شعار قسم ميدان

لماذا يفضل الفلامنغو الوقوف على ساق واحدة؟

midan - flamingo
مقدمة المترجم
لماذا يقف هذا الطائر على ساق واحدة؟ بذل الباحثان جهدهما ووقتهما للإجابة على هذا السؤال الفضولي، لكن الفضل في معظم الاكتشافات المبهرة يعود إلى هذا النوع من الأسئلة. في هذه المقالة الموجزة نتعرف على الإجابة.

 

نص المقال
يتذكر يونج-هوي تشانج اللحظة التي أدرك فيها ضآلة المجهود الذي يبذله طائر الفلامنجو لحفظ توازنه، خلال وقوفه على ساق واحدة. طرأت على ذهن تشانج وزميله لينا تينج عالم الأحياء هذه الفكرة: لعل لساق هذا الطائر الوردي خاصية ما تضمن ثبات المفاصل في مكانها. لكن عند قيامهما بتشريح إحداها، لم يعثرا على أي شيء. وبينما كان الطائر ممددا أمامهما على الطاولة، جربا تحريك ساقيه في هذا الاتجاه وذاك. لكن شيئا لم يحدث. ساعتها، قال تينج: "لماذا لا تحاول رفعها من ساقها؟".

 

قبض تشانج على قصبة ساق الطائر ورفعها، فتصلبت الساق بصوت مسموع، صارت جامدة وعصية حقا. بدى الطائر كأنه مستغرق في النوم، بساق ممدودة وأخرى مطوية، ورأس مائل إلى الخلف يتوسد ريشه. كذلك بدا تشانج كنسخة من ماري بوبينز تليق بهلوسات الحمى، تحمل فيها طائر فلامنجو ميت عاليا، كأسوأ المظلات حظا في العالم. عن ذلك يقول: "كانت لحظة إلهام، لم نتوقع أن يكون بهذا الثبات، لكنه كان بالفعل".

  

تمتلك طيور الفلامنجو ثباتا لا يَذكُر معه أي شخص في الحديقة واقعة سقوط طائر واحد منهم من قبل
تمتلك طيور الفلامنجو ثباتا لا يَذكُر معه أي شخص في الحديقة واقعة سقوط طائر واحد منهم من قبل
  

يرى تينج أن الوقوف على ساق واحدة "من وضعيات اليوغا الصعبة، كما أنه اختبار لقدرتنا على تحقيق التناسق". نحن نستخدم عضلات جسدنا باستمرار للقيام بتعديلات بسيطة في وضعياتنا، من أجل الحفاظ على توازننا. لكن الفلامينجو لا يعاني من هذه المشكلة. عندما يرفع هذا الطائر ساقه، ينتقل وزنه بطريقة طبيعية تحفظ ثبات مفاصل ساق الارتكاز، وهكذا يتمكن من مواصلة الوقوف دون بذل أي نشاط عضلي. حتى إن بإمكانه النوم هكذا. بل ويمكنه – مثلما وجد تشانج وتينج – الحفاظ على ثباته حتى بعد وفاته. يمكنك إيقاف جثة طائر فلامنجو على ساق واحدة، وتركها هكذا دون أي قلق.

 

يقول تشانج، العضو بفريق معهد جورجيا التقني: "إن الجزء المخصص لطيور الفلامنجو هو أول ما يقابلنا عند اصطحابي الأطفال إلى حديقة الحيوان. وأول سؤال يطرحه الزوار هو: كيف يقفون على ساق واحدة؟" للإجابة عن ذلك، تعاون تشانج مع تينج، المتخصص في حفظ الاتزان والتحكم بالجسد بجامعة إيموري.

 

في البداية، زار الباحثان حديقة حيوان أتلانتا، ومعهما لوح قياس قوى، وهو ميزان أنيق ثلاثي الأبعاد يمكنه قياس الضغط الذي تمارسه القدم في جميع الاتجاهات. يقول تشانج: "أنا معتاد على دراسة الأشياء التي تسير وتركض، أحتاج حينها إلى مطاردتها أو دفعها إلى مطاردتي فوق لوح قياس القوى. أما هذه المهمة فكانت مملة، حيث اضطررنا إلى الجلوس بانتظار نوم طيور الفلامنجو". بمرور الوقت، أبدت بعض الطيور صغيرة السن تعاونا، حتى إن النوم داهم إحداها خلال وقوفها على اللوح. ولاحظ تشانج وتينج أنها ازدادت ثباتا مع فقدانها للوعي. لم يعد الجسد يتمايل بنفس المعدل، وتحرك مركز الثقل بمقدار مليمترات.

 

تمتلك هذه الطيور ثباتا لا يَذكُر معه أي شخص في الحديقة واقعة سقوط طائر واحد. يقول تشانج: "أردنا بالفعل القيام بتجربة علمية، نسير فيها إلى جانب الطيور ونعطيها دفعة خفيفة. لكن حديقة الحيوان لم تسمح بذلك". بدلا من ذلك، شعر الباحثان بالحاجة إلى إلقاء نظرة متفحصة على سيقان الطيور. وأرسلا طلبهما إلى حدائق الحيوان المحلية، وقبل مرور يوم واحد أجابت حديقة حيوان برمنجهام بأنها قد طبقت الموت الرحيم مؤخرا على زوجين من طيور الفلامنجو بسبب سوء الحالة الصحية. تم تجميد الطائرين، لذا قاد تشانج سيارته وإلى جواره جهاز تبريد ضخم. وفي المعمل، قام هو وتينج بتدفئة الطائرين وفحصهما. وهناك تسنى له رفع الطائر.

  

عندما يعتمد الفلامينجو على ساق واحدة، يحدث أمران. أولا، تميل الساق بحيث تنتقل القدم من مكانها أسفل الورك مباشرة إلى أسفل مركز الجسم. ثانيا، ينتقل مركز الثقل إلى أمام ركبة الطائر (المستترة) تماما
عندما يعتمد الفلامينجو على ساق واحدة، يحدث أمران. أولا، تميل الساق بحيث تنتقل القدم من مكانها أسفل الورك مباشرة إلى أسفل مركز الجسم. ثانيا، ينتقل مركز الثقل إلى أمام ركبة الطائر (المستترة) تماما
  

من أجل فهم سبب حدوث ذلك، نحتاج إلى توضيح بعض المصطلحات، فلسيقان الطيور طبيعة شديدة التعقيد والإرباك. يظن الكثيرون أن الطيور تملك ركب تنثني إلى الخلف، لكن المفصل الذي يحسبونه "ركبة" هو في حقيقة الأمر كاحل. أما الركبة الحقيقية فتقع في جزء أكثر ارتفاعا، يغطيه ريش معدة الطائر، وله نفس طريقة عمل ركبة الإنسان. (انظر إلى الصورة التالية، حيث أشرت فيها إلى الأجزاء العليا من ساق طائر الفلامنجو اليمنى). إن الطيور جاثمة دوما، تبقي على عظام فخذها في وضع أفقي بالنسبة إلى جسدها. وما العظام التي نراها ممتدة إلى الأسفل إلا قصبة الساق وعدد من عظام القدم المتنوعة.

 

عندما يعتمد طائر الفلامنجو على ساق واحدة، يحدث أمران. أولا، تميل الساق بحيث تنتقل القدم من مكانها أسفل الورك مباشرة إلى أسفل مركز الجسم. ثانيا، ينتقل مركز الثقل إلى أمام ركبة الطائر (المستترة) تماما، وهكذا يمارس ثقل الجسم ضغطا متواصلا على الورك والركبة يدفعهما إلى الأمام دوما. وهذان الأمران مع قوة الجاذبية وبنية عظام الساق تحفظ جميعها المفاصل في مكانها.

 

عندما رفع تشانج الطائر من قصبته، قام بتفعيل نفس الآلية. وحتى مع ثني الطائر بمقدار 45 درجة، لم تنثني الساق. يقول تشانج: "لا شك أنك ستشعر باختلاف هائل، فور توصلك إلى الوضعية الصحيحة. وإذا ضغطت على مقدمة الطائر فستجده شديد الثبات". ولا يكون هذا إلا في حالة الساق الواحدة. فلو أنك أقمته على ساقيه، وجعلت كل واحدة منهما عمودية تماما، تصبح المفاصل أقل ثباتا. إذن، فطيور الفلامنجو أكثر اتزانا عند وقوفها على ساق واحدة بدلا من ساقين. يا له من أمر غير متوقع!"

  

يتخذ الفلامينغو وضعية الوقوف تلك أكثر في الأيام الباردة، كي يتجنب فقد الحرارة عن طريق الساقين
يتخذ الفلامينغو وضعية الوقوف تلك أكثر في الأيام الباردة، كي يتجنب فقد الحرارة عن طريق الساقين
  

رغم إشادة مات أنديرسون بهذه الدراسة، وهو أحد دارسي طيور الفلامنجو من جامعة سانت جوزيف، إلا أنه علق بأن شرح كيفية وقوف الطائر على ساق واحدة لا يخبرنا بسبب فعله ذلك. إنها وضعية تساعده على توفير الطاقة، هذا أمر أكيد. لكن إذا كان هذا هو السبب الرئيسي، يقول أنديرسون إننا "سنتوقع منه الحفاظ على هذه الوضعية طوال الوقت"، لكنه لا يفعل ذلك. إن احتمالية اتخاذه هذه الوضعية تزداد في الأيام الأكثر برودة، وخلال تواجده في المياه. وهذا يدل على أن المقصد هو تجنب فقد الحرارة عن طريق الساقين.

 

إن هذه الطريقة التلقائية لتثبيت الساق آلية شديدة الندرة. عثر عليها العلماء في بعض الحيوانات مثل الخيل، "لكن ما يزال هناك احتمال بكونها أكثر انتشارا من ذلك بكثير. وإذا كانت الطيور ذات الأرجل القابلة للانثناء قادرة على القيام بها، فمن سواهم يستطيع ذلك؟ لقد أولى كثير من العلماء اهتمامهم للسير والركض، إلا أننا لا نعرف إلا القليل عن كيفية وقوف الحيوانات"، حسب قول جون هتشنسون من الكلية البيطرية الملكية.

________________________________________
 

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة