كونتي وسيميوني.. أن تموت جبانا!
فريق يسعى للفوز من أجل الحفاظ على فرصته الأخيرة، وفريق آخر يرغب بذات الأمر لتأمين صدارة المجموعة، في النهاية فشل كلاهما في الخروج بهدفه. تشلسي الإنجليزي يتعادل مع أتلتيكو مدريد الإسباني بهدف لمثله في ختام دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا.
حظوظ الأتلتي لم تكن فقط متوقفة على خروجه بالنقاط الثلاث من قلب ستامفورد بريدج، بل على هدية من فريق يُدعى "كاراباغ إغدام" في مواجهة روما، وهي بالمناسبة الهدية ذاتها التي كان بمقدورها أن تكفل ل تشلسي الصدارة، ولكن على ما يبدو قد فات الأوان، فليس هناك من هو طيب القلب بما يكفي ليوزع تلك الهدايا غير من تعادل مع هذا الكاراباغ ذهاباً وإياباً، أتلتيكو مدريد نفسه.
كان تشلسي قادراً رغم كل شيء على الإنهاء في صدارة المجموعة لولا وقوف قفاز سلوفيني ثقيل الظل -7 تصديات بين السهل والمستحيل- في طريقه، ولكنه الآن صار عرضةً لمواجهة برشلونة مثلاً، أو الارتطام بصديقه الأزلي باريس سان جيرمان في مستهل الأدوار الإقصائية، بينما انتقل وصيف نسختي 2014 و2016 إلى الدوري الأوروبي، كهدية أخرى من لندني لأخيه اللندني..
تبقى مواجهتي ريال مدريد في نصف نهائي النسخة الماضية مثالاً واضحاً بل مرجعاً هاماً لتلك الحالة، ففي عز صحوة الملكي، والتي سحقت جاره المدريدي بثلاثية في الذهاب، حصل سيميوني على فرصة لا تتكرر بالتقدم 2-0 في ربع الساعة الأول، خدمته الكرة وساندته الظروف وهو ما نكرر ذكر صعوبة حدوثه أمام ريال مدريد المتفوق طولاً وعرضاً بالموسم الماضي فماذا فعل التشولو؟ عاد إلى سيرته الأولى، فانهار بنيانه في مشهد بالغ الهزلية على يد مهاجم نسي طريق المرمى منذ زمن.
لا يمكن إلقاء الأمور الآن على قوة تشلسي التي لا يمكن إنكارها وأن المواجهة كانت في عقر دياره، فلم يودع أتلتيكو البطولة ليلة أمس، ولم يودع البطولة حين خسر من تشلسي في ملعبه الجديد "ميتروبوليتانا"، بل أُكِل يوم فقد 4 نقاط لم -وعلى الأرجح لن- يفقدهم سواه، لو كانوا بحوزته لوضع الطرفان المتأهلان في وضع معقد للغاية قد تنصفه خلاله الحسابات، ولكن رجال سيميوني كانوا أكثر عجزاً من أن يضعوا الكرة في شباك فريق أذربيجاني.
ببساطة لا يمكنك خداع كل الناس كل الوقت، فليس من قبيل المصادفة أن الفريق الذي استأسدت نتائجه على برشلونة وبايرن ميونيخ وتشلسي نفسه في السابق، قد تحول إلى أرنب وديع ينتظر العطايا من ركلات الترجيح أمام فرق من مستوى باير ليفركوزن وأيندهوفن، ليس عبثاً أن تجد فريقاً بات بمثابة عقدة محلية لريال مدريد، يعجز عن هزم فريقين صاعدين حديثاً في مستهل جولات الليغا المنصرمة.
مهما كان لسيميوني كل الفضل في الوصول بأتلتيكو إلى هذا المستوى فإن لغة الحساب قد تغيرت، وذريعة ضعف الإمكانات المادية لم يعُد لها أدنى وجود والفضل له أيضاً، أتلتيكو لم يعد معجزة أو مجرد طفرة بل أمر واقع بين كبار الساحة الأوروبية، وما يقدمه التشولو لا يليق أبداً بتلك المكانة التي قفز إليها.
المشكلة تظل في كون أتلتيكو قد تلقى 18 تسديدة منهم 8 على المرمى رغم إفراطه بتقوية الوسط دفاعياً وبدنياً، نظراً لكون الإحصاءات تكشف عن تعرض القائد غابي للمراوغة 3 مرات من أصل 5 تدخلات، وعن تعرض خوسيه ماريا خيمينيز -المدافع الذي شارك كظهير أيمن- للمراوغة 6 مرات من أصل 11، لقد استمتع هازارد حتماً بتمشية قدميه هنا، تماماً حيث قرر سيميوني إقحام توماس بارتي على اليمين لأجل الحد من خطورته ويبدو أن الأمر قد نجح نجاحاً باهراً، بتسبب البلجيكي في تسجيل هدف فريقه ونجاحه في 8 مراوغات من أصل 12.
على الناحية الأخرى وبدلاً من محاولة الضغط على موسيس حديث العهد بالمهارات الدفاعية، تركه سيميوني يحظى بأوقات سعيدة مع كوكي الأقل سرعة وكفاءة في المراوغة عوضاً عن إزعاجه بكاراسكو، الرجل الذي دفع به على حساب توريس بعد صناعته للهدف مباشرة في الدقيقة 56، قبل أن يكتشف أن فريقه يمكن أن يتلقى هدفاً ما في الدقيقة 75، ليدفع صاغراً بمهاجميه أنخيل كوريا ولوسيانو فييتو على حساب خيمينيز وغابي، على نحو متأخر ومفرط في عشوائيته. قرر سيميوني متأخراً أن صلابة الوسط الظاهرية ليست الملاذ الوحيد، وأنه يمكن إقصاء أحدهم لحساب تحسين العمل الهجومي، ربما يكون لفابريغاس الذي قدم 6 تمريرات مفتاحية بين أحضانهم دور في هذا الاكتشاف، جنباً إلى جنب مع اكتشاف أكثر أهمية، أن الجبهة التي أرسل منها 40% من هجماته بحاجة لمساندة هجومية حقيقية تساند فيليبي لويس الذي تحمل فوق طاقته.
في زمن يُقارَن فيه باولينيو بفرانك لامبارد(1) لا نعرف أبداً بمن يمكن مقارنة تيموتي باكايوكو. فتش عن لاعب الوسط في كل مشكلة ستجد له ناقة أو جمل بشكل أو بآخر، من أول فرصة للأتلتي حين أهدى فيرناندو توريس تمريرة حاسمة بالغة الروعة بالكعب، إلى لقطة الهدف حين أفلت منه ساؤول نيغويز مستغلاً انشغال ذهنه بأي شيء يجري على كوكب الأرض عدا المباراة التي يلعبها الآن.
بالتأكيد كونتي هو واحد من هؤلاء المدربين الكبار الذين يجمعهم العناد كصفة أساسية، ولكنه ليس من الذين يستبد بهم الأمر إلى درجة العمى، صحيح أنه ليس مميزاً على طول الخط فيما يخص التبديلات، إلا أن التزامه بالحد الأدنى من المنطق والصواب جعله دائماً يسبق سيميوني بخطوة مهما حاول الأخير تقليص المسافة، فبمجرد خروج الحلقة الأضعف في صفوف البلوز، سرح بيدرو كالنار في هشيم دفاعات الروخيبلانكوس بشكل يدفع للتساؤل عن سر إبقائه حبيساً لـ3-5-2 التي تقيد وقت لعبه.
واصل كونتي خطواته قبل الهدف بدقيقتين مشركاً ويليان على حساب زاباكوستا، وفي الدقائق العشر الأخيرة حين نال تعادله لجأ لتنشيط الخط الأمامي بإقحام ميشي باتشواي بدلاً من موراتا انتهازاً لاندفاع أتلتيكو الجنوني. ليست صدفة أن يملك جميع البدلاء فرصاً محققة للتسجيل فكيفية الوصول بالفريق إلى المرمى هو من صميم عمل المدرب، وعليه حين يتحدث الإيطالي عن أحقية فريقه بالفوز (2) فإنه يملك هذا الحق كاملاً.
دفع سيميوني ضريبة تحفظه تارةً وعجزه تارةً أخرى، ولكن حتى لو كان هذا هو موسمه الأخير فلا يزال الرجل يملك القدرة على قلب المعطيات وإنهاء الموسم بطلاً للدوري الأوروبي، يتطلب الأمر الشجاعة الكافية لمواجهة النفس ومراجعة الحسابات قبل انقضاء عقوبة الانتقالات مطلع الشهر القادم حيث سيستقبل دييغو كوستا وفيكتور فيتولو، الأول هو مهاجم مُرعب ليس بغريب عن العاصمة الإسبانية، والثاني جناح هجومي مميز كل ما نأمله ألا يلعب توماس بارتي على حسابه!