شعار قسم ميدان

حكايات كرة القدم.. وهمٌ اسمه نيجيريا

ميدان - المنتخب النيجيري
القصة هذه المرة ليست متعلقة بإيطالي حَذِق أو أيرلندي غاضب، (كما في حكايات كرة القدم.. رونالدو القادم أو الذي يليه)، بل ببلد بأكمله يتخذ الخداع شعارًا على المستوى الرياضي؛ متعلقة بالـ"سوبر إيغلز" الذي فهم الجميع مؤخرًا لماذا بدوا مثل "سوبر" فيما مضى.

 

شباب القلب

استخراج أوراقك الرسمية في نيجيريا من جواز سفر وشهادة ميلاد يكلف عادة 5000 نايرا(1)، ولكن مقابل 2000 إضافية يمكنك تعديل ما تريده؛ تهرب من جرائم سابقة بالتحول لشخص آخر تمامًا بمكان مولد واسم جديد، أو تصبح لاعب كرة صاعد حتى لو كان عمرك قد تجاوز الأربعين.

 

القصة تبدأ من 30 عامًا تقريبًا، عندما أصدر الفيفا قرارًا بحرمان النسور من المشاركات الدولية لسنتين(2)، بعد أن اكتُشف أن أعمار 3 من اللاعبين المشاركين في أولمبياد 1988 قد تم التلاعب بها من قبل الاتحاد النيجيري، في مفاجأة صاعقة للاتحاد النيجيري نفسه الذي وضع خطة محكمة ومعقدة للغاية يصعب فك شفراتها، تتلخص في إرسال نفس المجموعة من اللاعبين كل عام مع تغيير أعمارهم في السجلات الرسمية، كما تعلم فإن أفضل شيء يمكن منحه للاعبيك الشباب هو الخبرة الدولية.

 

تجدد الأمر نفسه لاحقًا مع تاريبو ويست الذي لعب لناديي ميلانو على التوالي في مطلع الألفية، عندما صرح زاركو زيسيفيتش رئيس نادي بارتيزان بلغراد للإندبندنت البريطانية في 2013(3)، أن ويست أخبرهم أنه في الثامنة والعشرين من عمره عند إتمام التعاقد معه في 2002، بينما هو في الحقيقة أكبر بـ12 عامًا، مضيفًا أن أداءه لم يجعل من عمره مشكلة، وأنه لم يفضل افتعال أزمة مع اللاعب ما دام يؤدي المطلوب منه، حتى لو كان كلامه يعني أن ويست كان في الـ34 من عمره عندما فاز مع منتخب بلاده الأوليمبي بذهبية أتالانتا 1996.

 

النيجيري تاريبو ويست خلال تقديمه في ميلان 1999 (الأوروبية)
النيجيري تاريبو ويست خلال تقديمه في ميلان 1999 (الأوروبية)

 

لعلك الآن قد وجدت الإجابة أخيرًا لعروض نيجيريا المخيبة رغم ضم منتخبهم لجالاكتيكوس حقيقي في فترات كثيرة منذ مطلع الألفية؛ ففي 2010، وبعد الخروج المهين أمام زامبيا في الدور الثاني من كأس الأمم الأفريقية، انفجر الشارع النيجيري بالغضب، وتحدث المدونون عن المسكوت عنه في منتخب بلادهم(4)؛ مارتينز ليس في الـ25 من عمره بل جاوز الـ32، أما كانو فعمره الحقيقي 42 عامًا، لا 33.

 

بدأت الفضيحة بتصريحات أحد الأطباء السابقين للمنتخب كين أنويجويجي للغارديان البريطانية(5)، معتبرًا ما حدث نتيجة طبيعية لسنين من الغش في أعمار اللاعبين، حولت المنتخب الحالي لمجموعة من المسنين، لا يستطيعون مجاراة الإيقاع البدني السريع لمنتخبات كزامبيا وبنين رغم احتفاظهم بفنياتهم الهائلة، ثم تكرر الأمر في بطولة العالم للشباب تحت 17 عام 1999؛ عندما أكد فيليب تروسييه مدرب اليابان أنه شاهد أحد لاعبي نيجيريا يغادر الملعب مع زوجته وأولاده(6).

 

بعدها بعشر سنوات في نسخة 2009 من البطولة نفسها، قرر الاتحاد الدولي اعتماد تقنية جديدة للكشف عن أعمار اللاعبين الحقيقية عن طريق صورة للمعصم باستخدام الرنين المغناطيسي، لتقوم نيجيريا بتسريح 15 لاعب من 18 ضمتهم قائمتها للبطولة لسبب غامض(7).

 

ومؤخرًا، كان منتخب نيجيريا الفائز بكأس العالم للشباب تحت 17 عامًا 2015 في طريقه لمباراة مهمة أمام النيجر في التصفيات لكأس أمم أفريقيا، قبل أن تُظهر اختبارات الرنين أن كل لاعبي القائمة باستثناء 2 من التشكيل الأساسي كانوا أكبر من العمر المسموح به(8). بعدها بشهر واحد، زعم نادي شاهداغ قوصار الأذربيجاني أن لاعبه الجديد فيكتور إيمينايو الذي ادعى أن عمره 23 عامًا، هو في الواقع في الحادية والأربعين(9)، ما اضطره للاستعانة بجواز سفره "الموثق" لإثبات صحة عمره، لكن الأمر كان قد وصل لدرجة من الشيوع قد تجعل النيجيريين يستبدلون الهواتف الجوالة بأجهزة الرنين المغناطيسي قريبًا، ربما بعد أن يكتشفوا أن رئيس البلاد صيني عمره 11 عام.

 

في أعقاب فضيحة 2010، صرح أحد مسؤولي السفارة البريطانية في نيجيريا للغارديان أنه كان يجيب النيجيريين الغاضبين من رفض تأشيرتهم(10)، بأن عليهم البحث عن السبب في أوراقهم بدلًا من لومه، لسبب وجيه جدًا هو أنه ميت منذ 3 سنوات، أو على الأقل هذا ما تقوله شهادة وفاته الرسمية المعلقة على حائط مكتبه.

 

غدار يا ضياء
 
 علي ضياء الذي لعب لساوثهامتون لمدة 53 دقيقة فقط (مواقع التواصل)
 علي ضياء الذي لعب لساوثهامتون لمدة 53 دقيقة فقط (مواقع التواصل)

 

في 1996، تلقى غراهام سونيس المدير الفني لساوثامبتون اتصالًا هاتفيًا من الليبيري جورج ويا الحاصل على البالون دور، يدعوه فيه لمنح فرصة لابن عمه علي ضياء، والذي كان زميلًا لويا في باريس سان جيرمان ويلعب حاليًا في أحد أندية الدرجة الثانية الألمانية، وافق سونيس(11). وفي خلال أسبوعين، كان ضياء أو ديا في طريقه للساحل الجنوبي الإنجليزي للانضمام لتدريبات الفريق بموجب عقد لشهر واحد.

 

كان السينتس يمرون بأزمة إصابات عنيفة أطاحت بنصف الفريق خارج القائمة تقريبًا، لذا رأى سونيس أن ضياء الذي كان قد سجل لتوه هدفين لمنتخب السنغال، قد يكون حلًا أخيرًا إذا ما تفاقم الأمر، فقام بوضعه في قائمة مباراة ودية أمام أرسنال ولكنها ألغيت بسبب ظروف الطقس، ثم تكفلت بضع إصابات إضافية في القائمة بإقحامه في دكة البدلاء للقاء ليدز يونايتد في البريمييرليغ.

 

ولكن حتى مع كل تلك الإصابات فهو ما زال على الدكة، والقدر أراده أن يلعب، حتى لو عنى ذلك أن يصاب كل لاعبي السينتس وسونيس نفسه، لذا لم تمر إلا نصف ساعة من اللقاء وخرج العظيم مات لو تيسييه مصابًا في فخذه ودخل علي ضياء ليصنع التاريخ(12)، ثم بعد 53 دقيقة بالضبط من "التزحلق على الجليد" طبقًا للو تيسييه، كان ضياء يصنع التاريخ مجددًا بخروجه لحساب كين مونكو، قبل أن يخرج من بوابة النادي نفسه، فيما عُرف بعدها بأكبر خدعة في تاريخ البريمييرليغ.

 

بالطبع، اتضح لاحقًا أن وكيل ضياء يتمتع بعدد من المهارات الاستثنائية(13)، كتقليد صوت جورج ويا في الهاتف على سبيل المثال، لأن ويا الحقيقي عَلم بالواقعة التي كادت تقضي على سمعته تمامًا، فخرج يؤكد أنه لم يسمع عن ضياء ولم يهاتف سونيس في حياته، ليعقبه كل من توني بوليس وهاري ريدناب مدربي غيلينغهام وويست هام مؤكدين أنهم تلقوا نفس المكالمة المريبة، ولكنهم لم يتعاقدوا مع ضياء لأنهم أدركوا الخدعة بعد الدقائق الخمس الأولى من التدريب.

 

بعدها بعشر سنوات ظهر ضياء مجددًا في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته سكاي عن زاريللي، زاعمًا أنه لم يكن يعلم ما فعله وكيله، وأنه لم يدعِ يومًا أنه ابن عم ويا أو غيره، برغم اعترافه بكذبه فيما يخص لعبه لـ13 مباراة دولية مع منتخب السنغال وتسجيله لهدفين.

 

  جزء من وثائقي سكاي (Super Fakes) أو الخدع الكبرى والذي ضم زاريللي وضياء

 

المثير أن ضياء في 1996 كان يبلغ 30 عامًا من العمر بالفعل، وكانت مسيرته منذ 1988 تتلخص في 8 أندية، 11 مباراة وهدف وحيد، وبعد تسريحه من ساوثامبتون تعاقد مع نادي جيتشتاد الهاوي ليلعب 8 مباريات ويسجل هدفين إضافيين، ثم اعتزل واتجه لدراسة إدارة الأعمال حتى حصل على شهادته الأولى من جامعة نورثومبريا بنيوكاسل في 2001 ثم الماجستير من سان فرانسيسكو بعدها بسنتين.

 

الطريف أنه بعد مباراة ليدز، كان المشترك بين الجميع هو الإشارة المتكررة لخطبٍ ما بخصوص ضياء جعلهم يتشككون في قصته، كلهم كانوا يضيقون أعينهم في ذكاء مؤكدين أنهم اكتشفوا أمره حتى قبل أن ينزل لأرض الملعب، حتى محرري الميرور الذين شربوا قصة قرابته لويا ومسيرته الدولية مع السنغال حتى الثمالة، وكتبوا عنها في اليوم التالي للمباراة(14)، أتوا بعدها ليتحدثوا عن خطبٍ ما بشأن ضياء.

 

توني بوليس قال إنه بدا له مريبًا أن يكون لاعب كبير كويا على علم بنادي محلي مغمور كغيلينغهام، بينما ظن ريدناب أن ويا يهاتفه من أجل الانضمام للهامرز ثم بدأ يتشكك في الأمر عندما عرض عليه لاعبًا آخر في نفس مركزه، حتى ويا نفسه اكتفى بنفي مقتضب دون أدلة أو براهين من أي نوع، ولو تيسييه صرح أن مستواه في التدريب الوحيد الذي خاضه كان كافيًا ليعلم أنه ليس لاعبًا محترفًا.

 

الكثير من الملاحظات المهمة التي كشفت الثغرات في قصة الأسطورة علي ضياء، ولكن الحقيقة أن السؤال البديهي الوحيد ليس عن "الخطب" في ضياء، بل عن "الخطب" في إنجلترا بأكملها؛ إذ كيف مرّ الرجل على ناديين، وحصل على 3 تجارب مع 3 مدربين مختلفين، ولعب 53 دقيقة في البريميرليغ، ثم كتبت عنه الصحف، دون أن يتساءل أحدهم كيف يتسنى لـ"علي" أن يكون ابن عم "جورج"، فضلًا عن كون الأول سنغالي والثاني ليبيري.

المصدر : الجزيرة