شعار قسم ميدان

باللغة العربية.. خمس مجلات علمية يجب أن تقتنيها بشكل دوري

ميدان - مجلة يقرأ يطلع

لطالما لاقت ترشيحات الكتب اهتماما واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي وهنا في القسم العلمي في "ميدان"، حيث حرصنا دائما على إمداد القرّاء بمصدر مستمر للكتب الجيدة في مجالات متنوعة، لكن على الرغم من ذلك فإن الوطن العربي حاليا يزخر بمصدر ممتع آخر للقراءات العلمية والعامة، وهو الدوريات العالمية الشهيرة والتي تترجمها بعض المؤسسات إلى اللغة العربية، ويمكن لك بسهولة أن تحصل عليها من أقرب بائع جرائد في محيطك.

    

المجلات أفضل من الكتب في بعض النقاط، فهي أولا تقدم موضوعات متفرقة غير مرتبطة ببعضها البعض ما يزيح بعض الملل عنك، كما أن المقالات الطويلة بها قد تغنيك عن قراءة كتاب كامل في موضوعات قد لا تهتم لها كثيرا، لكن أهم مزايا المجلات هي أنها تُطلعك على مستجدات الاكتشافات العلمية أولا بأول، فيمكن لك أن تُكوّن موقفا صلبا عن وضع البحث العلمي الحالي في موضوعات تهتم لها كثيرا، وكونها تصدر بشكل دوري يشجعك على القراءة بشكل دائم، كما أن أسعار تلك المجلات التي سنتحدث عنها الآن مخفّضة ما يعني أنك قادر بسهولة على شرائها.

  

ناشيونال جيوغرافيك.. كنز القرّاء

undefined

  

حسنا، دعنا الآن نترك المقدمات الطويلة ونبدأ فورا بالغوص في الطبعة العربية التي تصدر من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" واسعة الشهرة، تمتلك تلك المجلة ثلاث مزايا أساسية تجعل منها هدفا أساسيا لك كل شهر، الأولى تتعلق بالملفّات التي تناقشها أعداد المجلة، فلكل عدد ملف رئيس قد يمتد ليشمل 35-40 صفحة كاملة من العدد، ما يعني بحثا عميقا للغاية، بالنسبة لقارئ عام، في تلك الموضوعات، أضف إلى ذلك أن أسلوب التقديم يكون دائما صحافي الطابع تماما، يحمل توجها استقصائيا وقصّة بداخله ويستخدم أسلوبا بسيطا للغاية لا يمل القارئ منه.

 

الميزة الثانية هنا هي استخدام الصور والإنفوغرافيك، فكل تقرير يدعّم بعدد ضخم من الصور البديعة والأشكال التوضيحية المصممة بعناية شديدة، بالطبع نعرف أن مؤسسة "ناشيونال جيوغرافيك" لها نطاق عمل خاص بالصور والفيديوهات ما يضفي على مجلّاتها درجة واسعة من الروعة بسبب هذه الإضافات، "ناشيونال جيوغرافيك" كذلك عادة ما تقدم هدايا في أعدادها، سواء كانت قرصا مدمجا لإحدى حلقات القناة أو ربما الروزنامة السنوية.

 

لكن أفضل ما يمكن أن تقدمه "ناشيونال جيوغرافيك" هو الإنفوغرافيك الضخم في صورة "ملصق" من القطع A أو A1، بطول يتخطى حاجز المتر وعرض أقل قليلا، تتنوع موضوعات تلك اللوحات بصورة شديدة، فتارة تتحدث عن غابات الأمازون في صورة خريطة واسعة، وتارة تحدثك عن رحلات الطيور فترسمها على خريطة العالم، وتارة تصف لك شكل الكون، أو فقط تتحدث عن المريخ وترسم لك خريطة بديعة للكوكب يمكن أن تعلّقها على جدار حجرتك.

 

العلوم للعموم.. الآن بالعربية

undefined

   

تعد مجلة "العلوم للعموم"، الترجمة العربية لـ "Popular Science"، واحدة من أشهر وأقدم المجلات التي تقدم العلم للعامة في العالم كله، تهتم المجلة بالموضوعات التقنية والعلمية على حد سواء، وتقدمها في صور متنوعة الطول والسهولة والأسلوب، فمن جهة تجد المقالات الطويلة التي تختص بتوضيح موضوعات بعينها كالثقوب السوداء مثلا أو الانفجار العظيم أو تاريخ علم الفلك الإسلامي على سبيل المثال، ومن جهة أخرى فإن المجلة كذلك تقدم فئة قصيرة من التقارير الممتعة والمهمة في آن.

  

على سبيل المثال سوف تجد في المجلة قسما للحقائق، والذي يتعرض بتفصيل قصير لبعض الظواهر أو الموضوعات التي يتساءل عنها القراء، مثلا "كيف اكتُشفت المجموعة الشمسية؟"، أو "لماذا يتم تأخير إطلاق الصواريخ بكثرة؟"، أضف إلى ذلك قسما يتطرق بشكل أكثر عمقا لموضوعات تلفت انتباه قراء العلوم كـ "دليل مختصر – كيف تصبح رائد فضاء؟"، مع قسم آخر بعنوان "على فكرة" يناقش موضوعات مبسطة مهمة للقارئ المبتدئ.

   

تصدر المجلة كل شهرين، لكل عدد منها شخصية خاصة تميزه، وتختلف عن سابقتها بقطاعها العريض من الجمهور، فهي تخدم الفئات العمرية بداية من 15 سنة وتحرص في موضوعاتها القصيرة والطويلة على مراعاة هذا الجانب، من جهة أخرى فإن إحدى أهم مزايا المجلة هو تنوّعها بين كافة أشكال الموضوعات، فتجد عددا من الموضوعات الخفيفة المقدمة في صورة إنفوغرافيك، وملفات ضخمة عن شخصيات علمية بعينها، أو موضوعات لعلماء يحكون عن مغامراتهم العلمية، مع تعريف بآخر الإنجازات العلمية خلال الفترة السابقة، وقسم خاص للإجابة عن أسئلة القراء بصورة علمية.

   

كيف تعمل الأشياء؟

undefined

  

لا شك أن حديثا عن المجلات العالمية المترجمة للعربية في النطاق العلمي يجب أن يتضمن النسخة العربية من "How stuff works?" تحت اسم "كيف تعمل الأشياء؟"، إن أول ما يمكن أن تلتفت إليه في هذه المجلة هو ألوانها الباهرة وحجمها الكبير، فصفحتان منها إلى جوار بعضهما البعض يصنعان معا ما يشبه "ملصقا" أو لوحة ضخمة، والمجلة تستغل تلك الخاصية ببراعة شديدة، فهي أشبه ما يكون بالقصص المصورة، مع فارق واحد، وهو أنها تقدم جرعات دسمة للغاية من العلوم.

   

كسابقتها، تناسب المجلة فئات عمرية واسعة تبدأ من عمر المراهقة ولا تنتهي بحدٍّ معيّن، يمكن للجميع أن يقرأها ويستمتع بما تقدم، تعمل المجلة بفلسفة تلتف حول عنوانها، فبجانب كمٍّ واسع جدا ومتنوّع من الموضوعات، تهتم المجلة بشرح آليات عمل أيٍّ من تلك الموضوعات التي تناقشها، مع استخدام مميز للتصميمات والإنفوغرافيك في هذا الشرح، المجلة كذلك تقدم نطاقا واسعا من درجات العمق، فتجدها في بعض الأحيان تشرح جزئيات صغيرة، أو تخصص قسما خاصا لموضوع بعينه، كنهاية الكون مثلا أو الثقوب السوداء.

   

هناك أقسام شبه ثابتة في المجلة، كاستعراض الكتب ونادي الأذكياء الذي تتحدث موضوعاته في أسئلة دارجة مثل "لماذا نأخذ بعض الأدوية مع الماء والبعض الآخر مع الطعام؟"، أو "كيف تعمل سماعات الأذن؟"، لكن ما يمكن أن يكون مميزا حقا في "كيف تعمل الأشياء" هو قسم الفضاء الزاخر بإبداعات تصميمية وتبسيطية ممتعة، المجلة كذلك تقدم في كل عدد إنفوغرافيك ضخما في صورة لوحة -توجد بصفحتي المنتصف- يمكن أن تعلقها على جدار حجرتك.

   

العلوم.. أو ساينتفك أميركان بالعربي

undefined

  

تعد الطبعة العربية من الدورية الأكثر شهرة في العالم "ساينتفك أميركان" (Scientific American) أحد أقدم الإصدارات المترجمة في هذا النطاق، كانت تصدر كل شهرين وتابعها كاتب التقرير منذ أن كان مراهقا في المرحلة الثانوية، تصدر الدورية منذ عام 1986 في الوطن العربي وكانت مشكلتها الأساسية مع القرّاء هي صعوبة الترجمة، لكنّ قراء المجلة المخضرمين كانوا فورا يدركون أن المشكلة ليست في صعوبة الترجمة بقدر تكيّفهم معها، فمع الوقت يصبح الأمر أسهل وأكثر وضوحا.

   

تلك النسخة من المجلة تهتم بالأساس بعرض مجموعة من المقالات الطويلة والثرية للغاية التي تنشرها المجلة الإنجليزية الرئيسية على مدى عدة شهور، دائما ما تكون اختيارات فريق التحرير عميقة وجذابة وممتعة، هناك الكثير من الأقسام للمجلة، لكن الشخصية الرئيسية لها تعتمد بالأساس على تلك المقالات الطويلة الأكثر رصانة من المجلات الثلاثة السابقة لها، فرغم أنها مقدمة للعامة، فإنها تحتاج إلى الكثير من التركيز والتمهّل، لكن النتائج لا شك تستحق كل التعب الممكن.

   

لم يصدر هذا الشكل منذ فترة طويلة، لكن حاليا يمكن لسكان دولة الكويت، وبعض الدول العربية، أن يحصلوا على نسخة شهرية من المجلة تصدر من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الإصدار الشهري يحوي عددا أقل من المقالات الطويلة والعميقة ويقدم خوضا أكثر في الأخبار العلمية والإنفوغرافيك ومراجعات الكتب وغيرها، لكن "العلوم" في كل الأحوال هي مجلة القارئ الرصين، الذي يحب الخوض أكثر في موضوعات أكثر عمقا.

   

الثقافة العالمية.. حقا ممتعة

undefined

  

دعنا في نهاية رحلتنا مع المجلات العلمية العربية نَحِد قليلا عن خط سيرنا ونتحدث عن مجلة أكثر تنوعا، فهي لا تقدم موضوعات علمية فقط وإنما تنطلق لكل أشكال الثقافة، لكن من المؤسف حقا أن توجد مجلة "الثقافة العالمية" عند باعة الجرائد في كل الوطن العربي تقريبا ولا يعرف أحد شيئا عن أهميتها وروعتها وقيمتها بالنسبة لكل قارئ أو مهتم بالثقافة في العموم، من لا يقتني "الثقافة العالمية" يفوت على نفسه كنزا كبيرا يصدر كل شهرين.

   

المجلة، ببساطة، تجمع في كل عدد نحو 20 مقالا مترجما من أشهر الدوريات العالمية مثل "ساينتفك أميركان"، "نيتشر"، "آيون"، "ذا إيكونوميست"، "ذا أتلانتيك"، "تيكنولوجي كوارترلي"، إلخ، تهدف بالأساس لتقديم المقالات الطويلة والدسمة، وهو ما نفتقده كثيرا في المحتوى العربي، في الحقيقة فإن هدف منصة "ميدان" بالأساس، في اختيارات الكتابة والترجمة، كان أيضا سد تلك الخانة الفارغة والتي يحتاج القارئ العربي إليها أكثر من أي شيء آخر.

   

وذلك لأن هذا النوع من المقالات والتقارير الطويلة يقف في المسافة الفارغة بين الكتاب والمقالة أو التقرير القصير أو الخبر، يمكن لمقال طويل واحد عن الثقوب السوداء أو فلسفة فاينمان أو حرية الإرادة أن يساعدك كثيرا إذا كنت تمل قراءة الكتب، أضف إلى ذلك أن اختيارات مجلة الثقافة العالمية عميقة بطبعها وأكثر رصانة من الأربعة السابقة لها، لكنها تستحق الاقتناء لا شك لقارئ عادي يتمنى أن يخوض قليلا في موضوعات كتلك.

   

حسنا، انتهت رحلتنا مع الدوريات العلمية العالمية المقدمة للعامة. تقترب الإجازة الصيفية يوما بعد يوم، ومقال طويل -مهما كان طويلا- لن يأخذ من وقتك أكثر من نصف ساعة. تأمل الأمر قليلا معي، ماذا لو قررت قراءة 30 مقالا كل شهر في موضوعات متنوعة؟ يعني ذلك، في المتوسط، عشر ساعات فقط، إنه أقل من الوقت الذي تقضيه أسبوعيا في تأمل الصفحة الرئيسية بلا هدف، وهو أقل بمراحل شاسعة. فلِمَ لا تجرّب تلك الخطة البسيطة؟ لِمَ لا تنفذها بانتظام؟ صدقني، أقل من أربعة أشهر وستلاحظ الفارق جليا كنور الشمس.

   

سيتسع إدراكك، وستصبح أكثر قدرة على فهم الموضوعات العميقة، وستجد فرصة للاشتراك في نقاشات ثرية وممتعة بين الناس على وسائل التواصل، وبذلك لن تضيع وقتك، بل ستضيف إلى مزاياك. نعيش في عصر متشابك ومعقد، وعقلية ساذجة أو بسيطة أو حتى "عادية" بمعايير التسعينيات لم تعد مفيدة، يجب أن تعقّد أفكارك بمستوى هذا العصر، لذلك فإن القراءة لم تعد مجرد رفاهية يحتكرها المثقفون ذوو النظّارات المقعّرة، بل أصبحت ضرورة أساسية للحياة.

المصدر : الجزيرة