لذلك، ذكرياتنا الشخصية تحتوي على أنواع مختلفة من المعلومات. بعضها دقيق جدًا حول مكان وكيفية حدوث الأشياء - والشعور الذي خلفته لديك. تعرف هذه المجموعة من التجارب الشخصية باسم "الذاكرة العرضية". "البِت" (Bit) (وحدة قياس بيانات الذاكرة في الحاسوب) الأخرى هي حقائق عامة عن العالم، عن أنفسنا والناس الذين نعرفهم. وهذا ما يسمى "الذاكرة الدلالية". هناك سؤال هام في علم الأعصاب هو ما إذا كان هذين النوعين من الذاكرة يشملان أجزاء مستقلة من الدماغ.
وقد تبين أن الأفراد الذين عانوا من أضرار في منطقة تسمى الحصين (تتضمن الذاكرة، التعلم والعاطفة) يتذكرون حقائق عن حياتهم لكنها تفتقر للدقة العالية، والتفاصيل العرضية. من ناحية أخرى، المرضى الذين يعانون من شكل نادر من الخرف، والمعروف باسم الخرف الدلالي، يمكنهم أن يتذكروا المعلومات العرضية، ولكن لا يتذكرون الحقائق التي تجمع تلك المعلومات معا. ومن المثير للاهتمام أن هؤلاء الأفراد يظهر لديهم تدهور مبكرا لجزء آخر من الدماغ يسمى الفص الصدغي الأمامي (الذي يعتقد أنه بالغ الأهمية للذاكرة الدلالية).
غزارة المعلومات العرضية التي تذكرها المتطوعين مرتبطة باتصال مسار مقوس من المادة البيضاء يدعى القبو الدماغي؛ فكلما زادت كفاءته في توصيل المعلومات إلى الأجزاء المحيطة كلما زادت عرضية ذاكرة الشخص
في دراستنا الأخيرة التي نشرت في مجلة "كورتكس": (القشرة الدماغية)، حاولنا استكشاف هذه الأسئلة باستخدام تقنية فحص رنين مغناطيسي بخاصية الانتشار. هذه الطريقة تستعمل حركة جزيئات الماء لرسم خريطة لمسارات المادة البيضاء في الدماغ. طلبنا من 27 متطوعاً جامعياً الاستلقاء بثبات تحت جهاز الفحص وجمعنا صوراً لأدمغتهم. باستخدام هذه الصور كان بإمكاننا التعرف على مسارات معينة وتحديد قياسات لهياكلها تبين مدى الكفاءة التي تنتقل بها المعلومات بين الأجزاء المتصلة.
خارج جهاز الفحص طلب من كل متطوع وصف ذكريات ماضيهم عندما يسمعون كلمات محددة مثل حفلة أو إجازة. بعد عناء الخوض في هذه المعلومات وترميزها استطعنا التوصل إلى مدى عرضية أو دلالية ذاكرة كل واحد منهم. على سبيل المثال عبارة معينة تدل على المكان تحسب لصالح عرضية الذاكرة مثل (كان برج ايفل خلفنا مباشرة)، بينما الحقائق تحسب لصالح دلالية الذاكرة مثل (باريس هي مدينة أختي المفضلة)
وجدنا أن غزارة المعلومات العرضية التي تذكرها المتطوعين مرتبطة باتصال مسار مقوس من المادة البيضاء يدعى القبو الدماغي والمرتبط بقرن آمون. لذا كلما زادت كفاءة القبو الدماغي في توصيل المعلومات إلى الأجزاء المحيطة كلما زادت عرضية ذاكرة الشخص. مسار مختلف للمادة البيضاء يسمى بالحزمة العمودية السفلية تشير بقوة إلى مدى دلالية ذاكرة الشخص. المثير في الأمر أن حزمة المادة البيضاء الطويلة هذه هي المسار الأساسي من الأجزاء البصيرة من الدماغ إلى فص الصدغ الأمامي، وهي نفس المنطقة المتضررة في حالات الخرف الدلالي.
الأشخاص المصابون بأضرار في شبكات الذاكرة الدلالية مثل المصابين بالمراحل المبكرة من الزهايمر ربما بإمكانهم الاستفادة من استراتيجيات الذاكرة الدلالية لتعويض النقص
هل تساعد هذه النتائج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الذاكرة؟ ليس بعد، لكن فهمنا لكيفية عمل الذاكرة في الأشخاص الأصحاء تساعدنا على فهم ما يجري في الأدمغة المصابة بأمراض مثل الزهايمر وتساعدنا على إيجاد العلاج. على سبيل المثال الأشخاص المصابون بأضرار في شبكات الذاكرة الدلالية مثل المصابين بالمراحل المبكرة من الزهايمر ربما بإمكانهم الاستفادة من استراتيجيات الذاكرة الدلالية لتعويض النقص. خلصت دراسة حديثة إلى أن ربط الذكريات بالأشياء المادية أدت إلى تحسن الذاكرة العرضية عند بعض مرضى الزهايمر.
هناك الكثير من الأشياء التي لا نعرفها بعد عن المادة البيضاء في الدماغ. عدد من الخصائص تؤثر على كيفية انتقال المعلومات في هذه المادة منها كثافة النسيج. في المستقبل بإمكاننا أن نستخدم تقنيات فحص جديدة وقوية للكشف عن أجزاء من المادة البيضاء واستخلاص هذه النتائج المذهلة.
________________________________