شعار قسم ميدان

(3-4-3).. هل يعود عصر الثنائيات الهجومية مجددا؟

ميدان- رياضة
(آندريه شيفشينكو وفيليبو إنزاغي) - و (راؤول غونزاليز وفرناندو موريانتس) - و (دوايت يورك وآندي كول)

صدّق أو لا تصدّق، كان هناك عصر بلا (MSN)  أو (BBC)، تواجد فيه مهاجمي الـ9 والـ11 بوفرة شديدة لدرجة أن أغلب الفرق امتلكت ثنائي منها في تشكيلها الأساسي، وكان هناك خط فاصل واضح المعالم يمكن رسمه بين وظيفة المهاجم والجناح، لأن الأخير لم يكن مشابهًا للأجنحة الحالية بل كان يلعب وقدمه القوية أقرب إلى الخط، ويُحسب على لاعبي الوسط لا الهجوم، ودوره هو إرسال العرضيات في الأغلب الأعم، لأن أي مهاجم 9 يحترم نفسه في هذا العصر كان يتعين عليه أن يجيد ضربات الرأس.

 

البعض أسماه العصر الذهبي واعتبره الأفضل في ما يجاوز القرن من كرة القدم، حتى أتي "رايكارد" لبرشلونة وحل "مورينيو" على إنجلترا كالإعصار، ولأن الثنائي تخرج من نفس المدرسة التكتيكية فالإجابة في الحالتين كانت واحدة؛ الشمولية في مواجهة التخصص، ومزيد من المهام المتنوعة للجميع، فلم يعد هناك مكان للجناح الذي يكتفي بإرسال العرضيات دون اختراقات وأهداف، ببساطة لأن هذا صار دور الأظهرة، ولا مكان للمهاجم الذي لا يجيد صناعة الفرص لزملائه والتعامل مع الكرة خارج المنطقة، ببساطة لأن الأهداف لم تعد وظيفة مستقلة مقصورة على لاعب بعينه.

 

دورة التاريخ
من المعروف بداهة أن الخطط التكتيكية للعبة ليست أكثر من تفاعلات تنتج عن بعضها البعض، ويمكنك ملاحظة ذلك بوضوح عبر تاريخ تطورها منذ مطلع القرن الماضي ووصولًا للحظة الحالية، لذا فكل الابتكارات الحالية ليست منقطعة الصلة عما سبقها، ومهما بدت غرابتها للوهلة الأولى فلا شك أن لها أصولًا في كتاب كرة القدم الكبير، الذي يبحث المبتكرين في ثناياه كل فترة ليعيدوا تدوير أفكاره القديمة في حلة جديدة.
 
 undefined

 

الآن يقف العالم أمام عدة حقائق تكتيكية لا مناص من الاعتراف بها، أولها أن خط الدفاع الثلاثي عاد للظهور مجددًا لمواجهة الأطراف القوية التي ميزت الـ(4-3-3) في العقد الماضي، ببساطة لأنه يمنح مساندة أكبر للأظهرة تمكنها من قضاء وقت أكبر في الثلث الأوسط والأخير من الملعب، دافعة بدورها الأجنحة العكسية إلى مساحات أقرب لتلك التي يشغلها صانع اللعب الكلاسيكي في العمق، والمثال الأبرز هنا كان تشيلسي "كونتي"، ومن قبله بايرن "بيب" ودورتموند "توخيل" وتوتنهام "بوتشيتينو"، وبالطبع ألمانيا كأس القارات.

 

الثورة المعلوماتية والإحصائية جعلت سيطرة فكرة معينة على حقبة كاملة من عمر اللعبة أمرًا مستحيلًا، وزادت معدلات "الانقلاب التكتيكي" (Tactical Turn Over) إلى أقصاها، وليس أدل على ذلك من تمكن "بوتشيتينو" من القضاء على خطتين ناجحتين لاثنين من ألمع مدربي العالم في موسم واحد

بطريقة ما يبدو كل هذا مألوفًا، لأن السبعينيات والثمانينيات شهدت حقبة مماثلة سيطر فيها خط الدفاع الثلاثي على تشكيلات أعظم الفرق والمنتخبات، بدأت في نهاية الستينيات عندما أنهى الأرجنتيني "هيريرا" سيطرة الميرينغي على دوري الأبطال بكاتيناتشو (5-3-2) مع إنتر، والتي فشل الجميع في فك شفراتها، ثم أكل "راينوس ميتشلز" أخضر أوروبا ويابسها مع أياكس بـ(3-4-3)، قبل أن تتحول للطريقة "الصحيحة" للعب كرة القدم في نهائي مونديال 1986، ببساطة لأنها كانت الخطة الرسمية لكلًا من أرجنتين "بيلاردو" وألمانيا "بيكنباور"، طرفي النهائي.(1)

 

وهو بالضبط ما ألجأ أغلب فرق أوروبا منذ ذلك الحين إلى الاعتماد على ثنائي هجومي يجبر ثلاثي الدفاع على البقاء في مناطقهم للتأمين، مقيدًا حرية الظهير الثالث الذي منح الأفضلية لرفقائه على الأطراف أو في الوسط، لأن تلك الطريقة لم تمنح الخصوم إلا حلًا من إثنين، إما مطابقتها في كل الخطوط، أو الاحتفاظ بالخط الرباعي في الخلف والتحول لخط هجوم ثنائي يجاوره جناحين تقليديين.

 

القديم الجديد
undefined
  
الآن تبدو الظروف مهيأة لعودة الثنائيات الهجومية مجددًا، بعد أن أعجزت خطوط الدفاع الثلاثية خطة (3-3-4) بكل مشتقاتها في الموسم الماضي، وهنا ينبغي علينا التوقف أمام عدة حقائق مهمة علمتنا اللعبة إياها عبر الزمن. الأولى هي اقتصار الخطط التكتيكية على كونها مجرد أداة لا أكثر، وبفرض ثبات باقي المتغيرات فالتحول لـ(2-4-4) أو (2-5-3) لن يضمن – منفردًا – التفوق على أي خط دفاع ثلاثي، ولكنه يضمن ألا تتلقى أطراف الخصم أو ثنائي محوره أي مساعدة من الظهير الثالث، والباقي متروك للأجنحة ومدى المساندة التي تتلقاها من أظهرة الطرف.

 

بالطبع تبدو ثنائيات كـ"راؤول" و"موريانتس" أو "كول" و"يورك" أو "إنزاغي" و"شيفشينكو" أكثر بريقًا ولمعانًا من "غريزمان" و"غاميرو" أو "آلي" و"كين" أو حتى "بنزيما" و"رونالدو"، ربما لأنها ترتبط في وجدان مواليد الثمانينيات بالحقبة التي يعتبرونها الأعظم في تاريخ اللعبة

الثانية هي أن الوضع الحالي يختلف جذريًا عن السبعينيات والثمانينيات من حيث انتشار المعلومات والقدرة على تناقلها، ففي تلك الفترة كان المتخصصين أمثال "فينغر" و"بييلسا" يقضون الأيام والأسابيع في مشاهدة أشرطة الفيديو لدراسة فرقهم،(2) بينما الآن يمكن لأي مشاهد عادي الحصول على عدد تسديدات "دي بروين" التي أصابت العارضة دون تعب، وتلك الثورة المعلوماتية والإحصائية جعلت سيطرة فكرة معينة على حقبة كاملة من عمر اللعبة أمرًا مستحيلًا، وزادت معدلات "الانقلاب التكتيكي" (Tactical Turn Over) إلى أقصاها، وليس أدل على ذلك من تمكن "بوتشيتينو" من القضاء على خطتين ناجحتين لاثنين من ألمع مدربي العالم في موسم واحد، أحدهما تُوّج لاحقًا بالمسابقة.(3)

 

الثالثة هي أن الثنائيات الهجومية استعادت جزءًا من أرضها المفقودة بالفعل، ربما لم تلاحظه بسبب المساحات الواسعة التي مازالت واقعة تحت سيطرة (4-3-3)، ولكن يمكنك رؤيته بقليل من التدقيق في 4-4-2 التي انتقم بها "مورينيو" من البلوز في الدور الثاني،(4) أو الخرائط الحرارية المتكررة لـ"آلي" الذي يؤدي عمليًا وكأنه مهاجم ثاني إلى جانب "كين" في موقع متوسط بينه وبين "إريكسين"، بالإضافة لكونها خطة "سيميوني" المفضلة في الموسمين الأخيرين.(5)

  

(2-2-4-2) كما حللها محررو سكاوكا (سكواوكا)
(2-2-4-2) كما حللها محررو سكاوكا (سكواوكا)

      

خريطة
خريطة "آلي" الحرارية من مباراة مانشستر يونايتد في الدور الثاني من الموسم الماضي (سكواوكا)

 

كيمياء
كلها أمثلة ناجحة للغاية أعادت للفكرة قسطًا من الثقة المفقودة، ولكنها لم تكن تمتلك الصدى الإعلامي المصاحب لـ(3-4-3) التي منحت تشيلسي "كونتي" اللقب والصدارة الإعلامية، ربما لأن كل من "مورينيو" و"بوتشيتينو" و"سيميوني" لم يحققوا النجاح اللازم لتسليط الضوء الكافي على التقليد الجديد القديم الذي يعاد إحياءه تدريجيًا في أروقة التكتيك الخلفية.

 

كان ذلك حتى أصيب "غاريث بيل" في مرحلة متأخرة من الموسم، مجبرًا "زيدان" على اقحام "إيسكو" في التشكيل والتحول لـ(4-4-2) بثنائية "بنزيما" و"رونالدو"، ليعبر نهائي الأبطال عن الصراع الجديد في أهم مباريات الموسم، والتي شهدت تفوقًا تكتيكيًا كاسحًا على خط دفاع اليوفي الثلاثي الذي لا يقهر في الشوط الثاني، إلى جانب التفوق الفني المحسوم للميرينغي من قبل انطلاق الصافرة، وكأن نهائي الأبطال يعبر مرة أخرى عن "الطريقة الصحيحة" لمواجهة ثلاثيات الدفاع الآخذة في الانتشار، مثلما عبر نهائي المونديال عن استقرار نفس الفكرة وسيطرتها منفردة على الساحة منذ 30 عامًا.

       

كل ذلك يواجه عدة مشاكل، أولها هو 10 سنوات من اعتماد طرق المهاجم الواحد في أكاديميات الناشئين حول العالم من تشيلسي شمالًا وحتى برشلونة جنوبًا، وهو ما ترتب عليه الندرة الحالية في مركز المهاجم الصريح لحساب الأجنحة بأنواعها، ولكنها عقبة يمكن التغلب عليها لأن أكثر تلك الأجنحة تدرب على النزوع للعمق كلما سنحت الفرصة، لذا فمن المرجح نجاحهم في مركز المهاجم الثاني المتحرك، ومن السهل تخيل أسماء كـ"سانشيز" و"نيمار" و"روبن" و"مارسيال" و"بيل" تؤدي هذا الدور بيسر، لأنها نجحت فيه كلما أسند لها تقريبًا.

 

بالطبع تبدو ثنائيات كـ"راؤول" و"موريانتس" أو "كول" و"يورك" أو "إنزاغي" و"شيفشينكو" أكثر  بريقًا ولمعانًا من "غريزمان" و"غاميرو" أو "آلي" و"كين" أو حتى "بنزيما" و"رونالدو"، ربما لأنها ترتبط في وجدان مواليد الثمانينيات بالحقبة التي يعتبرونها الأعظم في تاريخ اللعبة، سواء كان السبب في ذلك هو مزامنتها لفترة تكون وعيهم الكروي أو كونها الأفضل فعلًا. وسواءً كنت من مؤيدي وجهة النظر تلك أو من معارضيها، فإن عودة الثنائيات الهجومية مجددًا – إن اكتملت – هي خبر سعيد على الأغلب، لأنها ستحول دون ركود مياه التكتيك، وفي نفس الوقت ستستفز عقولًا كـ"بوتشيتينو" و"بيب" و"مورينيو" لابتكار المضادات الجديدة، ومشاهدة كل ذلك من مقعد المتفرج هو ما أكسب تلك اللعبة شعبيتها في المقام الأول.

المصدر : الجزيرة