شعار قسم ميدان

بين النجوم.. أسرار قيثارة السماء

ميدان - قيثارة السماء
"دفع أورفيوس وقيثارته الأشجار،
وقمم الجبال المتجمدة
للتمايل رقصًا حينما يغني
ولأجل موسيقاه خرجت النباتات الورود
لربيع دائم"
(أغنية "أورفيوس وقيثارته" لشكسبير)

تحكي الأسطورة(1) أن أبوللو قد أهدى أورفيوس قيثارة بأوتارٍ سبعة، كان صوته وموسيقى قيثارته من العذوبة بحيث كانت تتراقص بسببها الحيوانات والأشجار والأحجار، بل وتتوقف الأنهار عن الجريان من أجل أن تستمع إليه، تزوج أورفيوس من حورية الغابة أوريديوس بعد أن هام بها عِشقًا، لكن ثعبانًا سامًا قتلها بينما كانت تقطف الأزهار لزوجها فحزن أورفيوس كثيرًا وعزف على قيثارته، ما دعا الأشجار والصخور والحيوانات وحتى سكان جبال الأوليمب من الآلهة إلى البكاء.

هنا حاول بطل الحكاية أن يِنزل إلى العالم السفلي لكي يستعيد زوجته، مستخدمًا موسيقى قيثارته وصوته العذب كدرعٍ ضد عالم الأموات، واستطاع بالفعل الولوج داخل هذا العالم حتى أن هادز ملك العالم السفلي حينما استمع إلى أغانيه وموسيقاه سمح له أن يأخذ زوجته إلى عالم البشر مرة أخرى بشرط واحد، وهو ألا ينظر أورفيوس خلفه إلى زوجته أثناء الرحلة حتى يصلا إلى عالم البشر على الأرض، لكن أورفيوس من فرحته لم يستطع فِعل ذلك، فنظر خلفه قبل أن يخرجا من العالم السفلي، هنا عادت أوريديوس إلى الوراء مرّة أخرى في عالم الظلمات!

تخيلها العرب قديمًا كنسر مُمسك بقيثارةِ أورفيوس ذات الأوتار، إلى اليسار أعلى القيثارة تلاحظ النسر الواقع ألمع نجوم الكوكبة، الصورة من أطلس جوهانيس هيفيلياس للكوكبات  (مواقع التواصل)
تخيلها العرب قديمًا كنسر مُمسك بقيثارةِ أورفيوس ذات الأوتار، إلى اليسار أعلى القيثارة تلاحظ النسر الواقع ألمع نجوم الكوكبة، الصورة من أطلس جوهانيس هيفيلياس للكوكبات  (مواقع التواصل)

لطالما كانت القيثارة (Lyra)، رغم صِغر مساحتها(2) -فهي تتخذ الترتيب رقم 52 من 88 كوكبة سماوية- واحدةً من أكثر الكوكبات لفتًا للنظر في سماء الليل، كتبت عنها الكثير من الحضارات وأشير إليها في العديد من الأعمال الأدبية المُهمة، وذلك بشكل أساسي -وبجانب هيكلها المميز الذي يشبه القيثارة- بسبب وجود النسر الواقع (Vega) ألمع نجومها، والذي هو أيضًا خامس ألمع نجوم السماء، وسمّته العرب بالنسر الواقع، لأن العربي قديمًا تخيل الكوكبة كنسر يضم جناحيه على القيثارة فكأنه يقع إلى الأرض، وكلمة (Vega) هي نقل حرفي من "واقع"، لكن دعنا الآن نتجاوز الحديث عن الأساطير المتعلقة بالكوكبة إلى العلم الخاص بها، فهناك العديد من الروائع والكثير من العلم الخاص بتلك المنطقة من سماء الليل.

يظهر المثلث الصيفي أعلى رأسك تماما في الصيف، ويمكن لك تحديد نجومه الثلاثة الرئيسية بسهولة، ويوجد المثلث في منطقة غنية بالكوكبات الهامة مثل كوكبة هرقل، قيفاوس، التنين دراكو، ويُستخدم كدليل رئيسي من قبل الهواة لتوضيح ملامح سماء الليل (الجزيرة)
يظهر المثلث الصيفي أعلى رأسك تماما في الصيف، ويمكن لك تحديد نجومه الثلاثة الرئيسية بسهولة، ويوجد المثلث في منطقة غنية بالكوكبات الهامة مثل كوكبة هرقل، قيفاوس، التنين دراكو، ويُستخدم كدليل رئيسي من قبل الهواة لتوضيح ملامح سماء الليل (الجزيرة)

يمكن لك بسهولة رؤية القيثارة بشكلها المميز خلال شهور الصيف حيث تتسيد سماء الليل، ويمكن لك كذلك تحديد ألمع نجومها كجزء مما نسميه(3) المثلث الصيفي (Summer Triangle)، وهو مثلث مكون من ثلاثة نجوم لامعة وهي الذنب (Deneb) من كوكبة الدجاجة (Cygnus) والنسر الطائر (Altair) من كوكبة العقاب (Aquila). وكما تلاحظ، فإن تسمية النجوم الثلاثة عربية الأصل، وتستطيع استخدام كل من الدب الأكبر (Ursa Major) وذات الكرسي (Cassiopeia) للوصول إلى هذا المثلث، أو فقط يمكن لك أن تستخدم أحد تطبيقات الهواتف الذكية كـ (Google Sky Map)، سوف يكون الأمر سهلًا للغاية على مبتدئ مع السماء ليلًا.

تشريح القيثارة

ألمع نجوم السماء(4) هو الشعرى اليمانية (Sirius) من كوكبة الكلب الأكبر (Canes Major)، ثم يأتي بعد ذلك في الترتيب نجم سهيل (Canopus) من كوكبة القاعدة (Carina)، وألفا قنطورس (Alpha Centauri)، وجميعها نجوم جنوبية، يليها بعد ذلك ثلاثة شمالية وهي السماك الرامح (Arcturus) والنسر الواقع (Vega) والعيوق (Capella) من كوكبة ممسك الأعنّة (Auriga). لذلك؛ يمتلك النسر الواقع أهمية خاصة عند سكان الشمال، فهو أحد دلائل قدوم فصل الصيف، بينما السماكين هما دليلا الربيع، والعيوق هو إشارة إلى قدوم الشتاء، في المقابل اهتمت العرب قديمًا بنجم سهيل الذي ينبئ باقتراب الشتاء البارد وانتهاء الحر الشديد، يتمكن سكان جنوب جزيرة العرب هذه الأيام من رؤيته عند الفجر.

تظهر في الصورة النجوم الأساسية لكوكبة القيثارة، بالأعلى ترى النسر الواقع ألمع نجومها، تتخذ الكوكبة شكل متوازي مستطيلات مميز للغاية، وهو ما دفع القدماء لتخيّلها كقيثارة سماوية ضخمة بيد أورفيوس، حاول أن تتبع نجوم الكوكبة في السماء (الجزيرة) 
تظهر في الصورة النجوم الأساسية لكوكبة القيثارة، بالأعلى ترى النسر الواقع ألمع نجومها، تتخذ الكوكبة شكل متوازي مستطيلات مميز للغاية، وهو ما دفع القدماء لتخيّلها كقيثارة سماوية ضخمة بيد أورفيوس، حاول أن تتبع نجوم الكوكبة في السماء (الجزيرة) 

أهمية أخرى اكتسبها النسر الواقع هي من لمعانه أيضًا، فالنجم له قدر ظاهري (Apparent Magnitude) قيمته 0.0، ولذلك استخدمه الفلكيون قديمًا كمعيار لقياس قدر النحوم، خاصة أنه كان ذا قدر فوتوغرافي(5) (Photographic Magnitude) بقيمة تقترب من الصفر أيضًا، وبذلك أمكن استخدامه للمقارنة مع النجوم الأخرى التي يختلف قدرها الظاهري عن القدر الفوتوغرافي، حيث أصبح النسر الواقع هو التعريف العملي لكلمة "أبيض"، كيف ذلك؟
 
القدر الفوتوغرافي هو قدر النجم في الصور (الأبيض والأسود) التي التقطها الفلكيون للنجوم من أجل دراسة أقدارها في القرن التاسع عشر، بطرق تصوير بدائية، لكن ظهرت المشكلة حينما اختلفت أقدار بعض النجوم الفوتوغرافية عن تلك التي نراها بالعين المجردة، هنا اكتشفنا بعد ذلك أن الألواح المستخدمة في التصوير لها حساسية أكبر تجاه النجوم زرقاء اللون على عكس حمراء اللون، رغم ذلك ساعدت تلك المشكلة في تحديث تصنيف الفلكيين لألوان النجوم.

لا تظهر نجوم كوكبة القيثارة في الحقيقة بهذا الشكل الذي ترتسم به بالنسبة لنا، حيث لا تقع نجومها بالقرب من بعضها البعض، بل تختلف المسافات بينها في حدود ألف سنة ضوئية تقريبًا، يوضح هذا الشكل المسافات الحقيقية بين نجوم كوكبة القيثارة والأرض، الأرض عند رقم
لا تظهر نجوم كوكبة القيثارة في الحقيقة بهذا الشكل الذي ترتسم به بالنسبة لنا، حيث لا تقع نجومها بالقرب من بعضها البعض، بل تختلف المسافات بينها في حدود ألف سنة ضوئية تقريبًا، يوضح هذا الشكل المسافات الحقيقية بين نجوم كوكبة القيثارة والأرض، الأرض عند رقم "صفر" (الجزيرة)

النسر الواقع(6) هو نجم تسلسل رئيسي (Main Sequence star) أبيض أكمل 65% بالفعل من رحلته في حرق الهيدروجين -وقود النجوم- بنواته، رغم ذلك فعمره فقط حوالي أربعمائة مليون سنة، بكتلة تساوي 1.5 مرة قدر الشمس، ما يعني أن هذا النجم القريب لنا بالمعايير الفلكية -حوالي 25 سنة ضوئية فقط- سوف يموت سريعًا حول المليار عام فقط من عمره، على عكس الشمس التي وصلت الآن إلى عمر 4.5 مليار سنة كاملة واستهلكت فقط 50% من الوقود الخاص بها، ما يعني أنه ما زالت لديها خمسة مليارات أخرى من الأعوام. هكذا هو عالم النجوم، كلما ازدادت كتلتك، تموت سريعًا.

أحدى المفاجآت الخاصة بالنسر الواقع كانت اكتشافا مُهما في منتصف الثمانينيات(7)، حيث وجد العلماء من خلال رصد النجم بالأشعة تحت الحمراء عبر القمر الصناعي إيراس (Infrared Astronomy Satellite (IRAS)) ما يشبه السحابة من الغبار البارد نسبيًا تدور حول النجم وتمتد إلى ما يقترب من 75 وحدة فلكية من النجم أو أكثر، ما يعني أن هناك إمكانية لتكون أقراص كوكبية قريبة به، الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس ومقدارها 145 مليون كيلومتر تقريبًا، كانت تلك مفاجأة لأنه لم يكن أحد يتوقع أن توجد سحابة من الغبار حول نجم بهذا العمر الصغير.

 صورة التلِسكوب سبيتزر لنَجم النسر الواقع، كما تلاحظ هناك سحابة ضخمة من الغبار تحيط به، تصور العلماء في البداية أنها بدايات تكوّن كوكب، مصدر الصورة وكالة ناسا  (مواقع التواصل )
 صورة التلِسكوب سبيتزر لنَجم النسر الواقع، كما تلاحظ هناك سحابة ضخمة من الغبار تحيط به، تصور العلماء في البداية أنها بدايات تكوّن كوكب، مصدر الصورة وكالة ناسا  (مواقع التواصل )

استغل كارل ساغان الفلكي الشهير تلك الفكرة -عن نجم صغير السن نسبيًا نكتشف بشكل مفاجئ أنه ربما يحتوي في مداراته على كواكب تحوي حياة عاقلة- في صياغة روايته الشهيرة اتصال (Contact)، والتي تحولت فيما بعد إلى فيلم شهير من بطولة جودي فوستر وماثيو ماكوناهي. لكن في 2005، تمكن التلسكوب سبيتزر(8) من إعطائنا صور أكثر وضوحًا تشير إلى أن تجانس الغبار الملتف حول الكوكب ربما يرتبط ببقايا تصادم مذنبات، حيث تكوّن بسيناريو مشابه لذلك الخاص بحزام كويبر الملتف حول المجموعة الشمسية، وليست هناك أية دلائل في الصور الحية تلك على تكوّن أقراص تشير إلى بدايات تكوّن كواكب، وتم تأكيد تلك الفرضية في 2012 عبر صور(9) التلسكوب هيرشل.

النسر الواقع هو أشهر نجوم الكوكبة، وسبب شهرتها بالأساس قديمًا وحتّى الآن للأسباب التي ذكرناها، لكن هناك مصدر آخر للشهرة في الكوكبة، وهو ربما السبب في وقوع مئات الآلاف من هواة الفلك في حب القيثارة، إنه ما نسمّيه ثنائي الثنائي(10) (Double Double) وهو النجم أبسيلون من الكوكبة، الجار القريب الذي يقع شمال النسر الواقع، وإبسيلون هو ترتيب النجم في الكوكبة من حيث اللمعان حسب الحروف اليونانية، فالنجم ألفا α هو ألمع نجوم الكوكبة، ثم بيتا β هو ثاني ألمع نجوم الكوكبة، أي كوكبة، ثم بعد ذلك جاما γ ، دلتا δ ، إيبسيلونε ، ثم زيتا ζ، وهكذا .. رتّب الفلكيون الأوائل النجوم في الكوكبة حسب لمعانها.

كما تلاحظ فإن الثنائي أِبسيلون القيثارة يتكون كل من نجميه من ثنائي يدوران حول بعضهما البعض، بينما يدور كل من النجمين ابسيلون حول بعضهما ليَصنعا نظامًا نجميًا رباعيًا (مواقع التواصل )
كما تلاحظ فإن الثنائي أِبسيلون القيثارة يتكون كل من نجميه من ثنائي يدوران حول بعضهما البعض، بينما يدور كل من النجمين ابسيلون حول بعضهما ليَصنعا نظامًا نجميًا رباعيًا (مواقع التواصل )

بالعين المجردة، يمكن للبعض -ذوي الأبصار الحادة- أن يفصلوا النجم أبسيلون من الكوكبة إلى نجمين، نسميهما أبسيلون-1 وأبسيلون-2، حيث يبتعدا عن بعضهما البعض حوالي ثلاثة دقائق قوسية، ويعد ذلك اختبارًا قاسيًا لحدة البصر، لكن عبر تلسكوب متوسط -ثماني إنشات مثلًا- سوف تتمكن بسهولة من فصل كل منهما إلى نجمين، يبتعدان عن بعضهما بمقدار ثانيتين قوسيتين ونصف فقط، يعني ذلك أن النجم أبسيلون القيثارة هو أربعة نجوم كاملة كالشمس!

تقع تلك المجموعة بالكامل(11) على بعد حوالي 160 سنة ضوئية، وجميعها نجوم بيضاء ما زالت تحرق وقودها من الهيدروجين، لكن الآن دعنا نتأمل كيفية دوران تلك المجموعة النجوم أبسيلون القيثارة حول بعضها البعض، الأمر كالتالي: الثنائي أبسيلون-1 يدور نجماه حول بعضهما البعض، ثم الثنائي أبسيلون-2 يدور نجماه حول بعضهما البعض، بينما تدور المجموعة أبسيلون-1 والمجموعة أبسيلون-2 حول بعضهما البعض بدورهما، لهذا السبب نُسمي هذا النظام النجمي الرباعي بـ "ثنائي الثنائي"، يمكنك، للمزيد عن هذه النجوم الدوّارة حول بعضها البعض، أن تتأمل تقرير سابق(12) مهم عن هذه النجوم الراقصة ودورها في كشف الكثير من أسرار الكون المنظور.

إلى الآن، تعرّفنا على علامتين للقيثارة، النسر الواقع، وثُنائي الثنائي، تحتوي الكوكبة على عدة ثُنائيات(13) أخرى، فالنجم زيتا هو ثنائي شهير، والنجم بيتا كذلك. وللتعلُم عن مصادر جيدة لرصد النجوم المزدوجة، يمكن أن تراجع تقرير سابق اختص بالتلسكوبات الصغيرة(14)، لكن دعنا الآن نجهز مركبتنا لرحلة من النسر الواقع تصل إلى 500 سنة ضوئية، لنصل إلى النجم(15) (RR) من الكوكبة -رغم أنه خافت للغاية تصعب رؤيته بالعين المجردة- والذي يوجد عند حدود الكوكبة مع الدجاجة، هو كذلك واحد من أشهر نجوم الكوكبة، والسماء كلها، ذلك لأنه نجم متغير يقع على قائمة نوع محدد من النجوم المتغيرة يسمى "متغيرات (RR) القيثارة(16) (RR Lyrae variables)" وهي نجوم يتغير ضوؤها بشكل واضح يمكن رصده بين درجات لمعان مختلفة (هنا بين 7.06 و8.12) خلال فترات تقع دائمًا أقل من 1.5 يوم، وتُوجد بشكل رئيسي في تجمعات عنقودية، تحدث تلك التغيرات في اللمعان ربما بسبب بعض التغيرات التي تحدث في باطن النجم مما يؤدي إلى تغير ضياؤه وحجمه.

 

تحدد تلك الدائرة الصغيرة موضع النجم (RR) من كوكبة القيثارة، يوجد تقريبًا في حدود القيثارة مع كوكبة الدجاجة المجاورة (الجزيرة)
تحدد تلك الدائرة الصغيرة موضع النجم (RR) من كوكبة القيثارة، يوجد تقريبًا في حدود القيثارة مع كوكبة الدجاجة المجاورة (الجزيرة)
أعماق ملوّنة

حسنًا، دعنا الآن نحوِّل دفّتنا قليلًا عن نجوم الكوكبة، حيث توجد مجموعة من الملامح المهمة الأخرى للكوكبة والتي تستحق الإشارة إليها كي يكتمل ملف الكوكبة ويصبح جاهزًا لمساعدتك في الرصد أو حتّى تكوين صورة كاملة عنها، تضم المجموعة الإضافية التجمع النجمي(17) المفتوح (NGC 6791) والذي يصعب على الهواة بتلسكوبات صغيرة أو متوسطة ربما التقاطه بوضوح عند القدر الظاهري 9.5، لكن تلسكوب كبير قد يفي بالغرض طبعًا، وأنا هنا أقصد تلسكوب بقُطر 10 إنشات مثلًا.

كما ترى فإن المجرة تتخذ شكلا غير منتظم، لكن يبدو في منتصفها ما يظهر أنه نواة لها، وفي القرص حول ذلك المركز يظهر ما يبدو أنه كان أذرعًا حلزونِية للمجرة  (مواقع التواصل)
كما ترى فإن المجرة تتخذ شكلا غير منتظم، لكن يبدو في منتصفها ما يظهر أنه نواة لها، وفي القرص حول ذلك المركز يظهر ما يبدو أنه كان أذرعًا حلزونِية للمجرة  (مواقع التواصل)

تضم القائمة كذلك المجرة غير المنتظمة(18) (NGC 6745)، والتي تقع عند القدر الظاهري 13.3، ويُعتقد أنها كانت مجرة حلزونية عادية، لكنها في مرحلة ما اندمجت مع مجرتين إضافيتين لتصنع هذا الشكل المنتظم قبل عدة مئات من ملايين الأعوام، مجرتنا "درب التبانة" في طريقها هي الأخرى للتصادم مع جارتيها "المرأة المسلسلة (Andromeda)" و"المثلث (Triangulum)" خلال أربعة مليارات من الأعوام، حيث ستصنع ثلاثتهم مجرة واحدة بيضاوية ضخمة. وللتُعرف بشكل أوضح على أنواع المجرات واندماجها يمكن مراجعة انفوجرافيك مبسط في تقرير سابق للكاتب بعنوان(19) "فجر الكون: كيف تكوّنت المجرات الأولى؟"

التجمعات العنقودية -كما تلاحظ- تميل للتكثف في المركز وتقل كثافتها صعودًا إلى الأطراف، هذه الصورة للتجمع (M56) من التلسكوب هابل  (مواقع التواصل )
التجمعات العنقودية -كما تلاحظ- تميل للتكثف في المركز وتقل كثافتها صعودًا إلى الأطراف، هذه الصورة للتجمع (M56) من التلسكوب هابل  (مواقع التواصل )

يتبقى فقط رائعة أخرى ضمن الكوكبة قبل نهاية هذا الجزء من رحلتنا، وهي تجمع عنقودي يُدعى في قائمة تشارلز مسييه(20) (M56)، ويتمكن تلسكوب متوسط من التقاطه بسهولة كغيمة خافتة، بينما يوضّح تلسكوب كبير ملامح نجومه، التجمعات العنقودية(21) (Globular Clusters) هي مجموعات من النجوم التي تتكدس بشكل أكثر كثافة في المركز، وتصنع كرة ضخمة من النجوم تدور حول نواة المجرّات، وتوجد في الهالة المحيطة بها. يقع التجمع خاصتنا بعرض 84 مجموعة شمسية كاملة، ويعتقد أن عمره حوالي 13.7 مليار سنة، من عمر الكون تقريبًا!

يمكن لك أن تبدأ بتتبع كوكبة القيثارة مع عينين مجردَتين، ثم مع نظارة مُعظِمة، ثم مع تلسكوب صغير إن أحببت، وسوف تلاحظ سديم الخاتم مع بعض الملامح المهمة للسماء قد تحدثنا عنها في تقريرين سابقين(22-23)، ربما هنا سوف تحتاج لأطلس متوسط، ونرشح لك (Sky Atlas 2000)، أو (Deep Sky Hunter) لمستوى متقدم، وبالنسبة لأفضل الدلائل التي يُنصح بها للهواة فيُمكن لك اللجوء إلى رباعية ستيفن جيمس أوميرا من مطابع كامبريدج بعنوان (Deep-Sky Companions) والتي تضم قوائم مفصّلة لأجرام مسييه، وكالدويل، مع مجموعتين مُنفصلتين عن روائع أجرام السماء العميقة.

كذلك، لمعلومات مُفصّلة عن كل كوكبة بعينها، يمكن لك استخدام كتاب ستيفن جونز (The Constellation Observing Atlas)، من دار نشر سبرينغر المفتوحة إصداراتها الإلكترونية مجانًا في مصر، وكتاب (The Cambridge Guide To Constellations) والذي يضع قوائم مفصّلة للكوكبات وتركيبها، وأهمهم كما أظن وأكثرهم سحرًا هو كتاب (The Star Atlas Companion) لفيليب باغنال، والذي سيعطيك تقارير غاية في الأهمية والتفصيل والاحترافية عن مكوّنات كل كوكبة سماوية، إذا لم تتمكن من الحصول على تلك الكتب بصورة ورقية يمكن لك الحصول عليها إلكترونيًا وطباعتها، أنت الآن مُتجهز تمامًا لخوض رحلات عظيمة في سماء الليل.

حسنًا، لقد طالت رحلتنا وما زلنا في عالم نجوم القيثارة، بقيت لنا رحلة إضافية بِداخل أعماقها الملوّنة، إِنها إلى سديم الخاتم الذي سوف نُفرد له تقريرًا منفصلًا نظرًا لروعته الخاصة وآخِر التحديثات الخاصة به، لكن دعنا الآن ننزل إلى الأرض، لنتجول من جديد في شوارع مدينتنا المزدحمة بالسيارات والغُبار والحر والبشر وأحلامهم جميعًا في الإفلات من ضغوط الأنظمة وأشباح الملل القابعة على صدورنا.

ربما قد يَدفعك للهروب من ذلك كله أن تخرج قليلًا لتتأمل القيثارة اللامعة في سماوات الصيف الحارة، حتى الأيام الأولى من فصل الشتاء، ربما نتمكن من رصدها بسهولة، لكن أفضل الفرص هي دائمًا في الصيف، وأنت الآن أكثر معرفة بها من ذي قبل، ربما حينما تنظر إليها بعد ذلك سوف تتخيلها بيد أورفيوس بينما يغني بحزن على فراق زوجته، أو ربما حينما تتأمل نجومها قد تتذكر أن الفارق بينك وبين هذا النسر الواقع هناك هو مسافة 250 تريليون كيلومتر تقريبًا، فتهدأ للحظة، وتسكن قليلًا، أمام بهاء وهيبة ذلك البراح الخصب.