شعار قسم ميدان

أنطونيو بينتوس.. "كرباج زيدان"

midan - أنطونيو بينتوس
تضع جريدة "ماركا" الإسبانية صورته على صفحتها الرئيسة في الرابع والعشرين من يوليو 2016، مع عنوان عريض يقول "كرباج زيدان" وخلفه بعض من لاعبي ريال مدريد. هو رجل قصير أصلع ذو لحية رمادية حُددت عند منطقة الذقن يبدو كأنه خرج للتو من أحد أفلام المافيا؛ لكن لا أحد يعرفه حق المعرفة!

 

هذا الرجل هو أنطونيو بينتوس، اسم لم يعرفه الكثيرون حينها لكن "ماركا" رأت ضرورة الحديث عن العمل الذي يقوم به مع الفريق. يتجاهل الكثيرون التعرف على البُعد البدني الجديد للفريق، ما يهم هو اللاعبون ولا شيء غير ذلك. كم من شخص تصدر الصفحة الرئيسة لهذه الصحيفة أو تلك دون تقديم شيء يذكر في النهاية؟ هم كثرة؛ لكن بعد مرور قرابة عام على ذلك الظهور، وتقريبًا على تعاقد النادي الملكي معه بناء على طلب من مدرب الفريق، الفرنسي زين الدين زيدان، بدأ البعض يتذكره. السبب وراء هذا معروف، فقد تُوج الريال بلقب الليغا، وتأهل لنهائي دوري الأبطال، ولأول مرة منذ فترة يصل الفريق للمنعطف الأخير للموسم "منتعشًا" دون أي آثار ملموسة لمسألة الإجهاد البدني.

 

غلاف ماركا في يوم 24 يوليو 2016 (ماركا)
غلاف ماركا في يوم 24 يوليو 2016 (ماركا)

  

اللسعة الأولى

لم تسقط اللسعة الأولى للـ"كرباج" -أو أنطونيو بينتوس- على أجساد لاعبي الريال؛ بل على مدربهم، حيث سبق له العمل مع الرجل حينما كان لاعبًا، فهو يدرك إمكانياته في رفع القدرات البدنية؛ لذا يصر قبل بداية فترة الإعداد لموسم 2016-2017 على ضمه لجهازه الفني. ويلح في هذا على فلورنتينو بيريز(1).

 

يدرك زيدان ما يقدر عليه بينتوس -الشهير أيضا باسم "الرقيب"- فالعمل معه في حقبة التسعينيات أضاف عمقًا بدنيًا إلى مهارته الفنية. هكذا بدأت عملية تحول "زيزو" نجم يوفنتوس ليضيف عاملي القوة والمقاومة لفنياته. هكذا كانت اللسعة الأولى.

 

لكن فلورنتينو بيريز هو الآخر له كرباجه، الذي يحب استخدامه في سوق الانتقالات. يضرب به على الطاولة؛ لكي لا يعلو صوت فوق صوته، وليعرف الكل من هو ريال مدريد. صحيح أنه في بعض الأحيان يَصدر دوي كبير لكرباجه على صفقات خائبة -ولمحبي ريال مدريد عبر كثيرة في هذا الصدد- لكن هذه المرة سارت الأمور على خير حال، على الرغم من أنها لم تكن تتعلق بلاعب؛ بل بالمعد البدني.

 

لهذا لم يأبه فلورنتينو بيريز كثيرًا بمسألة ارتباط الإيطالي بتعاقد، وبناء على طلب زيدان ورغبته في أن يتذوق لاعبوه حلاوة وقسوة العمل مع بينتوس، تمكن من جلب الأخير لريال مدريد وفسخ تعاقده مع أوليمبيك ليون الفرنسي. هكذا تعمل كرة القدم الحديثة عبر بنود فسخ التعاقد.

 

  بينتوس يشرح جوانب بسيطة من تدريبات الاستعداد للموسم

 

بينتوس الرهيب

لم يقتصر مشوار بينتوس على العمل في كرة القدم فقط؛ بل عمل كمعد بدني في رياضتي الجودو وسباقات ألعاب القوى (2). فقد حصل على ليسانس التربية البدنية مرتين، الأولى من إيطاليا والثانية من فرنسا. ذاعت شهرته بين عامي 1991-1998 حينما كان يعمل في يوفنتوس؛ لكن خبرته لم تقتصر على إيطاليا فقط.

 

عمل "بينتوس الرهيب" في إنجلترا مع تشيلسي بين عامي 1998-2000 حيث ذهب للنادي اللندني بناء على طلب جانلوكا دي فيالي، وبنفس الطريقة -وبطلب من ديدييه ديشامب- كان المعد البدني لموناكو في الفترة ما بين عامي 2001-2005، بخلاف العمل مع كل من وست هام وباليرمو ومارسيليا.

 

وطالما كان بينتوس موجودًا، أظهرت الفرق التي تدربت تحت إمرته قدرة بدنية هائلة على اللعب حتى الرمق الأخير والتتويج بالألقاب، أو مداعبتها، فـ يوفنتوس فاز بدوري الأبطال عام 1996 ووصل نهائي 1998 حيث خسره من ريال مدريد. معه أيضا تُوج تشيلسي بكأس الاتحاد الإنجليزي عام 2000. وبلغت حصيلة الألقاب التي ساهم فيها بينتوس 15 لقبًا (3)، من ضمنها الليغا التي توج بها ريال مدريد أمس بجانب دوري الأبطال مرة واحدة، وبالمثل كأس الاتحاد الأوروبي، والسكوديتو مرتين، وكأس إيطاليا مرة، ومثلها في كأس الاتحاد، وكأس الرابطة الفرنسية مرتين، وكأس السوبر الإيطالي ثلاث مرات.

 

في عيون كروية

يلخص زين الدين زيدان ثقافة المعد البدني في كلمة واحدة كررها ثلاث مرات؛ حيث يكشف أن فلسفته (4) هي "العمل ثم العمل ثم العمل".

 

 

يبدو أن هذا الأمر يتفق عليه الكثيرون؛ حيث يقول مورينو توريشيلي -الذي زامل "زيزو" في اليوفي- في تصريحات لصحيفة "إلباييس" الإسبانية (5) بخصوص بينتوس "هو محترف، مستعد لأي شيء ومتواضع، ركيزة عمله هي معرفة عادات اللاعبين؛ لكي يتمكن من إعداد البرنامج البدني الأمثل لهم".

 

يبدو أن هذا الأمر صحيح، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد؛ حيث أثبت أكثر من موقف أن بينتوس لا يعرف عادات اللاعبين فقط؛ بل صنع علاقة طيبة معهم أيضا، فعلى الرغم من قسوة تدريباته التي يتحدث عنها الجميع؛ إلا أن أمورا مثل قيام اللاعبين -عن طيب خاطر- بأداء تدريبات الركض المستمر بعد سويعات قليلة من الوصول إلى اليابان لخوض مونديال الأندية دون تذمر تعكس هذا الشأن. الكل يتجاوب مع مخططاته دون استياء، على الرغم من أن هذا المِران لم يكن مقررًا في برنامج التدريبات الرئيس. هو الرجل الذي تمكن من إقناع اللاعبين -وزيدان قبلهم- بضرورة اتّباع أفكاره في هذا الصدد.

 

يقول الصحفي بجريدة "لاريبوبليكا" الإيطالية وصديق طفولة بينتوس، ماوريسيو كروسيتي "بينتوس رجل من عصر آخر، حقق مصداقية كبيرة في مهنته، ويثبت هذا -يومًا تلو الآخر- حينما يستدعيه لاعبون سابقون تدربوا تحت إمرته ليقدم لهم يد العون بعدما امتهنوا التدريب".

 

الأمر بالنسبة لبينتوس ليس مجرد عمل؛ بل هو أحد أشكال الحياة، فالرجل يعرف كيف يعتني بنفسه وغيره من الصغر؛ حيث يضيف "كان الأقل حجما بيننا؛ لكن في نفس الوقت كان الأقوى والأكثر مقاومة؛ لم يكن بإمكان أحد اللحاق به".

 

  بعد فوز الريال على إشبيلية والظفر بكأس السوبر الإسباني في أغسطس 2016 

 

لماذا بينتوس؟

لا يعد هذا سؤالًا وجوديًا، لكن قد يرغب البعض في معرفة لماذا وكيف وجد بينتوس نفسه مع ريال مدريد؟ والإجابة عن هذا السؤال تستدعي العودة قليلا نحو الوراء. آلة الزمن لن تعود إلى فترة بعيدة؛ فالأمر يتعلق فقط بيناير 2016 حينما تولى زيدان مسؤولية الفريق.

 

"الفريق في حاجة إلى التحسن على الصعيد البدني" (6). كان هذا التصريح أحد الانطباعات الأولى التي أبداها زيدان بعد مباراة أو اثنتين قاد فيها الفريق خلفًا للمُقال رفائيل بنيتيز. ربما حينها بدا الأمر كـ"كليشيه" محفوظ يقوله أغلب المدربين، خاصة المستجدين منهم؛ لإيجاد منفذ للهرب من أي سؤال بخصوص الأداء، أو انخفاض مستوى هذا أو ذاك، تماما مثل القول بأن "أهم شيء هو النقاط الثلاث" وتلك الجمل المحفوظة؛ لكن يبدو أن زيدان كان يعي جيدًا ما يقول، لهذا كان الإيطالي الأصلع ذو اللحية الرمادية المحددة عند الذقن على رأس أولوياته قبل انطلاق موسم 2016-2017.

 

في بداية هذا الشهر -وبعد عام تقريبا مع بينتوس- وجد الكل زيدان يقول (7) دون أن يتمكن أحد من معارضته "نحن نمر في هذا الشهر بمرحلة نلعب فيها على كل شيء، غالبا تصل الفرق إلى نهاية الموسم وهي في قمة الإنهاك؛ لكن نحن على النقيض تمامًا من هذا، نصل في حالة بدنية جيدة للغاية".

 

مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان وأنطونيو بينتوس  (الأوروبية)
مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان وأنطونيو بينتوس  (الأوروبية)

 

هذا هو تأثير بينتوس مع فكر زيدان، فبعد موسم الإعداد القاسي الذي عمل فيه "الكرباج" بكل قوته مع اللاعبين، صنع الثنائي معا في يناير خطة تعتمد على منح عطلة لا تتعدى أسبوعا بعد انتهاء مونديال الأندية واستغلال سبعة أيام دون مباريات للقيام بـ"موسم إعداد مصغر" (8) قبل العودة للمنافسات؛ وهكذا تحولت 30 دقيقة من الركض إلى 40 دقيقة ثم بدأ تخفيف الأحمال ليقتصر على الـ"سبرينتات" السريعة، وفقا لما ذكرته الصحفية بجريدة "إلباييس" اليونورا جيوبيو المطلعة على كواليس النادي الملكي.

 

لم يكن الهدف فقط هو علاج أزمة يناير وفبراير، التي ضربت الريال في الموسمين السابقين على الصعيد البدني ومواجهة الأسابيع الصعبة اللاحقة بمباراة كل ثلاثة أيام؛ بل خلق قاعدة بدنية صلبة للفترة الأهم في الموسم: أبريل ومايو.

 

لم يقتصر الأمر على هذا فقط؛ بل إن المسألة كانت تتضمن -أيضا- إعداد برنامج بدني وفقًا لخصائص كل لاعب ومتطلباته الجسدية، وما قد يطلبه زيدان الذي استفاد من عمل بينتوس بصورة هائلة، سواء مع اللاعبين الأساسيين أو كما تقول الصحافة الإسبانية "الفريق ب"، الذي ظهر فيه نجوم الصف الثاني بصورة رائعة كأنهم يلعبون الموسم منذ بدايته.

المصدر : الجزيرة