شعار قسم ميدان

"السامّون في العمل".. هل أنت شخص مدمر لزملائك وشركتك؟

يقضي الفرد "العادي" ما يعادل 90 ألف ساعة (عشر سنوات متصلة) عمل على مدار حياته، وذلك بحسب دراسة أوردتها جيسيكا جونز في كتابها "السعادة في العمل"، وهو نشاط لا يضاهيه سوى النوم. خلال هذه الساعات الطوال، لا بد أن نصادف أوغادا ينغّصون بيئات العمل، ويجعلون منها جحيما لا يُطاق، أو مسرحا لـ "الدراما" اليومية التي لا تنتهي، أو حتى مكانا للعجائب. (1)

تروي إحدى المشاركات في استطلاع أجرته مدونة "Good.Co" عن أغرب القصص في مكان العمل بأن رئيستها المباشرة في إحدى الوظائف التي عملت بها لم تكلّف نفسها عناء تذكر اسمها، فكانت كلما أرادتها في مهمة ألقَتْ نحوها بقلم أو ممحاة لتلفت انتباهها. فيما روَت أخرى قصة عملها في سفارة إحدى الدول حيث ظلت رئيستها تشك في كونها جاسوسة طوال فترة عملها. (2)

مثل هذه القصص تُمثِّل غيضا من فيضِ ما يلقاه الإنسان من أوغاد بيئة العمل، فمنهم المتنمرون والمتنطعون والمتملقون والدهاة المتخصصون في إحداث أكبر قدر من الأذى. ولأن بيئة العمل لها تأثير كبير على صحة الإنسان وسعادته، لا بد للمرء من دليل يتسلح به في مواجهة هؤلاء والكشف عن أنواعهم وطرق تجنب أذاهم، وفيما يلي نقدم لك هذا الدليل.

undefined

ينهل هذا السؤال كثيرا من تعقيد السؤال الفلسفي الذي يتناول معضلة الشر، لكننا سنتطرق هنا لمعالجة الموضوع بطريقة علمية أكثر منها فلسفية. يُولد بعض الناس مستعدين أكثر من غيرهم لأن يكونوا أوغادا فعلا، وتساهم البيئة التي نشؤوا فيها في تعزيز صفات كونهم أوغادا، ولكن هناك من الأدلة ما يشير أيضا إلى أننا جميعا وبغض النظر عن شخصياتنا يمكن أن نصبح أوغادا حتى لو لم نولد كذلك. إذ تُظهِر الأبحاث أن الأشخاص الذين يتمتعون بالسلطة يميلون للتحدث أكثر، ويقومون بما يريدونه، متجاهلين ما يقوله أو يريده الآخرون، ولا يعيرون اهتماما لآراء الأفراد الذين يملكون سلطة أقل منهم، ويتصرّفون بوقاحة، ويعاملون مَن حولهم كوسيلة لتلبية احتياجاتهم. كما أن وضعهم في مناصب تجعلهم يتمتعون بالسلطة غالبا ما يعميهم عن حقيقة كونهم أوغادا.

أمضت ديبورا جرونفيلد، الباحثة في جامعة ستانفورد، سنوات في دراسة وتصنيف آثار وضع الناس في مناصب يمكنهم فيها فرض السلطة على الآخرين، ووجدت أن التمتع بسلطة حتى لو كانت سلطة بسيطة من شأنه أن يغير الطرق التي يفكر ويتصرف بها الناس، وعادة ما يكون هذا التغيير تغييرا نحو الأسوأ، فالأبحاث تُوضِّح أن القوة تجعل من الصعب على الناس رؤية العالم من منظور الآخرين. في إحدى التجارب التي قامت بها، قسّمت عددا من الطلاب إلى مجموعات تتكوّن كل واحدة منها من ثلاثة أفراد وأعطتهم قائمة طويلة من القضايا الاجتماعية المثيرة للجدل مثل الإجهاض والتلوث لمناقشتها. عُيِّن أحد الأعضاء في كل مجموعة عشوائيا رئيسا لتقييم الاقتراحات التي قدّمها الآخرون وتقديمها. بعد نصف ساعة قُدِّم صحن فيه خمس كعكات لكل مجموعة، وكان الطلاب الذين عُيِّنوا رؤساء على المجموعات يميلون أكثر لأخذ كعكة ثانية، وكانوا يمضغون بأفواه مفتوحة دون الاكثرات لمن حولهم. (3)

كشفت دراسة أجرتها شركة "Connectria Hosting" عن نتائج مثيرة للاهتمام، حيث أظهرت أن 83% من الأشخاص المشاركين في الدراسة عملوا في السنوات الخمس الماضية مع أشخاص يدخلون ضمن دائرة الأوغاد. وحسب ما ذكرته الدراسة لم يحتج البعض منهم إلى البحث في تلافيف ذاكرتهم ليعرفوا إذا كانوا قد قابلوا أحد هؤلاء أم لا، إذ اعترف شخص واحد من كل خمسة أنه كان هو الوغد في بيئة عمله. (4)

يؤمن الأشخاص النرجسيون أنهم مميزون ومخصوصون بمهارات لا يملكها غيرهم، وأنهم يفيدون مَن حولهم أكثر مما يستفيدون هم منهم
يؤمن الأشخاص النرجسيون أنهم مميزون ومخصوصون بمهارات لا يملكها غيرهم، وأنهم يفيدون مَن حولهم أكثر مما يستفيدون هم منهم

يختلف الأوغاد الذين قاسمونا تجربة العمل باختلاف بيئات العمل التي ضمتنا ومهامنا كذلك، وبالرغم من قصصنا المختلفة يتفق معظم الأشخاص الذين شاركوا في الدراسة على أن هذه الأنماط الأكثر تكرارا في كل بيئات العمل:

الزميل المتعالم: يعمد هذا النوع إلى التدخل في كل ما يحدث داخل جدران العمل وتصحيح معلومات زملائه وإملاء ما يجب عليهم فعله حتى في تخصصاتهم. يملك إجابة لكل سؤال وحلا لكل مشكلة، ويؤمن أنه اختبر كل شيء وبالتالي من حقه فرض رأيه في كل القضايا، تصعب مناقشته لأنه يحتكر المحادثات ولا يقبل الأفكار الأخرى، مما يخلق بيئة عمل متوترة ومتشنّجة. (5)

الزميل النرجسي: يؤمن الأشخاص النرجسيون أنهم مميزون ومخصوصون بمهارات لا يملكها غيرهم، وأنهم يفيدون مَن حولهم أكثر مما يستفيدون هم منهم، ويميلون للتشكيك في أفكار زملائهم والتنقيص من قيمة اقتراحاتهم. لذلك عادة ما يسعى الأشخاص ذوو الشخصية النرجسية لتقلد المناصب التي تمكّنهم من إصدار الأوامر والتحكم في أفعال وتصرفات شركائهم في العمل حتى يتمكنوا من ممارسة نرجسيتهم بأريحية. (6)

الزميل المتحيز جنسيا: يصعب في كثير من الأحيان تمييز الزملاء المتحيزين جنسيا، لأنهم عادة ما يخفون هذه الخصلة وراء النكات والمزاح والسخرية. لكن إن لاحظت أن زميلك أو رئيسك في العمل يوكل مهام تدخل ضمن اختصاصك لشخص آخر لمجرد أنه رجل أو العكس، أو أنه يقلل من مجهود أحد الجنسين أو يتعامل مع النساء بلطف ويمنحهن امتيازات أكثر، فاعلم أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء ضده. (7)

الزميل الضحية: يميل هؤلاء دائما إلى لعب دور الضحية وإلقاء اللوم على زملائهم أو بيئة عملهم أو أي شيء آخر يُجنّبهم تحمل مسؤولية قراراتهم في العمل. لا ينظر الأشخاص الذين يعشقون دور الضحية لأنفسهم كفاعلين داخل مجموعة العمل، بل يصرون دائما على أن يكونوا مفعولا بهم حتى لا يتحمّلوا أية مسؤولية، فيحوِّلون مكان العمل إلى مكان يعج بالطاقة السلبية والنكد. (8)

    undefined

    

الزميل المثالي: يمكن أن يكون الزميل المثالي إضافة جيدة لفريق العمل في كثير من الأحيان، لكن وجوده في بيئة عملك أحيانا أخرى يعني أنك لن تسمع منه مديحا حول مهامك المنجزة أبدا، فبالنسبة له هناك دائما هامش لتحقيق ما هو أفضل وتحسين جودة ما قمت به. وبهذا فإنه عادة ما يتحول إلى عقبة أمام سير العمل بسلاسة والتقدم بسرعة، فهو يُكثر من التعديلات ويؤخر تسليم المهام. (9)

الزميل دائم الانشغال: لا يمكن أن تخلو بيئة عمل من هذا النوع، فأينما ذهبت ستصادف حتما رفيق العمل المشغول دائما، الذي يشعرك أن كل اجتماع هو اقتطاع من وقته الثمين، وأن كل مهمة عمل جديدة هي تحامل عليه وإضافة لجدوله المكتظ، وأنه الوحيد الذي يعمل، فلا وقت للمناقشة ولا التعديل، ولكن هناك دائما وقت للتذمر من زحام العمل والمهام التي تنتظر أن تُنجز. (10)

الزميل الغيور: يُظهِر الزميل الغيور عدم اتفاق معك دائما حتى لو كان الموضوع خارج العمل، ويميل لتجاهلك وعدم التحدث معك، ويدخل معك في سباق لا تعلم عنه شيئا غالبا. ستعلم أنه ينتقد عملك وإنجازاتك وراء ظهرك ويمدحك عندما تكون موجودا حتى لا يتسنّى لك فضح غيرته. هناك مثلا مَن تتحول غيرته إلى أسلوب حياة، فيرى في فشل الآخرين نجاحا له، وفي أفول نجمهم سطوعا لضوئه، وفي سقوطهم رفعة لنفسه.

الزميل المتملق: يكون هذا الزميل غارقا حتى أذنيه في مدح مديريه والتقرب منهم، ولا يرى سبيلا للتفوق والنجاح إلا بكيل سيل المديح والثناء لهم على حساب التفكير وتقديم الحلول والدأب في العمل، بل وعلى حساب زملائه، فهو أول مَن يقف في طريق الرؤى الجديدة أو المبدعة إن خالفت ما يراه الرؤساء، وأول مَن يشجع أوضاعا خاطئة إن كانت على هوى أصحاب السطوة.

لا يؤثر الزملاء والمديرون الأوغاد على عملك فقط، بل قد يمتد تأثيرهم السلبي ليلمس صحتك
لا يؤثر الزملاء والمديرون الأوغاد على عملك فقط، بل قد يمتد تأثيرهم السلبي ليلمس صحتك

كشفت دراسة أجراها بينيت تيبر، الأستاذ في جامعة جورجيا، وشارك فيها 712 شخصا بالغا يعملون في القطاع الخاص والعام والمنظمات غير الربحية أن العديد من المشاركين عملوا مع مديرين سخروا منهم وتجاهلوهم وشتموهم بشتائم مثل "أنت موظف غير كفء" أو "أفكارك ومشاعرك غبية". هذه الأعمال المهينة دفعت الناس إلى ترك وظائفهم بمعدلات أعلى، واستنزفت فعالية زملائهم الذي تمسكوا بمناصبهم، فقد تبين بعد متابعتهم لمدة استمرت ستة أشهر أنهم غير راضين عن عملهم وحياتهم، وانخفض التزامهم تجاه العمل، وأصيبوا بالاكتئاب الشديد والقلق والإرهاق. وقد اكتُشفت نتائج مماثلة في عشرات الدراسات الأخرى (3) تُشير كلها إلى أن الأوغاد يمكن أن يقوّضوا إنتاجية المؤسسة التي يعملون بها ويؤثرون على جوانب مختلفة من حياتك تشمل:

التأثير على صحتك: لا يؤثر الزملاء والمديرون الأوغاد على عملك فقط، بل قد يمتد تأثيرهم السلبي ليلمس صحتك. فبحسب ما جاءت به دراسة قامت بها كلية هاسكين لإدارة الأعمال وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية يتسبّب التعرض لموقف إساءة من أحد الزملاء في العمل للضحايا في ظهور أعراض أمراض جسدية مثل الصداع ومشكلات في المعدة والأرق، كما قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق. (11)

التأثير على علاقاتك: لا تنجح مهمة ترك مشكلات العمل في العمل أغلب الأوقات، لذلك فإن انتقال المشاعر السلبية التي تُولد في العمل إلى البيت أمر حتمي تقريبا. هذا ما أثبتته دراسة قامت بها مجلة السلوك التنظيمي والتي بيّنت أن الموظفين الذين يشعرون بالحنق تجاه زميل يعمل معهم يجدون أثرا لعواطفهم السلبية هذه على علاقاتهم في المنزل. (12)

التأثير على مسارك المهني: يخلق الأوغاد بيئة عمل غير صحية ومتشنّجة يكون الجميع فيها واقعا تحت ضغط الإجهاد والاستنزاف، مما يحدّ من قدراتهم الإبداعية ويؤثر سلبا على إنتاجيتهم وعلى جودة العمل.

undefined

رغم اختلاف أنواع الأوغاد الذين ينمون في مختلف بيئات العمل فإن هناك دائما طريقة فعالة لمواجهة حالات الأوغاد مهما اختلفت، وقد جمعنا لك هذه الطرق هنا:

نوّرهم: يتصف الكثير من الأشخاص بصفات الأوغاد دون أن يعلموا ذلك، لذلك حاول أن تخبر زميلك بالصفات التي لا تحبها فيه إن لاحظت أنه لا يتعمد الإزعاج أو لا يعي تأثير تصرفاته. احرص على أن تتحدث بلطف وحزم حتى لا تتحول أنت أيضا إلى وغد. (13)

 

تفادَ التعامل معهم: ذكرنا فيما سبق أن هناك نوعا من الأوغاد يميل إلى التدخل في عمل زملائه حتى لو لم يكن في القسم نفسه، لذلك في حالات كثيرة تكون إمكانية تفادي التعامل مع الوغد الموجود في بيئة عملك وكف أذى سماع تعليقاته أمرا متاحا. جرّب ألا تسأل زميلك في التخصص عن شيء متعلق بعملكما في وجوده، لأنه لا بد مُدلٍ بدلوه كما تعلم. تجنب التجمعات التي يكون حاضرا فيها وحاول أن يكون الحديث بينكما رسميا ومقتضبا إلى أقصى حد. (14)

قوِّ مناعتك النفسية: المناورة لا تنجح دائما. يتغذى الأوغاد على ردات فعلك وعلى ملامح وجهك التي تعكس انزعاجك واندهاشك من تصرفاتهم. لذلك حاول أن تمنعهم من الاستمتاع والشعور بالنصر، وتوقّع دائما أن يكون تصرفه أو تعليقه نابعا من رغبته في إزعاجك، فامنعه عن ذلك. (13)

وجودك في بيئة عمل غير مريحة ومتشنجة سيجلب لك الكثير من المشكلات، لذلك ابدأ في البحث عن بديل
وجودك في بيئة عمل غير مريحة ومتشنجة سيجلب لك الكثير من المشكلات، لذلك ابدأ في البحث عن بديل

ضع حدًّا لهم: لا تسمح لمحاولاتك في ألّا تتحول لوغد مثلهم أن تمنعك من وضع حدود للتعامل مع الأوغاد في مكان عملك. الاعتراض على تصرفات غير مناسبة ليس وقاحة دائما. فإن اختار زميلك في العمل أن يكون وغدا لا تدعه يمارس هذا معك، فلا بأس في أن تقول له إنك لا تقبل أن يُحدِّثك بهذا الشكل، أو أن تدخُّله في عملك يشوشك، أو أن تعليقاته الساخرة أو الوقحة غير مقبولة بالنسبة لك.

ارفع شكوى: إذا تجاوزت مضايقات زميلك الوغد الحد المسموح به، خصوصا لو مس أذاه كل مَن في المكتب، فعليك برفع شكوى ضده إلى رئيسك، رفع الشكوى لا يعني بالضرورة قطع رزقه أو طرده من العمل، لكنها فركة أذن ستجعله يأخذ تصرفاته وتعاملاته معك بجدية وحذر أكثر.

حان وقت المغادرة: إذا كان الأوغاد هم القاعدة في مكان عملك وليسوا استثناء، فيجب أن تبدأ الاستعداد للمغادرة حالما تدرك هذه الحقيقة، خصوصا بعد استنفاد كل الحلول. وجودك في بيئة عمل غير مريحة ومتشنجة سيجلب لك الكثير من المشكلات، لذلك ابدأ في البحث عن بديل.