شعار قسم ميدان

قبلة إنريكي الأخيرة.. عِلم قلب الطاولة!

Football Soccer - Barcelona v Paris St Germain - UEFA Champions League Round of 16 Second Leg - The Nou Camp, Barcelona, Spain - 8/3/17 Barcelona coach Luis Enrique and Sergi Roberto celebrate after the game Reuters / Albert Gea Livepic

أيام قليلة قد مضت على إعلان لويس إنريكي مدرب برشلونة قرار رحيله عن منصبه بنهاية الموسم الحالي ليتحول الأمر من مطلب جماهيري إلى أمر واقع ولتنقسم الأصوات الغاضبة بين السعادة والتعاطف أو كليهما معاً.
 

عاند كثيراً، نجح كثيراً، وأخفق كثيراً، كل ذلك يدور في الذاكرة، 8 ألقاب مع النادي حتى الآن، ثلاثية تاريخية على مستوى النتائج والأداء في 2015، يُقابله خراب شبه تام في بدايات 2017، ولكنه الآن قرر الرحيل، لا مزيد من لوتشو، هذا يشبه أن توشك على خنق أحدهم فينتهي بك الأمر محتضناً إياه.

 

حين تكافئك المستديرة
لو صمم لويس إنريكي بنفسه الظروف التالية مباشرةً للقرار ما كان بمقدوره أن يخرجها أفضل من ذلك (رويترز)
لو صمم لويس إنريكي بنفسه الظروف التالية مباشرةً للقرار ما كان بمقدوره أن يخرجها أفضل من ذلك (رويترز)


يمكن لإنريكي أن يختار الظروف بعناية قبل إعلان قرار الرحيل، ولكنه لو صمم بنفسه الظروف التالية مباشرةً للقرار ما كان بمقدوره أن يخرجها أفضل من ذلك، فقد أعلنه بعد انتصار سداسي على سبورتينج خيخون ولكنه ما كان ليتخيل ما تلاه مباشرة..
 

في توقيت مثالي بعد المؤتمر الصحفي، ترك ريال مدريد الصدارة للمرة الأولى بالتعادل مع لاس بالماس 3-3 وإن كانت له مؤجلة أمام سيلتا فيغو، برشلونة يتقدم بفارق نقطة وحيدة، لا يبدو الفريق مشابهاً للجثة الهامدة التي رأيناها أمام باريس ذهاباً، ولا هذا المريض الذي فاز على ليجانيس بصعوبة بالغة، إنه يبدو كبرشلونة، هناك بارقة أمل قبل الحلم المستحيل.
 

تستمر الأحوال في التحسن بخماسية بشباك سيلتا فيجو المزعج وبأداء ثابت وقوي حرم الخصم من الوصول للشباك، كل الأعين الآن تتجه إلى ليلة الثامن من مارس، عودة حلم بها الجميع على مختلف درجات إيمانهم بها من اليأس إلى اليقين، وقد تمت.

 

ما غيَّره الرحيل
من أفسد الكثير بيديه، عاد وعمل وثابر وجرب حتى خرج بالحل متمثلاً في 3-4-3، تلك التجارب بدأت أمام ليجانيس
من أفسد الكثير بيديه، عاد وعمل وثابر وجرب حتى خرج بالحل متمثلاً في 3-4-3، تلك التجارب بدأت أمام ليجانيس
 

رغم أن الغالبية العظمى كانت قد أخرجت ذلك اللقب من الحسابات واكتفت بالطمع في لقبي الليجا والكأس، عاد حلم الأبطال ليراودهم من جديد، وبين الحالتين كلمة سر واحدة: لويس إنريكي.
 

من أفسد الكثير بيديه، عاد وعمل وثابر وجرب حتى خرج بالحل متمثلاً في 3-4-3، تلك التجارب بدأت أمام ليجانيس واستمرت حتى خرج مُنتجها النهائي في ليلة 6-1 الخيالية، فريق يضع باريس سان جيرمان أغلب فترات المباراة في منتصف ملعبه، فريق يدافع بـ3 قلوب يقفون على خط منتصف الملعب.
 

ساندته بعض الظروف، ومنحته كرة القدم سيناريو من الأحلام، ولكن إن أردنا رد الأمور إلى أصلها، فكل شيء بدأ من ذلك المؤتمر، كل شيء بدأ بقرار الرحيل..
 

نعم، هذا القرار أنعش كل جنبات الفريق، فبات المدرب يعمل دون ضغط الحفاظ على منصبه بل يُعطي كل ما لديه ليترك ذكرى طيبة أخيرة في كامب نو، ولم يعد لأي لاعب يختلف معه ذريعة للتذمر، إنها أشهر قليلة أخيرة، نعلو معاً أو نسقط معاً، وفي النهاية سيذهب كل منا إلى طريقه.
 

حتى ولو كان سبباً تافهاً، فإنه في حد ذاته يُعد حافزاً لتكريم ذلك الرجل بمنحه كل ما لديهم، ولم يكن الأمر بعدها بحاجة لأكثر من فكرة جديدة يؤمن بها الجميع، بذلك اكتملت عملية تجديد الدوافع.

 

ما أشبه الليلة بالبارحة
يبدو أنه مع لويس إنريكي لا يجب القلق عندما تسوء الأمور، بل العكس.. اشعر بالقلق فقط عندما تسير بشكل جيد!  (رويترز)
يبدو أنه مع لويس إنريكي لا يجب القلق عندما تسوء الأمور، بل العكس.. اشعر بالقلق فقط عندما تسير بشكل جيد!  (رويترز)


يناير 2015.. أنباء مُكررة عن شقاق بين ليونيل ميسي نجم برشلونة ومدربه، ليلة مأساوية بعد تواصل عقدة الأنويتا، انتهت بفوز ريال سوسييداد تحت قيادة ديفيد مويس على الفريق الكتالوني، موقف بلغت فيه المعنويات قاعها.
 

تدخل تشافي هيرنانديز قائد الفريق وقتها لوأد الصراعات والتف الجميع من جديد حول راية واحدة، لتتحول بذرة موسم صفري في نصفه الأول إلى ثلاثية، هذا الفريق الذي خسر من سوسييداد تلاعب بمانشستر سيتي ثم باريس سان جيرمان ثم بايرن ميونيخ تحت قيادة بيب جوارديولا وصولاً إلى التتويج على حساب يوفنتوس، هذا الفريق الذي سقط في كلاسيكو الذهاب أمام ريال مدريد شر سقطة عاد وثأر وتوج بالليغا وقبلهما أضاف كأس الملك للمجموعة.
 

في الموسم التالي 2015-2016 واصل برشلونة تفوقه، سحق ريال مدريد ذهاباً برباعية نظيفة، خاض 39 مباراة بلا هزيمة حتى انفرط العقد على يد الغريم ذاته، ليسقط الكتلان في فجوة إبريل بتقلص فارق النقاط العشر في الصدارة إلى نقطة وحيدة والخروج من دوري الأبطال على يد أتلتيكو مدريد.
 

يبدو أنه مع لويس إنريكي لا يجب القلق عندما تسوء الأمور، بل العكس.. اشعر بالقلق فقط عندما تسير بشكل جيد!

 

النهاية
لا يوجد أنسب مما حدث أمام باريس لشحذ الهمم إلى أقصاها ورفع المعنويات إلى عنان السماء (رويترز)
لا يوجد أنسب مما حدث أمام باريس لشحذ الهمم إلى أقصاها ورفع المعنويات إلى عنان السماء (رويترز)

من آمال متشككة في تحقيق الليجا، إلى أصوات تطمح في ثلاثية جديدة، سُبحان مغير أحوال كرة القدم وكل شيء في هذا الكون..
 

مباراة وحيدة أمام ألافيس تفصل البلوجرانا عن أول الألقاب، 10 مباريات تبقت في عمر الدوري وإذا سارت الأمور على نحوها الحالي فإن كلاسيكو الثالث والعشرين من أبريل قد يٌخبرنا بهوية البطل، وكليهما الآن في ربع نهائي دوري الأبطال رفقة الثنائي الألماني بايرن ميونيخ وبروسيا دورتموند، بانتظار يوفنتوس ومانشستر سيتي وأتلتيكو مدريد وإشبيلية عملياً ولكن بطبيعة الحال لا يمكننا الثقة في تلك الكلمة بعد زلزال الثامن من مارس.
 

لا يوجد أنسب مما حدث أمام باريس لشحذ الهمم إلى أقصاها ورفع المعنويات إلى عنان السماء، لن تواتي فرصة مثل تلك لاستثمارها ووضع نهاية سعيدة لهذا الموسم ومسيرة إنريكي بالكامل مع برشلونة، ولكن لا يجب الانجراف وراء السعادة اللحظية فالتحديات الباقية ليست سهلة على الإطلاق.
 

سار بنا الحديث حول "عِلم قلب الطاولة"، لكن في الواقع "العَلَم" هو من قلب الطاولة، هناك سر حول تلك الراية، عبارة "راية واحدة تجمعنا" (Una bandera ens agermana) بنشيد النادي الكتالوني، هي أيضاً أكثر من مجرد شعار، هناك سر لالتفاف الجميع في أحلك الظروف يفوق العناصر الملموسة، ويعجز التحليل عن الوقوف على حقيقته.

أياً كانت النتيجة بنهاية الموسم، من كان سيرحل غير مأسوف عليه سيخرج بطلاً متوجاً من أوسع الأبواب
أياً كانت النتيجة بنهاية الموسم، من كان سيرحل غير مأسوف عليه سيخرج بطلاً متوجاً من أوسع الأبواب
 

هذا العلم الذي طاف به إنريكي الملعب احتفالاً بالثلاثية سيعيش معه كما عاش لاعباً بعد خلعه لقميص الغريم ريال مدريد، فقريباً تودع كتالونيا مدربها..
 

أياً كانت النتيجة بنهاية الموسم، من كان سيرحل غير مأسوف عليه سيخرج بطلاً متوجاً من أوسع الأبواب، ليلة واحدة صنعت الفارق، لم تكن ليلة العودة التاريخية بل مؤتمر إنريكي، فوداعاً أيها اللوتشو.

المصدر : الجزيرة