الفاتورة.. كشف حساب أرسين فينغر
انتهى الموسم الأوروبي وحان وقت الحساب، فاز من فاز وخسر من خسر، ولكن النتائج وحدها لا تصلح لأن تكون المعيار وإلا باتت المُحصلة ناجح وحيد وسط مجموعة من الفشلة في نهاية كل موسم. لذلك يقدم لكم "ميدان" سلسلة مقالات بعنوان "الفاتورة" لاستعراض ما قدمه أبرز مدربي الفرق الكبيرة عن مجمل فترة توليهم لمناصبهم الحالية. بطل هذه الحلقة هو أرسين فينغر المدير الفني لأرسنال.
ليس غريباً أن ينتقل تبلُّد وثقل سمع الإدارة التي اختزلت سابقاً كل شكاوى الجماهير في "جودة الواي-فاي" إلى المدرب نفسه فهما كالتوأم الملتصق شكلاً وموضوعاً. أصوات غاضبة تُطالب بالتغيير، لم يعُد الخروج من دور الـ16 والإنهاء فوق توتنهام يُرضيها، وبالتالي كان الرد المنطقي من الفرنسي هو الإنهاء وراء توتنهام للمرة الأولى منذ 22 عاماً وعدم التأهل لدوري الأبطال من الأساس، أليس هذا تغييراً؟ لا تريدون الخسارة كل موسم من بايرن ميونيخ أو برشلونة أو حتى موناكو؟ لماذا أُفكر في طريقة لهزيمتهم بينما يمكنني ألا أواجههم أصلاً؟ مللتم المركز الرابع؟ جربوا الخامس.. وعلى هذا النمط يمكنكم قياس ما يدور برأس هذا الرجل حقاً.
انتظر بعض المتفائلين أن يكون سقوط ورقة توت فينغر الأخيرة متمثلة في التأهل لدوري الأبطال كل مرة بشكل أو بآخر هو إعلان نهاية عهده في شمال لندن، ولكن الإدارة كانت قد جددت عقده لعامين بالفعل وتنتظر الوقت المناسب للإعلان عن الخبر، لماذا؟ لأنها قررت الإنفاق أخيراً ولا تثق بوضع تلك الأموال تحت تصرف مدرب آخر.
بدأ سوق الصيف بمفاجأة غير متوقعة، اقتنع فينغر أخيراً بأن هناك خلل ما في خط الوسط لا علاقة له بتكدس اللاعبين بداخله لأنهم إما يتناوبون على نفس السرير بالمستشفى مثل رامسي وويلشير، وإما قد اجتازهم قطار العمر مثل أرتيتا، وإما ماثيو فلاميني. تعاقد الغانرز مبكراً مع غرانيت تشاكا، ثم مدافعاً شاباً مجهولاً يُدعى روب هولدينغ من بولتون، لأنه لسبب ما خاض الفريق موسمه السابق بـ3 مدافعين فقط هم كوسييلني وميرتساكر وغابرييل بمنتهى الطمأنينة النابعة من ثقة مُطلقة في الجهاز الطبي وقلة الإصابات. (1)
أنباء عن مفاوضة شكودران موستافي مدافع فالنسيا ولوكاس بيريز مهاجم ديبورتيفو لاكورونيا، الناديان متمسكان بمطالبهما المالية، الأمر ليس وكأن هذا المليون الإضافي الذي يماطل أرسنال لأجله كل موسم سيكون سبباً في إنقاذ البشرية، ولكن النادي لن يحسم الصفقة بتلك البساطة قبل أن يجد محافظ بنك شمال لندن المركزي أفضل فارق لسعر العملة.
بالتالي اضطر الغانرز لافتتاح الموسم أمام ليفربول بالثنائي هولدينغ وتشامبرز لأن المدافع الوحيد الصالح للاستهلاك الآدمي في هذا الفريق لم يكن جاهزاً بعد إصابته في يورو 2016، ليس عيباً في هولدينغ ولا يمكن لأحد لومه حتى ولو قدم أسوأ ما لديه، بل كل العيب في من يزج بلاعب عديم الخبرة أمام ثاني الفرق تتويجاً بلقب الدوري الإنجليزي فقط لأنه يهدر الوقت أملاً في تقليص رقم دفعه بالكامل فيما بعد! من لا يخطئ لا يتعلم، ولكن ليس بالضرورة من يخطئ يتعلم، بل يمكن أن تكون الأخطاء السابقة هي أكبر دافع لاختبار أخطاء جديدة.
(مشجع لأرسنال بعد الخسارة أمام مانشستر سيتي في ديسمبر الماضي، بماذا مر هذا الرجل حتى يسب والدته أمام الكاميرا؟!)
اللقطات المميزة دائماً ما تكون مدعاة للفخر إن قمت بها مرة واحدة، فما بالك إن فعلتها وأنت أوليفييه جيرو؟ الحديث هنا عن هدف الكعب الشهير أمام كريستال بالاس، والذي نجح المهاجم الفرنسي في التسجيل بعده بشباك بورنموث في توقيت قاتل ليحول تأخر الغانرز بالنتيجة إلى التعادل 3-3.
في توقيت كذلك أي مخلوق طبيعي يلعب في فريق يُفترض به المنافسة على البطولة والبحث عن الفوز بكل المباريات ستجده يركض مسرعاً لانتزاع الكرة من المرمى وإعادتها لمنتصف الملعب بحثاً عن الهدف الرابع في القليل المتبقي من الوقت، ولكن جيرو ركض راقصاً متباهياً بكعبه، ومُلخصاً عقلية أرسنال الحالية في لقطة واحدة.
(فيديو: هدف جيرو واحتفاله)
ربما لأنه لم يحتفل بما يكفي في المباراة السابقة؟ ربما لأنه من الطبيعي أن تلعب في توقيت حاسم من مباراة وذهنك لا يزال معلقاً بما حدث قبلها بيومين؟ ربما لأن الهدف أعظم من ألا يذكرنا به مرة أخرى؟ ربما لأنه ليس أقل ممن يذكر الشعب المصري يومياً بركلة جزاء مر عليها 27 عاماً؟ لا نعلم.. نعم، بتلك الطريقة يُدار أرسنال الحالي الذي لم يشتريه مالكه ليفوز بالألقاب (3)، لم يعُد هذا البطل الساعي للتتويج، الأمر انحدر من كون المركز الرابع مدعاة للاحتفال إلى كون التعادل مع بورنموث سبباً قوياً ليخرج الكل في تمام الرضا ما دام الظاهرة الفرنسي قد سجل بالكعب، الكل باستثناء بعض الجماهير وأليكسيس سانشيز.
على ذكر سانشيز، وبالعودة لليفربول مرة أخرى في الدور الثاني من البريميرليغ وهي ليست مجرد مواجهة بين فريقين كبيرين بل مباراة مفصلية في سباق التأهل لدوري الأبطال، وبمثل ذلك الفريق عديم الرغبة والروح تمتلك لاعباً واحداً فقط يتمسك بهما، يرغب في إثبات صحة ما قال حين انضم بأنه أتى للفوز بالبريميرليغ ودوري الأبطال (3)، سخر منه الجميع ولم يعرف لماذا حتى اصطدم بصخرة الواقع الذي فرضه التناغم المثير للاشمئزاز بين فينغر والإدارة.
المهم، قبل ساعة من بداية تلك المباراة كانت هناك تساؤلات حول الموقع الذي سيشغله نجم الفريق الأول، هل سيشارك كجناح أم كمهاجم، ربما أهدر يورغن كلوب مدرب ليفربول ساعات من تحضيره للمباراة ليفكر كيف سيوقفه، ربما انتظر مفاجأة ما من خصمه الفرنسي ولكنه أبداً ما كان ليتوقع شيئاً أكثر إرباكاً من إبقاء سانشيز على دكة البدلاء.
ولأن الأسوأ من التصرف الخاطئ دائماً هو محاولة تبريره، فسر فينغر قراره برغبته في اللعب بشكل أكثر مباشرة، ولذلك أراد اثنين من اللاعبين الأقوياء في ألعاب الهواء لالتقاط الكرات الطولية. (4) تلقى أرسنال الهدف الأول في الدقيقة التاسعة من كرة بدأت بضربة مرمى طولية مباشرة أوصلت الريدز إلى حدود منطقة الجزاء ولا يزال البعض يتساءل عن سر ضحكة التشيلي خلال المباراة.
(فيديو: سانشيز يضحك في شوط مباراة ليفربول الأول)
"عندما يتعلق الأمر بالمركز الرابع فلا تحدثني عن حقوق الإنسان"
(ديفيد كاميرون بتصرف)
خسارة مزرية بثلاثية نظيفة أمام كريستال بالاس تُزيد الآمال ضعفاً، الآمال في مجرد إدراك الطبيعي والمعتاد بانتزاع مقعد دوري الأبطال بطريقة أو بأخرى كما يحدث كل موسم. وكأننا نشاهد فريقاً جديداً، انطلق أرسنال محققاً 9 انتصارات في 10 مباريات بينهم الفوز الأول في تاريخ فينغر على مورينيو بالبريميرليغ، خسارة وحيدة منطقية أمام توتنهام هوتسبر، نصف نهائي ونهائي كأس الإتحاد الإنجليزي يجتازهم الرجل على حساب مانشستر سيتي وتشلسي لينفرد الفريق اللندني بصدارة الأبطال التاريخيين للبطولة. لم تفلح الطاقة الروحية التي يبثها فينغر فجأة في نهاية كل الموسم، لينهي الغانرز موسمهم في المركز الخامس بفارق نقطة وحيدة عن ليفربول، للمرة الأولى في تاريخ المدرب الفرنسي سيقف فريقه يشاهد الأربعة الأوائل وحتى السادس في دوري الأبطال بينما هو يخوض غمار الدوري الأوروبي.
الكل يذكر حين هزم أرسنال تشلسي بثلاثية نظيفة، وكيف أن البلوز انطلقوا من الخسارة ليحققوا 13 انتصاراً متتالياً، وكيف أن تلك الخسارة أولدت 3-4-3 التي تسيد بها كونتي لاحقاً، وأن فينغر نفسه لجأ إليها لوقت ما مؤكداً أنه لعب بها منذ 20 عاماً وأنها ليست رمز الحداثة الحالية(6)، ما هي إلا لقطات قليلة خافتة تلقي بالقليل من وميض العبقري الذي أتى من اليابان ليغير وجه الكرة الإنجليزية.
في النهاية نجح مدرب أرسنال بتكليل موسمه متغلباً على الثنائي بيب غوارديولا ثم أنطونيو كونتي في آخر مرحلتين من عمر كأس الإتحاد الإنجليزي وعن جدارة واستحقاق، بطريقة أو بأخرى سرق فينغر مشهد النهاية رغم فشله في التأهل لدوري الأبطال بفارق نقطة، ويا لما يمكن للنقطة فعله فقد أدخل بها توتنهام التاريخ في موسم 2012-2013 حين حقق الفريق رقمه القياسي آنذاك بـ72 نقطة ورغم ذلك لم يتأهل لأن الغانرز تقدموا بها. (7)
أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، فقد كان من الواضح أن فينغر بانتظار كارثة ما حتى يلتفت إلى ما تشير أصابع العالم أجمع ألا وهو حاجة الفريق الفجة لمهاجم، لكنه لم يكن بحاجة إليها حتى يفطن إلى أن الثنائي مونريال وغيبس ظهيرين متوسطين غير صالحين لفريق بطولة، ربما كان ينتظر نهاية عقد سعيد كولاسيناتش ليتعاقد معه مجاناً فلا شيء يمكن استبعاده حقاً مع هذا الرجل!
عانت جماهير هذا الفريق الأمرين من الملل والركود، فهل يمكن للتحدي الجديد أن يفعل ما فشلت به صرخاتهم المتواصلة وينعش العبقري الفرنسي -سابقاً- من جديد؟ هل يمكن للانكسار أن يأتي بتغيير حقيقي أم هو مجرد بوابة للمزيد من الفشل؟