شعار قسم ميدان

تراها بعينيك مساء اليوم.. دليلك الخاص لمتابعة أمطار الشهب

ميدان - أمطار الشهب

قديمًا، بينما كنّا أطفالًا، كان أكثر ما يمتعنا هو أن نلتقط شهابًا بالصدفة بينما نرفع رؤوسنا إلى سماء الليل، وبسبب ندرة تلك الظاهرة تصور كثير من البشر أن هذا قد يرتبط بتحقيق أمانيهم، لكن الكثيرين لا يعرفون أن تساقط الشهب قد يحدث بغزارة. في أغسطس هذا العام مثلًا، والذي أبى أن يمر دون أن يمتعنا بظاهرة فلكية مميزة تخفف من وطأة الحر الشديد، إنها أمطار الشهب، نراها في الليلة التي تقع بين مساء يوم الأحد 12 أغسطس، وفجر اليوم التالي 13 أغسطس، حيث ستتساقط الشهب بمعدلات لا تحدث طوال العام. في الطبيعي يمكن لك أن ترى شهابًا أو اثنين بالصدفة، لكن في تلك الليلة تحديدًا يمكن أن ترى حتّى 150 شهاب في الساعة الواحدة!

 

لماذا تمطر السماء شهبًا؟!

الأمر بسيط، تخيّل أنك تقود سيارتك الآن، ثم يحدث أن تدخل في سحابة خفيفة من الدخان سببتها شجرة مشتعلة بجانب الطريق، هذا هو ما يحدث بالضبط في السماء(1)، فبينما تدور الأرض حول الشمس مرة كل 365 يوم، تدخل في بقايا صخرية تركها مذنب أو كويكب أثناء مروره من تلك المنطقة، حينما يحدث ذلك تخترق تلك البقايا الصخرية أثناء دخولها للغلاف الجوي للأرض بسرعات كبيرة تصل إلى 75 كيلومتر في الثانية الواحدة، هذه هي الشهب التي نراها في السماء.

  undefined

 

تمر الأرض بمجموعة من تلك الصخور الصغيرة مرة كل عدة أسابيع (35 مرة في السنة(2))، فنرى الشهب في تلك الفترة، وقد تكون أعداد الشهب كبيرة أو صغيرة حسب حجم تلك البقايا الصخرية (سحابة الدخان) التي تمر بها الأرض، فكل واحدة منها هي شهاب منتظر أو ربما عدة شهب، وهناك درجة عالية من الاختلاف بين أعداد الشهب في تساقطات -أو زخّات- الشهب المختلفة، فقد نرى في ليلة واحدة حتّى 400 شهاب كما سيحدث يوم الأحد، أو قد نرى 10 شهب فقط.

 

هل نراها كل عام في نفس الموعد؟

لذلك فإنه على الرغم من كثرة زخّات الشهب (meteor showers) سنويًا، والتي تتكرر في نفس الموعد، إلا أن هناك مرتين فقط يمكن أن نرى خلالها – هنا في الوطن العربي – عدد كبير جدًا من الشهب في ليلة واحدة وبشكل واضح، الأشهر والأهم هي ما نسميه بـ "زخّة البرشاويات"، شهب الصيف، تلك التي سنراها بأعيننا يوم الأحد، حينما تمر الأرض في بقايا مذنب "سويفت تتل(3) 109P/Swift-Tuttle"، ثم تأتي "التوأميات" في شهر ديسمبر، حيث يمكن أن نرى ليلة 13 ديسمبر ما قد يصل إلى 100 شهاب في الساعة، إنها شهب الشتاء والطقس البارد!

  

لا تبدأ أمطار الشهب فقط في تلك الليلة التي نحددها، بل تبدأ قبلها بعدة أيام وتنتهي بعدها بعدة أيام، البرشاويات مثلًا تبدأ من 17 يوليو حتى 24 أغسطس، خلال كل تلك الفترة يمكن أن نرى عدد من الشهب في السماء، وهو يزداد تدريجيًا كلما اقتربت الأرض من مركز انطلاق الشهب، لكن فقط في أوج(4) الزخة، حينما تمر الأرض بالكم الرئيسي من تلك الصخور، ويحدث ذلك ضمن نطاق عدد قليل من الساعات، يمكن أن نرى أكبر عدد ممكن من الشهب، ثم بعد ذلك ينخفض عدد الشهب خلال الأيام التالية.

 

ما الوقت المناسب للخروج ورؤية الشهب؟

undefined

 

الآن ربما يتبادر إلى ذهنك سؤال آخر هام، فأنت لا تود أن تجلس لتنتظر الشهب طوال الليل، لذلك دعنا نوضح أن أفضل موعد لرصد الشهب سيكون(5) بعد انتصاف الليل في 12 أغسطس، وحتّى الرابعة من فجر 13 أغسطس، بتوقيت القاهرة (جرينتش + 2)، حيث تنشط الشهب كلما اقتربنا من الصباح، ولحسن حظنا، هنا في الوطن العربي، أن قمة تلك الزخّة فعليًا ستكون في تلك الفترة التي تقع في الليل عندنا، بينما في الدول التي تقع بالجهة الأخرى من العالم، سوف تكون تلك الفترة ضمن ساعات النهار، لذلك لن يتمكنوا من رؤية الكثير من الشهب.

 

إلى أين أذهب لرؤية الشهب؟

تقول القاعدة، ببساطة، أنه كلما ابتعدت عن ضوء المدينة كلما كان أفضل، إذا كنت في الصحراء مثلًا يمكن أن ترى عددا كبيرا جدًا في تلك الساعات الأربع قد يصل إلى 500 شهاب، أمّا إن كنت تعيش في مدينة ضخمة كالقاهرة مثلًا فربما ترى حتّى 30-60 شهاب فقط في الليلة كلها، وذلك لأن التلوث الضوئي يقلل من قدراتك على رؤية الشهب بشكل درامي، لذلك يسافر البعض ضمن فاعليات فلكية لرصد الشهب في مناطق نائية، لكن في كل الأحوال، وكما نقول نحن هواة الفلك، فإن سطح منزلك هو أفضل مرصد ممكن، يحيلنا ذلك إلى سؤال آخر مهم.

  

ما هي الأدوات المطلوبة لأرى الشهب؟

undefined

 

زخّات، أو أمطار، الشهب هي ظاهرة فلكية ممتعة لا تتطلّب أية أدوات، فقط عينيك المجردتين، اصعد إلى سطح المنزل وجهز مكانًا للاستلقاء على الأرض بشكل مريح، سوف يكون من الممتع كذلك أن تجهز بعض الشاي والعصائر، ويمكن أيضًا أن تدعو الأحبة، الأصدقاء، وأطفالك، أو العائلة كلها، لقضاء تلك الليلة فوق سطح المنزل وانتظار الشهب، حيث تحلو الظواهر الفلكية دائمًا، وتكون أمتع ما يكون، بالرفقة. إنها حفلة سماوية مجانية لن تكلفك شيئًا.

 

أين أنظر في السماء؟

في تلك النقطة ربما سوف تتساءل عن موضع خروج الشهب من سماء الليل، في الشمال أم الجنوب؟ بالأعلى أم على الجانب؟ هنا يمكن أن نتّبع قاعدة مختصرة تقول "انظر فوقك تمامًا وسوف ترى الكثير من الشهب"، لكن إن أردت بعض التوضيح فدعنا نتساءل عن سبب تلك التسمية الغريبة التي تمتلكها تلك الأمطار الشهابية، إنها "البرشاويات".

 

لكل زخة شهابية مركز تخرج منه في سماء الليل، لهذا المركز علاقة بميل اتجاه الأرض أثناء مرورها بالبقايا الصخرية، لذلك نسمّي الزخة الشهابية باسم مجموعة النجوم التي خرجت منها، الشهب في الحقيقة لا تخرج من مجموعة النجوم  نفسها ولا علاقة لها بها من قريب أو بعيد، ولكن تلك النجوم تتواجد فقط في خلفية مركز انطلاق الشهب، لذلك نسميها باسمها، وهذه المرة سوف تخرج الشهب من منطقة (كوكبة) تسمى "برشاوس(6) Perseus".

undefined

وبرشاوس هو بطل في الميثولوجيا القديمة تمكن، عبر حيلة ذكية، من قطع رأس ميدوسا ذات الثعابين، تلك التي إذا نظرت لأي شيء حي حولته لصخرة فورًا، تقول الأسطورة القديمة أن برشاوس بعد أن قطع تلك الرأس ذهب مسرعًا لينقذ الأميرة أندروميدا والتي كانت مقيدة بالسلاسل في صخرة مطلة على البحر، وقبل أن ينطلق الوحش قيطس الضخم لقتلها وجه برشاوس رأس ميدوسا ناحيته فحولته لصخرة في الحال، في الحقيقة تدعونا تلك الحكايات القديمة دائمًا لتأمل درجة الشبه بين برشاوس -مثلًا- والمنتقمون في قصصنا المعاصرة Avengers!

  

 أما إذا أردت الوصول بدقة إلى المنطقة التي ستنطلق منها الشهب، فيمكن لك أن تبحث في السماء أثناء خروجك لمتابعة الشهب عن مجموعة نجوم مميزة جدًا تشبه حرف W بالإنجليزية، تلك هي "ذات الكرسي أو كاثيوبيا Cassiopeia، ملكة أثيوبيا السمراء التي – حسب الأسطورة القديمة – أغضبت إله البحار فأرسل وحشًا لقتل ابنتها، يمكن لك استخدام تطبيقات فلكية بسيطة كـ Google Sky Map، لكن في كل الأحوال فإن الشهب – كما قلنا – ستملأ السماء في كل مكان، فقط استلق وانظر للأعلى.

 

هل يمكن فعلًا أن أرى حتّى 150 شهابًا؟!

في الطبيعي يمكن، في منطقة صحراوية نائية، أن ترى حوالي 100-150 شهابًا في الساعة بالنسبة للبرشاويات، لكن ذلك ليس الحد الأقصى لتلك الزخة، يحدث من عام لآخر أن تنفجر إحدى الزخات بما هو أكثر من ذلك. في عام 1993 مثلًا7 انطلقت أمطار البرشاويات بحوالي 350 شهاب في الساعة، مما كان مصدر سعادة غامرة لكل متابعيها في العالم، أما عام 1833 فقد سجل التاريخ أكبر زخة شهب غير متوقعة، 100000 شهاب في الساعة الواحدة، في زخّة أخرى، وكان مشهدًا بديعًا للغاية، نأمل هذا العام أن تحالفنا الظروف ونلتقي بإحدى تلك الزخات الكثيفة غير المتوقعة، خاصة أن سقوط شهب البرشاويات سيحدث في ليلة خالية من القمر، ما يضاعف فرصتنا لرؤية شهب كثيرة.

 

هل يمكن أن تصيبني تلك الشهب بشيء؟

 

تحترق تلك البقايا الصخرية الخاصة بالمذنب أو الكويكب على مسافة كبيرة جدًا فوق سطح الأرض، حوالي 120 كيلومتر، لكن رغم ذلك، بسبب لمعانها الشديد، خاصة حينما يكون الشهاب كبيرا ولامعا جدًا وكرويًا، يسمى عندها كرة نارية8 (Fireball)، نظن ونحن على الأرض أنها قريبة جدا منّا، وربما سقطت هناك خلف التل أو المباني، أو ربما تصطدم بنا، لكن ذلك غير صحيح، في أقصى الحالات ينتهي احتراق الشهاب كاملا قبل اثني عشر كيلومتر من الوصول للأرض.

  

لكن الأكثر متعة، أثناء مراقبة الشهب، هو أن تتأمل اختلاف ألوانها(9)، والذي يشير بدوره إلى مكونات البقايا الصخرية المحترقة، فإذا ظهر الشهاب باللون الأصفر، فذلك يعني طغيان الحديد على تكوينه، وهو الأكثر شيوعًا، أما إذا ظهر بلون مائل للأحمر، فيعني ذلك وجود الصوديوم، والأزرق المائل للأخضر يعني وجود عنصر الماغنيسيوم، وهكذا تختلف ألوان الشهب حسب مكونات تلك الصخور، لكن ما يلفت الانتباه حقًا لتلك الظاهرة هو أن تلك الصخور التي تشتعل أمامك في تلك الليلة كألعاب نارية، عمرها 4.5 مليار سنة!

  
undefined

الظواهر الفلكية هي عرض سماوي مجاني، سينما تفتح أبوابها للبشر، سوف يكون من الممتع والملهم حقا أن تجمع العائلة أو الأصدقاء والأحبة لمتابعة الشهب بعد انتصاف ليل 12 أغسطس إلى فجر 13 أغسطس القادم، فوق سطح المنزل لا أكثر. متابعة الظواهر الفلكية تعطينا قدرا من الراحة، قدرا من البراح في صدورنا، فننسى العالم الخارجي لوهلة، ونستشعر اتصالا حقيقيا مع الكون الواسع. الطقس حار، والعالم أكثر ازدحامًا من أن تلتفت له، جرب ذلك، اخرج لسماء الليل وتأملها، لن تخسر شيئا.

المصدر : الجزيرة