توتنهام وليفربول.. يورغن فرانكنشتاين والمعجزات السبع
قبل المباراة، لم يكن هناك شيء قادر على إثارة كوابيس بوتشيتينو مثل مواجهة ليفربول في ويمبلي، كل تفصيلة في هذا الحدث هي مصيبة مستقلة بذاتها، فليفربول هو ثاني أكثر فريق يحقق الفوز على الأرجنتيني في إنجلترا بواقع خمسة انتصارات من 10 مواجهات، (1) وملعب ويمبلي هو أكثر ملعب خسر عليه السبيرز تحت قيادته بتسع مباريات من أصل 17، (2) (3) وإن لم يكن ذلك مقلقا بما يكفي فيمكنك إضافة بضعة أسباب أخرى للتشاؤم جمعتها الصدفة معا: مثل معدل تهديف كين المنخفض أمام الريدز، (4) وتراجع مستوى آلي بشدة منذ انطلاقة الموسم، والتماسك الصلب الذي أظهره دفاع ليفربول أمام مانشستر يونايتد في الجولة الماضية، وحقيقة أن ثلاثي الوسط الذي يبدأ بوتشيتينو باثنين منه عادةً ليس مُتاحًا لأسباب مختلفة، ما سيضطره للعب بمحور وحيد هو الشاب هاري وينكس في غياب ديمبيليه وديير ووانياما.
لذا لم يكن هناك بُدٌّ من اللجوء إلى حل بوتشيتينو المفضل في مثل هذه المواقف، وهو الاعتماد على مخزون فريقه البدني المهول في التحولات السريعة من الدفاع إلى الهجوم والعكس، وباستخدام كل ما يملك من مدافعين بدأ الأرجنتيني مباراته بخط خلفي ثلاثي يتوسطه الوافد الجديد دافينسون سانشيز الذي يثبت جدارته في كل مباراة يلعبها، يتقدمه ثلاثي آخر من وينكس وتريبييه وأورييه خلف الثلاثي الأخير من إيريكسين وسون وآلي، وبمهاجم وحيد هو هاري كين بدت خطة السبيرز أقرب إلى (3-3-3-1) منها إلى (3-5-2)، رغم أن تحركات آلي وسون وكين وإيريكسين العمودية جعلت تحديد الفارق بين الخطتين شبه مستحيل.
مع خطة كتلك وتحركات الرباعي الرأسية بدت نية الأرجنتيني واضحة في اختراق العمق مباشرة وبأكبر كم ممكن من التمريرات العمودية، وهي رفاهية لم يمنحها له إلا ليفربول من ضمن الستة الكبار، والذين عادة ما يجبرونه على تنويع اللعب واللجوء إلى العرضيات كحل واقعي لتجنب العمق المزدحم كما أمام تشلسي مثلا، ولكنه لم يكن بحاجة إلى تعقيد الأمور على نفسه في مواجهة دفاع بهذا الاهتراء، لا جمل تكتيكية معقدة ولا عمليات تمرير على الأطراف ولا محاولة لإمالة الملعب بحثا عن الثغرة، فقط سهولة فائقة لدرجة الاستفزاز في الوصول إلى مرمى مينيوليه، سهولة جعلته يصنع 6 من فرصه السبع من تمريرات أمامية مباشرة.
فعلى الجانب الآخر كان كلوب يبدأ واحدة من أسوأ مبارياته بالخطة المعتادة التي لا تتغير أبدا، وسواء كان الخصم ريال مدريد أو توتنهام أو بيرنلي يلعب ليفربول بالـ 4-3-3 التي فقدت أغلب مميزاتها في الطريق لهذه اللحظة، ولأنه عانى من الغيابات بدوره كانت تشكيلته إجبارية أيضا رغم أن توزيع لاعبيه لم يكن كذلك، فغوميز يشترك كظهير أيمن لإصابة كلاين رغم كونه قلب دفاع في الأصل، وهندرسون يُقحم كمحور دفاعي رغم كونه صانع ألعاب متأخر، وبناء عليه يلعب إيمري تشان كصانع ألعاب متأخر رغم أنه الوحيد الذي يستطيع أداء دور المحور الدفاعي في التشكيلة، وكنتيجة لكل ذلك يلعب لوفرين كرة القدم وهو المصاب الجلل في كل ما حدث.
ما سبق هو مثال صارخ على ما قد يقودك إليه العناد وانعدام التخطيط وثقافة الطوارئ التي تحكم أنفيلد الآن، فمع مدرب يعتقد أنه لن يجد خمسة مدافعين أفضل من لوفرين وماتيب في العالم كله، (5) تصبح حصيلة عامين ونصف من الترقيع هي تشكيلة تم تجميعها من جثث عدة تشكيلات، ووفقا لظروف اضطرارية لا تتم مراجعتها أبدا، وبمقتضاها يلعب ميلنر موسما كاملا في مركز الظهير الأيسر الذي لم يسبق له اللعب فيه أبدا، لكنه لا يطرأ كبديل واقعي لكلاين رغم أنه شارك كثيرا في مركزه مع السيتي، وفي نفس الوقت تستمر رحلة غوميز على الأطراف استكمالا لتجربته كظهير أيسر في شهور كلوب الأولى، بينما يستحيل أن يسوء دفاع ليفربول عن وضعه الحالي إذا لعب في مركزه الأصلي.
لذا وبعد أن قرر لوفرين الإجهاز على كل كوابيس بوتشيتينو ومنحه أسهل وأفضل بداية ممكنة بلقطتين من أعجب لقطاته على الإطلاق، كان كلوب يعيد اكتشاف بعض القطع الجديدة في جثته ويخرج المدافع الكرواتي لصالح تشامبرلين في محاولة لاستثمار هدف صلاح، دافعا بتشان كظهير أيمن وغوميز لقلب الدفاع، ومزيلا إحدى طبقات الترقيع التي كانت تحجب عن عينيه حلولا أقل حماقة وأكثر واقعية، وتلك هي المصيبة مع كلوب، أنه كان يتعين على ليفربول أن يصبح أكثر فرق البريميرليغ قبولا للأهداف خارج ملعبه ليكتشف حلا بديهيا كهذا.
النتيجة أن طوفان الفرص الذي أغرق به توتنهام دفاعات ليفربول في نصف الساعة الأولى قد انحسر، وصار الريدز أقدر على السيطرة بوجود كوتينيو في العمق، وعلى الرغم من أن تشامبرلين لم يقدم الكثير فإن وجوده قد وضع ضغطا كافيا على تريبييه ليفسد ثنائيته الرائعة المعتادة مع كين التي أنتجت الهدف الأول، والتي لم تكن مفاجئة بأي حال من الأحوال لأن الظهير الإنجليزي تمكن من صناعة 8 أهداف لمواطنه خلال 19 مباراة جمعتهما في كل المسابقات، (6) فيما أسماه محمد مُعلم محلل سكاوكا بـ "محور كين – تريبييه" وهو السبب الوحيد لانتقال أورييه إلى الجهة المعاكسة، ولكنه لم يكن إلا بديهية أخرى حجبتها طبقات الترقيع عن أعين كلوب.
هنا بدت حفلة توتنهام وكأنها قد انتهت بعد أن استعاد الريدز شيئا من توازنهم وبدأوا في تهديد مرمى لوريس، وتدريجيا بدأ فريق بوتشيتينو يتحول إلى شبح لذلك الفريق الذي بدأ المباراة متوهجا، ولكن هذا لم يعنِ إلا مزيدا من الهدايا من دفاع الريدز وبدون انتظار المقابل، يكفي أن يمرر إيريكسين إحدى عرضياته وبمجرد وقوع أي صراع على الكرة سيجدها كين وآلي في حوزتهم أمام المرمى الخالي، ليجد هجوم الريدز نفسه في نفس المعادلة العبثية مرة أخرى، يحاول التسجيل لملاحقة هدايا مدافعيه للخصوم لا ليفوز بالمباراة.
|
الحقيقة الوحيدة المتبقية هي الإحصائية المفزعة التي تقول إن ليفربول لم يفز إلا أربع مرات في 12 مباراة منذ بداية الموسم، وإن خصومه في هذه الانتصارات جاءوا من نصف الجدول الأسفل باستثناء أرسنال، وإنه تلقى 15 هدفا خارج أرضه أي أكثر بثلاثة أهداف من كريستال بالاس متذيل الترتيب، وإن أداءه أمام توتنهام أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مورينيو قد أسداه خدمة كبيرة بتحفظه الدفاعي في أنفيلد.
كلها تبدو كبديهيات عقب الهزيمة أمام السبيرز، ولكنها بديهيات لا يدركها كلوب كغيرها من البديهيات، ولا يبدو أنه سيفعل قريبا، ربما يحتاج أحدهم ليهمس في أذنه يوميا بأنه لم يفز إلا في أربع مباريات منذ بداية الموسم، لأنه فيما يبدو فإن هذه الجملة لا تُقال بما يكفي، ربما يحتاج آخر ليخبره أنه استلم ليفربول فريقا مهلهلا بلا شخصية وحوله في عامين ونصف إلى فريق يتخذ من الهلهلة شخصية، وبقطعة من هنا وقطعة من هناك تحت عنوان كبير يقول إن كلوب لا يبتاع النجوم بل يصنعهم بنفسه، كانت النتيجة أنه لم يفعل هذا ولا ذاك.
المفارقة القاسية أن العامين ونصف هما تقريبا نفس ما احتاجه بوتشيتينو في توتنهام ليعلن عن نفسه كمنافس قوي وواضح على اللقب، مقدما تجربة مثالية في صناعة النجوم وبميزانية لا تتعدى تلك التي يملكها كلوب في ليفربول إن لم تكن أقل، وأنه عاد مجددا بعد بداية متوسطة ليجدد عهده بالمنافسة على اللقب، وتلك المرة كانت على جثة وحش كلوب الذي بدا مرعبا فيما مضى ولم يعد كذلك، بل أقرب إلى فرانكنشتاين من نوع آخر ذراعه في رأسه وقدمه في بطنه، لا يخيف منافسيه بقدر ما يثير سخريتهم.