شعار قسم ميدان

محمد النشائي.. طاقة من الفراغ أم "كفتة" أخرى؟

ميدان - النشائي

"حتى أينشتاين كانت له أخطاء في أبحاثه"

(محمد النشائي ردًا على نيل تيروك(1) أستاذ علم الكونيات الذي استدعته المحكمة -ضمن آخرين- للفصل بالرأي العلمي في قضية النشائي ضد مؤسسة نيتشر)

 

في حوار(2) له نُشر قبل أيام قليلة مع جريدة الأخبار المصرية، يوضح العالم المصري الفيزيائي المهندس د. محمد النشائي أنه قد توصّل في أحدث نظرياته -ويسمّيها  (الطاقة الداكنة)- إلى أن هناك إمكانية لإنشاء ما يسميه مفاعل (نانوكازيمير) والذي يمكنه توليد الطاقة من الفراغ -والفراغ هنا لا يعني الهواء أو العدم كما يوضح- ثم يمكن لنا أن نحوّل هذه الطاقة إلى "أشياء مادية ملموسة كالكهرباء، الماس، المياه، الشجر" وأن ذلك يُمكِننا من "زراعة مساحات شاسعة من القمح أو القطن" ؛ حيث إننا من خلال مفاعل (نانوكازيمير) الخاص به سنتمكن من "محاكاة الكون بشكل مصغر".

 

محمد النشائي هو مهندس وفيزيائي مصري مولود بالقاهرة وحاصل على درجة الهندسة من ألمانيا ثم دكتوراه من جامعة لندن، يُعرّف نفسه على أنه صاحب "نظرية المقطع الذهبي في فيزياء الكم" والتي تفترض حلولًا جديدة لمشكلات ميكانيكا الكم عبر دراسة الزمكان من وجهة نظر مفاهيم كالفراكتالات التي نعرفها في علوم الفوضى (Chaos Theory)، فيخلق النشائي ما يسميه زمكان كنتورى(3) ويوحد القوى الأساسية في الطبيعة، يقول النشائي في حوار له مع صحيفة المصري اليوم المصرية4 عن نظريته "لقد توصلت إليها منذ عام ١٩٩١ وقدمت حوالي ٥ أبحاث جديدة فيها، واتهمت وقتها بالجنون، ولكن وبعد مرور نحو ١٩ عاما، يأتي علماء تجريبيون يقولون إن ما توصل إليه النشائى نظريا هو صحيح ١٠٠٪، وهذا إنجاز علمي كبير".

 

مشكلة نيتشر
الفيزيائي المصري محمد النشائي
الفيزيائي المصري محمد النشائي
 
تدفع تلك الادعاءات "الاستثنائية" إلى بعض التشكك، فهو هنا يتحدث عن "طاقة من الفراغ"، بل يشير إلى اسم هيندريك كازيمير الفيزيائي الهولندي الذي ارتبط اسمه بظاهرة "الفراغ الكمّي"، ثم يخبرنا عن قطن وأشجار ومياه ومفاعلات جديدة وكون مصغّر وتوحيد قوى الطبيعة و100% تأكيد -قيمة لا نراها كثيرًا في العلم، نحن إذن أمام مشروع ضخم للغاية، أضخم من النسبية مثلًا، وهذ يدفع للتساؤل -مثل الرياضياتي الفرنسي الشهير بيير سيمون لابلاس- قائلين إن "وزن الدليل على ادعاء استثنائي يجب أن يتناسب مع غرابة هذا الادعاء"، ذلك المفهوم الذي طوره السوسيولوجي مارسيللو تروتزي قائلًا إن "الادعاءات الاستثنائية تتطلب براهين استثنائية".   

 

لتلك الأسباب، فإننا سنحاول التأكد من صحة ما سبق إن أمكن،  إذ -ربما- يكون هو مشروع الخلاص لمصر من مشكلاتها الاقتصادية، ومن هنا سنبدأ برحلة البحث خلف هذا الرجل العظيم، لنصطدم للوهلة الأولى بإعلان من مؤسسة إلزيفير (Elsevier)، وهي دار نشر عالمية الشهرة مخصصة لنشر الكتب والدوريات الطبية والعلمية، قبل تسعة أعوام تقريبًا، تقول مديرتها تاباتشينكوف(5) فيه إن "د. محمد النشائي المحرر المؤسس لمجلة (Chaos, Solitons & Fractals) سيتقاعد كرئيس تحريري للمجلة، وسوف يعمل الناشر للمجلة مع هيئة التحرير والمستشارين الآخرين لتحديد محرر جديد، ومن المرجح أن يؤدي ذلك أيضا إلى إعادة النظر في أهداف ورؤية المجلة، فضلا عن سياسات التحرير وترتيبات تقديم الطلبات"، وقد نُشرت بالفعل تلك الملاحظة الخاصة بالنشر في أول أعداد سنة 2009 من المجلة(6).

 

للوهلة الأولى، يبدو كأمر طبيعي، إذ ربما ظهر خلاف ما بين الرجل وفريق العمل، أو لأي سبب آخر، هنا سوف نتتبع تلك النقطة قليلًا، لنكتشف مشكلة أخرى متعلقة بالموضوع، حيث إن تقاعُد النشائي عن تلك المجلة -التي أسسها بنفسه في ثمانينات القرن الفائت وكانت تابعة لمؤسسة (Pergamon Press) ثم اشترتها إلزيفير- كان على خلفية جدل كبير حول مصداقية أبحاثه وكيفية مراجعتها قبل نشرها حسب مقال(7) لكويرين شيرمير (Quirin Schiermeier) المحرر بدورية نيتشر الشهيرة، والذي علق فيه على ملاحظة مهمة عن نشر النشائي لأبحاثه الخاصة في مجلته الخاصة، دعنا نتأمل تلك النقطة قليلًا.

   

نشر النشائي في المجمل 400 بحث علمي، لكن 307 منها تم نشرها في مجلة (Chaos, Solitons & Fractals) خلال مدة عمله بها
نشر النشائي في المجمل 400 بحث علمي، لكن 307 منها تم نشرها في مجلة (Chaos, Solitons & Fractals) خلال مدة عمله بها
    

في عدد (ديسمبر/كانون الأول) 2008 من المجلة(8)، من بين 36 بحثًا منشورًا بها، نشر النشائي خمسة أبحاث له، ومن بين 31 بحثا في العدد نفسه يستشهد 11 بحثا منها 58 مرة بأبحاث النشائي المنشورة سابقًا في الدورية نفسها، كذلك تسبب العدد المرتفع من الاستشهادات الذاتية (من النشائي.. لنفسه) بارتفاع في معامل التأثير (Impact Factor) الخاص بالمجلة، حيث إن أبحاث الرجل تم الاستشهاد(9) بها 4992 مرة، منها 2000 مرة داخل أبحاث المجلة نفسها، وللتوضيح فمعامل التأثير هو مقياس لأهمية المجلات العلمية المتخصصة، حيث يشير إلى درجة الاستشهاد التي نشرت بها، وبالتالي يعني ذلك أن تلك الأبحاث هي أبحاث مهمة، بالتالي تُعتبر المجلة صاحبة معامل التأثير الأعلى أكثر أهمية ورصانة من غيرها.

 

ما يدعو لبعض التشكك هنا أيضًا هو أن النشائي قد نشر في المجمل(10) 400 بحث علمي، لكن 307 من هذه الأبحاث تم نشرها في مجلة (Chaos, Solitons & Fractals) خلال مدة عمله بها، بينما كان رئيسًا لتحريرها، وهو معدل مرتفع جدًا يثير الانتباه والتشكك تجاه إمكانية أن يكون هناك نوع من عدم التمسك الواضح بالمعايير الخاصة بعملية مراجعة الأقران (Peer Review) في هذه المجلة، مراجعة الأقران هي عملية تقييم أبحاث شخص ذو اختصاص وكفاءة في مجال عمل محدد من قبل متخصصين في هذا المجال.

 

على خلفية مقال نيتشر، رفع محمد النشائي قضية(11) تشهير ضد المؤسسة، حيث اتهم النشائي كويرين شيريمر (Quirin Schiermeier) محرر نيتشر بأنه تعامل مع الموضوع بطريقة فضائحية (Scandalous) وأن هذا لا يمثل حرية التعبير بأي شكل، في 2012 انتهت القضية بالحكم ضد النشائي، وجاء في كلمات القاضية أنه(12) "من الوضح أن الجهة المدعية اهتمت قليلًا، أو لم تهتم على الإطلاق، بمعايير النشر العلمي أو الاعتبارات الأخلاقية التي ترتكز عليها، لقد كان نشر المدعي لذاته في مجلة (Chaos, Solitons & Fractals) مفرطًا، وغير مبرر، ووصل إلى إساءة استعمال منصبه كرئيس تحرير"، وأضافت أنه(13) من الواضح أنه "لم تتم مراجعة أبحاث النشائي بما يكفي من الاهتمام، أو لم تتم مراجعتها بالأساس"، وأن "مجلة محترمة لم تكن لتنشرها" ويمكن لك الاطلاع على النص الكامل للحكم من المصادر(14).

 

النشائي في مصر
عند هذا الحد تنتهي حكايات النشائي خارج مصر، لكن نشاط النشائي بالداخل هو كذلك موضع تأمل، فهو يظهر دائمًا كعالم مصر الفذ الذي جاء من الخارج ليصلح أحوال البلاد عبر أفكاره البرّاقة والمهمة، يظهر النشائي دائمًا محاطًا بالصور الخاصة به مع الحاصلين على نوبل، صورة مع الفيزيائي الشهير غيرارد هوفت (Gerardus ‘t Hooft) الحاصل على نوبل سنة 1999، أخرى مع غيرد باينينج (Gerd Binnig) الفيزيائي الألماني الحاصل على نوبل سنة 1986، وثالثة مع نجيب محفوظ، ورابعة مع أنتوني ليغيت الحاصل على نوبل فيزياء 2003، ثم صورة في محاضرة له وفي الخلفية إيليا بريجوجين، ثم جالسًا على كرسي بريجوجين بمؤسسة سولفاي في بروكسل، جُمعت معًا في تسعة عشر صفحة عبارة عن ملف بالعدد (أغسطس/آب)(15) 2005 من مجلته (Chaos, Solitons & Fractals).

  

محمد النشائي (يمين الصورة)، مع البروفيسور
محمد النشائي (يمين الصورة)، مع البروفيسور "أنتوني ليغيت" الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2033
  

يظهر النشائي في التليفزيون والجرائد في كل مرّة ليتّهم هؤلاء الذين يعطون "أفكارهم" للغرب بأنهم لا ينتمون إلى هذا الوطن، ثم على خلفية فضيحة "الكفتة" الشهيرة ذات العلاقة بجهاز علاج فيرس سي نجد أنه يقف إلى جانب الدولة(16) في هذا المعترك متهمًا عصام حجي وأحمد زويل بأنهما "عملاء" يأخذون الأوامر من أميركا، ولا علاقة لهما بهذا المجال للكلام فيه، ثم يشيد "بابتكار القوات المسلحة التي أجرت أبحاثها في هذا الشأن بسرية تامة، وهو ما أغضب أميركا وبعض المتربصين بمصر وبجيشها"، ثم مؤخرًا يناشد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بانشاء مفاعل "نانو كازمير" دون تحمل الدولة جنيها واحدا.

 

في حواره بجريدة الأخبار المصرية(17)، يشير النشائي إلى أن هناك نوعين من الطاقة المخفية بالكون، الأولي هي الطاقة السوداء -ويؤكد أنها السوداء وليست الداكنة- فالطاقة المظلمة غير مرئية ولا ملموسة، إما السوداء فيستدل عليها بلونها الأسود، وهذه الطاقة السوداء هي ما يجعلنا نرى السماء مظلمة ليلًا، في الحقيقة لا نجد أية إشارة في أي موضع لتلك الحكاية الخاصة بأن ما يظلم السماء ليلًا هو "طاقة سوداء" اللون! إن تفسير ظلمة الليل المعروف هو أن النجوم بعيدة للغاية عن بعضها البعض، وتفسير أن الكون إلى الآن مظلم رغم كل الإشعاع الصادر فيه يرجع إلى تمدد الكون وانحسار أطياف المجرات للجهة الحمراء من الطيف الكهرومغناطيسي وهو ما لا تتمكن عيوننا من رصده، لكن الطاقة سوداء اللون تلك هي شيء نطالب د. النشائي بتوضيحه، أو سوف نضطر لاعتبار أنه يتعامل مع القارئ المصري والعربي كأنه ما زال في عام 1990 حينما كان الجميع يصدق ما يقرأ دون تساؤل، الأمر يختلف الآن.

 

في مدونته الخاصة وحواراته يشير النشائي إلى اصطلاحات علمية أنيقة ومثيرة للانتباه، النسبة الذهبية، الفراكتالات ومسارات الجسيمات الفراكتالية، نظرية الفوضى، البُنى المُبددة للطاقة، الانتظام الذاتي، الأشكال الكانتورية، أجيال العلماء الذين وقفوا لتفسير كوبنهاجن الكمومي وكيف أنه من الجيل الثالث.. إلخ، لكننا في النهاية لا نجد أية نتائج لتلك النظرية، نحن بالطبع لسنا فيزيائيين متخصصين، لكن فيزيائيين متخصصين قد علّقوا على أبحاثه في المحاكمة الخاصة بقضيته، كذلك لا نجد أي إعلان من مصدر معروف علميًا عن تلك الـ 100% التي يشير إليها، ولا نجد أي اهتمام علمي واضح بما يشير النشائي إليه على أنه "انجاز علمي كبير"، لا توجد أية أدلة استثنائية على أي من ادعاءاته، حينما تبحث عن اسم النشائي لا تجد أكثر من مجلته (Chaos, Solitons & Fractals)، وأبحاثه الكثيرة المنشورة بها، واستشهاده بأبحاثه لنفسه، وقضية نيتشر الشهيرة، والجدل الخاص بها، وفقط.

المصدر : الجزيرة