شعار قسم ميدان

لماذا لا يشعر بعض الناس بالألم؟

ميدان - ألم جرح سكين دم

لسنوات والأطباء يدرسون حالة أشخاص بدا وأنهم يعانون حالة تسمى "اللاإحساس الخلقي"، وهو اضطراب وراثي نادر يعني أنهم مضادُّون للشعور بالألم. وقد يمتلك المصابون بهذه الحالة المرضية حاسة لمس طبيعية، غير أن غياب الشعور بالألم يعني أنهم غالبا ما يقومون بجرح أنفسهم، ويعضون ألسنتهم، أو يتعرضون للحرق بالماء الساخن دون أن يلاحظوا وقوع ذلك كما يفعل الناس الطبيعيون.

 

وقام فريق من الباحثين بتحديد طفرة في جين يطلق عليه (SCN11A)، عبر مقارنة تسلسل الجينات عند فتاة مصابة بهذه الحالة مع والديها (القادرين على الشعور بالألم)، ووجدوا أن هذه الطفرة تعطل إحساس الألم عند من يعانون من هذه الحالة التي تم إيجادها لدى شخص إضافي في الدراسة. ومع أننا نعرف عدة أسباب وراثية أخرى تؤدي إلى عدم الشعور بالألم، فإن أهمية هذه الطفرة حديثة الاكتشاف تأتي من قدرتها على إلهامنا لاكتشاف مسكنات آلام جديدة.

 

حياة بلا ألم

عدم شعورك بأي ألم في أي مكان في جسدك على مدار حياتك كلها أمر نادر؛ فمن بين كل مليون شخص حول العالم، يعاني منه شخص واحد.  حالة هؤلاء المصابين تجعلك تقدّر أهمية الشعور بالألم، بالأخص حين تعلم أن طفولتهم بأكملها مرّت وهم يعضون شفاههم وألسنتهم وأصابع أيديهم أو أقدامهم بلا إحساس. وأن خوفهم من النار أو الموقد أو حواف السكاكين الحادة منعدم. وأنهم لا يخشون الارتطام بالأبواب أو السقوط أرضا عوض الجلوس على كرسي. وهي كلها سلوكيات نتعلم تفاديها عبر الشعور بالألم.

   

  

يعاني هؤلاء الناس في طفولتهم من ثلاث مشكلات رئيسية: فهُم، أولا، يوصمون ببطء الاستيعاب والغباء لكثرة ما يرتطمون بالأشياء من حولهم. وثانيا، أنهم يضطرون للتظاهر بالألم لكي يتجنبوا الإقصاء من الآخرين. وثالثا، التظاهر بتجنب الحوادث الخطرة، لا سيما لدى الذكور. وبالنظر إلى الكمّ الهائل من الكدمات والإصابات البادية على ملامحهم وأجسادهم، لن يكون من الصعب الاعتقاد بأنهم يتعرضون للضرب المبرح من قبل أحد والديهم أو كليهما. والبالغون ليسوا أفضل حالا، فغياب الشعور بالألم يكبح ملكة الحذر، وهو ما يعرضهم لإصابات قد لا تلتئم بسهولة. وهكذا نعلم أن هناك ميزتين أساسيتين للشعور بالألم: إطالة العمر من خلال حمايتنا، ومعرفة حدود استخداماتنا لأجسادنا قبل التعرض للضرر.

 

الأسباب الوراثية

يمكن تقسيم الأسباب الوراثية لهذه الحالة المرضية إلى مجموعتين: الاعتلال العصبي، حيث يفشل الجهاز العصبي المستشعر للألم في التطور تماما، واللاإحساس الخلقي، حيث يتطور الجهاز العصبي الخاص باستشعار الألم ولكنه لا يعمل. وبالنسبة لمن يعانون من فقدان شعور تام بالألم فلا يمكنهم الشعور بدرجات الحرارة، وقد يموت بعضهم جراء ضربة شمس، فيما قد يعاني آخرون من صعوبات تعلم.

مع اللاإحساس الخلقي، يتطور الجهاز العصبي وهو يستشعر الألم بشكل جيد ولكن خلاياه العصبية، التي تمرر الإشارات عبر النواقل الكيميائية، لا تعمل بشكل يحول دون توليد نبضات عصبية بعد المحفزات المؤلمة. إلا أن أصحاب هذه الحالة لديهم معدلات ذكاء طبيعية، والحالة المرضية الوحيدة التي ثبت وجودها في هذه المجموعة هي اللا إحساس بالألم منذ الولادة والتي تُعرف بـ (CIP) المكتشفة في عام 2006.

   

العرق المفرط وحاسة الشم

تحدث حالة (CIP) بسبب طفرات في الجين (SCN9A) المسؤول عن تفعيل بروتين يُسمى (Nav1.7)، وهو ضروري لاستهلال إشارات الألم بين الخلايا العصبية. ومن المثير للاهتمام أن هذه الطفرة تعني أن الأشخاص المصابين بـ (CIP) لا يملكون حاسة شم كذلك.

  

  

تقوم الخلايا العصبية بنقل إشارات الألم باستخدام نظام يشبه البطارية -باستخدام قطب سلبي بالداخل وقطب إيجابي بالخارج- ويظهر تفعيل البروتين (Nav1.7) في إشارة كهربائية تنتقل على طول الخلية العصبية وترتحل إلى الخلية العصبية التالية، قبل الوصول أخيرا إلى الدماغ حيث يولد الشعور بالألم. ولكن البحوث الجديدة تظهر حالة ثانية من اللا إحساس الخلقي، التي تسببها طفرات جين مختلف وهو جين: (SCN11A). يفعّل (SCN11A) بروتينا آخر يسمى (Nav1.9)، الذي يحافظ على فارق جهد بين داخل الخلية الناقلة للألم وخارجها، وكانت المفاجأة أن من يعانون من هذه الحالة يتعرقون بشكل مفرط بلا سبب واضح ولديهم حاسة شم طبيعية.

  
ولكن كان هناك مفاجأتان أكبر: أن كلا عيّنتَي البحث في الدراسة لديه الطفرة نفسها في الجين (SCN11A)، وأن الطفرة جعلت البروتين أكثر نشاطا من المعتاد، مما يؤثر على توازن الجهد في الخلية. وكنا نظن سابقا أن عدم الشعور بالألم ناجم عن طفرة أوقفت الخلايا عن توليد إشارات مؤلمة، ولكننا نعرف الآن بعد البحث الجديد أنه قد ينتج عن إبقاء هذه الخلايا متوازنة في حالة الراحة.

  

آثار جانبية غريبة

لماذا تبدو اكتشافات وُجدت في شخصين فقط مثيرة إلى هذا الحد؟ لأن مسكنات الألم في هذه الحالة لديها هدفان جديدان: إما الجزيئات التي تمنع الجين (SCN11A) والبروتين (Nav1.9) لإيقاف إشارات الألم، وإما تلك التي تنشط كليهما لإبقاء الخلايا العصبية في حالة الراحة. ولكن استهداف هذه الجزيئات قد يُحاكي السمات الإكلينيكية للأشخاص الذين يعانون من اللاإحساس الخلقي وقد تحمل مسكنات الألم الجديدة آثارا غريبة، حيث يمكننا توقع أن يسبب مسكن الألم (SCN9A / Nav1.7) فقدانا مؤقتا للرائحة، ويمكن أن يسبب مسكن الألم (SCN11A / Nav1.9) التعرق الزائد، ولكن مقارنة بحالتنا عند التألم الشديد قد تبدو تلك الآثار الجانبية تكاليف بسيطة علينا أن ندفعها عندما نعاني ألما فظيعا. 

______________________________________________

ترجمة: الزهراء جمعة

هذا التقرير مترجم عن: The Conversation ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.

المصدر : الجزيرة