شعار قسم ميدان

ديربي ميلان.. كيف تهدم قواعد المجد وحدك؟

ميدان - ديربي ميلان7

في مباراة فاقت التوقعات متعةً فاز إنتر ميلان على غريمه أي سي ميلان بثلاثة أهداف مقابل هدفين ضمن منافسات الأسبوع الثامن للدوري الإيطالي، استمرارا لبداية الأفاعي المذهلة، وبداية الروسونيري المريعة مقارنة بحجم الإنفاق.

 

في مثل تلك المباريات التي تتشابك أطرافها جماهيريا وتاريخيا ويتقارب مستوى الفرق إلى حد يسمح باختفاء الفوارق الفردية على الورق يصبح للقمة بطل من ثلاثة: سيناريو المباراة – المدرب – تألق حاسم لأحد اللاعبين، وفي حقيقة الأمر وقف ثلاثتهم في صف إنتر.

 

جمع النيراتزوري 22 نقطة من أصل 24 للمرة الأولى منذ موسم 2002-2003 الذي أنهاه في المركز الثاني (وراء يوفنتوس كالعادة)، 7 انتصارات وتعادل وحيد يحتل بهم الوصافة وراء نابولي صاحب العلامة الكاملة، هذه هي حصيلة لوتشيانو سباليتي مع فريقه الجديد حتى الآن، أرقام تدعو إلى البهجة والتفاؤل إن قورنت بمَن أنفق قرابة 200 مليون يورو ليحقق 12 نقطة فقط، 4 انتصارات و4 هزائم، تماما كما كانت أيام ما قبل الأموال!

  

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)

   

في أعماق عقل مونتيلا
بداية بطريقة سباليتي لأنه أسهل وأوضح وأقل عبثا، يتميز الرجل بكونه إيطاليًا للغاية في المباريات الكبرى، فهو لن يسمح لأظهرته بالتقدم أكثر مما يلزم، ولن يضغط بجدية للحصول على الكرة قبل أن تصل إلى منتصف ملعبه، وسيحاول قدر استطاعته جعل المعركة تتمحور في الثلث الأوسط، وفي ظل ضيق المساحات وصعوبة عملية التحضير والخروج بالكرة إلى الأمام يضمن من خصمه أكبر قدر ممكن من الكرات الطولية أمام فريق متفوق في الهواء (25-14 لصالح إنتر).

 

هذه الطريقة تنجح معه أحيانا وتُكلّفه الكثير أحيانا أخرى، فالتفوق لميلان من واقع عدد الفرص والمباراة كانت في طريقها إلى التعادل حتى لحظاتها الأخيرة، ولكن بنهاية المطاف هي طريقة واضحة المعالم والفكر، ولاختيار بعض الأسماء هدف ما، وهو ما لا يمكن قوله أبدا على ميلان مونتيلا.

 

مرَّة أربعة بالخط الخلفي ومرَّة ثلاثة، مرَّة زاباتا، مرَّة أباتي، مرَّة بوريني على اليسار، مرَّة تشالهانوغلو… إلخ، المثير للدهشة والغيظ في آن واحد أن آخر مرة جرب فيها مونتيلا حل إقحام سوسو في مركز المهاجم الثاني كانت حين خسر أمام سامبدوريا 2-0 لعبا ونتيجة، حيث خلق الخصم 12 محاولة منهم 4 على المرمى، مقابل 6 بلا تسديدة وحيدة على المرمى من جانب ميلان! لسبب ما قرر المدرب أن هذه الطريقة جيدة وأن كل مشكلات الكرة الأرضية ستُحل إن شارك رومانيولي بدلا من زاباتا وعوض أندريه سيلفا زميله المصاب كالينيتش، فهذا كل ما اختلف عن تشكيل نفس المباراة أمام سامبدوريا.

 

الكل يعرف جيدا مسألة اللاعبين اللاتينيين بعد التوقف الدولي، خاصة أولئك الذين خاضوا مباراتين متتاليتين وبالأخص لو كانتا حاسمتين في تأهل منتخب لكأس العالم، بدون إضفاء تلك العوامل فإن مجرد اللعب ومشقة السفر وتلك الملاعب خارقة الارتفاع عن سطح البحر أمور كفيلة بإعادتهم في قمة لأنديتهم وهم في قمة الإرهاق، الكل يعرف هذا إلا مونتيلا. كان إنتر محظوظا بعض الشيء ولكنه في النهاية كان الأقرب إلى المنطق، كان ماورو إيكاردي على دكة بدلاء الأرجنتين لصالح بينديتو -لسبب سنناقش فيه سامباولي لاحقا- ولذلك أتى بقمة طاقته، هل يمكن قول المثل عن لوكاس بيليا؟

 

وقف الخلق..
للتوّ تحدثنا عن مواجهة الفرق المُغلقة لمنافذها والتي تتغذى على تضييق الملعب قدر الإمكان في حالة الدفاع وتوسيعه قدر الإمكان في حالة الهجوم، وأنه عندما تُلاقي أحدهم فإنك مضطر لإجباره على توسيع الرقعة وخلق مساحتك لأنه ببساطة لن يخلقها لك. بالتالي ضاع من عمر سوسو 45 دقيقة في اللاشيء وراء سيلفا، مختفٍ محاصر في حالة بائسة للغاية.

  

سوسو.. وفرحةٌ لم تكتمل (رويترز)
سوسو.. وفرحةٌ لم تكتمل (رويترز)

 
بالعودة إلى الوراء قليلا نجد فرانك كيسي، لاعب الوسط الذي فرض نفسه على الساحة عبر الموسم الماضي مع أتالانتا، ما قدمه في تلك المباراة لم يتنافَ مع إمكاناته بل مع ما يُفترض أن يقدمه من الناحية الذهنية في الواقع، فكثيرا ما انطلق و"سَرَح" بالأمام دون رابط في إخلال كامل بشكل الفريق، هذا أشبه بأن تملك أسرع أحصنة السباق ولكن بعيب وحيد: أنه يجري عكس اتجاه المضمار!

 

ولأن المقدمات تؤدي إلى النتائج بات لوكاس بيليا لقمة سائغة طوال الشوط الأول لوسط إنتر، فلا أحد يُسانده مِن أمامه ولا مَن وراءه حتى يقفون في أماكنهم، في معركة أحادية الجانب بطلها الثنائي فاليرو وفيسينو بتحركات رائعة وتمريرات على الطرف منحت مرتدات إنتر خطورة قاتلة. إرهاق بيليا انعكس بوضوح في محاولاته للتدخل، حيث فشل لاعب الوسط الدفاعي في 3 محاولات للتدخل من أصل 5 وهي ثاني أقل نسبة نجاح للتدخلات (40%) بعد جناح الخصم بيرسيتش (33%)، بالإضافة إلى فشل تام ومتوقع في الكرات الهوائية (0 من 2).

 

وكأن القدر كان يرغب بالإشارة إلى مكمن قوة النيراتزوري وجزء مهم من مكامن ضعف الروسونيري في لقطة واحدة، أتى الهدف الأول من عرضية كاندريفا وإنهاء إيكاردي المُتقن، مهاجم "سفاح" داخل المنطقة يجاوره جناحين مميزين في العرضيات خاصة من وضع الارتداد السريع، في مواجهة دفاع يتمركز قائده بشكل خاطئ لتمر العرضية من أمام قدمه، وفي حال لاحظت فدَّان الأرض بين بونوتشي ورومانيولي فهذا كان الحال لـ 78 دقيقة تقريبا، رودريغيز يتقدم إلى الأمام ولا يعود في الوقت المناسب فينطلق رومانيولي لسد فراغه دون أن يتلقى من بونوتشي أي شيء سوى الدعوات القلبية!

  

لحظة لعب كاندريفا للعرضية: إيكاردي بين موساكيو يسارا وبونوتشي يمينا - رومانيولي ينطلق لمواجهة كاندريفا ورودريغيز وصل متأخرا (مواقع التواصل)
لحظة لعب كاندريفا للعرضية: إيكاردي بين موساكيو يسارا وبونوتشي يمينا – رومانيولي ينطلق لمواجهة كاندريفا ورودريغيز وصل متأخرا (مواقع التواصل)

   

فرق توقيت

مع انطلاق الشوط الثاني سحب مونتيلا لاعبه الفائض عن الحاجة فرانك كيسي مقحما مهاجمه كوتروني بدلا منه لتتحول الطريقة إلى 3-4-1-2، الأمر الذي انعكس إيجابا في البداية النارية للشوط، مكتسبا المزيد من الحرية لسوسو وراء ثنائي من المهاجمين بوسعهما توفير المساحة والمزيد من أجزاء الثانية ليتلقى الكرات ويسلمها، لكنه في الوقت ذاته ألقى بالمزيد من الأعباء الدفاعية على جياكومو بونافينتورا المتموقع أصلا بجبهة يقودها ظهير هجومي النزعة.

 

نجح ميلان في فرض ما كان بحاجة إليه هجوميا، لكن خط الوسط استمر في عدم كونه على ما يُرام، في مثل هذه الأوقات تظهر الأذرع السبعة لهاندانوفيتش، ولكن ولو بشكل مؤقت جنى الفريق ثمار التغيير بهدف التعادل حين حصل سوسو على كل تلك المساحة والوقت ليطلق تسديدته الرائعة.

  

(لحظة تسجيل هدف ميلان الأول - أخيرا سوسو حر طليق (مواقع التواصل)
(لحظة تسجيل هدف ميلان الأول – أخيرا سوسو حر طليق (مواقع التواصل)

  

أمر رائع يجدر استثماره، ولكن بنفس نظرية كنس التراب أسفل الأريكة كي لا يراه الضيوف تعامى مونتيلا تماما عن حالة بيليا وعن حاجة الفريق الماسة إلى لوكاتيلي، إضافة إلى وضعية الدفاع الثلاثي عديم التفاهم والتنسيق، ليردها إليه القدر من جديد بعرضية أخرى من الجانب الآخر وتمركز دفاعي أقرب إلى القصص المصورة الهزلية، نفس الإنهاء الرائع، نفس الإيكاردي!

    

هدف إنتر الثاني: قبل مراوغة بيريسيتش لموساكيو ولعبه العرضية يسار اللقطة - إيكاردي يقف وراء بونوتشي (مواقع التواصل)
هدف إنتر الثاني: قبل مراوغة بيريسيتش لموساكيو ولعبه العرضية يسار اللقطة – إيكاردي يقف وراء بونوتشي (مواقع التواصل)

   

هدف إنتر الثاني: لحظة لعب بيريسيتش للعرضية - بونوتشي يتراجع إلى الوراء تاركًا إيكاردي في خلوةٍ شرعية مع المرمى - 3 لاعبين من إنتر على أتمّ الاستعداد للتسجيل دون أي مضايقة (مواقع التواصل)
هدف إنتر الثاني: لحظة لعب بيريسيتش للعرضية – بونوتشي يتراجع إلى الوراء تاركًا إيكاردي في خلوةٍ شرعية مع المرمى – 3 لاعبين من إنتر على أتمّ الاستعداد للتسجيل دون أي مضايقة (مواقع التواصل)

    

لقد نفد رصيدكم
سعيًا للمزيد من التأمين والتنشيط أجرى سباليتّي تغييره الأول في الدقيقة 73 بإشراك كانسيلو بدلًا من كاندريفا، فقط قبل 5 دقائق من استيقاظ رجل شَعُر أخيرًا أنَّ هناك خطبًا ما بثلاثية الدفاع، ليقرر سحب رومانيولي وإشراك لوكاتيلي متحولا إلى (4-3-1-2)، فجأة حصل ميلان على المزيد من الراحة، تحرر بونافينتورا من أعبائه الدفاعية ليساهم في تعادلٍ ما أسوأ حظ هاندانوفيتش به.

 

نحو المزيد من كنس الأتربة، احتفظ الرجل بتغييره الأخير دون أن يلتفت إلى بيليا أو غيره في نهاية المطاف، ودون أن يجد خطبا ما في مشاركة إيدير بدلا من فاليرو، ليتلقى صفعته الثالثة بتسبب رودريغيز بركلة جزاء عديمة المعنى، وكأن الكرة تُريد أن تقول له "لا، لن تخرج بتلك النقطة بعد ما كل اقترفته يداك".

 

فاز إنتر بمباراة أخبرته عن مميزاته وعيوبه، فكل الشواهد تُنبئ بموسم استثنائي بقيادة سباليتي إن وجد حلا لأظهرته، قد يكون دامبروزيو متوسط المستوى، ولكن لا يوجد أي مبرر منطقي لاستمرار ناغاتومو حتى الآن، مجرد تدخلين حاولهما ولم ينجح بأي منهما، قنبلة موقوتة لن يتوانى أي خصم عن محاولة ضربها كلما واجه إنتر.

 

على ناحية أخرى يمتلك الأفاعي وحشا كاسرا اسمه ماتياس فيسينو، 7 تدخلات ناجحة من أصل 7 بفارق 5 محاولات كاملة عن أقرب اللاعبين إليه من الفريقين، بمعاونة صادقة من غاليارديني الذي انتصر بصراعاته الهوائية الستة كاملة.

   

ماتياس فيسينو (يمين)
ماتياس فيسينو (يمين)
   

وإلى الجانب الآخر من ميلانو، لا أحد يعرف حقا متى سينتهي هذا العبث، مونتيلا حقق نتائج جيدة بالفريق الذي امتلكه الموسم الماضي، ولكنه لا يفعل أي شيء يدعم ذلك هذا الموسم، بعد أن بات يملك من يشتري له فريقا كاملا ويفرض على دوناروما البقاء والتجديد، والكل يعلم جيدا أنه إن حدث هذا الموقف في أواخر عهد بيرلسكوني لكان الحارس يرتدي قميص كيلور نافاس الآن. لم يترك مونتيلا حجة باقية للدفاع عنه، كارلوس باكا كان سيئا ولا يناسب طريقته، ها قد رحل الكولومبي وحل كالينيتش وسيلفا وغيَّر مونتيلا طريقته ولكنّ شيئا لم يتغير.

 

المُشكلة أن هذه الجماهير قد صبرت طويلا لأجل النتائج، وفي اعتقادها أن تلك الصفقات الكُبرى لا بد وأن تُنهي تلك الحالة من الانتظار، هم يريدون الانتصارات الآن وهذا حقهم، ولكن طريق "الآن" لا يبدو وأنه يمر بفينشينزو مونتيلا أبدا..

المصدر : الجزيرة