السر يكمن بالإدارة.. خطوات فعالة لزيادة كفاءة الموظفين
لكن -كأي شيء آخر- ولأن الحسن لا يكتمل، حيث ستجد به ما يعيبه، تبقى المشكلة دائما في الموظف الذي يشذ عن القاعدة، ذلك الذي يمثّـل حجر عثـرة أمام حركة الإبداع في الفريق، دائما يرفع شعار خالِف تُعرَف. لا يعجبه شيء، يتسبب في المشاكل من وقت لآخر، ودائما ما يتخذ ردود أفعال دفاعيـة عدوانية عندما تُطلَب منه مهمة ما. ومع ذلك، يعد أداؤه في المهام الروتينية المعتادة ضـروريا ولا يمكن الاستغناء عنه.
ما الحلول المتاحة لك؟ من السهـل أن تقوم بطـرد ذلك الموظف من فريقك، ولكن هذا ليس دائما خيارا عمليا متاحا، ناهيك أنه غير أخلاقي في بعض الأحيان. من الممكن أن تنقله إلى إدارة أخرى، من الممكن أن تتخلص منه بأي شكل. ولكن أحد أهم الحلول التي يمكن أن تتخذها هو -ببساطة- أن تعيد تدريبه.
(مارك توين، أديب أميـركي ساخر) (1)
من المعلوم أن التدريب الإداري ما هو إلا آليـات هدفها استغلال طاقات فريقك من الموظفين بأفضل شكل ممكن، وبأكبر قدر ممكن أيضا. لذلك، تتعدد سبل وأدوات وحقائب التدريب في مستوياتها، وبحسب مجالات الشركات وأنشطتها وبحسب نوعية الفرق وأدوارها في الشركات. كل يغنّي على ليـلاه، وكل يغنّي على نمط تدريبه.
ومع ذلك، تبقى الأطـر العامة للأنظمة التدريبية موحّدة في أساليبها وغاياتها وأهدافها وطرق قياسها، بما في ذلك طرق توجيـه المتدرّبين أنفسهم وفقا للاختلافات في شخصيـاتهم. ربما التدريب لن يحوّل موظفا غير مبدع ليصبح أكثر إبداعا بين عشية وضحاها، ولكنه سيحوّل هذا الموظف من "غير مبدع" إلى موظف أكثر إنتـاجية على الأقل إلى أن تدور عجلة الإبداع الخاصة به.
ثلاثة كتب مهمة سلّطت الضوء بشكل واسع على أزمة "الموظف المُعطّل" وكيفية تحويله من حجر عثرة لإبداع الفريق إلى أحد المعـاونين. كتاب "استبقاء أفضل موظفيك" (Retaining your best people) الصادر عن مطبوعات كلية هارفرد لإدارة الأعمال (2)، وكتاب "التدريب: إثارة الامتياز في الآخرين" (Coaching: Evoking Excellence in Others) (3) ، وكتاب "ادفع موظفيك بجموح دون أن تصيبهم بالجنون" (Drive Your People Wild Without Driving Them Crazy) (4) طرحوا أنماطا عامة يمكن اتخاذها كأساسيات لتدريب الموظف المُعطّل تحديدا دون غيره.
في كتاب "التدريب: إثارة التميز في الآخرين" يشرح مؤلفه باستفاضة ضـرورة انسجـام أفعال المُدرّب مع أقواله أمام المتدرّب لينال المصداقية. لا تتعامل مع موظفين آخرين بكيفية مختلفة عن الموظف الذي تدرّبه، نفذ ما تقوله بالضبط، كن نزيها وموضوعيا، لا تُشعر هذا الموظف الذي يخوض التدريب أنه ناقص الأهلية أو أن ضعف كفاءته هو الذي جعله يستدعي الخضوع للتدريب.
في الوقت نفسه، تذكّـر أنك لست مُجبـرا على أن تكون "محبوبا" للموظف، فقط ركّز بشكل كامل على إيجاد علاقة حقيقية من المصداقية والثقة والاحترام مع المتدرّب. هذا يكفي تماما ليفتح الأبواب ويستوعب ما تدرّبه له، ليتخلى عن الدفاع غير المبرر.
استخدم عبارات مثل: هل يمكنني أن أقتـرح عليك كذا؟ هل يمكن أن أناقشك في طريقة مختلفة لحل تلك المشكـلة؟ هل بإمكـاننا أن نعالج هذه المشكلة بطريقة كذا؟
أحيانا، يبدو الأمر مبالغا فيه خصوصا بالنسبة للمديرين المتسلطين أو ذوي الخلفيـات الصارمة التي تقتضي أن ينفّذ الموظف ما يتم تدريبه عليه، ولكن بلا شك، يمثل انتهاج هذا الأسلوب في النقاش واختيار العبارات طريقا مؤديا إلى فتح الأبواب نحو مزيد من المرونة والإبداع والتواصل الصحيح مع المتدربين، خصوصا ذوي الخلفيـات العدائية.
ولكن في الواقع، هذا الأسلوب قد يكون له تأثير سلبي للغاية على بعض الموظفين، فتنحية نقاط القوة -النقاط التي يمكن لهم استخدامها في إحداث تأثير حقيقي في مسار العمل-، ودفعهم إلى تركيز اهتمامهم الكامل على إصلاح نقاط ضعفهم، قد يؤدي إلى إيجاد مجموعة متجانسة متشابهة من الموظفين يتصرفون مثل بعضهم البعض، دون أثر حقيقي على مفهوم الإبداع والابتكـار.
من المهم أن يكون دور المدرّب هو البحث عن المجالات التي يبرع فيها الموظفون، وفتح الطرق أمامهم للمزيد من تنميتها ودعمها لإحداث تغيير نوعي حقيقي في عمله ومستوى إبداعه، مهما كانت نقاط ضعفه الأخرى واضحة وضوح العين. ومن ناحيـة أخرى، يُنظر إلى نقاط الضعف باعتبارها وجـها آخر مقابلا لنقاط القوة، وبالتالي يمكن الموازنة بينهمـا في إعادة توزيع الموظف في بيئة عمـل إبداعيـة تُراعي نقاط قوته تماما وتعمل على توظيف نقاط ضعفه بأفضل وسيلة ممكنة.
كمثال، قد يكـون الموظف X لديه "نقطـة قوة" في المراجعة الدورية لمستوى مبيعات الشركة بشكل ممتاز، ولكن نقطـة ضعفه أنه لا يجيد الحوار أو الحديث بشكل طلق مع الآخرين. من المهم كمدرّب أن تساعده على المزيد من تنميـة نقاط تفوّقه، وتتفهم نقطـة ضعفه لإعادة توزيعه في منصب محدد في الشركة، دون إجبـاره أن يعمل -مثلا- في خدمة العمـلاء أو الدعاية.
هذا التقدير المستمر يُشعر الموظف أنك تتفاعل معه بشكل حقيقي وأنه يحقق تقدما، والأهم يُشعـره أيضا بأنك موضوعي ولا تستهدف التقليل من شأنه أو قدراته، وأن هدفك بالفعل رفع كفـاءته وأدائه وليس تقييمـه بشكل سلبي طوال فترة التدريب. أكبر خطأ أن يُترك التقدير والإعلان عنه في نهاية الدورة التدريبية أو حتى نهاية الجلسة التدريبية، بعد أن يتشبع الموظف المتدرّب بشحنات سلبيـة دفاعية تُعيق عملية استيعابه للتدريب أو تجعله يكوّن آراء سلبية عن المُدرّب نفسه.
أحد أهم علامات التدريب الجيد هو أن يخرج الموظف منه وهو قادر على عمل أي تعديلات ضـرورية على مسارهم الوظيفي بطريقة مستقلة عن مدرّبيهم. كيف سيتصـرّف الموظف لاحقا، وكيف سيضيف المزيد من التطويرات والتعديلات على مسار عمله بشكل مستقل. لذلك، من الضـروري أن تكون "المنهجيـة" التي سيسير عليها في مرحلة ما بعد التدريب واضحة تماما.
في هذه المرحلة يبدأ التقييم الحقيقي الذي يرتكز على معايير تقييم أداء موضوعية، هل المتدرّب استطاع تعزيز نقاط قوته وتجاوز نقاط ضعفه، هل بدا واضحا تغير مستواه إلى الأفضل بشكل عام، وبدأ في إظهار نقاط إبداعيـة تتوافق مع الأهداف التي وُضعت قبل بدء التدريب؟ هل بدأ مستوى الموظف يؤثر على مستوى الإنتاجيـة الكلّي للفريق ويدعمه للأمام؟
مرحلة المراقبة لا تعني أيضا عدم التدخل، من الممكن لك أن تتدخل لمساعدة الموظف عدة مرات خصوصا في مراحل التطبيق الأولى بعد التدريب، وإن كان التدخل يجب أن يكون محدودا أيضا، تدخل حذر، إن جاز الوصف، من وقت لآخر.
في نهاية المطاف، يبقى دورك كمدير أو مدرّب أو مؤسس شركة أن تبذل كل السبل لتحويل الموظف غير المنضبط أو غير الكفء إلى ترس في عجلة إبداع الفريق وليس عائقا لها. ربما -ببعض الصبر- يتحول هذا الموظف تحديدا في وقت لاحق إلى رأس حربة في قيادة الإبداع والتطوير والتناغم في الفريق، فقط بعد أن يتلقى التدريب الملائم.