شعار قسم ميدان

الأولوية للموظف.. أساليب تتبعها الشركات الكبرى لتحقيق النجاح

midan - companies
ثقافة الشركة ليست مجرد علامة إشهار توضع على الجدران، أو تصريح عابر عن قيم محددة تنشر على موقعها على الإنترنت أو جائزة تمنح في نهاية السنة. ثقافة الشركة أهم من ذلك بكثير، يجب أن تجسد شيئًا يستشعره العاملون فيها في كل يوم، يحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم لرفع مستوى عملهم، بحيث يستطيعون التعامل مع الزبائن بطرق كفيلة بتوطيد صلة حقيقية بينهم.

 

كيف تتصرف كبريات الشركات اليوم، لبناء مثل هذه الثقافات المفضية إلى توطيد العلاقات؟ يتم ذلك من خلال الارتقاء بالإنسان، الموظف، في صدارة أولوياتها، والحرص على فهم ما الذي يحفز الناس ويزيد من قدرة تمكينهم، والمواءمة بين ما يهتم به الموظف، والطرق المنتهجة في تسيير أعمال الشركة. لقد تحدثت إلى مدراء بعض الشركات الأمريكية الكبرى حول هذه الأفكار، وهذا ما أفصحوا لي به، حول كيفية عيش شركاتهم ثقافتها كل يوم.

 

الإنسان قبل كل شيء
إن خلق ثقافة عظيمة، يستدعي تحديد وإضفاء الطابع المؤسسي على السلوكيات التي تريد رؤيتها مجسدة في الشركة، وهذا الأمر يجب أن يبدأ من أعلى قمة المؤسسة
إن خلق ثقافة عظيمة، يستدعي تحديد وإضفاء الطابع المؤسسي على السلوكيات التي تريد رؤيتها مجسدة في الشركة، وهذا الأمر يجب أن يبدأ من أعلى قمة المؤسسة
  
يقول د. راندال ب. وايت، الشريك المؤسس لمجموعة التطوير التنفيذي (Executive Development Group) "إن المفهوم الذي يضع الإنسان فوق كل شيء ويعتبره أهم رصيد في المنظمة أمر أساسي حقًا"، مضيفا "إذا كانت المنظمة تتبع نمطًا هرميًا مبالغًا فيه، وتقاوم التغيير أو تعاقب الفشل، وإذا لم تفسح المجال أمام جيل من قادة المستقبل، فإنها تتسبب حتما في نشر جو من الطاقة السلبية، يشعر بها الجميع، في حين تنتهج أفضل المنظمات طريقا تفاعليا، يحتفل بمساهمات جميع أفرادها، سواء كان لديها 5 موظفين، أو 500.000".

 

أن تعكس ما تريد رؤيته
إن خلق ثقافة عظيمة، يستدعي تحديد وإضفاء الطابع المؤسسي على السلوكيات التي تريد رؤيتها مجسدة في الشركة، وهذا الأمر يجب أن يبدأ من أعلى قمة المؤسسة. يقول آشر رفائيل، الرئيس التنفيذي لشركة "باور هوم ريموديلينغ"، الذي اختير مؤخرًا من قبل "مجلة إنك" (Inc. magazine كأفضل مكان عمل في أميركا: "يمكننا إضفاء الطابع المؤسسي على العادات الجيدة، مثل الرعاية أو الامتنان أو التقدير أو حتى العادات الشخصية مثل القراءة، لتحسين أداء الفريق" قبل أن يضيف "لكن إذا أردنا أن يعيش فريقنا بطريقة معينة، يتعين على قادة الشركة أن يعيشوا هم أيضا وفق هذه الطريقة".

 

يكتسي هذا النهج أهمية خاصة، بالنسبة للموظفين الأصغر سنا والأكثر اتصافًا بالانفرادية، مثل الموظفين الذين لم يتشبعوا بفكرة التضحية كقيمة وفضيلة، وينصب همهم على تحقيق أهدافهم الشخصية. يقول آشر "تبنى الثقة وتعزز من خلال الشفافية، والثقة بالناس، وأن تُبَين لهم أنك تهتم بهم أكثر من النتيجة النهائية، وهذا كفيل بجعلهم يقدمون المزيد من الجهد. "

 

فهم ما الذي يفكر فيه الموظفون وتمكينهم من ذلك
وفقا لدراسة حديثة أجرتها ديل كارنيجي، نسبة 71٪ من القوى العاملة اليوم "لا تشارك بنشاط داخل مؤسساتها"، مما يكلف الشركات 11 مليار دولار سنويا. وقال كيلي ماكس، الرئيس التنفيذي لشركة "هوف أوس"، المختصة في مجال تقديم حلول وبرامج التحوَل للشركات التي تركز على الموظفين أولًا "إن فهم تساؤلات الناس، مثل ربط أسباب نسج العلاقات بين الموظفين أو قطعها، وكيفية تلبية تطلعات القوى العاملة من الجيل القادم؛ يساعد الشركات على المضي قدما والتكيف وتحقيق أهدافها".

  undefined

 

يقول ماكس: "من المهم أن نجعل الجميع يشارك داخل المؤسسة ونسمح للموظفين باستكشاف واختبار حدود طاقاتهم"، مضيفًا، "معظم الموظفين لديهم روح المبادرة، ويريدون التفكير أبعد من سياج الحيز الضيق، وهنا يكمن التحدي في تمكين هؤلاء الموظفين، ومساعدتهم على تحسين أداء هذه المؤسسات، ويمكن القيام بذلك من خلال منحهم الحرية: حرية الفشل هي الشطر الآخر لحرية النجاح ".

 

تجربة الموظفين تقود إلى تجربة الزبائن
منح الأولوية للموظفين لا يقتصر فقط على تقديم التعويضات، والمزايا أو حتى تذكر مناسبات للاحتفال بالإنجازات وأعياد الميلاد، إن الأولية أشمل وأهم من ذلك، لها صلة وثيقة بتذكر أن لموظفيك احتياجات مادية وعاطفية أيضا تتجاوز الراتب، ولمَا لا يتم الوفاء بها، تتأثر تلقائيا تجربة الزبون.

 

"يشكل موظفونا أهم ما يميزنا عن غيرنا، لذلك علينا جذب واستبقاء أفضل الموظفين، ولتحقيق هذا الغرض، كان علينا أن ننظر إلى تجربة الموظفين، لأن تجربتهم تؤثر على تجربة الزبناء" يقول جاسبار وير، رئيس "تاسك أس" (TaskUs)، وهي شركة أعمال متعاقدة تقدم خدماتها لشركات التكنولوجيا المتنامية.

 

"لقد ركزنا على إيجاد أماكن أكثر جاذبية، تقدم للعمال سبل ووسائل الراحة والمرح، تركز في المقام الأول على كل ما له صلة بصحة العمال وعافيتهم. إننا نقدم حصص للتأمل كل يوم اثنين، وأوقات للمشي وغرف الاسترخاء، ونثمن أيضا جهود الموظفين الذين يعيشون قيمنا من خلال ربط ضمان الجودة، واستعراض الأداء والمكافآت، بقيمنا الأساسية. القيم تخلق ثقافة أفضل، وهي بدورها تنتج أعمالا أفضل".

 

مكافأة أفضل عمل للموظفين
تشكل تقاليد الاحترام جزءا مهما من إقامة علاقات التعامل التجارية والحفاظ عليها في كثير من الدول والثقافات المختلفة
تشكل تقاليد الاحترام جزءا مهما من إقامة علاقات التعامل التجارية والحفاظ عليها في كثير من الدول والثقافات المختلفة
  
تأتي المكافآت في كثير من الأحيان كوسيلة تستخدمها الشركات لتشجيع الموظفين على الالتزام بقيمها والعيش وفقا لها. يقول سام شانك، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لتطبيق "هوتل تونايت" (HotelTonight) المعنية بحجز غرف فندقية في آخر لحظة، والذي منح مؤخرا جائزة أفضل أماكن العمل في سان فرانسيسكو "قيمنا، التي ألخصها في – بناء، سؤال، احترام – موجودة لمساعدة موظفينا على بذل قصارى جهدهم. نحن ننجز أشياء عظيمة من خلال النظر بروح نقدية للنهج التقليدية ومعاملة الموظفين باحترام؛ نحن نربط كل قراراتنا بهذه الأفكار".

 

ويعتقد شانك أنه من المهم تقديم مكافآت للموظفين تثبت التزامهم بقيم الشركة "الاحترام هو بالنسبة لنا طريق ذو اتجاهين. ونعتقد أن العمل بشفافية وإتاحة فرص للتعلم والتطوير يجسدان معنى الاحترام، لذا نكافئ الموظفين لتجسيدهم قيمنا، من خلال منحهم امتيازات سفر عفوية وغير محدود، وقضاء عطلة دون قيود. الطريقة التي نكافئهم بها تظهر أننا نثق بهم لاتخاذ القرارات الصائبة للشركة. "

 

خلق تقاليد الاحترام
في العديد من الثقافات، تشكل تقاليد الاحترام جزء مهما من إقامة علاقات التعامل التجارية والحفاظ عليها. في اليابان، على سبيل المثال، يعربون عن احترامهم لدى اجتماعاتهم من خلال الانحناء، وفي التجمعات العسكرية، يحيي الجنود بعضهم بعضا عن طريق التحية العسكرية، في معظم الشركات، لا يزال معظم الموظفين يصافحون بعضهم بعضا في الاجتماع.

 

ورغم تحوَل ثقافات العمل وطغيان تركيزها على الجانب التكنولوجي على حساب النهج التقليدية، تبقى هذه المظاهر الجسدية المعبرة عن الاحترام تحتفظ بأهميتها. يقول جريج بيسنر، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"كالتشر آي كيو" (CultureIQ): "لدينا تقليد المصافحة في نهاية الأسبوع، وبدأنا تنفيذه مباشرة بعد اعتماده، كان ذلك يوم الجمعة، وكان الفريق يعمل بجد، وشعرت حينذاك، بضرورة سن علامة من علامات الاحترام، والآن أصبح تقليدا: كل موظف يصافح الجميع ويقول شكرا لك."

  

إن مكافأة الموظفين الملتزمين بقيم الشركة يشجعهم على الالتزام والتمسك بها أثناء تواجدهم داخل بيئة العمل
إن مكافأة الموظفين الملتزمين بقيم الشركة يشجعهم على الالتزام والتمسك بها أثناء تواجدهم داخل بيئة العمل
  

هناك مظاهر مادية أخرى تكتسي هي أيضا أهمية، يقوم العديد من الموظفين في "كالتشر آي كيو" على سبيل المثال، باختيار قيمة معينة من قيم شركة، ويلحقونها في توقيعاتهم على البريد الإلكتروني. يقول بيسنر، "إنها العودة إلى أساسيات العيش، ينظر الناس إلى شركات التكنولوجيا باعتبارها موجهة نحو التكنولوجيا، غير أنني أعتقد أن العادات والتقاليد القديمة مثل هذه، يمكن أن تكون في بعض الأحيان أكثر تأثيرا ".

 

اليقظة لتمكين قدرات التركيز
الملهيات مثل الهواتف المحمولة وغيرها من وسائل التكنولوجيا، أصبحت مشكلة شائعة من الحياة اليومية، ولعل هذا هو أحد الأسباب التي تجعل العديد من الثقافات الراقية توجه الآن مزيدا من التركيز على تقنيات مثل تركيز الذهن. يقول مارك فيدن، نائب رئيس قسم تسويق العلامات التجارية في شركة ديغنيتي هيلث، وهي واحدة من أكبر أنظمة الرعاية الصحية في البلاد، "موظفونا لهم القدرة على معالجة الناس، لكن لكي يستطيعون بذل قصارى جهدهم، فهم بحاجة إلى انطلاق عملهم من مكان للتركيز".

 

ولتلبية هذه الحاجة، قامت منظمة ديغنيتي هيلث بتنفيذ برنامج أطلقت عليه اسم "وقفة للتفكير" لتشجيع الأطباء والممرضين وغيرهم من الأشخاص، من أصحاب المهام المرهقة، على اتخاذ لحظة وجيزة لحضور هذه الوقفة قبل التوجه نحو عملهم لتقديم العلاج للآخرين. يقول فيدن "عندما تكون أكثر تركيزا وإدراكا، لا شك ستكون أكثر انفتاحا للاستماع والتفاعل مع الآخرين، لذلك نحرص على أن يسبق كل اجتماع لحظات تفكير.

 

لقد اكتشفنا أن التوقف لحظة للتفكير يمنح عملنا عمقا أكبر، وقد شعر مقدمو الرعاية بحضور أكبر لدى تعاملهم مع مرضاهم. وقد لقي هذا البرنامج استحسانا بشكل جيد جدا داخليا، إلى درجة أطلقت شركة ديغنيتي حملة موجهة خارج الشركة، أسمتها "تيك تو مينتس" (Take2Mins)، لتشجيع الناس من خارج الشركة لاتخاذ بعض الوقت من يومهم من أجل التركيز ذهنيا للاستفادة وإفادة من حولهم.

 

الجسم السليم.. أعمال تجارية سليمة
يبذل الموظفون قصارى جهدهم عندما تنعكس مميزاتهم الشخصية، على ما يفعلونه من أجل العيش، وفي المكان الذي ينجزون فيه ذلك
يبذل الموظفون قصارى جهدهم عندما تنعكس مميزاتهم الشخصية، على ما يفعلونه من أجل العيش، وفي المكان الذي ينجزون فيه ذلك
  
ومع تناقص حركية مجتمعنا والتصاقه بأسوار المكاتب، أصبحت العديد من الشركات تدرك أيضا أهمية الصحة البدنية كقيمة تحتاج ثقافاتها إلى تبنيها. تقدم وكالة التأمين التي مقرها شيكاغو مكافآت للموظفين الذين يشاركون في فعاليات العافية الداخلية، والتي تشمل 5K، ودروس اللياقة البدنية، والوجبات الخفيفة الصحية، والفحوصات الصحية، وبرامج الإقلاع عن التدخين، وسداد نفقات النادي الصحي، ومركز اللياقة البدنية في الموقع – وحتى الأولمبياد الداخلية.

 

يقول ستيفن هاندماكر، كبير مسؤولي التسويق في شركة التأمين، "تتمثل قيم الحمض النووي لشركتنا، في التحكم، والتنقل، والتقدير. إن دعم احتياجات موظفينا الصحية البدنية يساعدهم على تحقيق هذه القيم، ونريد منهم أن يتحكموا في أعمالهم وأهدافهم الشخصية، ونريدهم الإبحار داخل برامج تأمين الزبناء ومسارهم المهني، ونعتقد في واجب إظهار التقدير بطرق تكتسي معنى بالنسبة للموظف كشخص، ونعتبر شعوره بالعافية بمثابة ترياق سري يدعم كل هذه الجهود ".

 

ولكي تكون قيم شركتك مجدية، بالنسبة إلى الموظفين والزبائن، يجب أن تكون هذه القيم سائدة ويُعمَل بها كل يوم دون استثناء، ويجب أن تكون هي الموجهة للقرارات على المستوى المؤسسي والتنظيمي. أن الثقافات الراقية تكرس العادات اليومية، مثل منح الأولوية القصوى للموظفين، وتفهمهم وتحفيزهم وتمكين أفراد الفريق في العمل وفي حياتهم الشخصية. ربما الأهم من ذلك كله، بناء الثقافات الراقية، على أساس الفكرة التي تعتبر أن الموظفين يبذلون قصارى جهدهم عندما تنعكس مميزاتهم الشخصية، على ما يفعلونه من أجل العيش، وفي المكان الذي ينجزون فيه ذلك.

_____________________________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة