شعار قسم ميدان

زازا وكولازيناك وباولينيو..لأن قانون ميرفي يفسر الأشياء!

ميدان - زازا كولازيناك باولينيو

لا جديد تحت الشمس؛ في كل صيف تجلس الجماهير لتتابع سوق الانتقالات بشغف يفوق شغف اللعبة نفسها في بعض الأوقات، وفي كل صيف تُبنى الآمال والتوقعات على الصفقات الضخمة، وفي كل صيف ينهار نصفها على الأقل بمجرد انطلاق الموسم الفعلي، لأن كرة القدم لعبة مفاجئة للغاية إن لم تلاحظ ذلك من قبل، مفاجئة لدرجة الملل أحيانًا. فبحلول (سبتمبر/أيلول) كان بوغبا قد أصيب لعدة شهور بعد بداية رائعة مع الشياطين، وكان السيتي يعلن أنه لن يستفيد من أغلى صفقات الصيف، وكان برشلونة يخسر أهم تعاقداته لنفس السبب، ولو كان أحد محللي اللعبة قد توقع كل ذلك قبل بداية الموسم لاتهمه الجميع بالمبالغة.

 

شخصٌ واحد فقط كان ليعتبر هذا الوضع منطقيًا هو إدوارد ميرفي؛ مهندس الطيران الأميركي الذي ألَّف كتابًا كاملًا يحمل اسمه عن مجموعة من القوانين الحياتية، تنص باختصار على أن أي شيء خطأ من المحتمل حدوثه سيحدث على الأغلب، ولو كان محتملًا أن تقع مجموعة من الأخطاء فإن الحياة ستختار أكثرها ضررًا، مثل أن تكون كل الزوجات المناسبات لك قد تزوجن بالفعل، ومثل أن يقع السكين دائمًا على نصله، ومثل أن تمطر السماء في اليوم الوحيد الذي نسيت فيه مظلّتك. (1)

 

لذا يمكنك تخيل كتاب ميرفي لو كان يحتوي على جزء خاص بكرة القدم، فبالطبع كان سينص على عدة قواعد مهمة؛ أبرزها أن كم المال المنفق في التعاقد مع أي لاعب غالبًا ما يتناسب عكسيًا مع مدى الاستفادة منه، وأن المنتظر من الصفقات المدوية نادرًا ما يتحقق، وأن بعض اللاعبين ينجحون رغم أن أحدًا لم يتوقع لهم ذلك، وحتى لو كانت هناك بضع استثناءات تثبت القاعدة.

 

أفضل منح الحياة
كولازيناك مٌندهِشًا بعد إحرازه هدفًا بمرمى منتخب بلاده أمام الأرجنتين في مباراة المنتخبين بكأس العالم الماضية في البرازيل 15 (يونيو/حزيران) 2014 (غيتي)
كولازيناك مٌندهِشًا بعد إحرازه هدفًا بمرمى منتخب بلاده أمام الأرجنتين في مباراة المنتخبين بكأس العالم الماضية في البرازيل 15 (يونيو/حزيران) 2014 (غيتي)

  
حياة سعيد كولازيناك هي سلسلة متتالية من الـ"ميرفية" إن جاز التعبير، فالرجل قد بدأ مسيرته في قلب الدفاع مع عدة مشاركات كمحور ارتكاز ثم انتهى به الحال في الظهير الأيسر، وهو عكس ما مر به أغلب أقرانه من المدافعين متعددي المهام في البريميرليغ؛ فمونريال وفيرتونخين وألدرفيريلد وديير بدأوا على الأطراف أو في الوسط ثم استقروا في عمق الدفاع أخيرًا.
(2)

 

عبر تلك المسيرة، لعب كولازيناك لكل منتخبات ألمانيا للناشئين حتى وقع عليه الاختيار للانضمام للمنتخب الأول، وحينها قرَّر الاحتفاظ بوفائه لقوانين ميرفي واختار تمثيل البوسنة بدلًا منه بعد أن تأهلت الأخيرة لـكأس العالم للمرة الأولى في تاريخها، ثم ذهب للبرازيل ليقترن اسمه بأسوأ رقم قياسي ممكن لمُدافِع، وهو تسجيل أسرع هدف عكسي في تاريخ المونديال على الإطلاق. (3)

 

قبل أن نكمل قصة كولازيناك ينبغي أن نخبرك بمعلومة مهمة وهي أنه لا يصاب تقريبًا؛ 5 مواسم مع شالكه لم يغب فيها سوى عن 9 مباريات فقط لا غير. (4) ربما تكون قد أدركت تلك المعلومة بمجرد رؤيته، وربما تكون قد انتظرت حتى نهض بعد تدخل لويز الجنوني وأكمل المباراة كأن شيئًا لم يكن، ولكن الخلاصة أن الرجل قوي للدرجة التي دعت غارِث كروكس لوصفه بحائط الطوب، زاعمًا أن 90% من اللاعبين كانت أقدامهم لتنكسر في لقطة مشابهة، (5) والتفسير الوحيد هنا أن قوانين ميرفي اتخذت صف المدافع البرازيلي بدلًا من ضحيته، فطُرد دون أن يخسر أرسنال أحد أفضل لاعبيه في المباراة في تجسيد آخر لنظرية الاحتمال الأسوأ.

  

     

بالتالي يمكنك أن تتوقع ما حدث لاحقًا؛ عاد كولازيناك إلى ناديه محبطًا بعد أن فشلت البوسنة في التأهل للدور الثاني وبفارق نقطة واحدة عن نيجيريا، فتعرض لأطول إصابة في مسيرته ليغيب ستة أشهر كاملة، (4) ثم نجح في العودة للتشكيل الأساسي على عكس التوقعات وبعد موسم واحد فقط كان يشارك في 12 هدفًا مع فريقه ما بين التسجيل والصناعة (3)(9)، لتأتيه عدة عروض من إنجلترا أبرزها من السيتي وأرسنال. (2)

 

الاختيار المنطقي هنا كان الرحيل للنادي الذي يقدم راتبًا أعلى وفرصة أفضل للمنافسة على البريميرليغ، ولكن قوانين ميرفي تدخلت مرة أخرى في مسيرة كولازيناك لتدفعه نحو أرسنال، النادي الذي يتابعه منذ طفولته والذي لعب بقميصه تييري هنري لاعبه المفضل، (6) وبالطبع ليست مفاجأة بعد كل ذلك أن هنري نفسه كان أحد ظواهر ميرفي شديدة الوضوح، لأن أحدًا لم يتوقع نصف نجاحه مع أرسنال بعد فشله الذريع مع اليوفي في أول تجاربه الاحترافية، وكأن فينغر يثبت مجددًا قدرته الخارقة على التقاط النماذج المشابهة.

 

رغم الإصابة وإحباط المونديال سيظل كولازيناك مدينًا لميرفي بقدر لا بأس به من الفضل في مسيرته، مرة لأنه قاده للظهير الأيسر دونًا عن أي مركز آخر، ومرة لأنَّ قدوته الذي أوقعه في غرام أرسنال كان أحد تجلياته، ومرة أخرى لأنه أطاح بمنافسه الأبرز في البريميرليغ بنجامين ميندي، والأهم على الإطلاق كانت انتقاله للمدفعجية بلا مقابل، فكما تعلم فإن كمّ المال المنفق في التعاقد مع أي لاعب كثيرًا ما يتناسب عكسيًا مع مدى الاستفادة منه.

 

سقوط ميرفي
زازا في صراع على الكرة مع قائد الميرنغي راموس في إحدى مباريات الليغا - 22 (فبراير/شباط) 2017 (غيتي)
زازا في صراع على الكرة مع قائد الميرنغي راموس في إحدى مباريات الليغا – 22 (فبراير/شباط) 2017 (غيتي)

    
لسببٍ لا يعلمهُ أحد، قرَّر نادي فالنسيا التعاقد مع ثلاثة من الطليان في صيف 2004 هم برناردو كورّادي وستيفانو فيوري وماركو دي فايو، مهاجمان وجناح كان مجموع مقابل انتقالهم 30 مليون يورو تقريبًا، وبعد مسيرة متوسطة في الكالتشيو تحولت لسيئة في الليغا كان الثلاثي يشقُّ طريقه عائدًا لبلد البيتزا. (11)

 

هناك بضعة قوانين في كرة القدم لا يجرؤ أحد على المساس بها ولا حتى ميرفي نفسه؛ من ضمنها أن الطليان والإنجليز نادرًا ما ينجحون خارج بلادهم، وأن البلد الوحيد الذي لا ينجح فيه اللاتينيون بنفس معدلاتهم في باقي بلدان أوروبا هو إنجلترا، وبخاصة البرازيليين منهم الذين يحتاجون لموسمين أو ثلاثة على الأقل في الدرجات الدنيا لاختبار قدرتهم على التعود على متطلبات البريميرليغ البدنية والتأقلم مع الحياة هناك، لذا يمكنك أن تدرك أن توقعات الجميع لسيموني زازا لم تكن كبيرة عقب انتقاله لفالنسيا؛ لاعب شاب يحاول يوفنتوس التخلص منه ولن يمر كثير من الوقت قبل أن يتحول لكورّادي آخر، خاصة أنه – مثل كولازيناك – حظي بلقطة سلبية للغاية في أول مشاركة له مع الأزّوري في اليورو الأخيرة، واحدة من تلك اللقطات الكفيلة بالقضاء على مسيرتك قبل أن تبدأ.

   

   

كان الوضع مختلفًا بعض الشيء مع الجناح البرازيلي ريتشارليسون وإن لم يكن أقل صعوبة، فهو الوحيد الذي انتقل مباشرة من بلاده إلى البريميرليغ من بين 12 برازيلي يلعبون حاليًا هناك، (12) بالإضافة لكونه أصغرهم سنًا بعشرين عامًا فقط في عمره.

 

كل الظروف كانت معدة لتعمل قوانين ميرفي بكفاءتها المعهودة نحو أسوأ الاحتمالات، مثل أن يهدر زازا خمس ركلات جزاء إضافية أو أن يحرز ريتشارليسون تسعة أهداف في مرماه، ولكن العكس هو ما حدث بالضبط، فمن 21 هدف أحرزها فالنسيا كان نصيب زازا يقارب النصف بتسعة أهداف، (13) ومن 13 هدف سجلها واتفورد ساهم ريتشارليسون بالربع تقريبًا ما بين التسجيل والصناعة، (14) بالإضافة لكونه أكثر لاعبي البريميرليغ تسجيلًا بعد الدقيقة 85 بهدفين مناصفة مع مارسيال.

 

كل ما كان يحتاجه الثنائي للتغلب على قوانين ميرفي هذه المرة هو مدربين يثقان بقدراتهما ويجيدان استغلالها على الحد الأمثل، فمع أسلوب التحولات السريعة الذي ينتهجه مارسيلينو مع الخفافيش وتصاعد منحنى الانسجام بين عناصر الخط الأمامي وبخاصة رودريغو وزازا، أصبح الرجل يمتلك خط هجوم فتّاك يقضُّ مضاجع أغلب مدربي الليغا بما فيهم فالفيردي وزيدان، وعلى الجهة الأخرى كانت مهاتفة ماركو سيلفا لريتشارليسون هي ما رجّحت انضمامه لواتفورد دونًا عن غيره، لذا لم يكن انضمام البرازيلي سوى طريقة أخرى يثبت بها المدرب البرتغالي أنه في طريقه للتحول لاسم مهم في الأعوام القادمة، خاصة بعد أن تم ترشيحه بالفعل لاستبدال كومان في إيفرتون. (15)

 

لم ينتصر قانون ميرفي هذه المرة بل فشل فشلًا ذريعًا في تأكيد قاعدة تقليدية تعد من البديهيات في اللعبة، وهو ما يمنحنا قليلًا من التوازن قبل الحكاية التالية.

 

الظاهرة المحيرة لجوزيه باولو بيزيرا
باولينيو لاعب
باولينيو لاعب "غوانغزو إيفرغراند" الصيني (يسار) أمام زميله الحالي أندريس إنييستا أثناء مواجهة فريقيهما في كأس العالم للأندية (اليابان – (ديسمبر/كانون الأول) 2015) (رويترز)

  
تلك القصة تختلف 180 درجة على حسب موقعك فيها، فإذا كنت أحد مُشجِّعي برشلونة فسترغب في جمع كلّ نسخ كتاب ميرفي وحرقها في ميدان عام بعد أن ساهمت قوانينه في انتقال باولينيو للنادي الكتالوني، ولو كنت باولينيو فستقيم تمثالًا لميرفي في ساحة منزلك، أما لو كنت إدوارد ميرفي نفسه فلن تتردد لحظة في تغيير اسم الكتاب إلى قوانين باولينيو.

 

هنا تأخذ تلك القواعد منحى جديدًا في الغرابة، فمع وضع الهدف الأصلي لإدارة برشلونة – ماركو فيراتي – في الاعتبار لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعتبر باولينيو "أسوأ الاحتمالات"، فالاحتمال الأسوأ قد حدث بالفعل، ولم يفشل الكتلان في ضم فيراتي فحسب بل خسروا أحد أهم لاعبيهم لنفس النادي في المقابل، ولو كان ميرفي حيًا لما جال في خاطره أن إدارة برشلونة ستلجأ للاعب فشل في مجاراة الكرة الأوروبية لأكثر من موسم واحد وانتهى به الحال في الصين، خاصة إذا كان قد سبق وأن أهان النادي من قبل معلنًا انتماءه للغريم التقليدي، (7) ناهيك عن خوض معركة شرسة من أجل ضمّه انتهت بدفع 40 مليون يورو كاملة. (8)

 

حتى الآن لعب باولينيو مع البلوغرانا في الليغا 410 دقيقة عبقرية بكل ما تعنيه الكلمة، ليس لأنه لاعب وسط أفضل مما توقع الجميع أو حتى أفضل من الموجودين بالفعل، بل العكس تمامًا؛ فالرجل يصنع الفرص بمعدل مساوي لبيكيه، ويعترض الكرة أقل مما يعترضها ديلوفيو وألكاسير، ويمرر للأمام أقل من راكيتيتش نفسه، وباستثناء التحامين ناجحين في كل مباراة فعلى الأغلب لن تلاحظ أنه موجود من الأصل، ولكنه في نفس الوقت يُسجِّل أكثر من سواريز، وهذا هو مكمن العبقرية.. كلّ العبقرية. (9)

   

المفاجأة السارة لباولينيو أن التحليلات التي تتحدث عن أهميته للكتلان قد بدأت في الظهور بالفعل،  وهو أمر آخر لم يكن ميرفي نفسه يجرؤ على توقعه دون أن يُوصف بالتشاؤم
المفاجأة السارة لباولينيو أن التحليلات التي تتحدث عن أهميته للكتلان قد بدأت في الظهور بالفعل،  وهو أمر آخر لم يكن ميرفي نفسه يجرؤ على توقعه دون أن يُوصف بالتشاؤم
    

بحيلة بسيطة للغاية تمكن باولينيو من الحصول على كل ما يريده دون أن يقدم – فعليًا – إلا القليل، فالجانب الوحيد الذي يتفوق فيه على راكيتيتش هو تسجيل الأهداف، وعدا ذلك فإن الكرواتي يتفوق عليه في كل شيء تقريبًا بوضوح، (9) وهو ما يعني أن اللاعبين الوحيدين الذين يمكنهم تقديم ما هو أقل مما يقدمه باولينيو هم الجالسين على دكة البدلاء، لأن راكيتيتش نفسه يلعب أسوأ مواسم مسيرته على الإطلاق.

 

الفارق الوحيد بينهما أن البرازيلي لا ينال نصف ما يناله راكيتيتش من سباب ولعنات عقب كل مباراة، بالإضافة لكونه يفوق الكرواتي ذكاءً بالطبع لأنه يعلم كيف تُصنع العناوين هذه الأيام، فبعد مسيرة فاشلة كان بطلها الاستهتار، نجح الرجل في إحياءها بالانضمام لأحد أكبر أندية أوروبا، وهو الآن يصنع نجاحًا ظاهريًا مُصَمم بعناية لكي تلتقطه عناوين الإحصائيات الجوفاء التي تحتوي على أفعل التفضيل.
  

  
لعبةٌ قاسيةٌ للغاية من قوانين ميرفي خاصة إذا كنت أحد مشجعي النادي الكتالوني، والأهم أن المشهد الأخير للقصة كان تضحيته بالراتب الضخم الذي كان يتقاضاه في ناديه الصيني غوانغزو إيفرغراند لصالح راتب أقل في برشلونة، بينما الحقيقة أن الكتلان تعاقدوا مع لاعب محدود في ختام مسيرته وبمقابل ضخم، ثم منحوه راتبًا يفوق ما يتقاضاه شتيغن وأومتيتي وألبا، (10) والمفاجأة السارة لباولينيو أن التحليلات التي تتحدث عن أهميته للكتلان قد بدأت في الظهور بالفعل، وهو أمر آخر لم يكن ميرفي نفسه يجرؤ على توقعه دون أن يُوصف بالتشاؤم.

المصدر : الجزيرة