فيها مخاض مختلف يبشّر بمستقبل واعد، بقيادة جيل يغلب عليه التميّز والتعليم والقدرة على استحداث الفرص وتغيير وجه المجتمعات السمراء التي عانت طويلًا خلال العقود الماضية.

المصدر : الجزيرة