شعار قسم ميدان

الكوكب مهدد بالفناء.. مساقات تشرح لك خطر التغير المناخي

midan - climate
إن كنت قد وصلت إلى مرحلة الدخول إلى التقرير، فقد بلغت مرحلة جيدة تجاوزت فكرة قراءة المواضيع الأكثر إثارة وترفيها أو تلك التي تثير صدى إعلاميا واسعا، لكن ربما تتصور رغم ذلك أنك أمام مزيد من الاستهلاك الإعلامي حول قضية لا تمسُّك بصورة مباشرة ولا تؤثر على تفاصيل حياتك اليومية، وأن التغير المناخي قضية مجردة، وحالة من الترف الفكري، يمكن لها أن تناقش في الأروقة المغلقة، لا المساحات التي تتصل بالنقاشات العامة اليومية أو التفكير الفردي.

  
حسنا، دعنا نوضح التالي، ما القضية التي صدّعت وسائل الإعلام بها رؤوسنا باعتبارها التهديد الحقيقي لسلام الدول؟ الإرهاب.. أليس كذلك؟ ماذا لو أخبرناك أن الإرهاب لا يمكن مقارنة خطورته بتلك التي يتربص بها التغير المناخي تجاه مستقبل الكوكب، وبالتالي مستقبلنا نحن كجنس بشري. الأمر ليس استهلاكا إعلاميا، وهذا ما ستقرأه في الفقرات التالية، وهذا ما سيتطلب منك فهما أكبر وأعمق لهذا الخطر عبر مصادر سنزودك بها من خلال هذا التقرير.

    

نحن الآن متأكدون تماما، مثلا، أن قارة أفريقيا هي موضع أقوى ضربات التغير المناخي، وأن تلك الضربات قد بدأت بالفعل في إعادة تشكيل أرض القارة، وكل المناطق التي تدور حول خط الاستواء ومداريه، ونعرف كذلك أن التغيّر المناخى أخطر ألف مرة على دول كمصر من الإرهاب، ومع ذلك، حسب تصريح محمد فهيم، المدير التنفيذى بالمركز المصري لمعلومات تغيّر المناخ بمركز البحوث الزراعية، "يتم التعامل معه باستخفاف على كل المستويات من المواطن، وصولا إلى كل أجهزة الدولة"، وفي الوطن العربي كله سوف تجد تلك الحالة، رغم التهديدات الواضحة.

    

 undefined

   

في الحقيقة، مع تأمل للوضع المعاصر، ستجد أن التوعية بالقضايا المناخية لا تلقى رواجا بين سكان الوطن العربي، سواء في صورة كتب العلم الشعبي، أو في صور أكثر تخصصا، لهذا السبب سوف يكون هذا التقرير، استكمالا لرفيقه الذي تضمن كتبا عامة أو أكثر اقترابا من الاقتصاد والسياسة عن العلم، هو عرض لخمسة مساقات، تبدأ من البساطة إلى التعقد، تعرض لك موضوع المناخ، وتغيره، عسى أن يساعد ذلك على خلق درجة من الاهتمام بعلوم المناخ في الوطن العربي، أو أن يساعد المهتمين بهذه الموضوعات في استكمال مسيراتهم.

  

مقدمات سهلة
ولنبدأ حديثنا من مساقين للمبتدئين، لا يتحدثان بالتحديد أو بشكل واضح في التغير المناخي، لكنهما مقدمة مهمة ومبسطة في العلوم البيئية، كذلك فإنها لن تأخذ من وقتك الكثير، المساق الأول في نحو 120 دقيقة فقط، إنها حلقات قناة "Crash Courses" المبسطة في علوم البيئة، يقدمه مبسط العلوم الرائع والأشهر عالميا هانك جرين في 12 حلقة تتنقل بين الموضوعات الأساسية للعلوم البيئية، سواء علم البيئة الخاص بتجمعات البشر وأثرها في البيئة، أو الدورات الأساسية في الطبيعة، أو طريقة تلويثها لنا عبر التغير المناخي وغيره من الآليات التي تقتل درجات التنوع الحيوي.
   
  

  

أما المساق الثاني فإنه يعرض للعلوم البيئية بصورة أكثر سهولة ويسر، يقدمه السيد أندرسون الشهير والذي يشرح المناهج الدراسية في برنامج التعيين المتقدم (AP Level)، ويقدم في 35 حلقة، 10 دقائق للواحدة منها، عرضا أكثر شمولا للموضوعات المتعلقة بالعلوم البيئية، أو المشكلات التي تربط وجود البشر على كوكب الأرض والأنظمة البيئية، سواء التغير المناخي، التلوث البيئي، مشكلات التنوع الحيوي، وغيرها من الموضوعات الأساسية، سوف يساعدك هذا المساق في فهم المشكلات البيئية، في صورتها الأكثر اتساعا، بصورة أفضل.

 

 

دعنا ننوه في تلك النقطة أن الإيكولوجيا (علم البيئة) هي من الموضوعات التي لا تجد اهتماما واسعا في المنطقة العربية على أهميتها الواسعة والمؤثرة في كل شيء، خاصة الفلسفة المتعلقة بها، والتي ترتبط بمشكلات التغير المناخي والإضرار بطبيعة كوكب الأرض على مستويات أخرى نقدية، وفي هذا النطاق يمكن أن تتوقف قليلا لتأمل كتاب "الفلسفة البيئية: من حقوق الحيوان إلى الإيكولوجيا الجذرية" من تحرير مايكل زيمرمان، في جزأين، والصادر مترجما من سلسلة عالم الفكر، أو مساق فلسفة البيئة من جامعة القاهرة في ثماني محاضرات والموجود كاملا على يوتيوب.

    

  

من بريتش كولومبيا إلى هارفارد
 لنعد إلى المناخ وتغيره، حيث يضع مساق "العلم وراء التغير المناخي" (Climate Change: The Science)، من جامعة بريتيش كولومبيا، مقدمة مهمة وممتعة للتغير المناخي، يبدأ المساق بشرح النظام المناخي الأرضي، ثم الديناميكا التي يعمل بها هذا النظام، وكيفية تعقده عبر ارتباط عدد ضخم من المتغيرات التي تعمل معا، ثم ينتقل بعد ذلك لتوضيح الأثر الذي تتسبب به حركة الأرض في إحداث عصور جليدية متتالية، ينتقل المساق بعد ذلك للحديث عن العصور الجليدية السابقة، لكن أهم ما ستخرج به من تلك المقدمة الأولى هو أن النظام المناخي هو عملية تنقل وتحول للطاقة، وأن ما نعيشه الآن هو فقط فترة بين-جليدية تتكرر كثيرا في تاريخ الأرض.
    

بعد ذلك ينتقل المساق لتوضيح دور الطاقة الشمسية في عمل النظام المناخي الأرضي، وكيف أن الإخلال بالتوازن بين الطاقة الداخلة والخارجة قد لا يتسبب فقط في ظواهر كالصوبة الزجاجية، ولكن أيضا يمكن للتغير في الآلية التي تعكس بها مناطق الأرض المختلفة (ماء، صحراء، سحب، إلخ) أن تغير في درجات حرارة الأرض، بعد ذلك ينتقل المساق لشرح دورات الكربون على كوكب الأرض وكيف أن تدخل البشر يتسبب في الإخلال بها ما يتسبب في آثار كارثية، ثم أخيرا يعطي المساق أسبوعا أخيرا عن كيفية بناء النماذج التي تشرح التغير المناخي.

    

المساق بسيط للغاية، وممتع، ويتميز -بشكل أساسي- باهتمامه أن يضع أمامك مقدمة علمية لكل الظواهر المتعلقة بالتغير المناخي بحيث تفهم الأساسات التي تقوم عليها آليات عمل تلك الظواهر، كذلك فإن المساق يقدم مجموعة دسمة من المصادر الإضافية للقراءة، والأنشطة المهمة، بجانب ملفات الفيديو التي تتراوح مدتها حول الساعة إلى ساعة ونصف بالأسبوع، مقسمة إلى فيديوهات قصيرة جدا (دقيقتان أو أقل) أو طويلة نسبيا (12 دقيقة مثلا)، ويقسم المساق نفسه إلى 6 أسابيع عمل يتضمن كل منها فيديوهات وورش عمل وقراءات خارجية، لكن مع بعض الجهد والشغف بهذا الموضوع يمكن لك أن تنتهي منه في نصف تلك المدة.

     

      

ويمكن لنا، من أجل درجة أكبر من التوسع، أن نتأمل أحد أهم المساقات التي تعطي مقدمة أكثر رصانة وتفصيلا للمناخ وعلاقته بالطاقة، ثم تنطلق لتوضيح علاقة ذلك كله بالتغير المناخي، وهو مساق "تحدي المناخ والطاقة" (The Climate-Energy Challenge)، والمقدم من مركز جامعة هارفارد لعلوم البيئة على يد الدكتور دانيال شراج، على المنصة الشهيرة "EDX"، يحتاج هذا المساق إلى تسعة أسابيع دراسية كاملة (يفضل أن تدرسه في إجازة الصيف)، مع 6 ساعات عمل في كل منها، لكنه يستحق الاهتمام فعلا.

  

ويمكن إجمال مراحل هذا المساق الممتع في أربع أفكار رئيسية، ترتبط الأولى بشرح مفصل لفيزياء العلاقة بين الطاقة والمناخ، كيف تحصل الأرض على الطاقة من الشمس؟ وكيف تدور تلك الطاقة في النظام المناخي الخاص بالكوكب، ثم بعد ذلك ينتقل المساق ليغوص في أعماق تاريخ كوكبنا قبل آلاف السنوات، ليتحدث -خلال مساحة واسعة من مادة المساق- في مناخ العصور الجليدية، وكيف حدث؟ ولماذا؟ وكيف أثر ذلك على مسارات الطاقة في الغلاف الجوي؟، ثم ينتقل بعد ذلك إلى نقطة أخرى يستخدم فيها هذا الماضي لتوقع مستقبلنا، سواء بسبب التغيرات المناخية التي تسببنا فيها، أو بسبب تلك التي نتصور أنها تتكرر كل حقبة زمنية تمتد من عشرات الآلاف إلى ملايين السنوات، وفي النهاية، الأسبوع الأخير فقط، يشرح المساق السيناريوهات والنماذج المتوقعة للتغير المناخي.

   

يُعدّ هذا المساق، بالإضافة إلى سابقه، نقطة بداية حقيقية للمهتمين بعلوم المناخ وتغيره، وهما -معا- يقدمان، بدرجة واسعة من التفصيل، مراكز انطلاق قوية ذات قاعدة علمية بحتة يمكن لك بعدها أن تتبحر بشكل أوسع في موضوعاتها، كلٌّ على حدة. وكرفيقه السابق، يُقدَّم المساق في صورة لافتة للنظر، وممتعة، وممنهجة، ومسكونة بكم واسع من المصادر بين كتاب ومقال وتقرير لجنة مناخية أو مؤتمر عالمي، مع بعض الأنشطة الأخرى، علما بأن كل المساقات المعروضة في هذا التقرير لا تقدم ترجمة عربية لكنها تقدم حاشية (subtitle) سفلية بالإنجليزية تسهل عليك تخطي حاجز لكنة المقدم.

    

جدير بالذكر أن منصتي "Coursera" و"Edx" يقدمان مجموعة مهمة من المساقات في علوم البيئة (Environmental Sciences) أو الإيكولوجيا (Ecology)، وكذلك في التغير المناخي (Climate Challenge) أو المناخ (Climate)، تجدها فقط بالبحث عن تلك الكلمات السابقة في قائمة البحث الخاصة بكل من المنصتين، في الحقيقة لم يسع الوقت لكاتب التقرير أن يتأمل، بدرجة من التفصيص، كل تلك المساقات، لكنه كان لافتا للنظر أن يجد مساقات في موضوعات متعلقة تحديدا بمناخ القارة الأفريقية، والدول النامية، وكذلك في العلاقة بين التغير المناخي والتنمية المستدامة، أو الاقتصاد، أو السياسة، مع مساقات يشرح كل منها أحد الموضوعات الجزئية في موضوعات التغير المناخي بدرجة أكبر من التفصيل.

  

  

إلى درجات أكثر تفصيلا
 دعنا الآن ننتقل إلى مساق أكثر تفصيلا، يقدمه الدكتور رونالد سميث من جامعة ييل، في "الغلاف الجوي، المحيطات، والتغير البيئي" (The Atmosphere, the Ocean, and Environmental Change)، يستكشف هذا المساق العمليات الفيزيائية التي تتحكم في غلاف الأرض الجوي والمحيطات والمناخ. ويشتمل على مواضيع كالغيوم والأمطار والعواصف الشديدة والمناخ الإقليمي وطبقة الأوزون وتلوث الهواء وتيارات المحيط والإنتاجية والمواسم وظاهرة النينيو وتاريخ مناخ الأرض والاحترار العالمي والطاقة وموارد المياه.

  

يعرض المساق -تقريبا- للموضوعات الرئيسية في سابقَيه، لكن مع ثلاثة فوارق أساسية، أولا فارق الدسامة، فكل من المساقين السابقين لم يتخط عدد ساعات المحاضرات فيه عشر ساعات، أما هذا المساق فيتخطى حاجز الثلاثين ساعة، مع درجة أوسع وأوضح في التفصيل في الشرح، ثم -ثانيا- يركز هذا المساق بشكل أكبر على العمليات المناخية نفسها، وليس على التغير المناخي فقط، ثم -ثالثا- فإن هذا المساق يُقدَّم في صورة محاضرات جامعية عادية وليس على شاكلة منصات "Edx" أو "Coursera"، وهي الطريقة التي قد يفضلها البعض عن غيرها، خاصة وأن المساق يرشّح لك مرجعا لاستذكار دروسك منه، وهو "أساسيات علم الأرصاد الجوية" (Essentials of Meteorology) لدونالد آرينز.

  

يبدأ المساق بالجانب الفيزيائي لعلم المناخ ثم ينتقل إلى شرح ظواهر الغلاف الجوي، كالغيوم، والأمطار، والأعاصير، وتغير الغلاف الجوي خلال الفصول الأربعة، ثم إلى عدة محاضرات متتالية عن المحيطات، ثم عدة محاضرات أخرى عن محتوى الأرض من الثلج وآليات التغير الحاصلة في كم هذا المحتوى، ثم في الثلث الأخير من المساق، والذي يمتد لـ 34 محاضرة كاملة، يبدأ في التعرض لتأثير البشر على كوكب الأرض، سواء عبر التغير المناخي، أو التلوث. يصلح هذا المساق لطلبة السنوات الأولى الجامعية.

  

للوهلة الأولى تبدو تلك الموضوعات المتعلقة بالمناخ وتغيره جامدة، باردة، لا متعة فيها، وقد يبدأ البعض بدراستها فقط لاهتمامه بالتغير المناخي، لكن -على عكس المتوقع- فإن دراسة العلوم البيئية والمناخية، وفلسفتها، تعطيك وجهة نظر مختلفة عن العالم، ذلك لأنها تتحدث بالأساس من وجهة نظر منظوماتية تعمل كل أطرافها بشكل متناغم لإنتاج ما هو أكبر من قدراتها مجموعة، على عكس التصورات الاختزالية الشائعة.

   

من جهة أخرى فإننا، هنا في الوطن العربي مثلا، في حاجة ماسة إلى أن تنتشر الثقافة البيئية والمتعلقة بالتغيرات المناخية بين الجمهور العام وطلبة العلوم والسياسة والاقتصاد على حد سواء، لأن تلك -بكل بساطة- هي قضايانا، نحن أكثر المتضررين من أثر التغير المناخي، والأكثر لا مبالاة تجاهه كذلك، والأسوأ من هذا هو ألا تجد اهتمامات سياسية أكثر اتساعا بتوضيح تلك القضايا للمواطن العادي وحثه على اتخاذ موقف واضح منها، لذلك فإن محاولة التعلم عنها بصورة شخصية وبجهود ذاتية، حتّى وإن كنت غير متخصص، هو شيء جيد في النهاية.

     
undefined
المصدر : مواقع التواصل الاجتماعي