شعار قسم ميدان

الفاتورة.. كشف حساب جوزيه مورينيو

ميدان - مورينيو في نهائي الدوري الأوروبي
انتهى الموسم الأوروبي وحان وقت الحساب، فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن النتائج وحدها لا تصلح لأن تكون المعيار وإلا باتت المُحصلة ناجحا وحيدا وسط مجموعة من الفشلة في نهاية كل موسم.

 

لذلك يقدم لكم "ميدان" سلسلة تقارير بعنوان "الفاتورة" لاستعراض ما قدمه أبرز مدربي الفرق الكبيرة عن مجمل فترة توليهم لمناصبهم الحالية. بطل الافتتاحية هو جوزيه مورينيو المدير الفني لمانشستر يونايتد.

 

لأن فينغر يفسر كل الأشياء

قبل أن نبدأ هناك بعض الحقائق التي لا يمكن تجاهلها، مثل أن مانشستر يونايتد الحالي لا يُمكن تقييمه بناءً على "من هو مانشستر بالأصل" بل على أساس ما تسلمه المدرب البرتغالي، لذلك لا يمكننا غض الطرف عن حقيقة أنه ليس بطل البريميرليغ الذي تركه السير أليكس فيرغسون، بل هو فريق أنهى عامين من الإنفاق الضخم في المركز الخامس خارج جنة دوري الأبطال.

 


 من مؤتمر تقديم مورينيو مدربا لليونايتد في يوليو 2016

 

الحقيقة الأخرى هي أن الفريق والمدرب كان كل منهما قدر الآخر في تلك اللحظة، إن كان هناك تحفظات أخلاقية على مورينيو فإن الخيارين الأكثر تهذيباً انتقل أولهما إلى الطرف الآخر من المدينة وذهب ثانيهما ليحل محله في بايرن ميونيخ. ما كانت جماهير مانشستر يونايتد لتقبل أي محاولات لاستنساخ مشروع ديفيد مويس أو غيره، المطلوب بوضوح بعد فشل مدرب بحجم لويس فان خال هو اسم لا يقل حجماً.

 

بينما كان الاستثنائي هو الخيار الوحيد الشاغر من تلك الفئة، كان الأمر بالنسبة له فرصة لا تعوض بعد إقالته من تدريب تشلسي الذي يملك هو وحده نصف ألقاب الدوري التي حققها. سقوط مورينيو إثر المعارك الداخلية وبعد عامين من خسارته للحرب الأهلية التي أشعلها داخل غرفة ملابس ريال مدريد جاء صدمة لا توصف.

 

أي شخص مر بظروف مثل تلك ربما بات غارقاً حتى الآن في دوامة من الشك الغير نهائي، ولكن مع "المو" الأمر أكثر سهولة من ذلك التعقيد فطوق النجاة جاهز ومعروف، لذلك حين سُئل في مؤتمره الصحفي الأول كمدرب ليونايتد عما إذا كان لديه ما يثبته قال "هناك مدربين آخر لقب فازوا به كان منذ 10 سنوات. آخر مرة فزت بلقب كان منذ عام واحد ليس 10 أو 15 لذلك إذا كان لدي الكثير لأثبته فتخيلوا حال الآخرين." (1)

 

القاعدة الأولى في دليل مورينيو للنجاة من المواقف الحرجة تتلخص في كلمتين: أرسين فينغر
القاعدة الأولى في دليل مورينيو للنجاة من المواقف الحرجة تتلخص في كلمتين: أرسين فينغر
 

مثال حي آمن على وظيفته أبد الدهر مهما قتل طموح جماهيره، فهو لا يتلقى تقييمه الفني أبداً بل يُحاسبه المدير المالي للنادي على الأرجح، القاعدة الأولى في دليل مورينيو للنجاة من المواقف الحرجة تتلخص في كلمتين: آرسين فينغر. رغم إلمامه بالضغوط التي يفرضها عليه المنصب الجديد وحجم التوقعات الملقاة على عاتقه، فلا مشاكل ما دامت فزاعة فينغر حية ترزق.

 

إعادة ترتيب الأوراق

مُعضلة مورينيو الحقيقية لم تتعلق أبداً بتغيير أفكاره الفنية فهو على قناعة كاملة بأنها منحته دوري 2015 وأنه لم يسقط سوى بالخيانة، لذلك لم ينصب تركيزه سوى على كيفية ضمان عدم تكرار ما حدث وهو أمر غير مضمون بالنظر لطبيعته الصدامية.

 

كانت مهمة السيطرة أكثر سهولة هنا بطبيعة الحال، فغرفة ملابس مانشستر يونايتد الحالية لا تمتلك ركائزها السابقة شديدة الثقل مثل غيغز وسكولز وفيرديناند وفيديتش، ولذلك إن صادق واين روني ومايكل كاريك فلن يكون هناك شيئاً يُذكر، حتى روني النجم والقائد لا يملك الحصانة المُعتادة التي تُحيط بتلك النوعية من اللاعبين، كما أنه في غاية التعقل ولم يكن أبداً من مثيري المشاكل.

 

سقط جوزيه في ريال مدريد لأنه اصطدم بإيكر كاسياس وسيرجيو راموس وكريستيانو رونالدو وحتى مواطنه بيبي دفعة واحدة، ثم أقيل من تشلسي إثر ما وصفه بالخيانة (2) من غرفة ملابس تضم جون تيري وغاري كاهيل وإيدين هازارد وسيسك فابريغاس وغيرهم، ولكن إن راح ضحية لانقلاب يقوده كريس سمولينغ وفيل جونز وأنتوني مارسيال فعليه اعتزال التدريب.

 

جاء مورينيو وهو يعلم أن الفريق بحاجة على الأقل لظهير أيمن ومدافع ولاعب وسط وجناح ومهاجم، فتعاقد مع 4 منهم (الأوروبية)
جاء مورينيو وهو يعلم أن الفريق بحاجة على الأقل لظهير أيمن ومدافع ولاعب وسط وجناح ومهاجم، فتعاقد مع 4 منهم (الأوروبية)

 

على هذا الأساس بدأ ترتيب الأوراق، جاء وهو يعلم أن الفريق بحاجة على الأقل لظهير أيمن ومدافع ولاعب وسط وجناح ومهاجم، فتعاقد مع 4 منهم وهم إريك بايلي وبول بوغبا وهنريك مخيتاريان وزلاتان إبراهيموفيتش، بينما قرر في مسألة الظهير أنه سيعتمد على لويس أنتونيو فالنسيا وهو ما آتى ثماره بعد أن مهد فان خال له الطريق.

 

مدرب بهذا الاسم يحمل كل تلك التطلعات ويعد الجميع بالفرصة بالتزامن مع رحيل رايان غيغز عن الجهاز الفني، الكثير من المؤيدين في الداخل وولاء مضمون من القادمين الجدد، ظروف مثالية يمكن أن يمر خلالها اضطهاد ممنهج لباستيان شفاينشتايغر دون مشاكل، ومع هبوط مستوى روني لن تقوم الساعة إن حرمه من مركزه الأساسي، ولن تهتز الجدران إن انتقد الظهير اليافع لوك شو علناً وأسقطه من حساباته، بل سيُقاتل الأخير لينال رضاه وهو ما حدث.

 

الوعود والمبادئ.. حقيقة التطلعات

من أين أتى الاعتقاد بأن مورينيو أتى لأجل المنافسة على البريميرليغ وليس مجرد مقعد دوري الأبطال؟ هو لم يقل ذلك أبداً، ولكن الصورة الوردية التي رسمها في البداية ولم تكن تهدف سوى لتأييد حالة الالتفاف الجماهيري حوله هي ما أوحت بذلك الأمر.

 

قال مورينيو في أول لقاء له كمدرب للفريق أن "الفرق العملاقة تبحث عن المدربين الأفضل" وأنه يفضل نسيان السنوات الثلاث الماضية والتفكير في النادي الكبير الذي يملكه بين يديه الآن، وأن رسالته للجماهير هي "أنا أريد الفوز. أريد التركيز على تاريخ هذا النادي العملاق وسأمنح كل ما لدي للسير في الاتجاه الذي نريده جميعاً". (3)

 

الوعد الوحيد الذي قطعه مورينيو بوضوح جاء في المؤتمر الصحفي الأول حين قال
الوعد الوحيد الذي قطعه مورينيو بوضوح جاء في المؤتمر الصحفي الأول حين قال "يجب أن نتأكد في يوليو 2017 أن هذا النادي موجود حيث يجب أن يكون في دوري الأبطال"

 

كل ذلك قد يشير إلى مانشستر يونايتد بطل البريميرليغ أو المنافس الشرس عليه للأسابيع الأخيرة ولكن الحقيقة أنه لم يعد أبداً بذلك، الوعد الوحيد الذي قطعه بوضوح جاء في المؤتمر الصحفي الأول حين قال "يجب أن نتأكد في يوليو 2017 أن هذا النادي موجود حيث يجب أن يكون في دوري الأبطال." (1)

 

حتى آمال تغييره لأفكاره أو طريقة لعبه وأحلام النسخة الأكثر مبادرةً وشجاعةً رد عليها الرجل في نفس المؤتمر قائلاً "ما هو اللعب جيداً؟ هو أن تسجل أكثر من خصمك وتتلقى أقل، ومن ثم تجعل جماهيرك فخورة لأنك قدمت كل ما لديك وفزت."

 

لسبب ما نجح مورينيو رغم وضوح كلماته في بث اعتقادات مُغايرة داخل قلوب وعقول بعض جماهير الفريق، وبما أنه يعلم جيداً أن ذلك الأمر لن يقف دائماً في صفه، تجده قد نجح نجاحاً مبهراً في الانخفاض بذلك السقف المرتفع من الطموحات خطوة تلو الأخرى تبعاً لمتغيرات الموسم وتحت مسمى الواقعية.

 

هكذا تحول الدوري الأوروبي من بطولة "لا يريدها مانشستر يونايتد" (4) إلى الأمل الوحيد، وتحول البريميرليغ الذي علَّق الجميع عليه آمالاً لم تتبخر قبل رباعية تشلسي الشهيرة في ستامفورد بريدج إلى "مباريات لا نريد أن نلعبها" (5)

 

من الناحية الفنية

ظل مورينيو حائراً لفترة طويلة بين (4-2-3-1) و(3-3-4)، جرب الكثير من الخيارات والحلول في خط الدفاع سواء لمجاراة الإيقاع البدني أو بدافع الإصابات، وظهر تطور أو تحسن على عدد كبير من اللاعبين برفقته أبرزهم أندير هيريرا ولويس أنتونيو فالنسيا وماركوس روخو وأفضل نسخة ممكنة من مروان فيلايني منذ انضمامه في صيف 2013.

 

 مورينيو وفلايني خلال نهائي الدوري الأوروبي ضد أياكس (رويترز)
 مورينيو وفلايني خلال نهائي الدوري الأوروبي ضد أياكس (رويترز)

 

على ذكر فيلايني، عانى البرتغالي كثيراً في عناده مع الجميع لأجل هذا اللاعب ولكنه بشكل أو بآخر قد انتصر، فالكل يذكر تورطه في ركلة جزاء منحت فريقه السابق إيفرتون هدف التعادل بمجرد نزوله ليبرر مورينيو إشراكه قائلاً "إيفرتون فريق مباشر، وعندما تملك لاعباً طوله مترين على الدكة فإنك تشركه أمام الخط الدفاعي ليساعد الفريق على الفوز" (6) ولكن أحداً لم يفهم لماذا شارك نفس المترين أمام وست هام يونايتد في المباراة التالية والنتيجة هي التعادل 1-1 بالفعل، لتأتي الإجابة في مواجهة ليفربول، حين هيأ هذا الطول الفارع كرة التعادل لزلاتان إبراهيموفيتش.

 

براغماتية مورينيو ستلجأ لأي شيء من أجل الحفاظ على النتيجة أو إدراك التعادل أو تحقيق الفوز، حتى لو ظهر لك فريقه يلعب على الاستحواذ والتمرير القصير فإنه على استعداد للإلقاء بكل ذلك وراء ظهره في أية لحظة ويلجأ للعرضيات والكرات العالية فقط، قُل عن ذلك الأمر ما تشاء ولكنه يظل واحداً من أهم أسرار نجاحه.

 

صحيح أنه بالغ إلى حد النحيب في الحديث عن سوء الحظ والإصابات التي تعرض لها فريقه ولكنه على حق في تلك النقطة، هناك عدد من المباريات كان مانشستر الطرف الأفضل فيها ولم يفز أبرز أمثلتها الصارخة جاء أمام بيرنلي حين سدد الفريق 37 مرة كرقم قياسي في تاريخ البريميرليغ منذ بدء إحصائيات أوبتا في 2003-2004 لتنتهي المباراة بالتعادل السلبي بعد كل ذلك. (7)

 

عن التعادلات نفسها حدث ولا حرج، 15 تعادلاً في 38 مباراة بالدوري! بول بوغبا الذي سجل 9 أهداف طوال الموسم ضرب العارضة والقائمين نفس عدد المرات تماماً.. تسعة. مباراة واحدة تخرج منها بدون إبراهيموفيتش وروخو لما لا يقل عن 6 أشهر، لا يوجد ما هو أوضح من مشهد تسلم الفريق لكأس الدوري الأوروبي: 3 لاعبين يسيرون بالعُكَّازات ورابعهم يعرج لأنه كما تعلمون زلاتان ليس بحاجة لعكاز بل العكاز هو من يحتاج إليه.

 

 لاعبي اليونايتد المصابين خلال نهائي بطولة الدوري الأوروبي (الأوروبية)
 لاعبي اليونايتد المصابين خلال نهائي بطولة الدوري الأوروبي (الأوروبية)

 

كل ذلك لا يعفي مورينيو من أخطائه الشخصية والتي كلفت يونايتد عدداً لا بأس به من تلك النقاط المهدرة، كمثال هناك تغيير اشتهر به الاستثنائي على مر الموسم في حالة التقدم بفارق هدف ينص على سحب أحد الجناحين وإقحام لاعب رابع في الوسط.

 

هذا التغيير تحديداً يحمل في طياته ذكريات سيئة، فحين أجراه متقدماً أمام أرسنال وإيفرتون وسيلتا فيغو انتهت المباريات الثلاث بالتعادل عبر هدف أتى من الطرف في المثالين الأول والثالث، وركلة جزاء ارتكبها لاعب الوسط الوافد في الثاني، لم تعد مباريات الدوري ذات أهمية نظراً لما آل إليه الموسم، ولكن المشكلة هي الطريقة المتحفظة التي كادت أن تُدمر هذا الأمل الوحيد في الدوري الأوروبي، ربما حتى مشهد التتويج لم يكن كافياً لمحو لحظات الرعب المصاحبة لكرة غيديتي الشهيرة.

 

تواجه تلك المباريات نقاط مضيئة للبرتغالي مثل إياب الدوري أمام تشلسي ونهائي البطولة الأوروبية أمام أياكس حين آتى تحفظه ثماره الكاملة، إلى جانب لمسات واضحة تتمثل في زيادة سرعة إيقاع اللعب وخلق الفرص بعد عامي الملل مع فان خال، وهو ما تُبرزه المقارنة الإحصائية بين موسم الهولندي الأخير وموسم البرتغالي الأول في البريميرليغ وفقاً لسكواكا: حصل مورينيو على 10,281 نقطة للأداء مقابل 6,339 لفان خال، سجل 54 هدفاً وتلقى 29 مقابل 49 و35، وأخيراً صنع 447 فرصة مقابل 312. (8) (9)

 

تقييم المحرر: 7 من 10

إجمالاً هو موسم مليء بالتخبطات، ولكن نجاحه أو فشله مسألة يحددها معيار التقييم النهائي وهو ما تعهد به الرجل نفسه في بداية الموسم: التأهل لدوري أبطال أوروبا.

 

مهمة الموسم الأول قد تمت بنجاح والكل ينتظر التدعيمات المقبلة، لم يعِد مورينيو في موسمه الأول بالمنافسة على البريميرليغ ولكنه قد وعد بذلك في الموسم المقبل بالفعل (الأوروبية)
مهمة الموسم الأول قد تمت بنجاح والكل ينتظر التدعيمات المقبلة، لم يعِد مورينيو في موسمه الأول بالمنافسة على البريميرليغ ولكنه قد وعد بذلك في الموسم المقبل بالفعل (الأوروبية)

 

برغم السلبيات وأعذارها، جاء موسم مورينيو الأول ناجحاً على عدة أصعدة، ربما لم يقدم الفريق ما يتسق كلياً مع حجم الإنفاق والأسماء الحالية سواء كلاعبين أو كمدرب، ولكنه في النهاية حقق هدفه وعاد بالفريق لدوري الأبطال.

 

نجاح أوروبي في مواجهة أسماء صغيرة ولكنه يظل نجاحاً، فشل محلي على مستوى الدوري؛ فالمركز السادس لا يليق أبداً بمانشستر يونايتد. لقبين بلا معنى على الإطلاق إن لم يتبعهم الدوري الأوروبي، فلا يمكنك أن تواجه الجماهير بالدرع الخيرية وكأس الرابطة وحدهما مع مركز كهذا، ولكن الآن يمكنه القول بقدمين ثابتتين أنه قد حقق 3 بطولات في موسمه الأول.

 

مهمة الموسم الأول قد تمت بنجاح والكل ينتظر التدعيمات المقبلة، لم يعِد مورينيو في موسمه الأول بالمنافسة على البريميرليغ ولكنه قد وعد بذلك في الموسم المقبل بالفعل (10)، وتلك الجماهير التي سامحت وتحملت لن تقبل بأقل من ذلك، منافسة حقيقية على اللقب وأدوار دوري الأبطال المتقدمة، هذا هو مانشستر يونايتد الذي نعرفه والذي يترقب الجميع عودته على يد "السبِشل وَن".

المصدر : الجزيرة