شعار قسم ميدان

بين فوضى "مورينيو" و"غوارديولا".. هل يصلح "أنشيلوتي" دائماً للتنظيف؟!

midan - guardiola

"وأخيراً ولى عصر الفيلسوف الذي أضاع على بايرن ميونيخ 3 ثلاثيات متتالية بالإخفاق الدائم في نصف نهائي دوري الأبطال، وأتى خبير البطولات الإقصائية الذي سيعيد أمجاد هاينكس، انتهت فترة تطويع اللاعبين لخدمة أفكار معينة وأتى من يتحلى بالمرونة"، قد يكون لسان حال البعض، ولكن هل هي الحقيقة المجردة؟

 

صحيح أن أنشيلوتي يبدو عقلاً أكثر مرونة من غوارديولا الأكاديمي الصارم، إلا أن مرونة الإيطالي بدأت تكتسب نوعاً من النمطية مع مرور الأعوام، فمن الصحيح أنه استثنائي حين يتعلق الأمر بالتحولات التكتيكية وأنماط اللعب إلا أنه ليس من نوع الرجال الذي يخلعون عباءة الـ4-3-3 بسهولة وهو ما كلفه بعض الترنحات في بداية الموسم وفي مجمل مسيرته.

 

أنشيلوتي ماهر للغاية في صناعة الخلطة الأمثل من العناصر المتاحة له، لكن بعد أن تستقر المنظومة يكفي أن تشاهد ما يحدث بمجرد غياب ترس يصعب تعويضه بالاستبدال الفردي، ولعل دوامة لوكا مودريتش في موسم 2014-2015 خير دليل، ولكنه هنا يمتلك دكة بدلاء تقترب من المثالية.

 

"الدون" المسالم:
 (رويترز)
 (رويترز)

يحلو للبعض تسميته "دون كارلو" ولكن أول ما تسترجعه الذاكرة عن لفظ "دون" بعد تخطي كريستيانو رونالدو سيكون "دون كورليوني" زعيم العصابة ورب العائلة الشهير من فيلم The Godfather، بينما المدرب الإيطالي الوديع لا يشبهه مطلقاً، ربما يشارك "فيتو كورليوني" هدوءه وحنكته، لكن لكل منهما طريق، وطريق كارلو لم يتقاطع أبداً مع طريق الدون.

 

فيتو كورليوني بالتخصص يقدم عروضاً لا يمكن رفضها، منتج سينمائي رفض منح دور لقريبه واستخف بطلب الدون فكانت النتيجة أنه وجد رأس حصانه المفضل في فراشه، هل يبدو ذلك كرجل يمكن لسيلفيو بيرلسكوني اقتحام غرفة ملابسه وتوجيه تعليمات فنية له؟

 

"دون أنشيلوتي" لم يجرؤ مطلقاً على إبعاد جاريث بيل عن التشكيل في أسوأ مواسمه على الإطلاق ولو لفترة قصيرة بغرض حمايته من الضغط المتزايد، ويمكننا استنتاج أنه ما كان ليجرؤ حين يحين الوقت على البدء بتسليم الراية الحتمي من رونالدو للويلزي، الأمر الذي بدأه رافاييل بينيتيز وتفرض الظروف على زين الدين زيدان مواصلته في ظل التراجع التدريجي لمستوى البرتغالي.

 

ولكن تلك الصفات تحديداً والتي تملؤها العيوب من حين لآخر، هي دائماً ما تجعله الخيار الأنسب لخلافة هذا النوع من المدربين، سواء هذا الذي يثير الصراعات حوله كجوزيه مورينيو في ريال مدريد -نعم فلا أحد يُعادي إيكر كاسياس وسيرجيو راموس وكريستيانو رونالدو دُفعة واحدة ثم يتوقع الانتصار في تلك الحرب سوى مورينيو!- أو هذا صاحب الخلافات الفلسفية الذي نقل للاعبيه كل ما يعرف عن الكرة وتعقيداتها حتى صاروا بحاجة لمن يجعلهم يشعرون بأن الأمر أسهل من ذلك!

 

عرض لا يمكن رفضه:
في النهاية قد ينجح
في النهاية قد ينجح "أنشيلوتي" فيما فشل به "بيب" (دوري الأبطال) ولكن عملية الانتقال من فكر الإسباني إلى الإيطالي -أو إلى أي فكر آخر- ليست بالأمر الهين
 

يواجه مدرب البافاري تحدياً من النوع ذاته ولكنه محظوظ باختلاف الإدارات، فكما قال بلسانه "الفارق يكمن بأن بايرن يرأسه لاعب كرة قدم سابق وبالتالي هو يفهم ما يحدث بشكل أفضل"، رجل الكرة لن يضغط لإشراك لاعب معين مهما كانت جماهيريته -أو فائدته للأغراض التسويقية على سبيل المثال- وهنا يملك أنشيلوتي فرصة للتعاطي مع صداع توماس مولر، نجم الفريق الأقرب لقلوب جماهيره ليس بالوزن الذي يسهل التخلص منه إن لم يلائم أفكار مدربه، كارلو يعلم جيداً كم عانى جوارديولا مع الأمر جماهيرياً وإعلامياً.

 

فقط ارسم الـ4-3-3 وضع إصبعك على مركز يلائم إمكانيات "البومبير" بشكل كامل، إجابة أنشيلوتي الأولى كانت الجناح الأيمن في البداية استغلالاً لإصابة آريين روبن وهو الأمر الذي لاقى الفشل، فمجد مولر يتركز كلياً في منطقة الجزاء، ووضعه في مصاف الأجنحة سيعد ظلماً لكوستا وكومان ومن بعدهما وريبيري، وإقحامه في الوسط حيث يملك فيدال وتياجو وألونسو وريناتو سانشيز وكيميتش سيكون بلا شك ضرباً من الجنون.

 

ولكن الأيام دارت وتنازل أنشيلوتي عن معشوقته متحولاً إلى 4-2-3-1 والتي وفرت لمولر مركز صانع الألعاب في حال غياب تياجو، إلى جانب مركز الطرف الأيمن في 4-3-2-1 كما رأينا بمباراة إنجولشتادت العسيرة، ربما كان محظوظاً بتراجع مردود اللاعب نفسه حيث لم يسجل سوى هدف وحيد في البوندسليجا حتى الآن (5 في جميع المسابقات)، إلا أنه تفوق نوعياً في الصناعة مقدماً 6 تمريرات حاسمة في الدوري، بطريقة أو بأخرى من جديد يُقدم دون كارلو عرضاً لا يمكن رفضه في ظل الظروف.

 

الإرث المشترك:
(رويترز)
(رويترز)

لا يمكنك أن تمارس شيئاً ما لثلاث سنوات ثم تحاول إقناع الجميع بأنك نسيته بسرعة، مهما تحدثت للإعلام عن مدى كرهك له مثل ريبيري وليفاندوفسكي، ففي النهاية قد ينجح أنشيلوتي فيما فشل به بيب (دوري الأبطال) ولكن عملية الانتقال من فكر الإسباني إلى الإيطالي -أو إلى أي فكر آخر- ليست بالأمر الهين وكارلو نفسه يعلم ولذلك تحدث عن "إكماله لعمل جوارديولا"، بعكس سهولة بناءه على ما تركه له جوزيه مورينيو في ريال مدريد، فتقارب الفكر وتضارب الشخصيات في تلك اللحظة التي شهدت وصول المدرب البرتغالي ولاعبيه لحائط مسدود كان خير ممهد لرجل هادئ ورزين ينظف تلك الفوضى.

 

3 مرات شهدت تحطم أطماع بايرن في الأميرة الأوروبية على صخرة نصف النهائي، الأولى شهدت أخطاء فادحة منه في مواجهة أنشيلوتي نفسه الذي اكتسحه برباعية، والثانية لا يسأل عنها سوى ليونيل ميسي، والثالثة تظهر تفوقاً كاسحاً في الاستحواذ وعدد المحاولات وخطورتها ولكن في النهاية تأهل أتلتيكو مدريد، تغيرت الأوضاع وحان دور المدرب الجديد لمواجهة الأتلتي، فكانت النتيجة تفوق الأخير في النتيجة وعدد المحاولات! فارق وحيد بين مواجهة سحق فيها أنشيلوتي الفيلسوف ومواجهة فشل فيها كلاهما، فتش عمن يفترض به أخذ المبادرة.

 

ولكن ها هو خبير البطولات الإقصائية يستفيد من حلوله وصيفاً ليواجه خصم بايرن المفضل: آرسنال، ويضربه بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد في مباراة تسيد شوطها الثاني على وجه التحديد طولاً وعرضاً، ليُقرب من الأذهان مشهد معانقة ذات الأذنين في الموسم الأول بذكريات عاشرة الملكي.. ولكن هل آرسنال في تلك السنوات العجاف المُكررة والمملة هو المقياس الحقيقي؟ وماذا سيكون المصير إن اصطدم البافاري بنظام دفاعي صلب مرة أخرى؟

 

قيل أن الدوري الألماني سيكون خير فرصة يصلح فيها أنشيلوتي علاقته المزرية بلقب الدوري ، فعلى مدار 20 عام من التدريب حقق لقب الدوري 3 مرات فقط.
قيل أن الدوري الألماني سيكون خير فرصة يصلح فيها أنشيلوتي علاقته المزرية بلقب الدوري ، فعلى مدار 20 عام من التدريب حقق لقب الدوري 3 مرات فقط.
 

قيل أن الدوري الألماني سيكون خير فرصة يصلح فيها أنشيلوتي علاقته المزرية بلقب الدوري ، فعلى مدار 20 عام من التدريب حقق لقب الدوري 3 مرات فقط (الإيطالي مع ميلان 2003-2004 / الإنجليزي مع تشيلسي 2009-2010 / الفرنسي مع باريس سان جيرمان 2012-2013)، وبالمناسبة حتى الدوري الفرنسي خسره مرة لصالح مونتبلييه في 2012، مساوياً عدد ألقاب الدوري لديه بدوري أبطال أوروبا الذي فاز به 3 مرات (2003 و2007 مع ميلان و2014 مع ريال مدريد)، أمر لا يحدث إلا مع مدربي الصدفة أمثال روبرتو دي ماتيو صاحب دوري أبطال 2012 والذي لم يفز بلقب الدوري أينما ذهب بل وأقيل مؤخراً من أستون فيلا في الدرجة الثانية الإنجليزية.

 

في واقع الأمر البوندسليغا ليست بتلك السهولة، فالآن بوروسيا دورتموند وبوروسيا مونشنجلادباخ وباير ليفركوزن وهيرتا برلين وكولن وحتى لايبزيج الصاعد حديثاً والذي تصدر لفترة قد أصبحوا جميعاً فرقاً مزعجة، صحيح أنه طالما بات البافاري في قمة مستواه فلن ينجح أحدهم في مقارعته وسينزفون النقاط واحداً تلو الآخر كما شاهدناهم، ورغم تربع البافاري على العرش بفارق 7 نقاط عن أقرب ملاحقيه إلا أن بايرن أنشيلوتي وحتى تلك المباراة الأخيرة أمام الجانرز لم يكن من الممكن القول بأنه قد بلغ قمة مستواه بعد.

 

بأي حال يجب على جماهير بايرن تحديد معيار "الموسم الناجح"، فأتلتيكو مدريد ليس آرسنال وشتان الفارق بين الثنائي، وقد تعني مواجهة نظاماً محكماً أو بعض الحظ السيء ضياع لقب دوري الأبطال المُنتظر -ويا لطول الانتظار- منذ 2013، هل سيكون حينها أنشيلوتي فاشلاً؟

المصدر : الجزيرة