شعار قسم ميدان

قصص إدارية ملهمة.. إرشادات تساعدك لتحويل الكارثة لفرصة ثمينة

midan - pepsi
اضغط للاستماع
     

"لا تنتظـر الوقوع في الأزمة حتى تبدأ في إعداد خطـة للأزمة!"

– (فيل ماكجــرو، محاضـر وكاتب أميركي) (1)

   

إذا تأملتها من عدة جوانب، وأولها الجانب الخاص بالأعمال، ستجد أن هذه المقولة المنسوبة للإعلامي الأميـركي الشهير دكتور فيل (Dr. Phil) صحيحة تماما. فإذا كانت الأزمة تقع دائما بشكل مفاجئ؛ فالاستعداد لوقوعها والتعامل معها بمجرّد وقوعها أمر يمكن التدريب عليه بأفضل الطرق الممكنة لتجنب تبعاتها. 

     

يمكنك أن تتخيّل الأمر بالعلاقة نفسها بين الطبيب والمريض، المريض يُصاب بالوعكة الصحية فجأة والطبيب مُدرّب للتعامل الفوري مع الأزمة بمنهجيـة ثابتة تنقذ المريض على المدى القصير أولا، ومن ثمّ البدء لاحقا في التشخيص الموسّع لحالته لعدم تكرار هذه الأزمة. الأمر نفسه بالضبط يتم تطبيقـه على الشركات عندما تواجه أزماتها. إمـا ستكون ردود الأفعال بطيئة مرتبكـة تؤدي إلى المزيد من الأزمات، وإما تكون ردود الأفعال ذكية ومدرّبة ومجهزة سلفا وفقا لمنهجية "إدارة أزمة" واضحة.

   

في عالم الأعمال، يوجد لدينا العديد من الشركات التي استطاعت التعامل مع الأزمات بأشكال مختلفة، بعضها نجح في تحويل الأزمة إلى فرصة، وبعضها نجح في الصمود أمام هلاك حتمي، والبعض الثالث استطاع الخروج منها بأقل الخسائر، لتتحول هذه التجارب إلى نماذج دراسية (Case Studies) يتم تدريسها كأمثلة لإدارة الأزمـة (Crisis Management).

     

جونسون آند جونسون.. الانحنـاء للعاصفـة يساعدك في تجـاوزها

undefined

  

في عام 1982، استيقظ المسؤولون في شركة الدواء والمنتجات الطبية العمـلاقة جونسـون آند جونسـون (J&J) على وقع خبـر مؤسف بدا مؤشرا على نشوء عاصفة في الأفق. سبعـة أشخاص قُتلوا في شيكـاغو بسبب تعـاطي جرعة كبيـرة من أحد منتجـاتها "كبـسولات التايلينـول إكستـرا سترينث" (Tylenol Extra Strength) التي استخدمها القاتل في تدبير عمليات القتل لضحاياه السبعة، باعتبار أن الكبسولات مندمجة مع مادة البوتاسيوم سيانيد مما جعل تعاطيها بشكل مركّز يحوّلها إلى سم قاتل.

  

على الرغم من أن الشركة غير مسؤولة بشكل مباشر، فإن ربط منتجهـا بحالات قتل بشعة من هذا النوع كان حتما إشارة إلى قرب اهتزاز سمعتها بشدة في السوق الأميـركي الذي يعتبر أكبر أسواقها على الإطلاق. لذلك، وبسرعة قبل حتى أن تبدأ موجات الهجوم على الشركة إعلاميا، أصدرت الشركة قرارا فوريا بسحب 31 مليون زجاجة من التايلنول بقيمة 100 مليون دولار من كافة الصيدليات، وقامت بوقف إنتـاج المنتج ووقف الحملة الدعائية له.

 

في الوقت نفسه، وكتحرّك مواز أعلنت الشركة عن تعاونها الكامل مع شرطة شيكـاجو والإف بي آي ومنظمة الدواء العالمية بهدف البحث عن القاتل، كما قامت من طـرفها بالإعلان عن جائزة قدرها 100 ألف دولار مكـافأة لمن يرشد عن القاتل ومن يساعد في الوصول إليه.

 

النتيجـة أن الصحف والإعلام بدلا من توجيه اللوم للشركة أو الهجوم عليها -كما هو متوقّع دائما في مثل هذه الحالات- أشادت بمجهوداتها بشدة والخطوات التي اتخذتها سواء بسحب منتجهـا أو المشاركة الفعّالة في البحث عن القاتل والتعاون مع الأجهزة الأمنية.

      

undefined

  

لاحقا، وبعد انتهاء الأزمة قامت الشركة بإعادة طـرح منتج التايلنـول مرة أخرى ولكن بصنـاعة مختلفة تماما في المحتويات وطريقة التغليف الأكثر أمانا واحترافية، وقامت بطرحه بحملة دعائية كبيـرة أعادت ثقة المستخدمين بالمنتج والشركة، وتجاوزت تماما آثـار الحادث. وما زالت حتى الآن حملة العلاقات العامة الاحترافية التي أدارتها "J&J" في هذا الموقف تحديدا من أشهر المواقف التي يتم تدريسها لطـلاب شهادات ماجستير ريادة الأعمال كنموذج حالة على الإدارة الاحترافية للأزمات الكبـرى، وكيفية الخـروج منها بأرباح كبرى بدلا من خسائر كبرى. (2، 3، 4، 5، 13)

     

بيبسي.. إياك أن تعتذر عن خطأ لم ترتكبـه

undefined

     

في عام 1993، ظهـرت إشـاعة غامضة من أحد الأشخاص في ولاية واشنطن بأنه وجد "حقنــة" داخل إحدى علب البيبسي دايت التي تنتجها شركة بيبسي العالمية للمشروبات. وعلى الرغم من غرابة هذا الزعم، فإنه بدأ يتحوّل إلى أمر مقلق عندما ظهـر أكثر من 50 تقريرا يحمل شكـاوى غير مؤكدة من كافة المناطق في الولايات المتحدة، يزعم أصحابها جميعا أنهم وجدوا حقنا داخل علب الدايت بيبسي، وهو ما جعل الأمر يتحوّل من حادثة فردية إلى ما يبدو أنه فضيحة جماعية.

   

كان التصرّف الأول الذي اتخذته بيبسي هو التأكد. قامت بالتأكد من صحة هذا الزعم، فاتضح لها أنها بالفعل دعـاوى ملفّقة، خصوصا بعد أن حققت منظمة الغذاء الأميـركية (FDA) في الأمر واتضح أن التقارير كلها مفبـركة تستهدف النيل من سمعة الشركة. لكن هذا الزعم مع انتشـاره، كان من الممكن أن يصيب المستهلك ببعض القلق والشك في منتج بيبسي ويؤدي إلى عزوفه عنه.

   

في هذه الأزمة اتخذت بيبسي منهجا استثنائيا في إدارة الأزمة. خرجت الشركة بكل وضوح قائلة إنها لا تعتذر عن شيء لم يقع أصلا، ودافعت عن نفسها بمنتهى الثبـات في وجه هذه الاتهامات والدعاوى بشكل واضح لا يقبل اللبس أو الجمل والعبارات الملتفّة والمنمّقة. نحن لم نرتكب أي أخطاء ولا يوجد أي دليل على هذه المزاعم. في الوقت نفسه، بدأت الشركة في تدشين حمـلة ذكيـة تعيد ثقة المستهلك بالشركة لتتجـاوز هذه الأزمة المختلفة.

   

قامت الشركة بإنتـاج أربعة فيديوهـات مميزة عُرضت على كافة القنوات الإعلامية والإذاعية في وقت الأزمة، تشرح للمستهلك كيف تتم عملية تعبئـة علب البيبسي خطوة بخطوة. كما قامت الشركة بالكشف عن شريط مراقبة مثير حصلت عليه يظهـر امرأة في أحد متاجر كولورادو تضع حقنـة داخل إحدى علب البيبسي دون انتبـاه من موظف المتجر، وهو الأمر الذي دلّ بالكامل على براءة الشركة من هذا الزعم، وأن هذه الدعـاوى مفبـركة بالكامل لغرض التشويش على ثقة المستهلك بالشركة.

   

(مسؤول من الشركة يشرح تفاصيل شريط التسجيل الذي يظهر امرأة تضع الحقنة في علب البيبسي دايت لتشويه سمعة الشركة)

      

في الوقت نفسه، لم يدخّر مسؤول واحد عن العلاقات العامة في بيبسي جهدا من الظهور في كافة محطات التلفاز، نشرات الأخبار، البرامج الحوارية ذات نسب المشاهدة المرتفعة حاملا معه الأدلة على خطأ هذه الدعـاوى والدعم الرسمي من منظمة الغذاء الأميـركية.

 

النتيجـة كانت باهرة، انحسرت الشائعات المضللة خلال أسبوعين فقط، خصوصا عندما استطاعت منظمة الـ "FDA" العثور على الأشخاص الذين أطلقوا هذه الدعاوى دون دليل. صحيح أن مبيعات البيبسي دايت تناقصت بنحو 2% لكنها عادت إلى معدلاتها الطبيعية خلال شهر واحد.

 

كانت "ثقة" بيبسي في أنها لم ترتكب أي أخطاء، وبياناتها الرسمية الواضحة والصريحة التي لا تحمل أي اهتزاز في موقفها، ولا تحمل أي عبارات ملتوية أو غير شفافة سببا مهما في الصمود أمام الشائعات المزعومة. حتما كان الأمر سيتغير تماما إذا كانت الشركة تجاهلت الرد، أو أظهرت ردودا غير حاسمة في هذه القضية. (6، 7، 13)

   

أودوالا فودز.. إذا لم تقتلك الضـربة فهذا يكفي

undefined

     

في عام 1996 أصبح الأمر رسميا وأصبحت الفضيحة حقيقيـة. أعلنت السلطات المحلية في ولاية واشنطن تأكيدها أن هنـاك علاقة ما بين حالات التسمم ببكتيـريا الإي كولاي التي أصابت 60 شخصا، وأدت إلى مقتل طفـل صغير وبين عصير التفـاح الذي تقوم بإنتـاجه شركة أودوالا للمنتجات الغذائية والمشـروبات. الأمر أصبح مؤكدا في تورّط الشركة في إنتاج منتج أدى إلى تسمم عدد كبير من الأشخاص ووفاة طفل، مما جعل الدعـاوى القضائية تنهال عليها بالعشـرات.

  

لم يكن هناك مجال للالتفاف أو التصريحات المهدئة أو ذات الطابع المثالي، خصوصا مع وجود حالة وفاة لطفل بريء من بين عشرات حالات التسمم. خرج المدير التنفيذي للشركة وقتئذ ستيفن ويليامسـون بقرار فوري بسحب كافة منتجـات الشركة التي تحتـوي على عصير التفاح والجزر، بخسائر أوّلية قدرها 6.5 مليون دولار. كمـا أعلن أن الشركة تتحمّل كافة المسؤولية ولا تتنصّل منها، وأعلن أيضا أن الشركة ستتكفّل بكافة المصاريف العلاجية والطبيـة لأي آثار أو متاعب صحيـة طالت أي فرد بسبب منتجـاتها على نفقـاتها.

  

في هذا الوقت، قامت الشركة بضخ كل إمكـانياتها تقريبا لإطلاق حملة علاقات عامة تستهدف التقليل من آثار المصيبة، حيث حجـزت الشركة صفحـة يوميـة على أكبر الصحف الأميركية انتشارا سواء على المستوى المحلي أو على مستوى الولايات الأميـركية بالكامل، سواء على المستوى الورقي أو الإلكتـروني تشرح فيه موقفها، وتقوم بعمل تحديثات مستمـرة للإجراءات التي تتخذها الشركة تجـاه المتضـررين، وتجاه عملية تحسين منتجـاتها.

 

صحيح أن الشركة كانت قد خسـرت ثلث قيمتها التسـويقية في تلك الفتـرة، خصوصا في مثولها أمام القضاء بسبب مقتـل طفل صغيـر بسبب منتجـهـا، كما تم توقيع غرامة كبيـرة على الشركة مقدارها مليون ونصف دولار، لكن الشركة -مع كل هذه الأزمـات- استطـاعت أن تصمد على الأقل، ولم تصل إلى درجة الانهيار.

 

في الشهـور اللاحقـة، ركزت الشركة في حمـلتها الإعلانية الجديدة على إعادة بناء الثقة مع العمـلاء، وأصبحت تعلن بشكل دوري ومكثف عن أنها قامت بإصـلاح كـافة مشاكل التلوث في مصـانعها، كما قامت بترقيـة نظـام التحكم بالجودة والأمان إلى أفضـل نظـام ممكن. وهو الأمر الذي جعـل الجمهـور يتقبّـل إعـلانها بإعادة طـرح منتجهـا لعصيـر التفـاح بعد مرور شهرين من الأزمة.

 

في عام 2001، كانت شركة أودوالا فودز تحقق أرقاما جيدة في سوق الأغذية والمشروبات الأميـركي رغم مرورها بعاصفة كادت تطيح بها تماما، قادت إلى صفقـة استحواذ شركة كوكاكولا عليها مقابل 186 مليون دولار. (8، 9، 10، 13)

    

دومينوز.. في مواجهـة تسونامي "الاشمئزاز"

undefined

    

في أبريل/نيسان من عام 2009، وقبل أن توجد "دومينـوز بيتزا" على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبار أنها لم تكن شائعة بقدر يجعلها من ضـروريات العمل كما هو عليه الآن، استيقظ المسؤولون في الشركة على واحدة من أكبر وأخطر الأزمـات التي كان بإمكـانها العصف بالشركة تماما في ذلك الوقت.

  

موظفّـان يعملان في أحد فروع دومينوز بيتزا بمدينة كونفــور في ولاية كارولينا الشمـالية، قاما برفع فيديو خاص لهما أثناء عملهما على تحضيـر وجبـة مقــرر توصيلها إلى منزل أحد العمـلاء، ويبدو أنهما كانا مخمـورين أو يقضيان وقتا ممتعا -بالنسبة لهمـا- حيث أظهـرا مجموعة من أكثر الممارسات إثارة للقـرف والاشمئزاز أثناء تحضيـر الوجبـة بشكل لا يمكن احتماله.

  

كما هو متوقع طبعا، انتشر الفيديـو المثيــر للاشمئزاز بشكل فيـروسي هائل على شبكة يوتيـوب والشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتـر، في واحدة من أكبر الأزمات التي كادت تتسبب بالإطـاحة بعلامة تجارية كبيـرة مثل دومينـوز بيتزا، وتهوي بسمعتها إلى القـاع كواحدة من أهم مطاعم الوجبـات السريعة في أميـركا والعالم. وهو ما أدىّ إلى سلسلة إجراءات غير مسبوقة اتخذتها إدارة دومينـوز للخروج من هذا المأزق.

    

 

مع اشتعال تويتر وفيسبوك ويوتيـوب بآلاف التعليقات الغاضبة من العمـلاء الذين يُبدون اشمئزازهم مما رأوه، بدا رد فعل الإدارة بطيئا في أوّل يومين عندما أعلنت أنها بصدد "دراسة الأمر للتأكد"، وهو الأمر الذي زاد من غضب العمـلاء. لاحقا، بدأت إدارة دومينـوز العودة إلى الطريق الصحيح عندما أعلنت عن حزمة إجراءات فورية للتصدي للأزمة، وتحويلها إلى معـركة علاقات عـامة بامتياز استطـاعت أن تحمي الشركة من انهيار محقق في علامتها التجارية.

 

بدأت دومينـوز بتوجيه الشكـر إلى عملائها، وقامت بإطلاق حساب رسمي على تويتر للتواصل المباشر والإعلان عن مواقفها المستمرة أثناء الأزمة، كمـا خرج الرئيس التنفيذي للشركة في كلمة له على يوتيـوب للاعتذار المباشر على المنصّة نفسها التي حدثت الأزمة من خلالها، وأُعلن عن طرد الموظفين اللذين تسببا في الفيديو ومقاضاتهما بتهمة ارتكاب جريمة توصيل طعام غير صالح للاستهلاك.

   

(كلمة باتريك دويل، رئيس الشركة في الولايات المتحدة)

  

في الوقت نفسه، قام فريق العلاقات العامة بمحاصـرة فيديو اليوتيـوب بالإبلاغ عنه بكل الوسائل، لمنع المزيد من المستهلكين بمشاهدة الفيديو، بالتوازي مع حملة كبيـرة للتشديد أن ما حدث مجرد خطأ استثنائي في نظام إنتاج يركز على النظافة بشكل كامل، وأن الشركة تختبر إجراءات جديدة تمنع حدوث مثل هذا الخطأ الفردي مجددا بتشديد إجراءات الجودة والمراقبة.

 

صحيح أن سمعة الشركة تضررت بشدة من هذا الحدث، وأبدى الآلاف من المستهلكين "إعادتهم للنظـر" في تنـاول وجبات دومينـوز، لكن بمرور الوقت ومع كثافة الحملة الدعائية التي أطلقتها الشركة للتغطية على هذا الحدث الكارثي، استطاعت الشركة أن تفلت من هذا الموقف "المقزز" الذي كاد يصل بها إلى أزمة وجودية بشكل كامل. (11، 12)

     

undefined