بايرن ميونيخ 5-1 أرسنال.. ما فعله الألمان بالميّت
تحليل أي مباراة يكون أرسنال طرفًا فيها هو من أصعب المهام على الإطلاق، إذ كيف تحلل أداءًا لا يتغير وأخطاء تتكرر بإصرار، وفريق يعاند نواميس الكون التي تنص على أن دوام الحال من المحال؟
رغم ذلك منحنا البايرن الأوروبي – المختلف تمامًا عن نظيره المحلي – وجبة دسمة ومجموعة من الجُمل الافتتاحية التي يمكنها التعبير عما حدث؛ مثل أن تذكر أن آريين روبن سدد وحده 6 تسديدات، وهو ما يكافىء ما أنتجه أرسنال كاملًا، بل وكاد يكافئه في الدقة كذلك؛ إذ كانت 4 منها بين القائمين وأسفل العارضة مقابل 5 للمدفعجية مجتمعين، أو أن تقول إن نسبة الاستحواذ للألمان وصلت لـ75% تقريبًا، أو أن دقة تمريرات البايرن بلغت 90% مقابل 68% للمدفعجية، رغم فارق المساحات الشاسع الذي حظي به كل منهما.
المثير في أداء الألمان أنه لم يكن متوقعًا، لأن الفريقين دخلا المباراة وهما في حاجة لإثبات شيء ما، وإن كنا لا نعلم ما يحاول فينجر إثباته بالضبط، فجميعنا يعلم أن أنشيلوتي نال من الانتقادات الكثير منذ بداية الموسم؛ أداء ممل ومهزوز وغير مقنع، إصرار على عناصر تجاوزها الزمن أبرزها ألونسو، وتأهل غير مبرر كثاني المجموعة، بالتالي كان هدفه هو منح الألمان الثقة في المهمة التي عينوه من أجلها؛ دوري الأبطال، وهو ما نجح فيه بكفاءة منقطعة النظير، مقدمًا نسخة مبهرة كاد الجميع ينساها ويخرجه من ترشيحات اللقب.
ولكن تركة بيب لم تقتصر على التخوف من المرتدات وحسب، بل منحت سنواته الثلاث العملاق البافاري قدرة لا تُضاهى على استرجاع الكرة بمجرد فقدها، واستمرار الضغط على الخصم وخنقه لفترات طويلة جاوزت العشر دقائق المتصلة في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي تُعد معه الأخطاء حتمية ولا مناص منها، خاصة مع فريق كأرسنال؛ يكتفي بالمحاصرة دون ضغط دفاعي حقيقي يستخلص الكرة، وحتى إن نجح في ذلك فليست هناك جملة تكتيكية واحدة يعرفها لاعبيه يمكن تنفيذها بسرعة لنقل الفريق لنصف ملعب البايرن، وإنما الارتجال ولا شيء غيره في اعتماد تام على ما قد تجود به قريحة سانشيز، أو لمسة قد تحضر وقد تغيب من أوزيل.
والحقيقة أن مشكلة أرسنال تقع في صُلب فلسفته الدفاعية في مباراة كتلك، فبدلًا من ممارسة الضغط العالي على عناصر بايرن البطيئة وخاصة ثلاثي الدفاع هوملز ومارتينيث وألونسو، تراجع المدفعجية للخلف ليوفروا لهم الأريحية التامة في إطلاق التمريرات العمودية الطويلة التي يجيدونها، ليضيفوا لترسانة البافاري المزيد من الأسلحة، ويحرموا نفسهم من نقطة ضعف واضحة كانت الأجدر بالاستغلال، خاصة أن التراجع لم يحد من حصة الأهداف المقررة للمباراة، والنتيجة حرمتنا من التعليق المتحذلق المعتاد عن حتمية النتيجة الثقيلة حال مباغتة الألمان والاندفاع في الضغط، وهو بالضبط ما يمثل طموح أرسنال في مواجهة مشابهة؛ الخروج بأقل الخسائر، واعتبار الهزيمة بهدفين أو ثلاثة غاية المراد من رب العباد.
بل لا مبالغة هنالك إن قلنا أن أفضل لاعبي وسط في العالم لا يلعبان للبرسا أو الريال، ولم ينضم أحدهما لمانشستر يونايتد مقابل 300 مليار يورو، بل يلعبان لبايرن ميونيخ، ويعانيان من ضعف التغطية الاعلامية وقلة التقدير مقارنة بما يقدمانه في الملعب.
العملاق الشيلي سدد 4 تسديدات وجدت اثنتان منها طريقها للمرمى، وكان ثاني أكثر لاعبي فريقه مساهمة في التحضير (103 تمريرة) بعد ألونسو (112)، وأكثرهم تصديًا لتسديدات الخصم (2)، وثانيهم في الفوز بالثنائيات الهوائية (2)، وأقلهم فقدًا للاستحواذ (2) خلف لام ومارتينيث (1)، بالإضافة لقيامه بأكثر من ضعف عدد التدخلات (7/5) مقارنة بتاليه من لاعبي فريقه تياجو (3/3)، الذي حصل على أعلى تقييم في اللقاء بدوره (9.8)، بعد تسجيله لهدفين وصناعة آخر، وتحركه الدائم وطلبه للكرة في أصعب المناطق لتخفيف الضغط عن فريقه، ومنح زملائه الفرصة لايجاد المساحات المناسبة في دفاعات المدفعجية المتكتلة، والمبهر أن الثنائي خرج بأعلى نسبة في دقة التمريرات بـ93% للأسباني و94% للشيلي.
كل ذلك ساعد ألونسو على التحرر من كثير من مهامه الدفاعية والتألق بشكل مفاجىء، لأن الفصيلة التي ينتمي لها المايسترو الأسباني كصانع لعب متأخر أو Deep Lying Playmaker تميل للنبوغ إذا ما جاورها مدمر هجمات كفيدال، وهو ما يفسر تألق بيرلو بجانب الشيلي الرائع بعد تجربة ناجحة مع جاتوزو في ميلان، وما يفسر كذلك فترات ألونسو البارزة إلى جانب ماتشيرانو في ليفربول ثم بيبي وخضيرة في ريال مدريد، وهو ما يجيده فيدال ويتخصص فيه بالسليقة والفطرة، والفارق الوحيد هنا أنه أفضل من كل هؤلاء لأنه قادر على كسر الثنائية التقليدية بين المخ والعضلات، ويستطيع تقديم ما هو أكثر من مجرد ايقاف هجمات الخصم، لأنه يشارك بفعالية في التحضير بل وصناعة الفرص مباشرة في كثير من الأحيان.
يقود كل ذلك سياسة فاشلة بدأت بالإدارة الحالية ولم تنته عندها، لأن أرسين فينجر نفسه اعتنقها عن طيب خاطر وباقتناع كامل، مكررًا الهراء المعتاد عن سياسة الاعتماد على الشباب وتطوير اللاعبين، وكأنه يعيش في عالم موازي لم يفز فيه رانييري بالدوري بمجموعة من المجهولين تحت أنفه وعينه، ولم يقم فيه بوكيتينو بصناعة فريق كامل من الشباب لم يكلفه سوى 40 مليون باوند، وهو على وشك تجاوزه في السباق المحلي أو كاد.
نفس السباق الذي يعتبر فينجر إنهاءه في المراكز الأربعة الأولى كافيًا لتبرير بقائه،حتى لو كانت ملاقاة موناكو كفيلة بوضع نهايته الحتمية في ثمن النهائي، وهو ما يعبر عن أزمة الطموح والشخصية في أرسنال فينجر الذي انهار على يد صانعه، لدرجة أن الهزائم الثقيلة بالخمسة والأربعة لم تعد تفاجىء أحدًا، لأن أرسنال يتجاوز دور المجموعات كل عام حاملًا كفنه أيًا كان خصمه، والذي لا يتبقى له بحكم العُرف والعادة، سوى اكرام الميت.