شعار قسم ميدان

فرويد ولعبة "مدرب كرة القدم"

midan - football

ليست لعبة "مدرب كرة القدم" (FOOTBALL MANAGER) بالأمر الهيِّن، فقد ساهمت في العديد من حالات الطلاق، كما كانت موضوعا لفيلمين، وموضوع كتابٍ عن الحيوات التي دمرتها؛ وصل إلى قائمة الأكثر مبيعا.

وفي مهرجان إدنبرة للفعاليات المصاحبة؛ خُصِّصَ عرض "ستاند أب كوميدي" كامل لهذه اللعبة وقدرتها على إفساد الحيوات. حتى أن أثرها وصل إلى كرة القدم الحقيقية؛ فقد وقع نادي إيفرتون الإنجليزي عقدا في عام ٢٠٠٨ مع "سبورتس إنترأكتيف" (الشركة المصنِّعة) كي تسمح لهم باستخدام قاعدة بيانات اللعبة لاكتشاف اللاعبين، وفي عام ٢٠١٢، تولى طالب أذربيجاني يدعى "فوجار حسين زادة" إدارة الفريق الثاني لنادي باكو بناء على تفوقه في لعبة مدرب الكرة، وهو أحد نوادي الدرجة الأولى في أذربيجان. لقد غيرت هذه اللعبة حياة الكثيرين. هذا أمر لا يقبل الشك.

"اللعبة سيطرت علينا عبر المنافسة مع الآخرين، مما جعلها لعبة اجتماعية بجدارة"
ووسط توابع إصدار نسخة مدرب الكرة لعام ٢٠١٦، نطرح سؤالاً: ماذا عن طريقة تأثيرها علينا نحن اللاعبين متوسطي المستوى (وهناك الملايين – حقا – منا) الذين لا يتركون زوجاتهم أو يتلقون عروضا من أحد أندية الدرجة الثانية؟ عندما بدأنا ممارسة اللعبة كان للأمر جانب اجتماعي كبير: لاعبون صغار السن يقضون تجاربهم ويتناقشون حول اللاعبين في المدرسة، وفي العمل، وإلكترونيا.

لقد سيطرت علينا اللعبة عبر المنافسة مع الآخرين، مما جعلها لعبة اجتماعية بجدارة. لكن الظلام سرعان ما يعقب النهار المشمس، فكفَّ اللاعبون عن الممارسة الجماعية أو حتى الحديث عن تجاربهم الخاصة لأي شخص، وتقهقروا إلى حجراتهم المنعزلة ليكتفوا في النهاية باللعب ضد الكمبيوتر لساعات وساعات. وبحلول عام ٢٠١٤، مع ظهور النسخة المحمولة يدا – التي لا تسمح بالممارسة الجماعية – لم يعد أمام اللاعب سوى منافسة "آخرين" افتراضيين. ولم تظهر نسخة تسمح بالممارسة الجماعية من اللعبة ثانية أبدا، وهناك أسباب سياسية لذلك..

undefined

أحد اللاعبين ينشر دليلا على قضاء ٧٨٠٠ يوم في ممارسة اللعبة (نقصد باليوم هنا اليوم الحقيقي المكون من ٢٤ ساعة)


 إن استبدال المنافس الذي يواجهه اللاعب (زميل في الثانوية مثلا) بآخر افتراضي أو متخيل (الذكاء الاصطناعي) لهو أمر فسره "سيجموند فرويد". ففي "ما فوق مبدأ اللذة"؛ إحدى نصوصه الرائدة، يناقش فرويد المتعة التي يجدها الأطفال في ألعابهم قائلاً: لو فحص الطبيب حلق طفل، أو أخضعه لعملية بسيطة لعلمنا أن هذه التجارب المرعبة ستكون موضوع اللعبة القادمة؛ لكن علينا ألا ننشغل بهذا الارتباط عن وجود مصدر آخر للذة.

ففي انتقال الطفل من سلبية التجربة إلى إيجابية اللعبة، فنجده يحاكي تجربته السيئة مع أحد رفاق اللعب، وبهذه الطريقة ينتقم لنفسه من هذا الزميل نيابة عن الطبيب الغائب. توضح هذه العبارة أمرا هاما عن العلاقة بين لعبة مدرب الكرة وبيئة العمل، فيجب النظر إلى تجربة الطفل في العيادة على أنها مماثلة لشعور الموظف في مكان عمله. ففي كليهما خضوع سلبي لأوامر شخصية ذات سلطة. لقد أجريتُ مقابلاتٍ مع عديدٍ من ممارسي اللعبة، وتحدثوا جميعا – تقريبا – عن "مسار مهني بديل"، أو "نجاح" مهني عند التطرق إلى مناقشة أسباب عشقهم للعبة مدرب الكرة. إنها لعبة للموظفين البائسين.

ما نشهده في لعبة "مدرب الكرة" هو استبدال لزميل اللعب الحقيقي بآخر افتراضي كي ينجح كل لاعب في تحقيق انتقامه من الكمبيوتر. فلا يضطر أحد إلى الخسارة في العالم المنعزل الذي تخلقه اللعبة؛ حيث تشن الهجمة الانتقامية على الكمبيوتر لتعويض الهزيمة السلبية التي وقعت في الوظيفة. إذن، تعمل اللعبة على منعنا من مواجهة إحباطاتنا أو التفكير فيها (وهو ما قد يؤدي على الأقل إلى معارضة منظمة أو تمرد). إلا أنها – في الوقت نفسه – تؤثر علينا بشكل مختلف، فتغرس فينا شعوراً ما بالنجاح المهني، الذي يعزز رغبتنا في تحقيق هذا المثال الرأسمالي. وبعد الانتهاء من جلد الذات عقابا على ممارسة هذه اللعبة (وعلى إضاعة وقتٍ كان من الأولى استغلاله لزيادة إنتاجيتنا الوظيفية أو ما شابه) نعود إلى العمل، وقد نجحنا في تجنب مواجهة إحباطاتنا فقط، ليس هذا فحسب، بل وقد تجدد داخلنا الإحساس بالالتزام ناحية نموذج النجاح الرأسمالي.

المادة مترجمة: رابط المقال الأصلي

المصدر : الجزيرة