شعار قسم ميدان

ريال مدريد وبرشلونة.. ابن كرويف غير الشرعي

midan - برشلونة

"يتوقف نبض الحياة في نصف الكرة الأرضية من أجل معركة هي أم المعارك، الحرب الضروس في عالم الجلد المدور، بين كبيرهم البارسا، وبين الكبير الريال مدريد".. إن كنت من هواة لعبة "فيفا" فلا شك أن ذهنك سيتعرف تلقائياً على صوت المعلق التونسي عصام الشوالي مع تلك الكلمات، "فمن منا لا يعرف الفريقين، من منا لا يتمنى مناصرة العريقين"، من منا لا يلعب إلا بأحدهما فهما الأفضل في قوى اللاعبين لأعوام مهما كان مستوى أي منهما؟

 

إنها فقط أهمية غير مسبوقة لأسباب لا تُعد ولا تُحصى، وعليه حتى لو كان الفارق 11 نقطة مسبقاً، وحتى لو أقيمت في الظهيرة غير المحببة لأغلب متابعي الكرة ابتغاءً لمرضاة الشرق الأقصى، فإن تلك المباراة تكتسب أهميتها من ذاتها، من وجود اسم هذين الغريمين ومن وجود غريمي الجيل الحالي كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، ولكن هذا ليس كل شيء لأنها "أكثر من مجرد مباراة".

 

لا يوجد ما يمكن أن يرتقبه عشاق الفريقين أكثر من مباراة يسعى كلاهما فيها لإثبات الذات، يبحث كل منهما عن الوقوف على حقيقة مستواه وحظوظه لما تبقى من العام، مضيفها هو بطل الليغا وأوروبا والعالم، وصاحب القول الفصل في آخر مباراتين ذهاباً وإياباً، ورغم ذلك أي نتيجة غير فوزه تعني إعلاناً غير رسمي لهوية بطل المسابقة المحلية قبل انتصافها، وهو ما قد كان على يد فريق أثمرت أحلامه الوردية السابقة عن "كأس الملك"، لا أكثر ولا أقل.

 

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)

 

أوراق مُعقدة

"أفضل طريقة لإيقاف ميسي هي الدفاع كفريق وتضييق المساحات بين الخطوط، تحتاج للكثير من اللاعبين بالوسط فهذا يقلص خيارات ميسي ويقلص من امتلاكه للكرة على الأقل في مواقع الخطورة، ولكن إن كانت حالته البدنية 100% فمن المستحيل إيقافه، مهما كان المدرب ومهما كانتإاستراتيجيته".

(كارلو أنشيلوتي المدرب الأسبق لريال مدريد(1))

 

في مثل تلك الأجواء المشحونة السالف توضيحها، لا يوجد ما هو أسهل من سرعة إطلاق القناعات المنتشية أو الغاضبة، فقد تكفي النتيجة وحدها للحديث عن "غول تكتيكي" اكتسح منافسه المُخرِّف، بينما الحقيقة لا تعدو كونها لعبة حسابات وتفاصيل، فكلاهما قد اجتهد، وكلاهما قد وضع حسابات صحيحة على الورق، وكلاهما كان على علم بالمكاسب والخسائر، بالمميزات والعيوب، وفي النهاية استقر ذهن كل منهما على ما زادت فوائده وقلَّت أضراره، نظرياً على الأقل، ليبقى الحكم النهائي بيد التفاصيل والفرديات.

 

علم زين الدين زيدان مدرب ريال مدريد جيداً أنه الطرف الأكثر احتياجاً لتلك النقاط وبالتالي يجب أن يكون فريقه الأكثر جوعاً، من هنا تولد يقينه بأن المُبادرة قد قُدِّرت له وإن لم يأخذها فإن خصمه "الواقعي" ليس بحاجة لتكبد عنائها على الأقل في البداية. بتعبير آخر، بقاء نتيجة صفر صفر لشوط كامل أو لنهاية المباراة لن يضير إرنستو فالفيردي شيئاً، ففارق 11 نقطة قابل للتقلص إلى 8، أفضل من 8 تقبل النزول إلى 5.

 

ربما كان زيدان بحاجة لمراجعة طريقته "4-4-2" بعد أن أضرت به في عدة مباريات، ولكن الكلاسيكو قطعاً ليس المكان الأمثل لتلك التجربة، وعليه قرر إدخال تعديل وحيد صُمِّم خصيصاً لأجل ميسي بإشراك ماتيو كوفاسيتش على حساب إيسكو. أضر هذا الأمر كثيراً بقدرة ريال مدريد على استغلال تفوق الشوط الأول لافتقاره إلى لاعبه القادر على إرباك وكسر الخطوط، ولكن تجربته السابقة مع ترك ليو بين يدي كاسيميرو وحده قد تركت أضراراً جسيمة على نفس الملعب بالموسم الماضي.

 

بمجمل الشوط الأول تضرر ريال مدريد من الناحية الهجومية بغياب إيسكو، وتضرر أكثر بإرخاء لجام كاسيميرو ليزج به إلى واجبات لا ناقة له بها ولا جمل، ولكنه كسب تحييداً نسبياً كبيراً لخطورة ميسي الذي اكتفى بخلق فرصتين للتسجيل، ليس هذا بالضرورة هو ذنب الرجل المكلف برقابته، فقد كان ميسي في أقرب حالة ممكنة لما تحدث عنه أنشيلوتي أعلاه. في النهاية حُسم الأمر لمن قلَّت عيوبه وأسعفه أفراده وكانت حساباته أكثر تضافراً مع سيناريو المباراة، ففوز "الأصح" لا يعني دائماً أن الخاسر كان الخطأ البيِّن.

 

ثبات الأقدام
فالفيردي مدرب برشلونة (الأوروبية)
فالفيردي مدرب برشلونة (الأوروبية)

 

على الطرف الآخر وصل فالفيردي إلى الصورة الأمثل له عن كيف سيقضي الفريق وقته دون رجل الـ105 مليون يورو عثمان ديمبلي، وعن كيفية مواجهة ريال مدريد الذي أذله مرتين في مستهل موسمه ومن هذا الموقف تحديداً، ليواصل إثبات أن برشلونة لم يعد هذا الفريق الذي يتغذى على الاستحواذ، بعد سلسلة تجارب مكنته من الوصول لخليط شبه مستحيل بين الأمان والأداء والمتعة والنتائج، الأمر الذي بدأ كجنين مشوه، وانتهى بالحصول على القليل من كل شيء، القليل الكافي لتركه بلا هزيمة منذ أغسطس 2017.

 

في وقت ما كان سؤال الساعة هو كيف سيندمج لاعب بمواصفات باولينيو -المنافرة تماماً لأسلوب برشلونة- داخل المنظومة الكتالونية؟ والإجابة كانت أشبه بتغيير المنظومة برمتها لأجله! فبات الفريق يملك لاعباً حراً، متميزاً في الارتداد وتقديم الجهد البدني، وسيلة ضغط خانقة من الأمام حال فقد الكرة ومهاجم ثانٍ حين يلزم الأمر بعد استعادتها، شبحاً متعدد الوظائف ولكنه فاق كل التوقعات فاعلية.

 

قدم فالفيردي شوطاً أولاً يحبه جوزيه مورينيو ويرضاه، مرتدياً عباءة الرجل التي لم يعد هو نفسه قادراً على ملئها بنفس كفاءة الماضي: الأمان قبل الهجوم، احتواء الخصم قبل محاولة الانقضاض عليه، حصر المعركة قدر الإمكان في شوطها الثاني، تراجع احترازي لا يرقى لمرحلة "الباص". بمعنى آخر إن كان ريال مدريد يسعى لنيل رأسك، فاتركه يحاول ولا تسلمه إياها في معركة يمتلك هو فيها الزيادة العددية الدائمة.

 

صحيح أنه رغم ذلك نجح ريال مدريد في خلق 9 محاولات، 2 على مرمى تير شتيغن وواحدة في القائم، ولكن هذا قد يبدو خياراً أفضل من ترك الألماني يقوم بالعمل كله منذ بادئ الأمر. يبقى اختيار سيرجي روبرتو لأداء دور الظهير الأيمن على حساب سيميدو محل استفهام، فالثاني أكثر سرعة وتفوقاً في الدفاع، بينما يمنح الأول إسهامات أكثر قوة ووضوحاً حين يعود لموقعه الأصلي بالوسط، كما أكثر ريال مدريد من محاولة ضرب تلك الثغرة تحديداً عن طريق مارسيلو إلى جانب ميل رونالدو الطبيعي إليها (قبل إلزامه بالعمق عقب الطرد).

 

خريطة لمسات كريستيانو رونالدو في أول 60 دقيقة (يميناً) وفي آخر 30 دقيقة (يساراً): في الأولى تنوع بين ميل للجبهة اليسرى ويسار العمق وبعض التحركات على الجانب الآخر، وفي الثانية ابتعاد شبه تام عن جبهة روبيرتو وسيميدو لاحقاً  (سكاوكا)
خريطة لمسات كريستيانو رونالدو في أول 60 دقيقة (يميناً) وفي آخر 30 دقيقة (يساراً): في الأولى تنوع بين ميل للجبهة اليسرى ويسار العمق وبعض التحركات على الجانب الآخر، وفي الثانية ابتعاد شبه تام عن جبهة روبيرتو وسيميدو لاحقاً  (سكاوكا)

 

إلى هنا خدمت الظروف فالفيردي كما اشتهاها، فما كان بحاجة لأكثر من ارتطام الفرصة الأخطر بالقائم ليكلل الترابط النسبي بين أدوار وواجبات راكيتيتش وروبرتو من ناحية، والمساندة البدنية المميزة من جانب إنييستا لألبا من ناحية لأخرى، إلى جانب استمرار الرسام في توفير مخرجاً آمناً بالكرة حين تتعقد الأمور، جنباً إلى جنب مع شتيغن الذي واصل إثبات أهمية تمكن الحارس من اللعب بالقدم، بتمريرة طولية وحيدة خاطئة طوال 90 دقيقة.

 

مسارات تمريرات تير شتيغن (سكاوكا)
مسارات تمريرات تير شتيغن (سكاوكا)

 

حكم الفرد

"كنا نناقش المساحة طوال الوقت، كرويف تحدث دائماً عن أين يجب على اللاعبين أن يركضوا، وأين يجب أن يقفوا، وأين يجب ألا يتحركوا، الأمر كله كان يدور حول خلق المساحة واختراقها".

(باري هالشوف مدافع أياكس في السبعينات وزميل يوهان كرويف في الملاعب(2))

 

كذلك على النقيض، بدأ زيدان يعاني عيوب حيلته لإيقاف ميسي، لفقر الحلول في الأمام وسوء استغلال الفرص وغياب العنصر القادر على مباغتة الخصم، الذي بدا واضحاً أنه استعد بدوره بما فيه الكفاية لمواجهة سيل عرضيات الميرينغي المتوقع، استغلالاً لكونه يلعب فعلياً بـ10 لاعبين حتى قبل الطرد. خطط زيزو لمحاصرة ليو باعتباره أهم عناصر برشلونة، فقط ليصطدم بواقع أن الفريق بات يملك حلولاً أخرى بعكس بداية الموسم، وما كان هناك أفضل من هدف لا يشارك فيه البرغوث مطلقاً لإثبات ذلك.

 

نجح المدرب الفرنسي حتى ذلك الحد في مجاراة فالفيردي، ولكن فرديات فريقه تخلفت عن مواكبة الركب مع صحوة برشلونة بالشوط الثاني وإظهاره لنية الهجوم الحقيقية، ليظهر الملكي كما لو كان قد أخذ على حين غرة. بوسكيتس يكسر الضغط بحركة ذكية هي مكمن قوته ليخرج 4 لاعبين من اللعبة دفعة واحدة، قبل أن يهديها لراكيتيتش المنسل من وراء مودريتش لينطلق في مساحة شاغرة تماماً بالعمق، رجل واحد قادر على إيقافه ولكنه يقرر الإخلاص لتعليمات مدربه مهما كلفه الأمر في افتقار تام للذكاء التكتيكي، يتحمل كوفاسيتش الكثير من وزر الهدف ولكن من المسؤول عن عدم وجود أي شخص في مكانه عدا قلبي الدفاع؟

 

بعد تخطي راكي لكوفاسيتش: وصول متأخر للظهيرين، اختفاء تام لكاسيميرو، 3 على 2 لمصلحة برشلونة، سواريز يقتحم من أقصى اليسار والزيادة العددية تضع قلبي دفاع مدريد في موقف حرج (مواقع التواصل)
بعد تخطي راكي لكوفاسيتش: وصول متأخر للظهيرين، اختفاء تام لكاسيميرو، 3 على 2 لمصلحة برشلونة، سواريز يقتحم من أقصى اليسار والزيادة العددية تضع قلبي دفاع مدريد في موقف حرج (مواقع التواصل)

 

خط وسط ريال مدريد يعبئ إحصاءات التمرير بشكل جيد -باستثناء كروس الذي انحدرت نسبته إلى 85%- ولكن ما الفائدة إذا كانوا غير قادرين على تغطية الأظهرة الطائرة؟ وما الفائدة إن كان الارتكاز الدفاعي الرئيسي منشغل بالتقدم أكثر مما يلزم؟ ثلاثي برشلونة المتقدم تكون من المهاجم والظهير الأيمن -الذي يُفترض بمارسيلو أن يلزمه قواعده- وأخيراً لاعب الوسط، المنطلق في لقطة نسي الجميع منذ زمن أنه قادر على الإتيان بمثلها.

 

أقل من 10 دقائق ويُعاد الشريط بشكل مقارب، كاسيميرو في انطلاقة عنترية لا يتقدمه خلالها سوى بنزيمة، حتى رونالدو لم يكن قد وصل بعد، سرعان ما يفقدها على يد بوسكيتس ومنه إلى بيكيه الذي ينطلق بها ثم يتركها لميسي، ماذا الآن؟ أحدهم سيضغط؟ لا، وقف كوفاسيتش ومودريتش أمامه في محاولة لتضييق المساحة، أكمل بيكيه انطلاقته بين قلبي الدفاع ليسحب فاران معه إلى الوراء، وحين أفاق كارفاخال من سباته كان سواريز قد انفرد بالمرمى!

 

ميسي والثنائي الكرواتي أمامه: بيكيه يسحب فاران إلى الداخل، منتهى الاتكالية بينه وبين كارفاخال في التعامل مع خطر سواريز القادم من اليسار كالعادة. ميسي يرسل إليه الكرة من بين الثنائي لحظة اكتشاف كارفاخال لضرورة زيادة السرعة (مواقع التواصل)
ميسي والثنائي الكرواتي أمامه: بيكيه يسحب فاران إلى الداخل، منتهى الاتكالية بينه وبين كارفاخال في التعامل مع خطر سواريز القادم من اليسار كالعادة. ميسي يرسل إليه الكرة من بين الثنائي لحظة اكتشاف كارفاخال لضرورة زيادة السرعة (مواقع التواصل)

 

البقية معروفة بالطبع، فقد شاهد زيدان فريقه يخسر لاعباً ببطاقة حمراء بعد اتخاذه -عفوياً- للقرار الأكثر حماقة في موقف كهذا، ليس من السهل تذَكُّر متى كانت آخر مرة طُرد فيها لاعباً فركض إلى خارج الملعب دون أدنى اعتراض يذكر منه أو من زملائه. 2-0 من موقف 10 ضد 11، أو 9 ضد 11 إذا استمر استخدام كوفاسيتش بتلك الطريقة. أفاق الرجل على حقيقة أن أفضل ظهيرين في العالم سابقاً قد غادر أحدهما أرضية الميدان، أما الآخر -صاحب 4 تمريرات مفتاحية كأكثر لاعبي ريال مدريد صناعةً للفرص وثاني لاعبي الفريقين بعد ميسي- قد نسي مهام مركزه الأساسية ليتم مراوغته 7 مرات من أصل 9 محاولات للتدخل!

 

خريطة تدخلات مارسيلو إلى جانب ذلك، اعتراض واحد وتشتيت وحيد ومخالفتين يكملون حصيلة الظهير في الكلاسيكو (سكاوكا)
خريطة تدخلات مارسيلو إلى جانب ذلك، اعتراض واحد وتشتيت وحيد ومخالفتين يكملون حصيلة الظهير في الكلاسيكو (سكاوكا)

 

إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه

اضطر زيدان على الفور لإهدار تبديله الأول في سحب بنزيمة وإشراك ناتشو فيرنانديز ليملأ فراغ الظهير الأيمن، وحين استقر ذهنه على ما يجب أن يفعله تخلص من ثنائي الوسط الدفاعي كاسيميرو وكوفاسيتش، مقحماً ماركو أسينسيو وغاريث بيل بدلاً منهما لتتحول الطريقة إلى 4-2-3. منحت تبديلاته صحوة أمامية على حساب عمق الوسط وصلابته الدفاعية التي أثبتت غيابها مسبقاً.

 

على الجانب الآخر وبمنتهى الأريحية، واصل فالفيردي اغتنام رياحه بإراحة إنييستا لحساب سيميدو مع تقديم روبرتو إلى الوسط أو إلى حيث يتألق، لاحقاً دفع بأندريه غوميز على حساب باولينيو ليكاد البرتغالي أن يسجل مرتين، وفي النهاية وصل فيدال بدلاً من روبرتو ليكافئه القدر بهدف رغم كونه غير شرعي، إلا أنه إن أضفته إلى مرور هدف سواريز من تحت يد كيلور نافاس، تحصل على برهان قوي بشأن حاجة الكبار لحارس "حاسم".

 

على ذكر الأريحية، نال جوردي ألبا منها الكثير بعد طرد كارفاخال مباشرةً، فبالرغم من نجاحه النسبي في تعطيل تلك الجبهة مسبقاً، إلا أن خروجه قد منحه أوقات أكثر سعادة مع ناتشو الملتزم بالتراجع مراعاةً للنقص العددي، ليحظى بفرصة أكبر للمساندة ومحاولة تعطيل هجمات ريال مدريد من الأمام بالإضافة لمشاركة أكبر بالعملية الهجومية.

 

خريطة لمسات جوردي ألبا: الجزء الأيمن من الصورة لأول 60 دقيقة والجزء الأيسر لآخر 30 دقيقة، انحسار كبير لنسبة المشاركة بالثلث الدفاعي لصالح تقدم ضخم بنسبة الثلث الأوسط وطفيف بالثلث الأخير  (سكاوكا)
خريطة لمسات جوردي ألبا: الجزء الأيمن من الصورة لأول 60 دقيقة والجزء الأيسر لآخر 30 دقيقة، انحسار كبير لنسبة المشاركة بالثلث الدفاعي لصالح تقدم ضخم بنسبة الثلث الأوسط وطفيف بالثلث الأخير  (سكاوكا)

 

فلنفترض أن ميسي لم يسجل ركلة الجزاء، هل يمكن القول إنه بلا تأثير؟ هل هو بحاجة للأهداف ليٌخبرك بقيمته الواضحة في أرضية الميدان أو ليكشف عن ترسانة الحلول التي يوفرها حين يحتاج إليها الزملاء؟ قدم الرجل 9 تمريرات مفتاحية من أصل 12 قدمهم برشلونة بأكمله، مقابل 13 لريال مدريد. نجح ليو في 6 مراوغات من أصل 8، بينما نجح ريال مدريد بأكمله في 2 من أصل 7! مراوغتين أمام 19 للخصم في رقم مهزلي لا يليق بقمة كتلك.

 

أماكن مراوغات ميسي الناجحة والفاشلة  (سكاوكا)
أماكن مراوغات ميسي الناجحة والفاشلة  (سكاوكا)

 

أماكن صناعة ميسي لفرصه التسع (سكاوكا)
أماكن صناعة ميسي لفرصه التسع (سكاوكا)

 

على ذكر التدخلات، إن كان مارسيلو هو الأسوأ على الإطلاق فإنه ليس السيئ الوحيد، فقد خسر كروس 4 محاولات من أصل 7، ونجح مودريتش في محاولة واحدة من أصل 3، كان "كوفا" و"كاسي" أفضل حالاً بنجاح كل منهما في 2 من 3، والمؤسف أن من نجح بالعلامة الكاملة كان كارفاخال قبل انتحاره. على الجهة المغايرة قدم توماس فيرمايلين أوراق اعتماده أخيراً بنجاحه في ملء فراغ صامويل أومتيتي، وتفوقه الهوائي في صراعين خاضهما وفاز بهما، بينما تميز بوسكيتس في ذكاء افتكاك الكرة بـ4 محاولات ناجحة من أصل 5، مكللاً جهود أفضل مباراة لخط وسط برشلونة هذا الموسم عموماً، ولإيفان راكيتيتش بشكل خاص.

 

الأفضل في التاريخ..

undefined

 

لا فرصة أنسب من تلك لتوجيه سهام اللوم تجاه اللاعب الذي نصب نفسه أفضل لاعب في تاريخ الكرة وأكثرهم تكاملاً على الإطلاق(3)، ولكن المقولة ليست بحاجة لما هو أكثر من التفنيد غير المنحاز. السؤال ببساطة هو: متى يمكن لكريستيانو أن ينال الإشادة الكاملة عن إسهاماته؟ ومتى يمكنك القول إنه بلا تأثير؟ هل هو بحاجة للأهداف ليٌخبرك بقيمته الواضحة في أرضية الميدان؟ نعم هو بأمس الحاجة إليها. لم تكُن مباراة رونالدو سيئة على الإطلاق، ولكنها تكاد تكون عديمة القيمة إن لم يكللها بهدف. فقط فكر متى كانت آخر مرة قرر أحد المدربين اللعب بـ10 لاعبين، لأنه كلف الحادي عشر برقابة البرتغالي؟

 

لا يوجد الكثير من النماذج القابلة للمقارنة برونالدو فيما يتعلق بتسجيل الأهداف، فهو يمتلك موهبة استثنائية في التحرك وسرقة المدافعين من حيث لا يحتسبوا، بقدرة منقطعة النظير على ضرب نقاطهم العمياء، يسجل بيمينه ويساره ورأسه بنفس الكفاءة تقريباً وبمنتهى القوة والدقة، هداف لا تأمن شره ولكن هنا تحديداً تكمن أخطر نقاط ضعفه، فالأمر لا يتطلب سوى القليل من عدم التوفيق ليجد مباراته بلا قيمة أو بصمة تُذكر. أضف إلى ذلك فكرة التحول إلى نقطة خارقة لإنهاء الهجمات، صحيح أنها "خارقة"، ولكن أي هجمة تلك التي ستُنهى إن لم تُبنى من الأساس؟ فالأمر هنا لا يتوقف على كونك الأفضل في مجالك وحسب، بل في كون المحيطين بك هم الأفضل في بنائها لأجلك.

 

أصعب مقارنة هي تلك العابرة للأزمان، التي لا تضع في حساباتها اختلاف الظروف والطرق التكتيكية والتطور الدائم الذي هو سنة الحياة، ولكن في ضوء ما نراه ومهما أجهد الرجل نفسه لإثبات العكس، فإنه غير قادر على إثبات كونه الأفضل في جيله حتى يعبره إلى أجيال أخرى. وما يصفه المحبون بأنها كلمات مُحفزة تُدرس في علم التنمية البشرية، سرعان ما ينقلب وبالاً حين تصل بسقف التوقعات لمستويات لا يمكنك بلوغها حقاً، فقد يكون كريستيانو رونالدو هو "الهداف" الأكثر تكاملاً في التاريخ، لكنه لم ولن يكون أبداً "اللاعب" الأفضل أو الأكثر تكاملاً ولو خطب بها على رؤوس الأشهاد مراراً وتكراراً. 

المصدر : الجزيرة