شعار قسم ميدان

دولة "الإتش آر" العميقة.. لماذا يراقبون منشوراتك على فيسبوك؟

اضغط للاستماع

تغادر أخيرا مقابلة العمل وشعور بالتفاؤل يغمرك، فقد أجبتَ عن كافة الأسئلة ولديك رصيد من الخبرات السابقة، سيرتك الذاتية نموذجية، الموظف المسؤول عن إجراء المقابلات الشخصية أخبرك أن موقفك جيد فيما يخص الانضمام إلى الشركة، فقط كل ما ستحتاج إليه هو الانتظار لأسبوع آخر، حتى يتم مراجعة موقفك من بين المتقدمين الآخرين، ثم ستتلقى اتصالا قريبا بخصوص بدء العمل.

يمر الأسبوع، وتتلقى الاتصال بالفعل، لكنك تُفاجأ بأن المتصل يرجو لك أفضل الأمنيات في مستقبلك الوظيفي لاحقا، وأنه لا يوجد مكان شاغر حاليا في الشركة. بعد الذهول والشعور الهائل بخيبة الأمل وأنت كنت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الوظيفة، تبدأ في الإلحاح عليهم لمعرفة سبب رفضك للوظيفة. وبعد فترة من الإلحاح يلمّحون لك بآخر ما كنت تتوقعه: حسابك الشخصي على "فيسبوك" ينمّ عن شخصية غير مُشجّعة للعمل معنا!

إنهم يراقبون حساباتك الاجتماعية

دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة "Career Builders" المعنيّة بشؤون التوظيف عام 2018، تقول إن 70% (أي 7 من كل 10) من جهات التوظيف تتصفّح وسائل التواصل الاجتماعي للمتقدّمين للعمل لديها كجزء من عملية تقييم المتقدمين لشغل الوظائف. والأهم في هذه الدراسة أن 57% -أكثر من النصف- من جهات التوظيف تلك التي تُجري بحوثا في وسائل التواصل الاجتماعي للمتقدمين وجدت محتوى أدّى إلى اتخاذهم قرارا بعدم توظيفهم.

أوضحت دراسة أن 66% من جهات التوظيف -نحو الثلثين- قالت إنها تستخدم محركات البحث لمعرفة المزيد من المعلومات بخصوص المتقدمين للوظائف
أوضحت دراسة أن 66% من جهات التوظيف -نحو الثلثين- قالت إنها تستخدم محركات البحث لمعرفة المزيد من المعلومات بخصوص المتقدمين للوظائف
الدراسة التي أُجريت على عيّنة عشوائية لألف مدير وموظف موارد بشرية مسؤول عن عملية التوظيف في مؤسسات مختلفة المجالات وصناعات مختلفة وأحجام متنوّعة، ضمّت المزيد من النتائج بخصوص سلوكيات توظيف المؤسسات للمتقدمين الجدد. أوضحت الدراسة أن الوظائف المتعلقة بمجالات تكنولوجيا المعلومات ومجالات التصنيع يزيد فيها بحث المؤسسات عن نشاط الوجود الرقمي للمتقدّمين للعمل لديها مقارنة بغيرها من الوظائف.

الدراسة أوضحت أيضا أن 66% من جهات التوظيف -نحو الثلثين- قالت إنها تستخدم محركات البحث لمعرفة المزيد من المعلومات بخصوص المتقدمين للوظائف، بينما قال نحو النصف 47% منهم إنه في حالة عدم عثورهم على أي وجود إلكتروني على الإطلاق للمتقدمين سواء في محركات البحث أو وسائل التواصل الاجتماعي، فهذا يقلل من فرص احتمال التواصل مع هذا الشخص للقدوم إلى مقابلة شخصية.

الدراسة أوضحت فرقا هائلا بين النتائج خلال عدة سنوات، فقد أُجريت للمرة الأولى في العام 2006 عندما كانت وسائل التواصل الاجتماعي في بداياتها، وظهرت النتائج أن 12% فقط من الشركات تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كأداة تنقيب عن شخصية الموظفين المتقدمين للوظائف. ارتفعت النسبة إلى 22% في 2008 ثم إلى 25% في العام 2010، وأخيرا قفزت قفزة هائلة لتصل إلى 70% في العام 2018 ومن المتوقع أن ترتفع أكثر خلال السنوات القليلة المقبلة. (1، 2)

لماذا يراقبونك؟ عن ماذا يبحثون؟!

undefined

الانتشار الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي في العقد الأخير جعل الوجود الإلكتروني للجميع أمرا متوقعا. وبالطبع، تعبّر الحسابات الاجتماعية عن شخصيات أصحابها بشكل كافٍ في معظم الحالات، أو على الأقل بما يكفي لإعطاء مديرك المحتمل نظرة عامة بخصوص شخصيتك الطبيعية واهتماماتك العامة، وإذا كان لديك ما يميّزك عن الآخرين، وطبعا إذا كنت تملك أفكارا مشينة أو هدّامة تهدد استقرار بيئة العمل التي ستستضيفك قريبا.

بحسب الدراسة نفسها، أوضحت أن جهات التوظيف عندما تتصفّح حسابات التواصل الاجتماعي للمتقدمين المحتملين لشغل الوظائف فإنها تركّز على أربعة محاور: (1)

  • 55% قالوا إنهم يبحثون عن معلومات قد تدعم فرص حصول هذا المتقدّم على الوظيفة.
  • 50% قالوا إنهم يريدون التأكد من أن هذا المتقدّم للوظيفة لديه "شخصية رقمية احترافية" (Professional online Persona).
  • 34% يبحثون عمّا يكتبه الآخرون عن هذا الشخص ورأيهم فيه سواء على المستوى المهني أو الشخصي.
  • 22% يبحثون عن أسباب تمنع توظيف هذا المتقدّم للوظيفة.

وبحسب دراسة أخرى أجرتها مؤسسة "Yougov" البريطانية صدرت في ربيع العام 2017، قالت إنه على الأقل واحد من كل خمسة أشخاص يفقدون فرصهم في التوظيف بعد مطالعة حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. الدراسة حددت شبكة فيسبوك تحديدا باعتبارها الشبكة الأبرز التي يتم مطالعتها من قِبل المؤسسات والمديرين وموظفي الموارد البشرية للمتقدمين للوظيفة، مباشرة بعد شبكة "لينكد إن" المتخصصة في مجالات الأعمال والتوظيف، ثم تأتي شبكة تويتر في المرتبة الثالثة يليها إنستغرام.

الدراسة أظهرت بشكل واضح أن جهات التوظيف ما زالت تعتبر أن المقابلات الشخصية وجها لوجه لا تُعدّ المقياس النهائي لاتخاذ قرار التوظيف، وأنها تميل للبحث عن تاريخ المتقدّمين للوظيفة خارج نطاق دراسة سيرتهم الذاتية، للتأكد من مدى قدراتهم على التأقلم في بيئة العمل (Cultural Fit) ليس فقط على الجانب المهني وإنما الشخصي والاجتماعي، والتأكد من ناحية أخرى أن وجوده لا يتسبب في إطلاق مشكلات تضرّ بيئات الأعمال على المدى القريب أو البعيد، وهذه المعلومات لا توفرها بالطبع السيرة الذاتية أو مقابلات العمل الأولى. (3)

منشوراتك قد تكون لصالحك أو ضدك

undefined

الدراسات لم تكتفِ فقط بالإشارة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في اتخاذ قرار التوظيف أو عدم التوظيف بواسطة المؤسسات والمديرين والشركات، وإنما أجرت أيضا مسحا حول أهم المنشورات التي قد تحفّز المدير على توظيفك وأيضا أهم المنشورات التي تحفّزه على عرقلة عملية توظيفك في الشركة، حتى لو كانت سيرتك الذاتية وخبراتك الوظيفية متلائمة تماما لهذا الموقع.

بحسب الدراسة الحديثة لـ "Career Builders" فإن المنشورات التي قد تؤدي إلى مراجعة مدير ما لاتخاذ قرار توظيفك في الشركة تتلخّص معظمها في محورين: العنف والمحتوى غير اللائق من جهة، والمحتوى الذي يُعتبر علامة غير مُطمئنة اجتماعيا من جهة أخرى. يأتي في مقدّمة المنشورات التي تحفّز المديرين لرفض المتقدمين الجدد تلك المنشورات التي تحتوي معاني غير لائقة سواء كانت صورا أو فيديوهات أو محتوى مكتوبا وذلك بنسبة 40%، يليها مباشرة المنشورات الخاصة بشرب المخدرات أو الإدمان على الكحوليات بنسبة 36%.

في المرتبة الثالثة تأتي المنشورات ذات الطابع العنصري الذي يهاجم الأعراق والأديان وحقوق الآخرين، ثم المنشورات التي تحمل ثناء المتقدم للوظيفة على الأفعال العنصرية والإجرامية وتشجيعه لها. أما بقية اللائحة التي تحوي سلوكا قد يؤدّي إلى عدم القبول في الوظيفة فتتراوح ما بين السلوك العام السيئ كإهانته لمديريه السابقين مثلا أو دلالة أنه يحوي سلوكا فقيرا في التواصل مع الآخر، أو إفشائه لأسرار شركته السابقة. (1، 4، 5)

undefined

    في الجهة المقابلة، حددت الدراسة الحديثة لـ "Career Builders" مجموعة من السلوكيات على وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت المديرين على اتخاذ قرار الموافقة على التوظيف بالنسبة لمجموعة من المتقدمين. 37% من جهات التوظيف قالوا إن المعلومات الوظيفية التي ينشرها المتقدّم عبر حساباته الاجتماعية تشجعهم على اتخاذ قرار توظيفه، بينما قال 34% منهم إن المحتوى "الإبداعي" الذي ينشره المتقدم على صفحاته الاجتماعية يجذب نظرهم ويعطيهم نظرة جيدة بخصوص شخصيته الوظيفية.

جاء أيضا الشخصية الافتراضية التي يظهر بها المتقدم للوظيفة في مرتبة متقدمة لحث المديرين على القبول، وإظهار أن لديه مستوى واسعا من الاهتمامات سواء في إطار مهنته أو في إطار اهتماماته العامة بالأمور. وتنوعت الأسباب الأخرى ما بين مهارات التواصل الجيدة والجوائز التي يحصل عليها ويحتفل بها على صفحاته الاجتماعية. وفي المرتبة الأخيرة من اهتمامات المديرين ومؤسسات التوظيف النظر في عدد المتابعين (Followers) لحسابات التواصل الاجتماعي، حيث اهتم فقط 18% منهم بهذا السبب واعتبروه سببا مشجعا لتوظيف المتقدم. (1، 3، 4)

التواصل الاجتماعي يعجّل اقتناصك للفرصة.. أو تضييعها

مع الاستياء الشديد الذي قد يشعر به الموظفون من هذه الدراسات التي تخبرهم بشكل مباشر أن حساباتهم الاجتماعية مُراقبَة بشكل أو بآخر، أو يتم استخدامها في عملية تقييمهم للوظائف، فإن هذا الإنكار لن يغيّر من الحقيقة شيئا، وهي أن المديرين وموظفي الموارد البشرية يتصفحون حساباتك الاجتماعية بالفعل ويضعونها في اعتبارهم أثناء اتخاذهم القرار النهائي بتوظيفك من عدمه.

للوهلة الأولى، قد يبدو الحل الأمثل لهذه الحالة هو إخفاء وجودك الإلكتروني تماما بحذف كامل حساباتك الاجتماعية على الشبكات المختلفة، والراحة من هذا الصداع كله باعتبار أن فيسبوك ليس مهما إلى هذه الدرجة، إلا أن هذا الحل يُمثّل في حد ذاته ضررا أكبر، لأن الدراسة ذكرت أن 47% -أي حنو النصف- من جهات التوظيف لن يتصلوا بك لدعوتك للحضور إلى مقابلة شخصية إذا لم يجدوا لديك أي حضور إلكتروني على الإطلاق؛ لأنهم سيعتبرون أن غيابك الكامل عن الوجود الرقمي هو دلالة عدم مواكبة لطبيعة العالم الحالية. (6، 7)

undefined

في النهاية، حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي تعبّر عن أوجه مهمة من شخصيتك، ومعرفة ملامح شخصيتك تُعتبر مفتاحا مهما لأي جهة عمل تختبر جدوى توظيفك لديها. غيابك الكامل عن وسائل التواصل الاجتماعي ليس في صالحك، وأيضا مشاركاتك غير المنضبطة التي تُثير علامات استفهام واسعة حولك ليست في صالحك. كن طبيعيا، أظهر شخصية افتراضية غير نمطية، ولاحقا ربما تكتشف أن حسابك على فيسبوك أو تويتر كان سببا إضافيا في توظيفك في شركة أحلامك، وليس فقط سيرتك الذاتية أو حسابك على لينكد إن.

المصدر : الجزيرة