شعار قسم ميدان

إليك أهم ما تحتاجه لرصد القمر

midan - moon 7
كان أول شيء وجهت تلسكوبي ناحيته هو -بلا شك- القمر، فأنت لا تحتاج للكثير من الجهد لتجده في السماء أو لتتعامل معه، فقط وجه التلسكوب ناحية ذلك المصباح المنير هناك، أما الكواكب، أو ربما ما هو أعمق-كالسدم والمجرات- فهي تحتاج بعض الوقت والخبرة؛ كي تتعامل معها عبر تلسكوب.

لا يزال القمر هدفا ممتعا مهما تكرر رصده، لكن لا أعتقد أن معظم المهتمين به يحققون رصدا جيدا له، فما يفعله أغلب الناس هو توجيه التلسكوب للقمر؛ بدون خطط مسبقة ومحاولة رصد بعض الصخور والفوهات لدقائق، ثم الملل سريعا وتحويل التلسكوب لهدف آخر، إلا أن رصدا احترافيا للقمر يستحق بعض التأمل، وظيفة هذا التقرير هي دعمك لتحقيق أفضل رصد ممكن للقمر.


البداية مع القمر


undefined

أفضل بداية ممكنة مع القمر؛ هي رصده بالعين المجردة أو النظارات المعظمة بمقاس 10×50 مثلا، سوف تجدها بسهولة في أسواق الويب. بجانب المتعة التي تعطيها النظارات المعظمة، سوف تمكنك تلك المتابعات البسيطة من تحقيق فهم أفضل لأطوار القمر وارتفاعه في السماء وإعطاء تصور كامل عنه. يميل القمر على مستوى دائرة البروج Ecliptic بحوالي 5 درجات؛ مما يجعله أعلاها في بعض الأحيان وأسفلها في البعض الآخر، وهو ما يخلق له ارتفاعا مختلفا في السماء كل يوم، لكنه دائما يتأرجح حول دائرة البروج.

في أثناء دوران القمر يتقاطع مرتين مع مستوى دائرة البروج، مرة في أثناء صعوده وتسمى عقدة صاعدة Ascending Node، ثم يستكمل رحلته ليبلغ أقصى ارتفاع، 5 درجات، ثم يعود ليتقاطع مرة أخرى مع المستوى في أثناء نزوله وتسمى عقدة نازلة Descending Mode، حتى يصل إلى أقصى انخفاض عن المستوى، ويرتفع من جديد. يحدث كل من الكسوف والخسوف -فقط- في تلك المناطق، العقد الصاعدة والنازلة، ذلك -ببساطة- لأن القمر يحتاج أن يتواجد مع كل من الأرض والشمس في مستوى دائرة البروج حتى تحدث تلك الظواهر، وهذا هو ما يفسر عدم حدوث كسوف أو خُسْفٌ بشكل شهري.

يظهر لنا 59% فقط من وجه القمر على مدى الشهر القمري، وسبب ذلك هو أن القمر مشدود -تماما- ناحية الأرض؛ عبر ما نسميه قفل مدّي Tidal-Locking، مما يجبره على مواجهتنا مع بعض الشذوذ (يسمى الميسان Libration) الذي يعطينا الـ 9% الزائدة عن الـ 50% للوجه المقابل لنا، في هذا الوجه نرى أهم ميزة للقمر، إنها البحار القمرية Lunar Maria، و سميت كذلك؛ لأن الفلكيين قديما ظنوا أنها بحار كتلك التي على الأرض ، إلا أنها مساحات من الصخور البازلتية والتي سوّتها الحمم البركانية في ماضي القمر السحيق، تمثل 16% من مساحة القمر، وتتواجد في الوجه المقابل لنا بشكل أكثر كثافة. إحدى الفرضيات تقول إن سبب ذلك هو ارتطام صخري شديد في الجانب الآخر للقمر هو ما دفع لتكون البراكين في الوجه المقابل لنا قبل مليارات الأعوام؛ لنبدأ برصد بعض البحار وأهم الفوهات الرئيسية على سطح القمر:

undefined

أفضل رصد للقمر بالعين المجردة هو بعد شروقه بساعتين؛ أي حينما يكون ارتفاعه في السماء 30 درجة، ربما بالعين المجردة سوف تستطيع رصد بعض تلك البحار؛ لكن النظارة المعظمة سوف تعطيك دعما كاملا لرصدها كاملة، وكذلك رصد أهم الفوهات الرئيسة على سطح القمر كـ"تايخو" و"بريجيوس" و"جريمالدي" و"وكبلر" و"كوبرنيقس" و"أرسطرخس" و"أفلاطون" و"لانجرن" و"ستيفيناس" (الترتيب من a إلى i في الصورة المرفقة أعلاه)، يمكنك الاستعانة بالخريطة المجانية التي أصدرتها المجلة الأشهر Sky & Telescope ضمن أطلس بسيط لرصد السماء، سوف تجدها هنا:

إلى التلسكوب


فوهتان قمريتان،
فوهتان قمريتان، "مولتكِ" فوهة بسيطة و"تايخو" فوهة مركبة، لاحظ الحواف المدرجة لفوهة "تايخو" والبروز في المنتصف. (الجزيرة)


بعد تحقيق فهم كامل للقمر كوحدة؛ يفضل أن تبدأ فورا في استخدام التلسكوب من أجل رصد أعمق لبعض المواقع القمرية الهامة، أنت الآن أقدر على رصد عدد ضخم من الفوهات Craters القمرية يصل إلى 1500 فوهة، وهي هدف الراصدين الرئيس.

تكونت الفوهات عبر اصطدامات صخرية بالقمر، وتتراوح أقطارها بين سنتيمترات قليلة إلى مئات الكيلومترات، هناك نوعان من الفوهات على سطح القمر، ما يحدد نوع الفوهة وتعقدها هو حجم وسرعة وزاوية الصخرة الساقطة. فوهة بسيطة: تشبه الوعاء البسيط، لها نسبة ثابتة دائما 1:6، 1 عمق إلى 6 قطر، كفوهة "مولتكِ" والتي تمتد بقطر 6.5 كم وعمق 1.3 كم.

أما الفوهة المركبة؛ فهي أكبر من البسيطة، النسبة بين العمق والقطر هي 1:16، تتميز كذلك بوجود بروز في منتصفها ترتد من بقايا الاصطدام، إضافة إلى وجود حواف مُدرّجة، كفوهة "تايخو" التي تمتد بعرض 85 كم وبعمق 4.5 كم. بعض الفوهات كـ"تايخو" تصنع امتدادات على شكل أشعة خارجها قد تمتد لـ1000 كيلومتر، تسمى الـRay System ، سوف تتمكن من رصدها بوضوح عبر تلسكوب صغير أو حتى نظارة معظمة.

undefined

كذلك سوف تستمتع بالتعرف على ملامح أخرى هامة للقمر: الوديان Valleys التي تسمى -غالبا- حسب الفوهة الأقرب لها، الجبال Montes والتي تمتد في بعض الأحيان لمئات الكيلومترات، والبحيرات Lacus، والمستنقعات Paludes والخلجان  Sinus والأخاديد Rills وهي قنوات منحنية أو مستقيمة على مدى كيلومترات عدة، وأخيرا: مواقع هبوط المركبات القمرية. تقام سنويا عدة مسابقات بين الهواة والمحترفين لرصد مواقع محددة على سطح القمر، هذا هو ما أسميه: "رحلة ممتعة".

لنتعلم قليلا عن الرصد، فالقمر في طور البدر هو هدف للعُشّاق وليس للفلكيين؛ حيث لا تبدو أي من ملامح القمر الأساسية بوضوح؛ حينما تتعامد أشعة الشمس عليها، بينما تكون الصورة أكثر وضوحا حينما تكون أشعة الشمس جانبية.

بحر الشدائد أثناء البدر (إلى اليمين) ومرة أخرى حينما تكون أشعة الشمس جانبية (إلى اليسار). (الجزيرة)
بحر الشدائد أثناء البدر (إلى اليمين) ومرة أخرى حينما تكون أشعة الشمس جانبية (إلى اليسار). (الجزيرة)


ينقلنا ذلك للفكرة الرئيسة، رصد القمر من دون خطة واضحة هو تضييع ممل للوقت، وسوف تتعلق خطتك دائما باليوم الذي تود الرصد فيه، على مدى الشهر القمري (29.5 يوم تقريبا). يتحرك الضوء على وجه القمر بنسب مختلفة، أفضل مكان لرصد سطح القمر هو الخط الفاصل بين الجزء المضيء والجزء المظلم، يسمى Terminator، لنحاول رصد جبل أببينيس Montes Apenninus وهو واحد من معالم القمر الشهيرة، سوف نرصده بالتلسكوب في يومي 7 و11 من الشهر القمري، يوم 7 تكون مجموعة الجبال على الخط الفاصل بين الضوء والظلام.

undefined

أدوات العمل


دعنا الآن نتعرف على الأدوات الرئيسة. بالنسبة للتلسكوبات، لا يمكن تحديد تلسكوب معين كأفضل تلسكوب لرصد القمر، الأمر يتعلق بقدراتك على الرصد، كمبتدئ لن تحتاج لتلسكوب أكبر من 4 بوصة، وكلما ازدادت احترافيتك سوف تحتاج لتلسكوب أكبر، كلما ازداد قطر تلسكوبك سوف ترى تفاصيل أفضل على سطح القمر. وإذا أردت رصد القمر بين التربيعين وطور البدر فسوف تكون كمية الضوء القادمة من القمر كبيرة؛ مما قد يعيق الرصد، هنا يمكن أن تستخدم فلتر قمري أو قلل قدر الإمكان من قطر فتحة التلسكوب الشيئية؛ كأن تضع غطاء بلاستيكيا مع الفتحة في المنتصف.

قلنا إن أفضل رصد للقمر سوف يكون عند الحد الفاصل بين الجزء المضيء والجزء المظلم، لهذا السبب أفضل دائما أن تبدأ بالـPhotographic Atlas Of the Moon وهو أطلس بسيط؛ لكنه يحمل خطة رائعة، فالكتاب يشرح ملامح سطح القمر حسب أيام الشهر القمري؛ محددا النقاط الهامة على الخط بين الجزء المضيء والمظلم للقمر، فنحصل في النهاية على 29 خريطة كاملة عالية الجودة للقمر موضحا عليها أهم الملامح القمرية على الخط الفاصل. هنا.. كل ما تحتاجه هو اختيار يوم محدد للرصد، ليكن اليوم القمري رقم 9 مثلا، ثم افتح الخريطة المقابلة في الأطلس وابدأ الرصد. إحدى مزايا الكتاب هي أنه يوجد في نسخة قابلة للطباعة بسهولة على "الويب"، وقد تجده بشكل مجاني.

بعد ذلك، سوف يتيح لك أطلس  Antonin Rukl رحلة ممتعة عبر أشهر الملامح القمرية، كذلك الـ The Six Inch Lunar Atlas من سلسلة Astronomer’s Pocket Field Guide التابع لدار نشر "سبرينجر" وهي متاحة مجانا في مصر. أطلس The Hatfield Lunar Atlas من "سبرينجر" أيضا، هو كذلك بداية جيدة للمبتدئين.

الآن، في نهاية رحلتنا مع القمر، لنتعرف على بعض المصادر الأخرى والقوائم الاحترافية والمشهورة عالميا والتي يمكنك الاعتماد عليها:
1- هنا قائمة من الرابطة الفلكية astronomical league والتي تتطلب منك رصد 100 ملمح قمري هام؛ لكي تنضم للفريق.
2- وهنا قائمة "الـ100 القمرية Lunar 100" الشهيرة من المجلة المعروفة Sky&Telescope
3- قائمة ممتعة واحترافية يمكن أن تعتمد عليها هنا
4- كذلك يقدم الاتحاد الفلكي الدولي أطلس قائمة من هنا
5- وعلى "الويب" سوف تجد أطلس مجانيا ويوميا من هنا

أنت الآن جاهز تماما؛ لتبدأ رحلتك، أفضل الأوقات لرصد القمر بالتلسكوب هو حينما يكون عاليا في السماء، خاصة إن كان ذلك قرب شروق الشمس. أي مكان سوف يصلح لرصد القمر؛ لكن سطح البيت مرصد مثالي في حالة كتلك، كل ما تحتاجه هو ضبط أدواتك، وطباعة القائمة التي تود رصدها، وتجهيز الأطلس، ومصدر ضوء أحادي أحمر، وربما قد تحتاج لقلم رصاص مع عدة ورقات بيضاء؛ حيث يمكنك رسم الفوهات التي ترصدها، يفضّل -أيضا- أن تستخدم القلم بشكل دائم لتعليم (وضع علامات) المناطق التي قمت برصدها في القائمة الخاصة بك، إن الانتهاء من قائمة قمرية هو شيء ممتع حقا..!

المصدر : الجزيرة