الجزائر 1-2 تونس؛ خفة ظل ليكينز
ولأن ليكينز هو أحد هؤلاء الذين لا يعرفون سبب تعيينه، فقد منح كاسبرزاك ما يريده بالضبط، وعطل جبهات فريقه معتمدًا على خطة بسيطة جدًا؛ الارتجال.
لذا ورغم تنوع الكفاءات والقدرات في فريقه بشكل يُحسد عليه، ما بين مهاجم صندوق كسليماني وآخر متحرك كغزال، وأجنحة عكسية بثقل محرز وبراهيمي وظهير ناضج كغلام، يدعمهم ثنائي وسط رائع متوحش بدنيًا كبن طالب وقديورة، فشل ليكينز في إقناعنا بجملة تكتيكية واحدة، فبدا براهيمي معزولًا في الجبهة اليسرى، واصطدم محرز بثنائي الارتكاز التونسي القوي بدوره كلما أراد التوغل، ولم ينجح غزال في تحريك اللعب من العمق أو تزويد مهاجمه وجناحيه بأي تمريرات في المساحات خلف مدافعي النسور، واتسمت تحركات الرباعي بالعشوائية المميزة لتلك الظاهرة المتكررة؛ مدرب خطأ في المكان الخطأ، لا يملك إلا الاعتماد على مهارات لاعبيه الفردية بلا دراسة واضحة للخصم وإمكانياته والاحتمالات المطروحة، بل اعتقاد ساذج أن الأسماء كافية لبسط سيطرته على المباراة والفوز بمعركة الاستحواذ، ومن هنا يتولى محرز وبراهيمي وقديورة الدفة، وتحسم فردياتهم المباراة.
وعندما تبدأ أي مباراة بمعطيات كتلك، تكون النتيجة المتوقعة هي ذلك الطابع الذي لاحظه الجميع على ثلاثي الخُضر خلف سليماني، من التمركز الدائم خلف الكرة لا أمامها، وغياب الربط بين الأجنحة لدرجة أن فريق ليكينز لم يلعب عكسية واحدة من طرف لطرف خلال 90 دقيقة، لأن كل من أجنحته يضطر لبدء دورة التحضير من الصفر كلما تلقى الكرة، ورغم ذلك كادت إبداعاتهم أن تحسم المباراة في دقائقها الأولى، حينما منحهم التوانسة المساحات بلا داع أو لغياب التركيز، ولولا تألق المثلوثي رجل المباراة الأول بلا منازع لنجحوا في ذلك.
وعلى عكس المباراة الأولى التي لاحق فيها النسور غياب التوفيق والرعونة أمام المرمى رغم اكتساح السنغال في الشوط الثاني، أتت أهدافهم تلك المرة بلا جهد كبير، ولكن يُحسب لكاسبرزاك أنه هو من منحهم الفرصة لتساوي الحظوظ من الأصل، بإحكام إغلاق عمق الملعب وتحرير المساكني بشكل كامل ما جعله أحد نجوم اللقاء، بالإضافة لمنح التعليمات لظهيري الطرف بالتقدم بحساب، وهو أمر اشترك فيه المدربين وأحد أسبابه أن المباراة غلب عليها التحولات السريعة المباغتة في وسط الملعب قبل الهدف الأول، وحتى في بعض الفترات بعده، وهو ما يبرر عجز ظهيري تونس عن تقديم العون للخزري والسليطي والمساكني في كثير من اللقطات خاصة معلول المميز في هذا الصدد، إذا وضعنا في الاعتبار تحفظ التوانسة المنطقي في البدايات، وهو ما لم يكن مفهومًا لغلام في ظل قدرة الخُضر على الاحتفاظ بالكرة لفترات طويلة نسبيًا في ملعب النسور تسمح له بالصعود.
ولأن صحراء الجزائر لم تسع إلا ثعلبًا واحدًا هو كاسبرزاك، لم يجد ليكينز إلا حلًا واحدًا هو التظاهر بالانهماك في العمل، فقام بعدة تبديلات لم تغير شكل الأداء أو الخطة أو طريقة اللعب والتحضير، ولكن كانت في واقعها محاولة يائسة للتنشيط باستبدال مركز بنفسه دون تعديل تكتيكي، وكأن المشكلة هي حاجة الصحراء لرمال جديدة.
المهم أن ليكينز لم يكن عاجزًا عن تعريف المشكلة، فهو بالتأكيد قد لاحظ اختفاء محرز في ظروف غامضة عقب الهدف الأول للتوانسة، وأن سليماني لم يتلقى التمويل الكافي من العرضيات والطوليات ليستغل قامته في توفير الفرص للثلاثي المندفع بلا رقابة، ولكنه لم يعرف كيفية الحل وارتبك واستغرق في مشاهدة المباراة كالباقين، وكان عليه تحرير ظهيري الطرف لإمداد منطقة جزاء التوانسة بالعرضيات لتشتيت ثنائي الارتكاز وتنويع اللعب ثم استغلال الكرات الثانية، حتى لو ترتب على ذلك إعادة بن طالب لخط الدفاع كليبرو وسط، ولكنه اكتفى بتبديلات غير مجدية وكأنه يربت على أكتاف الجميع بعد مزحة ثقيلة.
العكس حدث مع كاسبرزاك، الذي تولى مسئولية منتخب مأزوم يمر بواحدة من أسوأ فتراته على مستوى المواهب والمحترفين، والنتيجة تذكرنا للمرة الألف أن الأسماء الرائعة لا تصنع فريقًا رائعًا، وأنه حتى مع كتيبة مدججة ككتيبة الثعالب سيظل هناك مساحة لا بأس بها للفشل، وحتى مع منتخب أقل بكثير من المعتاد للنسور مازال هناك مساحات أخرى للنجاح.
المزحة الثقيلة الحقيقية كانت تولي ليكينز المسئولية من البداية، في فترة تشهد فيها الجزائر جيلًا ماسيًا وَجب استغلاله لحصد أكبر كم ممكن من الألقاب، ولا تحتمل قيمته إهدار بطولة سهلة نسبيًا كالنسخة الحالية، ولكن مشكلة ليكينز لم تتوقف عند خفة ظله التي لم ترُق لمحاربي الصحراء، ولكن في غياب بصمته وعجزه عن اقناعهم بوجوده، مشكلة ليكينز الحقيقية أنه بلا ظل من الأصل.