شعار قسم ميدان

مسلسل "Dark".. هل يمكن أن نسافر عبر الزمن ونغيّر مصائرنا حقا؟

اضغط للاستماع

"أين بدأت الأحداث؟ في الماضي أم في المستقبل؟ هل نستطيع يوما أن نعرف سببها؟ أم أنه يوجد سبب قبل كل حدث؟ ماذا لو كان هناك سبب قبله؟ وآخر قبل هذا؟ هل هناك وجود للبداية والنهاية؟ أم أن الأمر كله متصل في دورة لا نهائية؟ وهل البداية والنهاية هما كلمتان مختلفتان للحظة نفسها؟"

                     (مسلسل "ظلام" (Dark) – مقدمة إحدى الحلقات)

في الجزء الأول من رائعته "سيد الخواتم" يرسم جورج تولكين حوارا بين فرودو باجنز، ابن شعب الهوبيت المكلف بحماية الخاتم، والساحر الكبير جاندالف قائد أخوية الخاتم. يقول الأول بحزن واضح: "كم أتمنى ألا يكون هذا كله قد حدث في الزمن الذي أعيش به"، فيرد جاندالف قائلا: "وأنا أيضا، وكذلك كل من يعاصرون مثل هذه الأوقات الصعبة. لكن الزمن الذي نعيش فيه ليس أمرا نقرره بأنفسنا، كل ما علينا فعله هو أن نقرر كيفية التصرّف بالوقت الممنوح لنا".

لا بد أن هذا قد حدث معك يوما ما، حينما ساءت الأحوال وتعقّدت المشكلات للدرجة التي شعرت معها أنه لا حيلة لك أمام كل ذلك، ربما في تلك اللحظة ستود أن تعيش في زمن آخر بعيدا عن هذا الاضطراب الشديد، أو ربما ستتخيّل، لوهلة، أو ربما تتمنى فقط لو أنه أمكن لك العودة بالزمن وإصلاح الأساس الذي بُنيت عليه كل تلك المشكلات، في المسلسل الألماني الذي لقي شهرة واسعة مؤخرا "ظلام" (Dark)، تتحقق تلك الأمنيات بالفعل لبعض الناس، فيتمكّنون من السفر إلى الماضي والمستقبل لمدة ثلاث وثلاثين سنة كاملة، يود كلٌّ منهم أن يُعدّل شيئا ما في الماضي فيغيّر من خلاله مصيرا سيئا ينتظره في المستقبل. لكن هل يمكن لنا أن نفعل ذلك؟

قاتل جدّه

حينما نتحدث عن السفر عبر الزمن، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو "مفارقة الجد"(1)(Grandfather Paradox)، وتقول ببساطة إنه إذا كان من الممكن لأحدهم أن يسافر إلى الماضي، فيمكن له إذن أن يلتقي بجده بينما ما زال طفلا صغيرا، لكن ماذا لو قرر هذا الشخص أن يقتل جده؟ يعني ذلك أن جده لن يتمكّن من إنجاب أبيه، بالتالي لن يتمكّن أبوه من إنجابه، لكن ذلك يعني أنه لن يكون موجودا ليسافر عبر الزمن ويقتل جده من الأساس، لكن ذلك بدوره يعني -حاول أن تحافظ على تركيزك هنا- أن جدّه لن يُقتل، بالتالي سيظهر هو إلى الوجود مرة أخرى ويسافر ليقتل جدّه.. وهكذا تستمر المفارقة بلا حل.

undefined

المفارقات مهمة، لأنها تشبه العلامات على الطريق، تلك التي توجّه الفيزيائيين إلى أماكن المحاولات الجديدة لإيجاد حلول، يستخدم بعض الفيزيائيين مفارقة الجد دليلا على أن السفر عبر الزمن غير ممكن لأنه يتعارض مع طبيعة الكون في حفظ ترتيب أحداثه، كان ستيفن هوكينغ على سبيل المثال يرى أن هناك وكالة لحماية التسلسل الزمني لأحداث الكون تمنع ظهور أي حلقات زمنية تسافر للماضي، مما يجعل الكون آمنا للمؤرخين، ويقصد هوكينغ ما يُسمى بـ "حدسية الحفاظ على التسلسل الزمني للكون"(2) (Chronology protection conjecture)، والتي تنص على أن قوانين الكون ستمنع السفر عبر الزمن على كل المستويات عدا المستوى دون الذري، من أجل حماية خط الأحداث.

كذلك فإن أحد الحلول المنطقية المقترحة للمفارقات الزمنية، كمفارقة الجد، تتعلق بفرضية الأكوان المتعددة(3) (Multiverse)، ويعني ذلك أنه حينما تسافر إلى الماضي وتقتل جدك فإن الكون في تلك اللحظة يتفرّع ليُنشئ خطّي أحداث كلٌّ منهما في كون مختلف، أحدهما يستمر الجد وتُولد فيه، والآخر يُقتل الجد ولا توجد به، وهما خطان منفصلان تماما كلٌّ يمشي على حدة، لأنه بات هناك ارتباط شرطي بين (أن توجد آلة الزمن – يموت الجد – ولا توجد أنت) أو (لا توجد آلة الزمن – يستمر الجد – وتوجد أنت).

من جهة أخرى فإن البعض، الفيزيائي شون كارول مثلا(4)، يقول إن السفر عبر الزمن قد يكون ممكنا لكنّ شيئا ما سيحدث ليمنعك من تغيير الماضي، لا نعرف هذا الشيء لكن طبيعة الكون -كما اتضح لنا على مدى أربعمئة سنة من المعرفة الفيزيائية- أعجب دائما من أعجب تصوراتنا، المشكلة فقط -في تلك الحالة تحديدا- هي أننا جزء من اللعبة، ولأننا نظن أننا نمتلك حرية الإرادة فسنتصوّر أنه إذا تمكّنّا من السفر إلى الماضي فسنفعل ما يحلو لنا، لكن الكون، كما يمكن له ببساطة أن يجبر الإلكترون على عدم اتخاذ موضع وسرعة محددين في الوقت نفسه، يمكن أن يجبرك على أي شيء، وربما يحدث ذلك في حالة تتصور فيها أنك حر الاختيار، في تلك النقطة يطلب كارول إلينا أن نفرّق بين "حرية الإرادة" وتفسير "عدم قدرتنا على فهم كامل قوانين الكون" على أنه حرية إرادة!!

أما البعض الآخر من الفيزيائيين فيرى، مثل كارول، أنه لا توجد مفارقات بالمعنى المفهوم في عملية السفر إلى الزمن الماضي، على سبيل المثال يمكن أن نتأمل "مبدأ الاتساق الذاتي لـ "نوفيكوف""(5) (Novikov self-consistency principle)، أو ما يُسمى بـ "قانون حفظ التاريخ"، والذي وضعه الفيزيائي الروسي إيغور ديميتريوفيتش نوفيكوف في منتصف الثمانينيات، وينص على أنه في حالة وجود حدث من شأنه أن يتسبب في مفارقة أو أي "تغيير" في الماضي مهما كان، فإن احتمال ذلك الحدث هو صفر. يعني ذلك أنه إن أمكن لك السفر إلى الماضي فلن تتمكّن من تغيير أي شيء يمكن أن يؤثر في المستقبل.

حلقات لا نهائية

يحاول نوفيكوف في تلك النقطة -وكذلك هوكينغ وشون كارول- أن ينقذنا من شيء آخر غاية في الإثارة، مفارقة أخرى تتعلق بالسفر عبر الزمن، لفهم تلك الفكرة دعنا نرجع من جديد إلى "مفارقة الجد"، لكننا سنعدل من خط سيرها قليلا، حيث سنفترض أنك سافرت إلى الماضي بالفعل وبينما تتجول في شوارع القاهرة بالعام 1960 وتتابع آخر خطوط الموضة وجدت أن أحدهم يرفع سلاحا في وجه جدك وينوي قتله، لكنك في اللحظة الحاسمة تتدخل وتمنعه من ذلك وتتسبب في إبقاء جدك على قيد الحياة، لكن ذلك يعني أنك لو لم تساعد جدك لمات ولم يكن لينجب أباك ولن تظهر أنت للوجود.

بناء على ذلك، فإن سفرك للماضي كان بالأساس جزءا من خطة الكون المحسوبة سابقا، حيث إن وجودك ذاته يعني أن كل شيء في حياتك كان محددا بشكل دقيق تماما -دون أن تدري- بداية من لحظة ميلادك ثم وقوعك في حب الفيزياء ثم زواجك من فتاة تحب الفيزياء فتدعم حلمك بالاستمرار في دراسة الميكانيكا الكمومية في جامعة برينستون حتى تصل إلى تلك اللحظة التي تظن خلالها أنك وافقت بكامل إرادتك على ركوب آلة الزمن التي ابتكرها عالم ألماني ما، ثم تستخدمها لتعود في اللحظة المناسبة التي ستنقذ فيها جدك من القتل ويؤدي ذلك بدوره إلى ميلادك مستقبلا.

     undefined

لذلك، فإن المعضلة الرئيسية التي تواجهنا حينما نفترض وجود هذه "الحلقات المغلقة زمنيا" (Time Loops) هي أن ذلك يعني أنه لا وجود أبدا لما يُسمى بحرية الإرادة. في الواقع، فإن مسلسل "ظلام" (Dark) -الذي يستلهم تلك الفكرة- لا يتحدث عن السفر عبر الزمن بقدر ما يتحدث عن حرية الإرادة، ومن حين لآخر يستدعي فكرة "العود الأبدي" النيتشوية، الفكرة التي تقول إن كل شيء في هذا الوجود، كل الأحداث والأشخاص والنشاطات، ستفنى ثم تعود من جديد بالشكل والصورة والترتيب نفسه، وتتكرر تلك الدورات بشكل أبدي.

بالتالي، ستظن للوهلة الأولى أنه يمكن لك العودة إلى الماضي لتغيير شيء واحد فيتغير المستقبل. كشخص وجد فرصة للسفر في الزمن ستصرخ كلما ساءت الأحداث: "لا تقلق، أنا قادر على تغيير كل شيء"، لكنك لا تدرك أن سفرك للماضي هو ما يتسبب من الأساس في هذا المستقبل الذي تقرر فيه أن تسافر للماضي، وهكذا تدور الحلقات تباعا، لقد كان سفرك للماضي هو بالأساس جزءا من التاريخ.

على سبيل المثال، في العصر الذي تعيش فيه يظهر أحدهم بأذن مشوّهة، تشك أن له دورا في إحداث تلك الكوارث التي تعيش فيها، فتقرر السفر إلى الماضي وقتله، لكنك تذهب إلى الماضي وتضربه على أذنه فتتشوّه فقط لكنه لا يموت، بسبب تلك الحادثة تصيبه صدمة نفسية شديدة فيتحوّل هو إلى شخص شرير فيما بعد، شرير لدرجة أنه سيتسبب لك بالمشكلات التي ذهبت لتقتله كي تمنعها، لكنك أثرتها، وهكذا تدور الحلقات المغلقة.

undefined

في تلك الحالة يكون سبب الأشياء غير واضح، المستقبل هو سبب الماضي، والماضي هو سبب المستقبل، وهذا هو ما نسميه بـ "حلقة سببية مغلقة"(6) (Causal Loop)، حيث يؤدي الحدث A في الماضي إلى الحدث B الآن والذي يؤدي إلى الحدث C في المستقبل، الذي بدوره سيؤدي إلى حدوث A من جديد، بالتالي فإنه لا توجد بداية أو نهاية للأشياء وإنما هي فقط مجموعة من الحلقات المغلقة الأبدية، في تلك النقطة ربما قد تسأل: لكن بالنسبة للحدث الأول فإن الحدث الثاني لم يبدأ بعد، لم يوجد بعد، كيف إذن يمكن تخيّل تلك الفكرة التي تقول إنه محسوب سابقا؟

الفتاة التي أنجبت أمها!

يتعلق هذا الأمر بمفهوم الزمن في النظرية النسبية الخاصة، كلمات مثل "يبدأ" و"ينتهي" و"مستقبل" و"ماضٍ" تُستخدم لوصف تراتبية الأحداث بالنسبة لنا نحن البشر، لكن الكون هو فضاء رباعي البُعد(7) يتّحد فيه نسيج الزمن مع المكان، يجعل ذلك من التعامل مع الزمن والمكان كأمر واحد، فكما نتعامل مع المكان على أنه موجود هناك على اليمين وعلى اليسار وأمامك، الزمن هو الآخر موجود هناك بشكل كامل. لكن لأننا نحن البشر محدودو الإدراك، لا يمكن لنا أن ندرك الزمن كبُعد ممتد هنا وهناك، بالنسبة لكائن في البُعد الخامس، على سبيل المثال، فأنا وأنت سنبدو كنقاط تمتد في الزمان والمكان، من لحظة ميلادنا إلى لحظة وفاتنا. لفهم الفكرة يمكن أن نتصوّر أن الكون هو رواية ضخمة بها 1000 حدث، نحن الآن في الصفحة رقم 220 مثلا، لكن الرواية -زمكانيا- موجودة بالفعل (هذا المثال لغرض التقريب لكنه لا يشرح الفيزياء الخاصة بالزمكان بشكل واضح).

لكن على الرغم من سلامة تلك الحجة الخاصة بحلقات الزمن المغلقة للوهلة الأولى، فإنها غير سليمة، لفهم الأمر دعنا نتصوّر أنك سافرت للمستقبل مئة سنة للأمام، ذهبت إلى قاعة محاضرات فوجدت على السبّورة معادلة تشرح نظرية كل شيء والتي تدمج النسبية في الكوانتم وتحل كل مشكلات الفيزياء المعاصرة فتفتح الباب لتكنولوجيا فائقة، هنا تحفظ المعادلة في ذاكرتك وحينما تعود للعام 2019 تعطيها لصديق يدرس الفيزياء كي يفك شفراتها ويستخدمها، يهتم صديقك بالأمر ويصبح هو مبتكر نظرية كل شيء، وتكتشف أن تلك المعادلة من المستقبل تحمل اسمه بالفعل، لقد كان صديقك هو العالم الذي أوصلها إلى السبّورة.

هل تلاحظ ذلك؟ إن تلك المعلومات الموجودة في المعادلة لم تنشأ من مصدر ما، بل هي حلقة مغلقة، في تلك الحالة لا يمكن للكون أن يقبل وجود هذه المعلومات التي بدا وأنها نشأت من لا شيء، بحسب قانون حفظ المعلومات والذي -ببساطة- يشبه قانون حفظ الطاقة، الطاقة/المعلومات لا تُفنى ولا تستحدث من عدم ولكن يمكن تحويلها من صورة إلى أخرى، في مسلسل "ظلام" (Dark) تظهر إحدى تلك الحالات بوضوح شديد حينما تكون فتاتان هما الأم والابنة بالنسبة لبعضهما بعضا في الوقت نفسه، حيث تنجب إحداهن فتاة تسافر للماضي وتتزوج لتنجب من ستصبح فيما بعد أمها!!

يتعارض ذلك أيضا مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية لأنه يمنع الكون من ترتيب أحداثه بحسب الانتظام والفوضى، لفهم الفكرة دعنا نسأل: لماذا يسير الزمن للأمام؟ إن أهم صفة نلاحظها في الزمن هي الاتجاهية، فهناك الماضي، تلك الأحداث الملقاة في غياهب الطفولة والمراهقة، وهناك "الآن"، تلك اللحظة التي تحدث "حالا"، وهي لحظة غاية في الخصوصية بالنسبة لنا، والمستقبل، ذلك الذي لا نعرف شيئا عنه بعد.

لكن قوانين الفيزياء لا تعرف ذلك التتابع، بالنسبة للقانون الفيزيائي فإن التحرك في الزمن يشبه التحرك في الفضاء، لا يوجد أعلى أو أسفل مثلا، كذلك يمكن للقانون الفيزيائي أن يعمل دائما في كلا الاتجاهين الزمنيين، يمكن له أن يتنبأ بمستقبل نظام ما وأن يتصور ماضيه، لكن في حياتنا اليومية هناك فرق جوهري واحد يمكن رصده بين الماضي والمستقبل، لفهم سببه دعنا نكسّر بعض الكؤوس.

حينما أعرض عليك فيلما قصيرا لكأس به ماء يسقط أرضا ويتحطم، وآخر لكأس ماء محطم تتجمع أجزاؤه لتصنع كأسا به ماء من جديد، هل يمكن أن تحدد أي الفيلمين يُعرض بشكل معكوس؟ بالطبع، لا يمكن لكأس ماء مكسور أن يجمع أجزاؤه من جديد، فالأشياء تنزع دائما لمزيد من الفوضى وليس للانتظام، حيث ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا(8) (Entropy) -لغرض التبسيط، دعنا نعرفها على أنها "عدم الانتظام"- دائما في ازدياد ضمن نظام مغلق (الكون على سبيل المثال).

تتخذ الإنتروبيا اتجاها واحدا دائما وهو الازدياد، هنا يرتبط ازدياد الإنتروبيا بسهم الزمن(9)، حينما نرى مشهدين لنظام ما أحدهما في درجة أعلى انتظاما من الآخر، يمكن لنا تحديد أيهما كان الماضي وأيهما هو مستقبله (الأقل انتظاما)، وحينما نسأل عن النقطة في تاريخ الكون التي احتوت أقل درجة من درجات "عدم الانتظام" سوف تكون الإجابة هي "الانفجار العظيم"، فما الذي يمكن أن يكون أكثر انتظاما من تلك النقطة الكثيفة للغاية؟ بالتالي فإن تلك الحلقات الزمنية التي تحدثنا عنها قبل قليل يمكن أن تتسبب في مشكلة لخط سير الإنتروبيا الكونية المستمرة في الازدياد، لأنها تدور بشيء له الحالة نفسها بين الماضي والمستقبل.

استمع لتحذير الكون

تلك الأنواع من المفارقات والتعارضات مع قوانين عمل الكون، التي يصنعها السفر عبر الزمن إلى الماضي، هي إذن ما دفع الفيزيائيين إلى محاولة إيجاد حلول منطقية لتلك المشكلات، سواء بالرفض التام للسفر عبر الزمن أو إيجاز إمكانه مع شروط، لفهم مدى غرابة التناقضات المتعلقة بالسفر عبر الزمن يمكن أن تتأمل تلك الفكرة التي تقول إنك سوف تسافر إلى الماضي وتلقى نفسك، لنفترض أن ذلك ممكن بطريقة ما.

هل يعني ذلك أنه يمكن لك أن تأخذ شبيهك وتسافرا معا للقاء نسخة ثالثة منكما؟ ماذا لو تمكّنت من السفر دقيقة واحدة إلى الوراء، هل يعني ذلك أنه يمكن لك الحصول على 60 نسخة منك في ساعة واحدة؟ هنا يمكن أن تحصل على جيش كامل في 24 ساعة، أو عدد لا نهائي إذا أردت لأن ذلك مسموح به نظريا، وهكذا تستمر التناقضات التي تتعارض مع طبيعة عمل الكون. لكن تلك المشكلات -رغم ذلك- لا تضع السفر عبر الزمن في خانة "المستحيل"، بل تضعها في منطقة "ربما"، ذلك لأن قوانين الفيزياء تسمح بالفعل -في حالات خاصة من حلول النظرية النسبية العامة على سبيل المثال- بالسفر عبر الزمن.

    undefined

بالتالي، فإنه يبدو أن تغيير المصائر في الماضي يتعارض مباشرة مع طريقة عمل الكون، قد يكون السفر عبر الزمن ممكنا، لكن العبث بالماضي هو أمر يميل الكون إلى معارضته، لا يمنع ذلك الفكرة بالكامل، لكنه ربما إشارة من الكون إلى أن السفر عبر الزمن والعبث بالمستقبل هو أمر خطير، إنها -للمفارقة الغريبة- فكرة مسلسل "ظلام" (Dark) نفسها.

لكن في كل الأحوال، فإن حلول كل تلك المشكلات، سواء التي يعرضها المسلسل أو تواجهها الفيزياء الخاصة بالزمن، لا بد أنها ستظهر يوما ما حينما يتمكن أحد الفيزيائيين من إيجاد نظرية كل شيء، تلك التي تجمع النظرية النسبية مع نظرية الكوانتم في بوتقة واحدة لتتمكّن من تفسير الكثير من الأسرار، ساعتها قد نكتشف أن السماح الفيزيائي بالسفر عبر الزمن هو نتيجة شاذة وغير ممكنة لإحدى المعادلات، أو قد يكون هو جزءا من طبيعة الكون الذي لا نفهمه بعد، لكن إلى حين حدوث ذلك، فنحن في حالة حيرة واسعة تجاه الزمن.

ما هذا "الشيء" العجيب؟ نشعر بوجوده، ونلمس قسوته، لكننا لا نمتلك القدرة على الإشارة إلى كيان ما لنقول "ها هو هناك". ما الزمن؟ هل هو وهم؟ في النظرية النسبية العامة لا نجده، ربما يكون الزمن أشبه ما يكون بورقة فئة مئة دولار، تلك الورقة لا تكتسب أهمية لذاتها كورقة ولكن فيما تُمثّله كطريقة لتبديل الأشياء ببعضها البعض. كذلك الزمن، ربما لا يُمثّل شيئا في ذاته، لكنه قد يكون فقط طريقتنا الخاصة للتعامل مع الأحداث في الكون، لترتيبها بحيث تكون مقبولة ومفهومة سببيا. ربما هو بالفعل وهم، لكنه كورقة فئة مئة دولار، يساوي الكثير.

المصدر : الجزيرة