شعار قسم ميدان

كيف يتم اختيار موقع الهبوط الجيد على المريخ؟

midan - space

بعد ثلاث سنوات، ستطلق ناسا مسبارًا آخر إلى المريخ؛ حيث يجوب سطح الكوكب لتتبع أثر حياة قديمة، تدل على أن الكوكب ربما كان صالحًا للحياة ذات مرة. وفي نفس الوقت، إذا استطاع "إيلون ماسك" (المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس) الوفاء بالموعد الذي قطعه على نفسه، سوف ترسل شركة "سبيس إكس" أول رحلة فضائية تجارية إلى المريخ. وربما يتمكن الناس من الوصول للمريخ بعد عقدٍ من الزمن تقريبًا، خاطِّين بذلك بداية فصل جديد في التاريخ البشري. لكن، إلى أين سنتوجه بالضبط عندما نقول إننا ذاهبون إلى المريخ؟

 undefined

قد يستغرق العلماء والمهندسون سنوات في دراسة الصور والبيانات الأخرى لتحديد أفضل موقعٍ لهبوط المركبة الفضائية، وأنهم سيقومون بذلك بجدارة. فبمجرد إرسالك كومة كبيرة باهظة الثمن من المعدن إلى مكانٍ ما على بعد ملايين الأميال؛ لا تملك سوى فرصة واحدة لتحط بأمان على سطح الكوكب. تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي نجحت في الهبوط على سطح المريخ. وفي مثل هذه المخاطرات العالية، لابد من دراسة أدق تفاصيل الأماكن المحتملة للهبوط.

 

وهنا تحديدًا يأتي دور "مات جولومبيك" أحد علماء مختبر ناسا للدفع النفاث في كاليفورنيا، أو كما يطلق على نفسه "رجل مواقع الهبوط". أمضى جولومبيك عشرين عامًا في المساعدة لاختيار مواقع المهام البحثية على سطح المريخ وتحديدها وتقييمها، بدايةً من رحلة المسبار "باثفايندر"، التي نجحت في نقل أول عربة فضائية آلية "سوجورنر" إلى الكوكب الأحمر عام 1997. عكف جولومبيك على تصميم عشرات وعشرات الخرائط للمريخ، مُحدِدًا أماكن الصخور والمنحدرات والتراكيب المعدنية وغيرها من الخصائص الأخرى ليستخدمها المهندسون في المحاكاة. يقود جولومبيك حاليًا الجهود المبذولة لاختيار موقع هبوط رحلة المريخ 2020، وهو مسبار من المرتقب إطلاقه في عام 2020، ولم تطلق ناسا اسمًا عليه حتى الآن.

 

سيُجهَّز المسبار بمعداتٍ صممت خصيصًا لعمليات الحفر وجمع عينات من صخور وتربة سطح المريخ؛ حيث ستترك هناك في انتظار رحلة مستقبلية لاحقة كي تجلبها معها إلى الأرض. كما ساعد جولومبيك أيضًا مهندسي رحلة "سبيس إكس" في اختيار موقع هبوط مركبة "ريد دراجون" الفضائية، والمخطط لها أن تغادر الأرض في نفس العام، والتي يُحتمل أن تحمل بشرًا -رحلة مأهولة- على متنها. قال جولومبيك مازحًا في مقابلة سابقة "أنت جيد فقط بقدر إجادتك اختيار آخر موقع هبوط".

تُعد مناطق الهبوط الأكثر انخفاضًا هي المثلى، كما أن الغلاف الجوي الرقيق جدًا للمريخ، يكون أكثر كثافةً في تلك المناطق؛ إذ يمكن للمركبات الفضائية أن تعتمد على ذلك في الإبطاء من سرعتها عند الهبوط
تُعد مناطق الهبوط الأكثر انخفاضًا هي المثلى، كما أن الغلاف الجوي الرقيق جدًا للمريخ، يكون أكثر كثافةً في تلك المناطق؛ إذ يمكن للمركبات الفضائية أن تعتمد على ذلك في الإبطاء من سرعتها عند الهبوط

تحسنت كفاءة ناسا أكثر فأكثر في تحديد وتفادي الصخور مع تطور جودة تقنيات التصوير. فعندما كان يقيِّم جولومبيك مواقع الهبوط لسوجورنير، كان يستخدم بيانات جمعتها بعثة "فايكنج"، وهي أول رحلة استطلاع مدارية وسطحية تهبط على المريخ أواسط سبعينيات القرن الماضي. وكان أصغر الأجسام التي تمكنت كاميرات فايكنج من رؤيتها تضاهي حجم أكبر ستاد لكرة القدم. أما الآن، يمكن لمركبات الاستكشاف المدارية، والتي تدور حول المريخ منذ عام 2006، أن تحدد مقدار اتساع ظلال صخور يصل عرضها إلى 1.5 مترا أو 5 أقدام؛ أي أن عقدين من دراسة المريخ، والتقدم التكنولوجي قلَّصا من حجم المساحة البيضاوية (الإهليج) حيث يمكن للمركبة الفضائية الهبوط؛ إذ يحدد المهندسون الإهليج  للهبوط بعد عدد لا يُحصى من تجارب المحاكاة. فيما تقلصت الآن إلى مساحةٍ أصغر 500 مرة مما كان عليه الوضع أثناء بعثة "باثفايندر".

 

يقول جولومبيك إن كافة مواقع الهبوط السابقة والمستقبلية تشترك في شيء واحد: وهو أن جميعها "أماكن ملساء، ومستوية، وقابلة للحفر". إذ يمكن أن تسبب الأراضي الصخرية أضرارًا للمركبة الفضائية، أما الأماكن المنحدرة فقد تتسبب في انقلابها.

 

ويُفضَّل الهبوط في الأماكن القريبة من خط استواء الكوكب؛ حيث تظل درجة الحرارة معتدلة بالمقارنة مع باقي أنحاء الكوكب؛ مما يسهم بشكل كبير في الحفاظ على المعدات من التجمد؛ خاصة في ظل عالم تتباين فيه درجة الحرارة بشكل بالغ بين النهار والليل. كما ستتمكن المركبة الفضائية التي تعمل بالطاقة الشمسية من التعرض لأقصى قدر ممكن من أشعة الشمس عند خط الاستواء. وربما تكون منطقة خط استواء الكوكب أكثر المناطق ملاءمةً للبشر، خاصةً إذا ما كانوا يخططون للعودة مجددًا إلى الأرض؛ إذ يدور المريخ أسرع عند خط استوائه، ما قد يمنح الصاروخ المنطلق في نفس اتجاه الدوران دفعة في السرعة، وهو نفس سبب إطلاق وكالة ناسا للصواريخ من قاعدة "كيب كانافيرال" في فلوريدا.

 

تُعد مناطق الهبوط الأكثر انخفاضًا هي المثلى، كما أن الغلاف الجوي الرقيق جدًا للمريخ، يكون أكثر كثافةً في تلك المناطق؛ إذ يمكن للمركبات الفضائية أن تعتمد على ذلك في الإبطاء من سرعتها عند الهبوط. يقول جولومبيك إن تلك المناطق المنخفضة المناسبة للهبوط نادرة على كوكب المريخ. كما أن استيفاء ذلك الشرط عند تحديد نقطة هبوط محتملة يستبعد قرابة 80% من مساحة الكوكب.

 (غيتي)
 (غيتي)

كانت تلك هي المتطلبات الأساسية، أما البقية فتتوقف على أهداف البعثة؛ إذ أرسلت بعثة المريخ القطبية خصيصًا لدراسة احتمال وجود مياه تحت سطح القطب الجنوبي للمريخ، وقد وصلت الرحلة إلى هناك عام 1999؛ لكنها أخفقت في الهبوط بنجاح. بينما كُلفت العربات الفضائية الآلية "سبيريت" و"أوبرتيونتي" باستكشاف تضاريس وجيولوجيا المريخ. لذا، هبطت المركبتان بالقرب من خط استواء الكوكب؛ كي تتشبعا بضوء الشمس للحصول على القدر المطلوب من الطاقة. أما "فينيكس" تلك العربة الآلية التي ظلت قيد التشغيل لبضعة شهور عام 2008، والتي أُرسلت من أجل البحث عن المياه مرة أخرى، فقد هبطت بالقرب من القطب الشمالي للمريخ.

 

وفي ظل سعيها للبحث عن أثر حياة على المريخ، ستتجه مركبة المريخ 2020 إلى مناطق حيث يشتبه العلماء بوجود مياه في ينابيع ساخنة أو أنهار أو بحيرات. وقد أقامت وكالة ناسا ثلاث ورش عمل منذ عام 2014، جمعت فيها مئات العلماء معًا للمساعدة في تقليص حجم القائمة التي تحتوي على عشرات الأهداف المقترحة للهبوط. عادة يمضي المشاركون ثلاثة أيام على التوالي في تقديم عروض تفصيلية توضح مواقعهم المفضلة للهبوط، ومن ثم يصوت الجميع على المقترحات، ويمكن أن تحتدم وتيرة النقاشات. عُقدت آخر ورش العمل تلك في فبراير /شباط؛ إذ قُلصت القائمة إلى ثلاثة خيارات فقط. وقال جولومبيك إن التصويت لم يكن بالإجماع؛ إذ أبدى بعض المشاركين استياءهم من الاختيارات النهائية المطروحة. وسوف يقضي العلماء سنة ونصف أخرى في مراجعة تلك المناطق الثلاث، ثم يجتمعون من جديد ليقدموا حينها نتائج بحثهم إلى قيادة وكالة ناسا، التي ستطلق بدورها  النداء الأخير. 

أيًا كان موقع الهبوط، يجب أن يكون أملسا، ومستويًا، وقابلًا للحفر
أيًا كان موقع الهبوط، يجب أن يكون أملسا، ومستويًا، وقابلًا للحفر

ستشكل البعثة البشرية القادمة إلى المريخ تحديًا جديدًا في اختيار مواقع الهبوط. فسوف يرغب رواد الفضاء في أن يكونوا قريبين من خط استواء الكوكب؛ حيث دفء الجو، وسهولة الإقلاع لمغادرة الكوكب؛ لكنهم بحاجة أيضًا إلى أن يكونوا قريبين من مصادر غنية بالترسبات الجليدية الموجودة في المناطق الباردة قرب القطبين. أما العلماء والمهندسون المكلفون بمراجعة أفضل الأهداف الممكنة، فسوف تكون تحت أيديهم بيانات وتقنيات أفضل بكثيرٍ من تلك التي اعتمد عليها جولومبيك في تسعينيات القرن الماضي. لكن شيئا واحدا -فقط- سيظل هناك، لن يتغير: أيًا كان موقع الهبوط، يجب أن يكون أملسًا، ومستويًا، وقابلًا للحفر.
___________________________________________________________________

للاطلاع على الرابط الأصلي للموضوع، اضغط هنا

المصدر : الجزيرة