شعار قسم ميدان

ليفربول يسحق فينغر.. 16 مليونا أغلى منكم جميعا!

ميدان - صلاح ليفربول
دون أن يسدد الخصم كرة وحيدة على مرماه، سحق ليفربول ضيفه أرسنال برباعية نظيفة ضمن منافسات الأسبوع الثالث للدوري الإنجليزي فيما يُعتبر تعريفا شبه مثالي لمباراة من طرف واحد.

 

تحدثنا سابقا عن التغيير النوعي الذي يحققه أرسين فينغر في الفترة الحالية من قيادته المملة لأرسنال، والذي أكمله الأسبوع الماضي مؤجلا خسارة الافتتاحية إلى الجولة الثانية، لكننا لم نلحظ شيئا افتقده الموسم الماضي قبل أن يستعيده أمس: الخسارة بنتيجة ثقيلة أمام أحد الكبار.

 

بمَ تُفسِّر؟!

قبل الخوض في تفاصيل المباراة يجب التوقف مليا أمام تلك التحفة الفنية التي قدمها الثعلب الفرنسي العجوز على أرضية الميدان، فهناك العديد من الأسئلة حول هذا التشكيل، بعضها قابل للإجابة إن كنت تعرف فينغر جيدا والبعض الآخر لا يسهل إجابته مهما كنت تعرفه.

 

تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)
تشكيل الفريقين وتقييم اللاعبين (هوسكورد)

 

من الوراء إلى الأمام: لماذا يلعب مونريال كقلب دفاع ثالث على حساب شكودران موستافي؟ لماذا تعاقد مع الظهير الأيسر سعيد كولاسيناتش ليلعب بظهيره الأيمن هيكتور بيليرين على اليسار بدلا منه؟ لماذا دائما يرى فينغر ما لا يراه الناس؟ ولماذا لا يرى ما يراه العالم أجمع بدءا من كبار المحللين وصولا إلى أصغر طفل يتحسس خطواته الأولى في عالم الكرة، وهو من قضى ما يفوق عقدين من الزمان في المنصب نفسه؟

 

شاهد فينغر ثنائية "تشاكا – النني" تؤدي بشكل جيد أمام ليستر سيتي، ثم أشرك بعدها ثنائية "تشاكا – رامسي" لتؤدي بشكل أقل أمام ستوك سيتي، أي ثنائية تعتقد أنه سيختارها لمواجهة ليفربول؟ تشاكا والنني؟ هل أنت جديد هنا؟!

 

كل ذلك يقودنا إلى أقوى ألغاز هذا التشكيل بلا منازع بشأن المهاجم الذي أتى مقابل 53 مليون يورو ليجلس على دكة البدلاء في مباراة بتلك الأهمية ولصالح داني ويلبك، داني ويلبك الذي تكاد جماهير مانشستر يونايتد أن تنحت لفينغر تمثالا فقط لأنه خلَّصهم منه، الجوهرة السوداء التي نال الشياطين الحمر مقابلها أغلى 16 مليون جنيه إسترليني في التاريخ بعد أن باعوا لخصمهم الهواء!

 

الشوط الأول: أرسنال لم يصل بعد

على الجهة المقابلة والمناقضة تماما، عمل يورغن كلوب بشكل هادئ على إخفاء عيوب غياب كوتينيو المُصاب افتراضيا في ظهره -أو المريض بحب برشلونة كما قال المعلق يوسف سيف- محتفظا بكامل قوام طريقته رغم فقدانه لظهيره الأيمن أيضا ناثانيال كلاين بالإضافة لإصابة آدم لالانا مطلع الموسم.

 

اعتمد كلوب على الثلاثي هندرسون – كان – فينالدوم في الوسط مستفيدا من تنوع خصائصهم وأدوارهم بين الأول الدفاعي والثالث الهجومي وثانيهم الذي يجمع بين الاثنين. حتى في الدفاع، نجحت رهاناته الصعبة مثل ألبرتو مورينو الذي قدم موسما ولا أسوأ من قبل، وصولا إلى جو غوميز أحد نجوم المباراة، والذي شارك على اليمين بعد طول غياب عُرف خلاله كإحدى صفقات برندان رودجرز غير المفهومة في فترة ما بعد سواريز.

 

النتيجة واضحة للغاية بين الطرفين، اختصارا تقدم ليفربول بالنتيجة 2-0 في الشوط الأول بـ10 تسديدات من ضمنها 4 على المرمى مقابل تسديدتين فقط من جانب أرسنال لم تمس إحداهما مرمى كاريوس، حتى الاستحواذ وعدد التمريرات -أي ما يُفترض كونه جوانب قوة أرسنال- مالت كفتهم لصالح الريدز عبر هذا الشوط.

 

لحظة لعب غوميز للعرضية: 6 من أرسنال مقابل 3 من ليفربول والنتيجة هدف.. لأن أحدا لا يراقب أحدا! (مواقع التواصل)
لحظة لعب غوميز للعرضية: 6 من أرسنال مقابل 3 من ليفربول والنتيجة هدف.. لأن أحدا لا يراقب أحدا! (مواقع التواصل)

 

اكتسح الطوفان الأحمر دفاعات لم يعمل بها سوى كوسيلني تقريبا حتى هرب فيرمينو من وراءه أثناء حيرته بين مراقبته هو أم صلاح، ليتلقى عرضية غوميز ويسجلها بالرأس في شباك تشيك. وهنا وقفة مع هذا المشهد الدفاعي، الزيادة العددية داخل المنطقة لصالح أرسنال تصل إلى الضعف ورغم ذلك أتى الهدف بسلاسة مستفزة.

 

يستمر تظاهر لاعبي أرسنال بأداء واجباتهم الدفاعية حتى يرسل كان بينية عالية قصيرة المدى وسط 4 من لاعبي الخصم  إلى صلاح ليسجل منها هدفه الملغي، وفي خطوة صحيحة نادرة تحرك الثنائي على يسار الجناح المصري ليسقطه في فخ التسلل، ختاما وصلت مرتدة إلى ماني ليطيح بهولدينغ أدراج الرياح ويضعها على أقصى يسار الحارس التشيكي، في استمرار لمسلسل اختراق كلتا الجبهتين المهترئتين لدى مدافع لندن.

 

الشوط الثاني: أرسنال لم يصل بعد أيضا!

استيقظ فينغر على ملحوظة مهمة ومتأخرة للغاية تخبره بأن لاعب وسطه رامسي قد افتك الكرة مرتين من أصل 6 محاولات، وأن دقة تمريراته الخادعة بنسبة 96% أتت من أصل 24 تمريرة فقط ليشرك فرانسيس كوكلين على حسابه، تغيير من شأنه أن يضبط الوسط دفاعيا بشكل أفضل حتى ولو لم يصدر من كوكلين أي تدخل يُذكر!

 

وفي مشهد متكرر بين فريق مندفع للأمام بغرض التعويض أمام خصم يمتلك أجنحة سريعة، هرب صلاح بانفراد من منتصف الملعب يستحق عليه الإشادة من جانبي السرعة والإنهاء، بينما نفذ زميله ماني خدعة على مدافعين ما كان بإمكانهم اللحاق به ولكنه حرمهم حتى من فرصة إخافته بالضغط عبر اعتراض طريقهم، وهكذا أتى ثالث الأهداف.

 

انفراد صلاح بمرمى تشيك - تحرك ماني أمام الدفاع لإعاقته (مواقع التواصل)
انفراد صلاح بمرمى تشيك – تحرك ماني أمام الدفاع لإعاقته (مواقع التواصل)

 

ساءت الأوضاع تماما وبات على المدرب أن يتحرك مرة أخرى، وهنا قرر فينغر أن يبحث عن أفضل لاعبيه أو على الأقل من يحاولون فعل أي شيء، ليخرجهم! أشرك الفرنسي مهاجميه -ومواطنيه- أوليفييه جيرو وأليكساندر لاكازيت دفعة واحدة على حساب تشامبرلين وسانشيز، دعك تماما من تفاصيل ثانوية مثل أن تشامبرلين كان رمق الجبهة اليمنى الوحيد في ظل استمتاع أوزيل بتمشية أقدامه في الملعب، وأن جبهة سانشيز أنتجت 44% من عمل أرسنال الهجومي، وأن داني ويلبك لا يزال في الملعب لسبب لا علاقة له بكرة القدم قطعا!

 

بالطبع لا طائل من محاولة شرح الخطة الجديدة (4-2-1-3) بعودة بيليرين إلى وظيفته كظهير أيمن ومونريال إلى مركزه كظهير أيسر وتموقع أوزيل كصانع ألعاب "خفي" وراء ثلاثة مهاجمين مركزهم الأساسي رأس الحربة، فرغم ذلك لم ينجح أرسنال بالتسديد على المرمى أيضا.

 

مناطق توزيع الهجمات: أرسنال باللون الأزرق يمينا - 44% من هجماته عبر الجبهة اليسرى (هوسكورد)
مناطق توزيع الهجمات: أرسنال باللون الأزرق يمينا – 44% من هجماته عبر الجبهة اليسرى (هوسكورد)

 

تألق بيليرين بسرعته منتزعا كرة ماني من على خط المرمى، قبل لحظات من وقوفه لمشاهدة صلاح يرسل عرضية الهدف الرابع إلى البديل دانييل ستوريدج، لتنتهي الحكاية المأساوية كما ينبغي.

 

لأن المشكلة باتت أوضح من اللازم!

حين بني ملعب الإمارات، اشترط البنك تجديد تعاقده كضمان لتمويل المشروع، لقد بات أرسنال غنيا بفضله، لقد فاز بدوري اللاهزيمة مع الجيل التاريخي، لقد وصل بنا إلى نهائي دوري الأبطال، ما ذنبه؟ الإدارة لا تدعمه، الإدارة لا تنفق لأجله، إنه يعمل وفق المتاح، كفاكم جميعا! أوقفوا هذا الهراء لوهلة..

 

كل ما سبق قد يكون صحيحا، ولكن أحدا لا يبقى في وظيفته بنادٍ يُفترض كونه ضمن الكبار لأن آخر إنجاز حققه قد مر عليه 11 عاما، تلك الإدارة التي لا تدعمه تعتبره ابنا لها بالتبني طوال السنوات الماضية، تلك الإدارة التي بخلت عليه -رغم وضوحها الكامل في تصريح مالك النادي عن أنه لم يشترِ أرسنال ليفوز بالألقاب(1)– منحته المبلغ الذي يريده ليشتري المهاجم الذي ينقصه، نعم المهاجم الذي ماطل لضمه عبر عامين وفي النهاية أجلسه احتياطيا لويلبك.

 

أرسن فينغر مدرب نادي الأرسنال في مباراة الأمس ضد ليفربول والتي انتهت بخسارته بنتيجة 4-0 
أرسن فينغر مدرب نادي الأرسنال في مباراة الأمس ضد ليفربول والتي انتهت بخسارته بنتيجة 4-0 
 

مَن أشرك مونريال في قلب الدفاع وهو يملك موستافي؟ مَن وضع بيليرين على اليسار في تجربة أثبتت فشلها مرارا وتكرارا؟ مَن يسمح لأوزيل بالتجول دون فاعلية؟ مَن ترك ويلبك 90 دقيقة في أرض الملعب؟ مَن أخرج سانشيز من الملعب ومَن أبقاه احتياطيا في المباراة نفسها أمام ليفربول بالموسم الماضي لحساب نفس الويلبك "من أجل أن يلعب كرات طولية"؟ الإدارة؟

 

قدم ليفربول مباراته المثالية على جثة خصم تكالبت طعنات مدربه في قلبه، فهذا السفاح السنغالي ماني يسارا، وهذا صلاح رجل المباراة يمينا، وهذا فيرمينو الذي تعالت منه الشكاوى سابقا رغم كونه أهم عنصر في منظومة كلوب، ثلاثي فرض ضغطا كاسحا من الأمام جعل الخصم يختنق تماما دون أي أمل، كلوب أدار المباراة ببراعة رغم أنه يكاد لا يكون قدم أي جديد، فقط وصل بمنظومته إلى الكمال أمام مثل هذا النوع من الخصوم.

 

أرسنال الذي يفترض كونه قلعة للكرة الهجومية السريعة الممتعة المعتمدة على كفاءة التمرير ودقته ظهر بهذا العجز المُطلق أمام فريق يضغط عليه من الأمام رغم أنه عاش لسنوات يكاد لا يجرؤ خصم على مهاجمته لأنه أحد تلك الفرق التي لا يجب أن تترك لها المساحات، أو كان أحد تلك الفرق، ففي النهاية لا جديد، خرج فينغر بعد المباراة ملخصا هذا الأداء الكارثي بقوله "إذا كنت أنا المشكلة، فأنا آسف"(2).. إذا؟! هل لديك شك في ذلك حقا؟

المصدر : الجزيرة